بحث واسع جدا عن التفويض الإداري عدة مقالات في مقال واحد .

المقال الأول

التفويض الإداري هو إجراء وقتي يقوم به المدير من أجل تخفيف الأعباء الملقاة عليه، وذلك بإعطاء غيره صلاحيات التصرف واتخاذ القرارات المناسبة في شأن محدد ومعين.

* ـ شروط التفويض الإداري هي :

1- إرتباط السلطة بالمسؤولية، حيث لا يمكن إعطاء المرؤوس سلطة دون تحميله بالمسؤولية عن ممارسة تلك السلطة.
2- إرتباط السلطة المفوضة بقدرات المرؤوس وخبرته، حيث لا يمكن تحميل المرؤوس أباء ممارسة السلطة في أمور غير مدرب عليها، ولا تتوفر له الخبرة فيها.
3- إرتباط التفويض بخطة متكاملة وواضحة في ذهن المدير الماهر لتنمية مرؤوسيه، ولإعدادهم للوظائف والمسؤوليات الأكبر، كما أن التفويض يجب أن لا يكون قراراً إنفعالياً غير مبنى على تقييم موضوعي لقدرات المرؤوس وإمكانياته، وتصور خط التقدم الوظيفي المناسب له.
4- استمرار مسؤولية المدير الذي فوض سلطته إلى بعض مرؤوسيه، فلا يزال هو المسؤول الأول والأخير عن مباشرة تلك السلطات، وما يترتب عليها من نتائج.
5- أن التفويض هو إجراء مؤقت، ومن ثم لا بد من تحديد المد الزمنية التي يفوض فيها المرؤوس بعض صلاحيات رئيسه، وفى حالة الرغبة في استمرار التفويض يكون الإجراء السليم هو نقل السلطة من المرؤوس لتصبح مرتبطة بوظيفته هو، وليس بوظيفة رئيسه.
6- أيضاً يجب أن يكون التفويض محدد من حيث مدى السلطة ومجالات استخدامها، فليس التفويض تصريحاً مفتوحاً للمرؤوس باستخدام الصلاحية المفوضة بلا قيد أو حد، بل هو محدد بالمجالات والقواعد التى ينص عليها في قرار التفويض.

======================
المقال الثاني
======================

التفويض الإدارى

يعنى التفويض الإدارى فى مفهومه العام أن يعهد رئيس إدارى بجانب من اختصاصاته إلى بعض مرؤوسيه ، يمارسونها تحت رقابته ، ومع عدم تخليه عن هذه الاختصاصات .
ومعنى ذلك أن التفويض يكون من رئيس إدارى إلى أحد أو بعض مرؤوسيه أى أنه تفويض إلى أسفل ، على أن التفويض يمكن أيضاً أن يكون إلى موظف إدارى فى مستوى مماثل لمستوى الرئيس الذى يفوض ، والتفويض من ناحية أخرى لا يعنى التنازل أو التخلى عن الاختصاص ، فالرئيس المفوض يحتفظ بالحق فى ممارسة العمل الذى كان محلاً للتفويض، ويتمتع بحق متابعة أعمال المرؤوس المفوض ومراقبتها ، ويظل مسئولاً عن هذا الاختصاص أمام رؤسائه ويجوز له فى أى وقت سحب التفويض أو انهاؤه أو تعديله .
والتفويض بذلك أسلوب لتوزيع السلطة الإدارية وتقليل التركيز الإدارى ، على أنه يختلف عن إجراءات قد تقترب منه ، كالحلول والإنابة والوكالة .. الخ ، على ما سنرى .
والتفويض كعملية إدارية يتحلل إلى عدة عناصر ، وتتمثل هذه العناصر التى يتكون منها التفويض ، والمتضمنة فى مفهومه ، فى ثلاث : واجبات تسند إلى المرؤوس ، وسلطة تمكنه من أدائها ، ومسئوليته عن هذا الأداء تجاه الرئيس .

اولاً :- عناصر التفويض

1- الواجبات Duties :
بمقتضى التفويض يعهد الرئيس إلى المرؤوس بأداء واجبات معينة ، سواء فى صورة نشاط يؤديه أو فى صورة نتائج محددة ليعمل على تحقيقها ، وميزة هذه الطريقة الثانية أنها توضح للمفوض إليه مهمة واضحة محددة ، وتحمله على أن يبذل قصارى جهده للوصول إلى النتيجة وتمكن الرئيس وأجهزة الرقابة من التعرف على مدى ما تحقق من إنجاز للأهداف والنتائج المطلوبة على أن استخدام هذه الطريقة يتطلب أن تكون نتائج الأعمال قابلة للقياس .

2- السلطة :

فأداء الواجبات الموكولة إلى المرؤوس يقتضى تزويده بالسلطة التى تمكنه من إنجازها ، وبدون إعطاء المفوض بواجب معين القدر من السلطة المناسبة ، فلن يستطيع القيام به ، ولا يقتصر مدلول السلطة على السلطة القانونية التى تتمثل فى القدرة على إصدار قرارات ملزمة ، وعلى توقيع الجزاء عند مخالفتها .. وإنما تشمل كذلك سائر الإمكانيات المادية والبشرية اللازمة للإنجاز . فيدخل فى نطاقها توفير الاعتمادات المالية ، وتهيئة مكان وأدوات العمل ، والعدد اللازم من الموظفين ، إلى جانب سلطة إصدار القرارات الملزمة وتوقيع الجزاءات .
وإزاء لزوم السلطة لإنجاز الواجبات .. فإن تفويض الواجبات وتفويض السلطة يتلازمان وجوداً ، والأصل كذلك أن يكونا متلازمين مقداراً . إذ يلزم أن تكون السلطة المفوضة على قدر الواجب المفوض حتى يتمكن المفوض إليه من أدائه على خير وجه ، على أن مقدار السلطة اللازم يختلف بحسب شخصية المرؤوس المفوض إليه ، فمرؤوس يتمتع بالكفاءة والصفات القيادية يستطيع بكفاءته أن يسد النقص فى سلطاته .. بينما صاحب سلطة آخر لا يعرف – رغم كفايتها – كيف يستعملها أو يتهيب استعمالها ، فتبدو غير كافية .

