بحث مختصر لظاهرة الإبتزاز عبر الإنترنت من الناحية القانونية للأستاذ القاضي الذي تم عزله في المغرب محمد قنديل
هل هناك فصل في القانون المغربي يجرم الإبتزاز الجنسي؟
———————————————————————
قبل أن نجاوب على هذا السؤال, سأطرح السؤال التالي ما هو الابتزاز؟
أول ما يجب الإشارة له في هذا الخصوص هو أن “الإبتزاز” كمفهوم يحتاج لتحليل عميق و على مجموعة من المستويات: إجتماعيا, تربويا, نفسيا, بيئيا,قانونيا, شرعيا, ثقافيا و اقتصاديا.
غير أننا لا يمكننا التطرق لجميع هذه المستويات, لعدم اتساع مجال المساهمة لها.
و منه سنحصر هذه المساهمة في المجال القانوني, و لذلك سنتطرق أولا للتعريف اللغوي و الإصطلاحي لكلمة “الإبتزاز”.
أولا : لغويا.
————
بالرجوع إلى معجم المعاني الجامع ستجد أن:
الابتزاز : الحصول على المال أو المنافع من شخص تحت التَّهديد بفضح بعض أسراره أو غير ذلك.
-ابتزَّ المالَ من النَّاس : ابتذَّهم ؛ سلَبهم إيّاه ، نزعه منهم بجفاء وقهر.
-ابتزَّ قرينَه : سلَبَه ، تكسَّب منه بطُرق غير مشروعة محتال يبتزّ جيرانه.
و بالرجوع لقاموس المعاني:
– الابتزاز : الحصول على المال أو المنافع من شخص تحت التَّهديد بفضح بعض أسراره أو غير ذلك.
إبتز منه الشيء : انتزعه ، استلبه.
ثانيا: اصطلاحيا:
—————–
الإبتزاز و الاستبزاز مفهومين لهما نفس المعنى تقريبا, و هو القيام بالتهديد بكشف معلومات معينة عن شخص, أو فعل شيء لتدمير الشخص الذي يتم تهديده, في حالة لم يستجب لمطالب ممارس الابتزاز, حيث غالبا ما تكون المعلومات المستخدمة في عملية الابتزاز ذات طبيعة محرجة للضحية, و يمكن أن تؤدي في بعض الأحيان إلى تدمير حياته الاجتماعية.
و منه يقوم الابتزاز كفعل على مجموعة من الأركان:
– المبتز (الفاعل) و المبتز (المفعول به).
– محل الإبتزاز.
– العملية الرئيسية في الأبتزاز (التهديد).
ما المقصود بجريمة “الابتزاز الجنسي”؟
و من هنا سأستند على مجموعة من الصور التي أوردها الأستاذ Redouane Zarria و هي تعتبر وقائع مادية. و المطلوب في هذه الحالة هو دراستها و تكييفها التكييف القانوني السليم.
—أولا— الواقعة الأولى:
” الابتزاز هو أنواع كما هو معلوم ، ولكن الذي أقصده بالإبتزاز الجنسي هو الجرائم التي كثرت في الأونة الأخيرة والتي أصبح من المعروف عربيا أن المغاربة هم الذين يحتلون الرتبة الأولى فيها … يعني مثلا شاب ينتحل هوية فتاة على الفايسبوك ويقوم بكسب أصدقاء ذكور كثر على الحساب ثم بعد ذلك يحاول توطيد الثقة فيما بينهم ليشرع في استدراج الشاب الى الدردشة المرئية على سكايب ويحاول ان يثيره عبر عرض له مقاطع مرئية لفتيات عاريات (لان هناك برامج تُستعمل لهذا الغرض يعني برنامج يقوم بعرض فيديو من حاسوبك على اساس انه الشخص الذي يشاهده الشاب الاخر) وبعد أن يتعرى مثلا ذلك الشاب بعدما تأثر بالاغراء يصوره الشاب المنتحل لهوية الفتاة ويبدأ بابتزازه كأن يبعث له المال مقابل ان لا ينشر الفيديو في الانترنيت وهذه الطريقة هي المعمول بها وهي التي يصطاد بها الكثير من الشباب هنا في المغرب شبابا خليجيين”
—ثانيا— الواقعة الثانية.
“وكذلك هناك من يرتبط بفتاة في اطار ما يسمى بالمصاحبة يعني العلاقات الغير الشرعية التي تتم طبعا في الانترنيت وبعد مدة توطد اواصر الثقة بينهم ويحصل على صور لفتاة ويبدأ اما بالتشهير بها على الصفحات او ان كانت صور غير اخلاقية يبتزها بها اما ان تكمل معه العلاقة او ينشر لها صورها في النت او مثلا يبتزها بالمال”.

غير أنه قبل التكيف, يجب أن نقارب التسمية الإعلامية للوقائع أعلاه “الابتزاز الجنسي” لغويا و اصطلاحيا, حتى نستطيع وضعها في سياقها القانوني السليم.

و منه يتضح أن الابتزاز الجنسي هو الإبتزاز و لا يختلف عنه في شيء من ناحية الأركان.
و منه سنتطرق لجريمة الإبتزاز في القانون المغربي أو المعروفة في الإصطلاح القانوني المغربي “بجنحة الحصول على المال بالتهديد”, و كما عودتكم الإخوة سأتطرق لإطارها القانوني فقط دون أن أغوص في نظامها القانوني.
——————————————————————————————————
و لدراسة جريمة معينة من حيث الإطار القانوني نعتمد على تحديد أركان الجريمة.
—–أولا—– الركن القانوني:
——————————-
ينص الفصل 538 من القانون الجنائي على أنه “من حصل على مبلغ من المال, أو الأوراق المالية أو على توقيع أو على تسليم ورقة مما أشير إليه في الفصل السابق, و كان ذلك بواسطة التهديد بإفشاء أو نسبة أمور شائنة, سواء كان التهديد شفويا أو كتابيا, يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات و غرامة من مائتين إلى ألف درهم”
و من دراسة هذا الفصل يتضح لنا أن أركان جريمة الحصول على مال بالتهديد قريبة جدا من عناصر فعل الابتزاز.
و بما أن الكلمات المستخدمة واضحة جدا غير أنه يتعين علينا التسطير على كلمة “أمور شائنة” لأنها الكلمة المحورية في جريمة الابتزاز.
بالرجوع لمعجم المعاني الجامع: شائن تعني.
– شائِن: ( اسم ) , فاعل من شانَ
– قَامَ بِعَمَلٍ شَائِنٍ : بِعَملٍ مُخْزٍ ، مُخْجِلٍ
– سُلُوكٌ شَائِنٌ : مَعِيبٌ
– تَفَوَّهَ بِكلاَمٍ شَائِنٍ : بِكلاَمٍ جَارِحٍ ، بِألْفَاظٍ ، بَذِيئَةٍ.
– شَانَ سُمْعَتَهُ : أسَاءَ إلَيْهَا بِالحَطِّ مِنْهَا وَالْمَسِّ بِهَا ، لَطَّخَهَا ، دَنَّسَهَا ، عَابَهَا ، شَوَّهَهَا.
و منه تكون الأمور الشائنة كل الأشياء التي تسيء لشخص معين و ذلك بالمس بسمعته بالحط منها أو تلطيخها أو تدنيسها أو تشويهها بعمل مخز أو مخجل أو مخل بالآداب.
——————————————————————————————————
—–ثانيا—– الركن المادي للجريمة:
—————————————–
هذا النص القانوني (الفصل 538 من القانون الجنائي) يهذف لحماية ما يسمى “حرية الإرادة” و ذلك لكون الضحية عندما يتعرض للتهديد لا يملك حرية الإختيار. و هذا ما جعل المشرع ينص على هذا الفصل في باب السرقة, رغم أننا نرى خلاف ذلك, و هو جعله في باب جريمة التهديد.
كما أن جريمة “الابتزاز” و ذلك بالحصول على المال بالتهديد تتكون من عنصرين أساسيين هم “محل الإعتداء على حرية الإرادة” و “وسيلة الإعتداء عليها”
و أول ما يجب الإشارة له هو أن الجريمة أعلاه تدخل في زمرة الجرائم المادية و ليس الشكلية.
و الجريمة المادية أو ما يصطلح عليها أيضا في الفقه الجنائي جريمة النتيجة و هي تتطلب لقيام ركنها المادي قيم الفاعل بنشاط إجرامي و تحقق نتيجة إجرمية عن هذا النشاط.
1) محل الإعتداء على حرية الإرادة:
—————————————
و بالرجوع للفصل المذكور أعلاه فإننا نتكلم عن الحصول على:
– “المال”أو “الأوراق المالية”,
-أو “توقيع أو تسليم ورقة مما أشير إليه في الفصل السابق” (الفصل 537 من ق ج): و هنا نتكلم عن “محرر” أو “عقد” أو “سند” أو “أي ورقة أخرى تتضمن أو تثبت إلتزاما أو تصرفا أو إبراء”.
و هذا المحل هو الذي جعل المشرع المغربي يجعل جريمة الإبتزاز في باب السرقة, و ذلك لأن الجاني يهذف إلى الاستيلاء على مال المجني عليه.
ما هو المقصود بالمصطلحات المذكورة أعلاه؟
سنحاول الجواب باختصار.
– المال: لغة, و باختصار هو كل ما يتمول وتميل إليه النفس.
اصطلاحا, هو كل ما يمكن حيازته ويمكن الانتفاع به على الوجه المعتاد شرعا , و يلاحظ من هذا التعريف شموليته لكل أصناف الأموال, حيث لايقتصر مفهوم المال على العملات النقدية فحسب.
– الأوراق المالية: بدون الدخول في التفاصيل, هي الأسهم والسندات التي تصدرها شركات المساهمة والدولة والتي تقتنيها بقصد الحصول على عائد يتمثل في نسبة من الربح بالنسبة للأسهم أو الفائدة السنوية بالنسبة للسندات.
– توقيع أو تسليم:
+ محرر: أي شيء مكتوب “مَكْتُوبٌ” و يأخذ على عمومه, و يدخل في هذا الإطار كل ما يمكن تصور تحريره و كتابته. مثال (مقال صحفي, كتاب علمي أو قانوني, أطروحة, رسالة, بحث, … عقد, التزام , اتفاق, حكم قضائي, وثيقة عدلية, وثيقة توثيقية, ….).
+ عقد: بدون الدخول في التفاصيل القانونية, هو توافق إرادتين أو أكثر على تحقيق أثر قانونى معين، هذا الأثر قد يكون إنشاء التزام أو نقله أو تعديله أو إنهائه. غير أن الفصل هنا يتكلم عن عقد محرر كتابي و ليس شفوي, بحكم الإشارة إلى التوقيع و التسليم و هما هنا يوضحان المفهوم المادي و الملموس و بالتالي نتكلم عن التحرير.
– سند: و هنا مكمن الخلل حيث أن كلمة سند في القانون المغربي تجد لها أكثر من أساس قانوني و بالتالي تواجدها في الفصل في حد ذاته يجعل تعريفها من أصعب ما يكون. غير أننا سنتبنى التعريف البسيط جدا لها و لن نعقد الأمور. و هو محرر يثبت المديونية (سند الدين) و هذا بالإستناد على مقتضيات المادة 155 من قانون المسطرة المدنية على أنه ” يمكن إجراء مسطرة الأمر بالأداء في كل طلب تأدية مبلغ مالي ……. مستحق بموجب سند أو اعتراف بدين ” كذلك في القانون المغربي هناك دعوى طرد محتل بدون سند, و هنا أيضا يمكن القول أن السند هو ذلك المحرر الذي يعطي لشخص معين حق على عقار معين. و مصطلح السند كلما توغلنا فيه كلما زاد تعقيده, لذلك سأكتفي بهذا القدر, لكي لا أخل بمبدأ الإختصار.
– أية ورقة أخرى تتضمن أو تثبت إلتزاما أو تصرفا أو إبراء: ابتدأ المشرع بمفهوم المحرر و هو شامل و يمكن أن يكون على أي حامل كيفما كان (الخشب, الحديد, الزجاج, حتى إلكتروني أو معلوماتي …) و يختمها بمفهوم “الورقة” و لكن بشرط أن تتضمن أو تثبت إلتزاما أو تصرفا أو إبراء. و الأمثلة لا حصر لها.
2) وسيلة الإعتداء على حرية الإرادة.
—————————————–
و من هنا يمكن القول استنادا على الفصل موضوع المساهمة أن هناك صورتين من صور الإعتداء: “التهديد بإفشاء أمور شائنة” و “نسبة أمور شائنة”.
– التهديد بإفشاء أمور شائنة:
——————————–
في هذه الصورة عنصر الإعتداء يعتمد على فعل التهديد, و هو باختصار, اكراه معنوي يتميز بالضغط على إرادة المجني عليه و يرغمه على تسليم محل الإعتداء. و يمكننا القول بأن هذا الإكراه يتمثل الوعيد “بإفشاء أمور تأثر بشكل سلبي على حياة المجني عليه (الشخص الذي يتعرض لعملية الابتزاز) أو على أحد المقربين منه, و ذلك بإفشاء (إي إظهار) حقيقة معينة, تسبب الإحراج أو الخجل أو العار أو تشوه سمعة هذا الأخير.