3- المسئولية :
مع التفويض تظل مسئولية الرئيس عن العمل ، كما تتولد عن التفويض مسئولية جديدة على عاتق المفوض إليه تجاه الرئيس ، فالرئيس يظل مسئولاً عن العمل الذى فوضه : يملك إنهاء التفويض ، ويكون مسئولاً عن إنجاز المرؤوس ، ومن هنا قيل إن المسئولية لا تفوض ولا تتأثر بالتفويض ، وعلى ذلك .. فإن التفويض ينصرف إلى الواجبات والسلطة .
وبقاء مسئولية الرئيس أمر منطقى طالما أنه هو الذى رغب فى التفويض ، وطالما أنه يملك تعديله وتقييده ، أو إنهاءه ، ولذا .. تستمر مسئولية الرئيس ولو أخطأ المرؤوس فى استعمال السلطة المخولة له ، فإن رئيسه يكون مسئولاً عما يترتب على هذا الخطأ أمام المنظمة باعتبار أنه لم يحسن التقدير بتفويض سلطات لا تتناسب والقدرة الفعلية للمرؤوس ، ولأنه لم يحسن الإشراف على مباشرة المرؤوس للسلطات المفوضة له على الوجه السليم ، و طالما أن حسن التفويض هو أحد الجوانب الأساسية لسلطة الرئيس .وللرئيس أن يعيد النظر فى التفويض الممنوح منه طبقاً لمدى نجاح العمل ، وطبقاً لحسن مباشرة السلطات المفوضة لهم ، والقول بأن التفويض يشمل الواجبات والسلطة والمسئولية ، يكون من شأنه – فى الواقع – نقل الاختصاص ذاته من وظيفة أخرى بما يخل بالتسلسل الإدارى ، ويغير من وضع وظيفة كل من الرئيس والمرؤوس .
فالتفويض يعنى أن يعهد الرئيس إلى المرؤوس بجزء من اختصاصاته ، يمارسها تحت إشراف الرئيس ، ومسئوليته ، والتفويض – من ناحية أخرى – تتـــــولد عنه مســــئولية جــــديدة ، هى مسئولية المرؤوس ، أى المفوض له ، تجاه رئيسه ، وتكون هذه المسئولية على قدر السلطة المفوضة، وليس على قدر الواجبات موضوع التفويض ، وإذا جاز للمرؤوس أن يفوض السلطة المفوضة إليه ، وإذا تكرر ذلك فى المستويات الأدنى .. فإن كل مرؤوس يكون مسئولاً عن السلطة المفوضة إليه تجاه رئيسه ، ويكون كل رئيس مسئولاً عن إنجاز كل المسئولين فى المستويات الأدنى مهما توالت ، وعلى ذلك .. يكون الوزير مثلاً مسئولاً عن العمل أصغر موظف فى وزارته ، وإن لم تكن هذه مسئولية جنائية أو مدنية .. فإنها يمكن أن تثير المسئولية الإدارية ، والمسئولية السياسية ( أمام البرلمان فى صورة توجيه أسئلة واستجوابات ، وسحب ثقة .. الخ ) ، وفى القليل مسئولية أدبية .

ثانياً – قواعد التفويض :
يمكن إجمال القواعد والأحكام العامة والأساسية للتفويض فيما يلى :

1- الأصل فى التفويض أن يكون جزئياً ، وذلك نتيجة أن الاختصاص هو وظيفة ، وليس حقاً ، أو امتيازاً شخصياً حتى يتنازل الرئيس عن ممارسة اختصاصه لغيره ، ولذا فإذا جاز التفويض .. فإنه يلزم أن يكون فى مسائل معينة ، أما التفويض الشامل فإنه يكون تخلياً من الرئيس عن اختصاصه .
وللتفويض ( الجزئى ) صور وأشكال مختلفة ، فقد يأخذ شكل التفويض الكامل للسلطة ( فى مسألة أو مسائل معينة ) أى دون وضع قيود أو ضوابط على سلطة المرؤوس ، وقد يكون تفويضاً بجزء من السلطة، كالتفويض الذى يقتصر على مهمة التحضير أو الإعداد ، أو التفويض المقترن بوجوب الرجوع إلى الرئيس للحصول على الرأى أو التوجيه فى الأمور الهامة .

2- النص الآذن بالتفويض ، حيث يلزم لإجراء التفويض وجود نص قانونى يأذن به ، وذلك باعتبار أن الأصل هو الممارسة الشخصية للاختصاص الذى حدده القانون ، فلا يجوز لصاحب الاختصاص أن يفوض فيه ما لم يرد نص يأذن به ، وهذا المبدأ مطبق فى مصر وفرنسا .. أما فى الولايات المتحدة الأمريكية فإن الأصل هو جواز التفويض من مدير المنظمة ، ما لم يمنعه من ذلك نص خاص ، ويرجع ذلك إلى اختلاف أساس التنظيم الإدارى الأمريكي واختلاف مفهوم التفويض بالتالى .
فالتنظيم الإدارى بالولايات المتحدة الأمريكية يقوم على تركيز السلطة الإدارية فى رئيس الجمهورية ، فالرئيس الأمريكى هو صاحب السلطة التنفيذية تتجمع فيه اختصاصاتها والوحدات الإدارية الأخرى تحوز اختصاصات مشتقة من اختصاصاته ، ويتمتع رؤساء تلك الوحدات بسلطتهم بتفويض منه ، هذا مع استثناء الهيئات المستقلة التى تتبع الكونجرس وليس الرئيس وكذلك يستمد الموظفون فى داخل الوزارات سلطتهم من الوزير بتفويض منه ، سواء فى ذلك موظفو العاصمة أو الفروع فى الأقاليم . وليس هناك ما يمنع – بالطبع – من أن يصدر قانون خاص يخول بعض السلطات مباشرة إلى بعض فئات الموظفين ، إلا أن الأصل أن السلطة الإدارية فى الأجهزة الإدارية الأمريكية تتركز قانوناً ، وبصفة عامة فى يد رئيس الجهاز ، ويستمد مرؤوسوه اختصاصاتهم عادة بتفويضات من الرئيس ، وليس من القانون مباشرة.

3- تفويض التفويض : من المتفق عليه –بصفة عامة – أنه لا يجوز للمرؤوس المفوض إليه أن يعيد تفويض السلطة المفوضة إليه إلى من هم أدنى منه فى هيكل السلم الإدارى ، ذلك لأن الرئيس الإدارى يفوض جزء من سلطاته ليباشر تحت إشرافه ، ويظل مسئولاً عن ممارسته ، ولذا .. فمن المنطقى ألا يتوالى التفويض حتى لا تتأثر قدرة الرئيس على المتابعة و الإشراف والتوجيه ، وحتى لا تضيع المسئولية بين عدد من الإداريين ، كما أنه يلزم حتى ينجح التفويض ويحقق الغرض منه أن يراعى الرئيس – قبل إجراء التفويض – مدى كفاءة المرؤوس المفوض إليه وقدرته على أداء الواجبات واستخدام السلطات المفوضة إليه ،وهذا يقتضى ألا يقوم المرؤوس بتفويض الاختصاصات المفوضة إليه إلى غيره .

على أن كتاب الإدارة العامة يجيزون للمرؤوس تفويض غيره فيما فوض فيه ، إذا صرح له بذلك فى قرار التفويض الصادر له .
ومن ناحية أخرى .. فإن ذلك لا يمنع المرؤوس المفوض إليه من أن يلجأ هو بدوره إلى تفويض بعض سلطاته الأصلية للأسباب التى تدعو إلى التفويض ، خاصة وأنه قد ينوء بمباشرة جميع سلطاته الأصلية ، علاوة على السلطات المفوضة إليه .

4- عدم جواز التفويض فى المسائل الهامة : يذكر كتاب الإدارة العامة عدة موضوعات يجب على الرئيس الإدارى الأعلى أن يمارسها بنفسه ، بحيث لا يجوز التفويض فيها ، ومنها المسائل المالية ، والتصرف فى الميزانية ، وتوزيع بنودها ، واقتراح التغيير فى السياسة العامة للمنظمة ، والتغيرات الكبرى فى طرائق العمل وإجراءاته ، والتعيين فى الوظائف الأساسية والكبرى فى الإدارة ، ورفع التقارير والتوصيات إلى الجهات العليا ( كرئيس الدولة والبرلمان ) ، والتصديق على قرارات المرؤوسين المباشرين فى الحالات التى تحتاج إلى تصديق ، والنظر فى التظلمات من تصرفاتهم ، والقرارات الكبرى المتعلقة بالتنظيم الداخلى للمنظمة أو بعلاقاتها بالمنظمات الأخرى .

على أن هذه الموضوعات التى لا يجوز التفويض فيها لا يمكن تحديدها على سبيل الحصر ، وهى أمور نسبية تختلف من منظمة إلى أخرى ، بل تختلف داخل المنظمة الواحدة تبعاً لظروفها وظروف البيئة التى تعمل فيها . ولا يمكن القول بأن الموضوعات المذكورة تستعصى كلها بحسب طبيعتها ، وفى كل الظروف على أن تكون محلاً للتفويض.

5- وضوح حدود التفويض: يجب أن يكون التفويض واضحاً ومحدداً حتى يكون المرؤوس متفهماً لواجباته وسلطاته ومسئولياته . وهذا من شأنه منع النزاع أو سوء الفهم عند ممارسة السلطات المفوضة ، وذلك بإرساء أسس علاقات واضحة محددة سواء بين الرئيس والمرؤوسين أو بين المرؤوسين المفوض إليهم بعض الاختصاصات فيما بينهم ، أو بين المنظمة والجمهور أو المنظمات الأخرى . ولذا يستحسن أن يكون التفويض كتابياََ لا شفوياً ، وإذا ما تكشفت الممارسة عن أخطاء أو قصور أو غموض فى التفويض ، كان على الرئيس إعادة النظر فى التفويض وتعديله لإصلاح الأخطاء أو جلاء الغموض ، كما أن له أن ينهى التفويض إذا وجد أن المصلحة العامة تقتضى ذلك ، أو لعدم قدرة المرؤوس على مباشرة السلطة المفوضة إليه ، أو إن أساء استعمالها .

6- التفويض من أعلى إلى أسفل : بمعنى أن التفويض بطبيعته هو تخويل الرئيس بعض سلطاته لمن هم أدنى منه فى التدرج الإدارى ، وذلك تخفيفاً للتركيز الشديد للسلطات عند قمة الجهاز الإدارى حتى يتفرغ الرئيس لأداء مهامه الرئيسية متخففاً من الأعمال الأقل أهمية التى قد تعوقه عن أداء تلك المهام الرئيسية ، ولذا .. يكون التفويض من أعلى إلى أسفل ، عــلى أنه يمكن أحياناً أن يكون التفويض لمن هو فى مستوى مماثل لمستوى الرئيس المفوض .

إلا أنه لا معنى لأن يكون التفويض من أسفل إلى أعلى ، أى من المرؤوس إلى رئيسه ، خاصة وأن التفويض يفترض – على ما تقدم – استمرار مسئولية الرئيس عن ممارسة الاختصاص المفوض ، وهو ما يعنى حقه فى المتابعة والإشراف والتوجيه والرقابة ، وهى أمور لا يتصور الاعتراف بها للمرؤوس على أعمال رئيسه ، وليس من المحتم أن يكون التفويض للمرؤوس المباشر ، أى للمستوى الأدنى فى هيكل السلم الإدارى . فليس ثمة ما يمنع من أن ينزل التفويض عن هذا المستوى ، وذلك نظراً لقلة أهمية المسألة موضوع التفويض ، وللسرعة الواجبة فى اتخاذ القرار ، ومدى اتصال المرؤوسين فى مستوى معين بجمهور المنتفعين بخدمات المرفق ، وإلمامهم باحتياجاته ، وبالحقائق التى تمكنهم من اتخاذ القرارات . فالقرارات ينبغى أن تتخذ أقرب ما يمكن إلى موضع التنفيذ ، فضلاً عن مراعاة مدى قدرة المرؤوس المفوض إليه ومهارته الشخصية وكفاءته ، كما يكون نزول التفويض – على هذا النحو – مقبولاً بالنسبة للإدارات الخارجية للوزارة ، فيفوض الوزير بعض اختصاصاته إلى رؤساء ومديرى الإدارات التابعة لوزارته فى الأقاليم ، تحقيقاً للسرعة والقرب من منبع الحاجة بالنسبة لبعض القرارات .

على أنه أيا كان الأمر .. فإنه يجب أن يحدد المستوى الذى ينزل إليه التفويض أو الذى يجب أن يقف عنده بالدقة الكافية ، كما يجب مراعاة المبادئ الأساسية للتنظيم والإدارة العامة ، ومنها فى هذا المقام مبدأ وحدة الرئاسة ، فينبغى ألا يؤدى التفويض إلى تعدد الرئاسات ، بالنسبة للمرؤوس الواحد إلا فى أضيق الحدود وذلك أن من مبادئ التنظيم وحدة الأمر الذى يعنى أن المرؤوس يجب أن يتلقى أوامره من رئيس واحد ، منعاً لوقوع التضارب أو التعارض فى الأوامر الصادرة إلى نفس المرؤوس ، وعلى ذلك .. ففى حالة التفويض الصادر من رئيس إلى مرؤوس لا يليه مباشرة فى خط السلطة .. فإنه يلزم ألا يرد هذا التفويض على أمور تتصل بنطاق واجبات أو سلطات الرئيس المباشر للمفوض إليه ، فمثل هذا التفويض لا يؤدى فقط إلى الخروج على مبدأ وحدة الرئاسة والأمر ، حيث يتلقى المرؤوس الأوامر من رئيسه المباشر ومن الرئيس الأعلى .. بل قد يترتب عليه قلب نظام تدرج السلطة ، بإعطاء المرؤوس – عن طريق التفويض – سلطة أعلى أو سلطة رقابية على رئيسه المباشر.

7- مراعاة مبادئ التنظيم الإدارى : بصفة عامة إنه يلزم فى التفويض ( حتى ولو كان للمرؤوس المباشر ) عدم التعارض مع المبادئ العامة للتنظيم الإدارى ، ومنها وحدة الرئاسة والأمر ، فيجب ألا يؤدى التفويض إلى تعدد الرئاسات ، بالنسبة للمرؤوس الواحد ، إلا فى أضيق الحدود ، على ما تقدم ، ويتعارض مع هذا المبدأ أن يتلقى المرؤوس تفويضاً من جهتين رئاسيتين بشأن عمل واحد ، ولذا .. فإنه لا يجوز أن يفوض المرؤوس من قبل أكثر من رئيس إلا في أضيق الحدود ، نظراً لما يترتب عليه من اضطراب العمل وارتباك المرؤوس إزاء أوامر قد تكون متناقضة ، علاوة على ما قد ينشب من خلاف بين الرئيس الأعلى والرئيس المباشر ، بشأن عدم تنفيذ تعليمات كليهما.
ومن ناحية أخرى .. إذا تعددت التفويضات من الرئيس الواحد لأكثر من مرؤوس وجب التنسيق بينهم ، بحـــيث يختص كل منهم بقطاع معين أو بقطاعات متكاملة ، أو بمنطقة معينة ، منعاً لتضارب الاختصاصات أو ازدواج الأنشطة .

ثالثاً – معوقات التفويض :
يقابل التفويض في العمل صعوبات ومشاكل تقلل من الإفادة منه . وقد تمنع تحقق مزاياه .. بل قد تجعله يتمخض عن مساوئ ومضار لعمل المنظمة الإدارية ، وإن لم يتم معالجة تلك المعوقات ، ومن هذه المعوقات ما يرجع إلى الرئيس الإدارى ، ومنها ما يرجع إلى المرؤوس ، ومنها ما يرجع إلى عوامل وظروف أخرى ، وهو ما نبينه فيما يلى :

معوقات ترجع إلى الرئيس الإدارى :

وتتمثل أهم تلك المعوقات فيما يلى :
1- ميل بعض الرؤساء الإداريين إلى الاستئثار بالسلطة وعدم تفويضها بسبب حب السيطرة ، أو روح الأنانية والخوف من أن يضعف التفويض مركزهم في المنظمة ، أو الحرص على المسائل الصغيرة لعدم قدرته على التصدى للمسائل الكبيرة .
2- عدم الثقة في المرؤوسين ، وعدم الاطمئنان إلى قدرتهم على أداء العمل المفوض إليهم على خير وجه ، سواء كان ذلك عن اعتقاد خاطئ ، أو كان راجعاً إلى عدم تدريب المرؤوسين على تحمل المسئوليات الجديدة.
3- الجهل بأحكام وقواعد التفويض ، وعدم إدراك مزاياه وفوائده ، ” والناس أعداء ما جهلوا “.

معوقات ترجع إلى المرؤوسين :

1- ضعف بعض المرؤوسين ، وعدم ثقتهم في النفس .. مما يدفعهم إلى رهبة الرؤساء وتقديسهم ، والرجوع إليهم في كل الأمور ، تهيباً وخوفاُ من المسئولية ، وهو سلوك يغرى بعض الرؤساء بالتمسك بالسلطة وتوسيع دائرة السيطرة على المرؤوسين .
2- ضعف ثقة المرؤوسين في رؤسائهم وعدم اطمئنانهم إلى مسلكهم ، وهذا ما يدفع المرؤوسين إلى السلبية والاستكانة خوفاً من تصيد الرؤساء لأخطائهم . وعدم الثقة في تخويل الرؤساء لهم السلطة الكافية لأداء الواجبات المفوضة .
3- كثرة أعباء المرؤوس في عمله الأصلى ، أو كثرة أعبائه الخارجية التى قد تشغله خاصة إذا كانت مجزية له من الناحية المادية أو الأدبية ، هذا فضلاً عن مشاكله الاجتماعية أو الصحية .
4- المفاهيم والسلوكيات الخاطئة كالرغبة في الاحتفاظ بالصداقة مع الزملاء في العمل ، مما يدفع بعض المرؤوسين إلى التردد في قبول التفويض بما يخوله من سلطة وما يفرضه من أعباء .
5- عدم وجود نظام للحوافز المادية أوالأدبية يشجع المرؤوسين على قبول الأعباء الجديدة ومسئولياتها .

معوقات مختلفة :

وإلى جانب المعوقات والصعوبات المتقدمة ، توجد صعوبات متفرقة لا ترجع إلى الرؤساء أو المرؤوسين وحدهم . ومن أهم هذه المعوقات والصعوبات الاعتبارات السياسية المختلفة ، ومدى تأثيرها على سير الإدارة العامة ، وعدم إدراك المبادئ الأساسية للتنظيم والإدارة العامة وطبيعة عمل المنظمة الإدارية ومدى حاجاتها إلى التفويض ، وحجم المنظمة الإدارية ، فالمنظمة الإدارية الكبيرة تكون في حاجة أكبر من المنظمة الصغيرة لعملية التفويض للقضاء على التركيز في السلطات ، وما يسببه من تعقيدات ومشاكل .

رابعاً – علاج معوقات التفويض :
يمكن إجمال أهم وسائل العلاج فيما يلى :

( أ ) علاج المعوقات الراجعة إلى الرؤساء :
1- ضرورة العمل على تغيير الفهم الخاطئ للتفويض لدى الرؤساء الذين ينظرون إلى التفويض على أنه إقرار بعدم قدرة الرئيس على تحمل المسئولية والتخوف من ممارسة السلطة أو أنه يصم الرئيس الذى يفوض سلطاته بالضعف ، أو يقلل من هيبته ، ويجب لذلك الاهتمام بتدريب وتثقيف القادة الإداريين ، وإيضاح مزايا التفويض ، باعتباره وسيلة فعالة لحسن سير العمل الإدارى من أجل تحقيق أهداف التنظيم ، وأنه لا يمثل انتزاعاً لبعض سلطاته ، ولا انتقاصاً من كرامته ، ولا يعنى عدم كفاءته وقدرته على الإدارة ، وإيضاح الحقائق أمام الرئيس الإدارى من شأنه إدراك أن العكس هو الصحيح ، فرفض التفويض يؤدى إلى إضعاف مركز الرئيس لأنه يصبح عاجزاً عن إنجاز كل الأعمال والمهام المسندة إليه . ويلزم إفهام الرؤساء الإداريين أن مهمتهم ليست التصدى لكل صغيرة وكبيرة ، وإنما تتمثل هذه المهمة الأساسية في المسائل الكبرى والهامة ، من تخطيط ورسم سياسة عامة ، وإشراف وتوجيه ، ومتابعة ، وتنسيق ، وغيره من المهام الأساسية . أما عوامل الأنانية وحب الاستئثار بالسلطة والسيطرة والغرور ، وغيرها من الانحرافات التى تصم شخصية الرئيس فإنه يمكن لعلم النفس أن يكون له دور هام في إصلاحها .
2- وجوب العمل على تغيير نظرة الرؤساء إلى المرؤوسين من شك وعدم ثقة في كفاءتهم وقدرتهم عــلى مـــباشرة مـا يعهد إليهم من مهام إلى تفهم واحترام متبادل بين الرئيس والمرؤوس ، ذلك أن التفويض لا يتحقق الهدف منه إلا إذا تقبله المرؤوسون ، وهذا لا يتحقق إلا في ظل ثقة الرئيس في مرؤوسيه ، وثقته في قدرته على استخدام وسائل المتابعة والإشراف والرقابة على المهام المفوضة إلى مرؤوسيه ، مما يسمح بالاطمئنان على حسن أداء هذه المهام وإنجازها .
3- يجب أن براعى في اختيار القيادات الإدارية مدى قدرتهم على ممارسة مهام القيادة وتوافر صفات وخصائص القائد الإدارى فيهم ، كالقدرة على التوقع ، وإيجاد الحلول للمشاكل ، وإيمان بالهدف وبإمكانية تحقيقه ، والقدرة على التعامل مع الأفراد بما يتطلبه ذلك من قدرة على بناء علاقات طيبة مع الجميع ، وكفاءته في إبراز وتطوير القدرات الكامنة لدى مرؤوسيه وكفاءته وقدرته على الاتصال الفعال ، وكفاءته في ممارسة الرقابة للتحقق من إنجاز الأعمال المفوضة على أفضل وجه والتقييم المستمر للقدر من السلطة المفوضة ، ومتابعة موضوعية لسلوك المفوضين والتدخل للتصحيح ، بل يمكنه الاتصال الفعال وحسن التوجيه والإشراف والمتابعة من كشف الأخطاء وتفاديها قبل وقوعها من أجل إنجاح التفويض .

( ب ) علاج المعوقات التى ترجع إلى المرؤوسين :
1- تدريب المرؤوسين على كيفية إنجاز المهام والأعمال المفوضة إليهم على خير وجه وعلى تحمل المسئولية وكيفية مواجهة المشاكل ، فالتفويض يعمل على الوصول إلى أفضل النتائج وتحقيق الأهداف ويؤدى بذلك إلى نجاح التفويض ، كما أن هذا النجاح يعمل بدوره على القضاء على تشكك الرؤساء في قدرات مرؤوسيهم ، ويزيد من ثقتهم فيهم .
2- وضع نظام للحوافز المادية والأدبية التى تمنح للعاملين الأكثر كفاءة وامتيازاً في إنجاز الأعمال والمهام المفوضة لهم . الأمر الذى يشجعهم ويثير الحماس فيهم لإنجاز الأعمال الموكولة إليهم بسرعة وإتقان .

( ج ) وسائل عامة لمعالجة معوقات التفويض :
وإلى جانب وسائل علاج المعوقات الراجعة إلى الرئيس أو المرؤوس المفوض إليه ، ثمة عدة وسائل عامة لمعالجة صعوبات لا ترجع إلى الرئيس بمفرده أو المرؤوسين وحدهم ، وفى مقدمتها :
1- تطبيق المبادئ العامة في التنظيم على المنظمات والهيئات الإدارية المختلفة كمبدأ وحدة الأمر ، والتناسب بين السلطة والمسئولية ، وضرورة تحديد الواجبات والمسئولية بدقة ، وقاعدة التخصص ، ذلك لأن نجاح التفويض يتوقف على فهم المبادئ الأساسية للتنظيم والإدارة العامة حتى يتأكد الاقتناع بالمزايا التى يحققها التفويض لإنجاز أهداف المنظمة الإدارية ، وبالتالى .. المساهمة في تنفيذ الخطة العامة للدولة.
2- العمل على زيادة الوعى والإدراك بأهمية إنجاز أهداف المنظمة الإدارية ، وما يؤدى إليه من تحقيق المصلحة العامة ، وذلك بزيادة مشاعر الإخلاص والانتماء للمنظمة الإدارية ، والتفانى والصدق في أداء العمل لدى جميع العاملين ، وخلق روح الفريق.
3- توفير البيانات والمعلومات والحقائق اللازمة لأداء الواجبات وإتاحتها بالقدر وفى الوقت المناسبين ، بحيث يمكن المفوضين من إنجاز المهام المفوضة إليهم هذا مع إيجاد وسائل اتصال فعالة بين الرئيس والمرؤوسين ، ذلك أن التفويض الفعال يتطلب تدفقاً سليماً للمعلومات بين الرئيس ومرؤوسيه ، ليتمكن المفوض إليهم من الحصول على المعلومات اللازمة عند اتخاذ القرار ، وليتمكنوا من تفسير السلطة المفوضة لهم وفهمها فهماً صحيحاً وليتمكن الرئيس الإدارى من مواجهة المشاكل ، وإزالة الصعوبات التى تنشاً أثناء التطبيق . وكلما كانت وسائل الاتصال بين الرئيس ومرؤوسيه سريعة واضحة . كلما شجعه ذلك على تفويضهم السلطات الكافية لإنجاز المهام المفوضة إليهم وزاد تشجيعه لهم على قبول المسئولية والارتفاع إلى مستواها.

خامساً – التمييز بين التفويض وعمليات مقاربة :

1- التفويض واللامركزية :
في اللامركزية يكون توزيع السلطة بين وحدات إدارية مستقلة تتمتع بالشخصية المعنوية – على ما تقدم – أم التفويض .. فلا يتصل بتوزيع السلطة بين هيئات مستقلة عن بعضها ، وإنما يوزع الاختصاص بين أعضاء سلطة واحدة ، بحيث تكون لأعضاء هذه السلطة في المستويات الأدنى سلطة البت في بعض الأمور دون الرجوع إلى الرئيس .
وعلى ذلك .. فإن التفويض يمكن تطبيقه في داخل كل من النظامين المركزى واللامركزى ، حيث يخول الرئيس بعض اختصاصاته إلى مرؤوسيه من أعضاء ذات السلطة – مركزية أو لامركزية – أى أن التفويض يحقق عدم التركيز الإدارى سواء في داخل السلطة المركزية أو اللامركزية .

2- التفويض ونقل الاختصاص :
التفويض هو أسلوب لتوزيع السلطة داخل المنظمة الإدارية ، على أن لهذا التوزيع أو عدم التركيز الإدارى أسلوبان : الأول ، هو تحديد الاختصاصات الأصلية للمستويات الإدارية المختلفة ، أى توزيع الاختصاصات ابتداء على أعضاء السلطة الإدارية أو نقل بعض الاختصاصات بصفة دائمـــة نتيـــجة لإعادة النظر في التنظيم أو في سياسات ، أو قواعد توزيع الاختصاص داخل المنظمة ، وتحديد الاختصاص على هذا النحو يتم بالأداة القانونية المقررة ، سواء كانت دستورية ، أو تشريعية ، أو لائحية ، بحيث تستمد المستويات الإدارية المختلفة سلطاتها من ” القانون ” مباشرة . ويتصل هذا التوزيع ببناء هيكل المنظمة العامة وترتيب وحداتها الإدارية ، وبيان اختصاصاتها ، باعتبار كلاً منها أهلاً لمباشرة ما تحدد لها من اختصاص ، وبمراعاة اعتبارات مختلفة ، كتحديد وتجميع الأنشطة الإدارية في المنظمة ، وقوتها العاملة ، من حيث عددها وطريقة اختيار أعضائها وتأهيلهم .. الخ .

والاسلوب الثاني ، لتوزيع السلطة داخل المنظمة هى التفويض ، حيث يعهد الرئيس الإدارى إلى مرؤوسيه ممارسة بعض اختصاصاته ، إذا وجد نص يأذن بذلك ، فالمرؤوس لا يستمد سلطته من ” القانون ” مباشرة ، وإنما يستمدها بتفويضات من رئيسه الإدارى ، اى بعمل إرادى من جانب صاحب الاختصاص الأصيل ، وذلك للاعتبارات والأسباب التى سبق ذكرها ، والتى تدعو الرئيس إلى تفويض بعض اختصاصاته للمرؤوس . ويملك الرئيس الإدارى إلغاء التفويض واسترداد الاختصاص من المفوض إليه .
وأسلوب التفويض أكثر مرونة من إعادة توزيع الاختصاصات داخل المنظمة ، ذلك لأن التفويض يتم بعمل إرادى من جانب صاحب الاختصاص الأصيل الذى يملك – بحسب تقديره – إجراء التفويض أو عدم إجرائه ، ويملك إطلاق التفويض أو تقييده ، كما يستطيع إنهاءه في أى وقت ، كل ذلك في ضوء شخصية المفوض إليه ومهاراته وقدراته ، وفى ضوء الظروف المحيطة بأعباء الرئيس ، وقد تكون ظروفاً وقتية فيفوض المرؤوس في ممارسة بعض اختصاصاته بدلاً من منحه اختصاصاً قد يصعب بعد ذلك المساس به لاعتبارات قانونية أو عملية . هذا خاصة وأن إعادة توزيع الاختصاص قد تقتضى تدخل جهات أعلى داخل المنظمة ، بل خارجها ، كصدور قانون أو قرار جمهورى أو وزارى.

ويلاحظ أخيراً أن كتابات الإدارة العامة كثيراً ما تخلط بين عدم التركيز الإدارى واللامركزية ، على ما سبق أن ذكرناه ، فيطلق اصطلاح ” اللامركزية ” على عملية توزيع أو تفويض الاختصاصات داخل المنظمة الإدارية ، خاصة إذا لم يقتصر تقرير أو تفويض بعض السلطات على مستويات المركز ، وإنما .. امتد إلى الفروع التى تمارس نشاطها ضمن نطاق إقليمي معين ويطلقون تعبير ” نقل السلطة ” عند الأخذ بنظام الإدارة المحلية، حيث تمارس الوحدات المحلية اختصاصات أصيلة نقلت إليها بكل عناصرها(من واجبات وسلطة ومسئولية ) وتنتفى بذلك تبعية الوحدة المحلية للمركز ، وتنتفى مسئوليته عن إنجاز هذه الوحدة لأعمالها ، هذا بعكس الفروع التى تتبع المركز رئاسياً وتؤدى واجباتها بتفويض منه ، مما يترتب عليه بقاء مسئولية المركز عن أداء هذه الواجبات ، ويملك المركز إزاءها حق الرقابة والتوجيه وحق سحب التفويض ، وهو ما لا يملكه المركز إزاء الوحدة المحلية التى تخلق مركز سلطة جديد خارج المركز ومستقلاً عنه .

3- التفويض والوكالة :
الوكالة عقد بمقتضاه يلتزم الوكيل بأن يقوم بعمل قانونى لحساب الموكل ( م 699مدنى ) ، فالوكالة عقد من عقود القانون الخاص ، وهى كعقد خاص تتم بإرادة الطرفين – الموكل والوكيل – وتخضع لمبدأ سلطان الإرادة أو الحرية التعاقدية : حرية الطرفين في الدخول في التعاقد ، وحرية تحديد مضمونه ، وحرية إنهائه .
1- فالطرفان يدخلان في التعاقد بحرية كاملة ، حيث يملك الموكل الحرية في التعاقد ، وفى اختيار وكيله . كما أن الوكالة لا تنعقد إلا بموافقة الوكيل ورضائه الصريح أو الضمنى .

2 – ويستقل الطرفان بتحديد نطاق الوكالة ووضع أحكامها ، بما لا يخالف النظام العام وحسن الآداب فالموكل ينيب عنه غيره في مصالحه الشخصية ويحدد العقد نطاق الأعمال التى تشملها الوكالة ، بحيث يمكن أن يعهد الأصيل إلى الوكيل بكل شئون مصالحه ، اللهم إلا الأعمال المرتبطة بشخصه ، كحلف اليمين .
3- وتخضع الوكالة في آثارها لأحكام القانون المدنى ، ومنها حق الوكيل في أن ينيب عنه غيره في تنفيذ الوكالة ، حتى ولو لم يكن مرخصاً له في ذلك ، على أن يكون مسئولاً عن عمل النائب كما لو كان العمل قد صدر منه هو ( م 708 مدنى ) ، والوكيل يعمل لحساب الموكل فما يبرمه الوكــيل من عقود باسم الموكل تنصرف آثاره من حقوق والتزامات إلى هــذا الأخير ( م 105 مدنى ) وإذا كان الوكيل ملزماً بتنفيذ الوكالة دون أن يجاوز حدوده المرسومة .. إلا أن القانون يجيز أحياناً هذا الخروج ، كما أن إجازة الموكل اللاحـقة – صـــــراحة أو ضمناً – قد تصحح تصرفات الوكيل الخارجة على حدود الوكالة ، وهى تصححها بأثر رجعى بحيث يعتبر التصرف كما لو أنه قد صدر منذ البداية ضمن حدود الوكالة . ومن جهة أخرى يكون الموكل مسئولاً عما يصيب الوكيل من ضرر دون خطأ منه بسبب تنفيذ الوكالة تنفيذاً معتاداً ( م 711 مدنى ).
4 – ويجوز لكل من الموكل والوكيل إنهاء الوكالة في أى وقت ، كما تنتهى الوكالة بموت أيهما .
ويتبين من كل ما تقدم اختلاف نظامى الوكالة والتفويض اختلافاً جوهرياً ، فالتفويض نظام من أنظمة القانون العام ، ويتم من جانب واحد هو جانب صاحب الاختصاص – وأحياناً من سلطة أعلى ، ولا يتوقف على إرادة المفوض إليه الذى لا يملك رفض التفويض ، ولا يملك إنهاءه .

والرئيس الإدارى المفوض هو الذى يحدد نطاق التفويض ، أى يحدد المسائل التى يفوضها إلى مرؤوسيه ، على أن حريته في ذلك ليست كاملة ، فالتفويض لا يكون إلا جزئياً ، حيث لا يجوز أن يمتد التفويض إلى كل واجبات وسلطات الرئيس الإدارى ، كما أن ثمة مسائل لا يجوز التفويض فيها ، على ما سبق ذكره .
ويخضع التفويض لقواعد القانون العام ولمبادئ الإدارة العامة والتنظيم الإدارى ، ولا يجوز – قانوناً – تفويض الاختصاصات المفوضة ، كما تتجه إلى ذلك مبادئ التنظيم الإدارى بصفة عامة . ولا يعمل المفوض إليه لحساب الرئيس الإدارى ولا في مصالحه الخاصة ، وإنما يعمل كل من الرئيس صاحب الاختصاص والمرؤوس المفوض إليه في سبيل المصلحة العامة . وآثار تصرفات المفوض إليه من حقوق أو التزامات قبل الغير ، لا تنصرف إلى الرئيس الإدارى ، وإنما تتم لحساب الجهة الإدارية ، وتضاف إليها وتبطل تصرفات المفوض إليه إذا تجاوزت حدود التفويض .
ولا يجوز للمفوض إليه إنهاء التفويض ، كما لا يتأثر التفويض في بعض صوره بتغير شخص الأصيل أو المفوض إليه ، فقد يتم التفويض لصاحب منصب أو موقع معين بصرف النظر عن شخص شاغله .

4- التفويض والنيابة :
تعنى النيابة في القــــانون المــدنى قيام شخص ( النائب ) بالتصرف باسم شخص آخر ( الأصيل ) مع انصراف آثار التصرف إلى هذا الأخير ، ومن صورها الوكالة ، فهى نيابة اتفاقية ، وثمة نيابة قانونية ، أى أن القانون هو الذى يعين النائب ، كنيابة الولى ، وثمة النيابة القضائية ، حيث يصدر القرار من القاضى بتعيين النائب ، كنيابة الوصى والقيم والحارس القضائى . وفى النيابة بأنواعها المتقدمة تحل إرادة النائب محل إرادة الأصيل في إبرام التصرف الذى تضاف آثاره إلى هذا الأخير . ويلتزم النائب بحدود النيابة التى يحددها الاتفاق ، أو القانون بحسب الأحوال . وتهدف إلى حماية القانون لغير القادر على الدفاع عن حقوقه بسبب انعدام أو نقص أهليته ، أو إلى تخفف الشخص ( في النيابة الاتفاقية ) من بعض الأعباء في ممارسة نشاطه الخاص . على أن النيابة في المجال الإدارى مدلول متميز . ويقصد بها الإنابة التى تقوم بها سلطة أخرى ( أعلى ) غير الأصيل عند وجود مانع يمنعه من ممارسة اختصاصاته ، فتعين من ينوب عنه ليباشر اختصاصاته . فهذه النيابة تفترض وجود عائق مؤقت أو دائم يحول بين الأصيل وممارسة اختصاصاته . وتفترض وجود قاعدة قانونية تجيز الإنابة . كما تفترض وجود ثلاثة أشخاص المنيب ، والأصيل ( صاحب الاختصاص ) ، والنائب . وتقترب النيابة بهذا المعنى من التفويض ، حيث يمكن أن يصدر قرار التفويض أحياناً من سلطة إدارية أعلى من صاحب الاختصاص المفوض . ولكن يبقى الفارق في أن الإنابة تفترض قيام مانع يحول دون مباشرة الأصيل لاختصاصاته ، فيتم تعيين من ينوب عنه ، ويقوم باختصاصاته إلى أن يزول هذا المانع ، ويترتب على ذلك أن النيابة يمكن أن تكون كاملة ، بحيث يمارس المناب جميع اختصاصات الأصيل حتى يزول المانع ، كما أن النيابة – بعكس التفويض – قد تكون إلى أعلى ، وذلك كأن يصدر قرار من رئيس الجمهورية يوكل بمقتضاه اختصاصات أحد الوزراء عند غيابه إلى رئيس الوزراء .
والنيابة قد تستند إلى نصوص قانونية مكتوبة – دستورية ، أو تشريعية ، أو لائحية – وهى كثيراً ما تستند إلى قواعد قانونية غير مكتوبة ، وفى هذه الحالة الأخيرة .. فإن الأصل أن تكون الإنابة إلى سلطة إدارية توازى أو تعلو الأصيل ، خاصة وأن النائب قد يوكل إليه ممارسة كل اختصاصات الأصيل ، ويصدر قرار الإنابة من سلطة أعلى – بطبيعة الحال – من الإثنين ، أى أعلى من الأصيل ومن النائب .

وإذا كان الجائز أن تمتد الإنابة إلى كل اختصاصات الأصيل .. إلا أن الاختصاصات التى توكل للنائب قد يحددها النص الآذن بالإنابة أو القرار الصادر بتعيين النائب . وإذا لم يتحدد هذا الاختصاص في النص القانونى الآذن ، ولا في قرار تعيين النائب .. فإن الرأى – في القانون العام وفى علم الإدارة العامة – يميل إلى القول بتحديد اختصاصات النائب في الأعمال التى تفرض نفسها عادة عند غياب الأصيل . والواقع أن مقتضيات العمل تفرض مثل هذا التحديد ، خاصة عند غياب الأصيل لمدة قصيرة ، حيث تبرر أن يقوم النائب بالأعمال العاجلة التى لاتحتمل التأخير ، ودون أن يعوق سياسة الأصيل وتوجيهاته .
والنائب إذ يمارس اختصاصات الأصيل .. فإن أعماله في هذا الشأن تعتبر – من حيث قوتها – كما لو كانت صادرة من الأصيل ، ويكون النائب مسئولاً عنها وهو يجمع أثناء النيابة بين اختصاصاته الأصلية والاختصاصات التى يمارسها بالنيابة عن الأصيل الغائب . وتنتهى النيابة عادة بزوال الظروف التى أدت إليها، كحضور الأصيل الغائب ، أو شغل وظيفة الأصيل التى كانت شاغرة ، كما تنتهى بانتهاء المدة التى قد تحدد لها في قرار تعيين النائب .. هذا فضلاً عن جواز إنهاء النيابة في أى وقت ، فيصدر قرار بإنهائها حتى قبل الموعد المحدد لها أو قبل زوال أسبابها ، وكذلك تنتهى النيابة بتعيين نائب جديد ، وغير ذلك من الأسباب التى تؤدى إلى انتهاء النيابة صراحة أو ضمناً .

5- التفويض والحلول :
يعنى الحلول أن يقوم شخص ( الحال ) بمباشرة اختصاصات الأصيل بقوة القانون ، إذا قامت ظروف تؤدى إلى منع صاحب الاختصاص الأصيل من مباشرته .

والحلول يجب في الأصل أن يستند إلى نص قانونى يجيزه ، والأصل أن يكون في مرتبة النصوص القانونية المانحة للاختصاصات التى يرد عليها الحلول وإذا ما تحققت الظروف التى عينها النص كسبب للحلول .. فإن هذا الحلول يتم بقوة القانون ، أى دون حاجة إلى قرار يصدر بذلك ، وفى ذلك يختلف الحلول عن كل من التفويض والإنابة .
ونجد أمثلة لكل من الحلول والنيابة فيما نصت عليه المادة 57 من قانون العاملين المدنيين رقم 47 لسنة 1978 ، من أنه في حالة غياب أحد شاغلى الوظائف العليا يقوم نائبه بأعباء وظيفته ( حلول ) ، فإذا لم يكن له نــــائب ، جاز للسلطة المختصة إنابة من يقوم بعمله ( نيابة ) ، على أن يكون شاغلاً لوظيفة من درجة معادلة أو من الدرجة الأدنى مباشرة . وإذا كان الأصل أن يستند الحلول إلى نص يجيزه إلا أن بعض الفقه القانونى قد ذهب – وهذا ما يقبله فقه الإدارة العامة – إلى جواز الحلول دون نص ، وذلك نظراً لضرورة سير المرافق العامة بانتظام واطراد ، وهو ما يتطلب عدم تعطيل المرفق لوجود مانع يحول بين الرئيس ومزاولة اختصاصاته ، فالاختصاص وإن كان الأصل فيه أن يباشره صاحبه .. إلا أن الأصول العامة تقتضى عند الضرورة أن تنزل مباشرة اختصاص الأصيل إلى من يليه ، متى قام بالأصيل مانع أو عذر حتى لا يتعطل سير العمل .
بل إن من الجائز تكرار الحلول، بمعنى أنه إذا غاب الحال أو قام به مانع يحول دون مباشرته اختصاصاته .. حل محله من يليه في مباشرة اختصاصاته ، سواء اختصاصاته الأصلية أو الاختصاصات المحالة إليه بحكم القانون . وفى هذا تحقيق لمبدأ سير المرافق العامة بانتظام واطراد . وعدم تعطلها بسبب قيام مثل هذه الموانع . ويتفق الحلول والتفويض في أن كلاً منهما ينقل مباشرة اختصاصات الأصيل إلى شخص آخر ، ويتفقان كذلك في أن كليهما يستند – في الأصل – إلى نص قانونى يجيزه ، مع فارق يرجع أن الحلول يفترض وجود مانع يحول بين الأصيل وممارسة اختصاصاته ، ولذا .. فإن مقتضيات العمل قد تمثل حالة ضرورة تبرر الحلول دون نص .

والنص المقرر للحلول قد يحدد الاختصاصات التى يحل الحال محل الأصيل في مباشرتها . وعند سكوت النص فالأصل أن يكون الحلول كاملاً أى يشمل جميع اختصاصات الأصيل ، خاصة في حالة الحلول الذى يرجع إلى الغياب الطويل أو خلو وظيفة الأصيل ( بالوفاة أو بالاستقالة مثلاً ) . أما في حالة الغياب القصير .. فإنه يكفى أن يقتصر الحلول على الأعمال العاجلة التى لا تحتمل التأخير أو التى يضيرها الانتظار .

ويأخذ الحال مرتبة الأصيل من ممارسة اختصاصه ، وتأخذ أعماله في هذا المجال ذات القوة القانونية لأعمال الأصيل وكأنها صادرة من هذا الأخير ، ولا يخضع الحال في ممارسة تلك الاختصاصات لرقابة أو إشراف الأصيل ، إذ الفرض هو قيام عائق يحول دون مباشرة الأصيل لاختصاصه ، كما أن الأصيل لا يتحمل مسئولية تصرفات الحال ، وذلك على عكس التفويض ، حيث يتحمل الأصيل مسئولية أعمال المفوض إليه ، لأن المسئولية لا تفوض ، على ما تقدم .
وثمة صورة أخرى للحلول تختلف عن الفكرة المتقدمة ، ونعنى حلول جهة إدارية محل أخرى أدنى منها في مباشرة بعض اختصاصات الجهة الأخيرة التى امتنعت أو تقاعست عن أدائها ، فهو نوع من رقابة سلطة عليا على التزام جهة أدنى منها بأداء اختصاصاتها الوجوبية ، ويحدث ذلك في نطاق العلاقة بين السلطة المركزية والهيئات اللامركزية الخاضعة لرقابتها . فالأصل في هذه الرقابة أو الوصاية الإدارية أنها لا تخول السلطة المركزية الحق في الحلول محل الهيئات المحلية في ممارسة اختصاصاتها ، ذلك أن مقتضى الاستقلال اللامركزى أن يكون لهذه الهيئات اختصاصات أصلية تمارسها ابتداء ، على أن يكون لسلطة الرقابة – حفاظاً على وحدة الدولة ، وحرصاً على تنسيق نشاطها – حق التعقيب على الأعمال التى تمارس بها هذه الاختصاصات ، على أن القانون يجيز هذا الحلول استثناءً ، وفى حالات محددة وضيقة وذلك خشية أن يؤدى امتناع الهيئات المستقلة عن أداء واجبها ، أو إهمالها فى أدائه ، إلى تعريض المصلحة العامة للخطر أو إعاقة حركة الجهاز الإدارى . ونظراً لخطورة هذا النوع الأخير من الحلول ، لما فيه من خروج على توزيع الاختصاصات فى صورته المعتادة .. فإن القانون يحيط ممارسته بضمانات أهمها :

1- أنه يتقرر استثناء بنص صريح ، وفى حدود ما ورد فيه النص.

2- أنه يتقرر فى حالة الاختصاص المقيد إلى الاختصاص الوجوبى الذى يلزم القانون الجهة الإدارية بأدائه ، أى أنه يتقرر عندما يكون امتناع الهيئة المستقلة عن ممارسة اختصاصها ابتداء أمراًُ مخالفاً للقانون ، ولا يصح اللجوء إلى الحلول ، بالنسبة للاختصاص التقديرى الذى يكون للجهة الإدارية معه ممارسة عمل معين أو عدم ممارسته ، وامتنعت عن إجرائه تقديراً لملاءمات العمل الإدارى .

3- يشترط إعذار الجهة صاحبة الاختصاص ، أى توجيه دعوة صريحة إليها للقيام بالعمل بداءة ، فتمتنع عن القيام به رغم هذا الإنذار . ومثال ذلك حق السلطة المركزية فى أن تدرج فى موازنة الهيئة المحلية ما تهمل هذه فى إدراجه من مصروفات إلزامية ، وهى تلك التى يلزمها القانون برصد المبالغ اللازمة للوفاء بها