و أضاف الفصل أنه كيف ما كان التهديد (وسيلة التهديد), شفويا أو كتابة: و يتحمل التهديد هنا مجموعة من الصور التي لا يمكن حصرها.
و من بين صور “الأمور الشائنة” :
– العلاقات الجنسية كيفما كانت (شرعية أو غير شرعية), كمن يسجل فيديو لزوج مع زوجته في فراش نومهما و يهددهما بواسطة رسائل نصية عن طريق الهاتف بنشر التسجيل في الأنترنيت. أو فيديو لرجل مع إمرأة لا تربط بينهما أي علاقة يقومان بنفس أفعال المتزوجين. و من هنا يتضح ليس شرعية الفعل هي المرجع للجريمة و لكن إظهار ما لا يجب إظهاره, و من هنا تكلم النص عن إفشاء أمور شائنة أي مخجلة و محرج. فلا يوجد أي شخص محترم أن تشاهد زوجته أو هو أثناء ممارسة المعشرة الشرعية.
– الصور الفاضحة: و هنا يمكن أن نتحدث عن النسبية, بحسب مفهوم الفضح عند الضحية, ففمثلا شابة ترتدي الحجاب ليست كمن لا ترتضيه, فبالنسبة لصاحبة الحجاب فإن الصورة التي تظهر فقط شعرها فهي بالنسبة لها صورة فاضحة و ترفضها بجميع المقاييس, أما الفتاة المتحررة فالفاضح بالنسبة لها يرتبط بمدى تحررها فكلما زاد تحررها إنتفى عندها الركن الفاضح إلى أن يصل لدرجة تمثيل الأفلام البورنوغرافية بشكل صريح. نستخلص من هنا أن التهديد بإفشاء “الأمور الشائنة” يجب تصوره من جهة حسب “تصور الضحية”, و من جهة أخرى “تصور المجتمع” الذي تعيش فيه الضحية.

– مجملا إن كل تصرف يقوم به المرأ و يرفض الإعتراف به داخل المجتمع لأنه يعلم أنه غير مقبول من قبل هذا الاخير أو يمكن أن يسبب إحراج للضحية رغم قبوله من المجتمع, فإنه يدخل في زمرة “الأمور الشائنة”.
– نسبة أمور شائنة:
——————————–
و الفرق ما بين التهديد بإفشاء أمور شائنة و نسبتها, أنه في الصورة الأولى نتكلم عن إظهار حقيقة مخجلة للمجني عليه, أما عندما نتكلم عن النسبة, فهنا نتكلم عن نشر أمور غير حقيقية غير أنها محرجة و يمكن أن تسبب ضررا معين للمجني عليه بحكم تداولها في المجتمع بأي وسيلة.

و من بينها: أن يلجأ الجاني لتركيب صورة فاضحة لشابة معينة و يقوم بتهديدها بالنشر إذا لم تنفذ طلباته, غير أن الملاحظة هنا أن الطلب يجب أن يصب في إطار محل الإعتداء.

و لكن إذا طلب منها إقامة علاقة “صحبة” أو “جنسية” فهذا يخرج عن إطار هذا الفصل, و من هنا نرسل نداء للمشرع لتدارك هذا التقصير لحماية أبنائنا و بناتنا.

غير أني أخبرك أختي الكريمة إذا تعرضتي لمثل هذه الحالة يمكنك تقديم شكاية بالتحرش الجنسي, و سنعود لمناقشتها بتفصيل و بالضبط عنصر “استغلال السلطة التي تخولها له مهامه”.

و لا ننسى أنه لكي يكتمل الركن المادي لابد من قيام شرط العلاقة السببية بين التهديد و التسليم, و هنا نتكلم عن “نتيجة الجريمة”. حيث يجب أن يكون التسليم نتيجة الخوف الذي أحدثه التهديد. لكن إذا لم يتأثر المجني عليه و سلمه المال نتيجة لإعتبارات أخرى, فعل الجريمة قائمة أو لا؟.

مثال : محمد أقرض مصطفى مبلغ من المال, فرفض مصطفى إرجاع المال لمحمد, فقام محمد بتهديد مصطفى بأنه سيفضحه أمام الجيران إذا لم يسلمه مبلغ الدين, في نظركم هل شروط جريمة الابتزاز قائمة؟؟؟؟ أترك الجواب للنقاش.
———————————————————————————————————–ثالثا—– الركن المعنوي:
——————————–
هذه الجريمة من الجرائم العمدية, يلزم لقيامها القصد الجنائي, أي علم الجاني بأن ما يصدر عنه من أفعال يشكل تهديد للضحية. و علمه بأن “محل الإعتداء” ليس له الحق فيه. كما تتطلب هذه الجريمة قصد خاص يتمثل في نية تملك الجاني مال الضحية.
كما يجب الإشارة لكون لا عبرة بالبواعث (الأهداف) التي حركت المتهم للحصول على المال.
و من هنا نطرح السؤال الثالي إذا لم يكن القصد الخاص متجه لنية التملك بل فقط للاستعمال ثم من بعد ذلك يرجعه للضحية هل تقوم الجريمة أو لا ؟
مثال: مصطفى هدد محمد بفضح بعض أسراره إذا لم يقم باقراضه مبلغ من المال لانقاد ابنه من الموت. هل أركان الجريمة قائمة نعم أو لا؟
و منه بأن الواقعتين المذكورتين يقعان تحت طائلة الفصل 538 من القانون الجنائي.
و في النقاش نبرز أمور أخرى.
و ما توفيقي إلا بالله.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت