بحث قانوني هام حول التعويض عن الأضرار الناشئة عن التقاضي

أعده الأستاذ / محمد بن عبد العزيز آل فواز

هذا بحث مختصر بعنوان ( التعويض عن الأضرار الناتجة عن التقاضي ) والكلام فيه يدور عن الأحقية في المطالبة بالتعويض واستحقاق التعويض عن الأضرار التي تلحق بالمتداعيين من التقاضي .
في البداية يشار إلى أن المقصود بالضرر الذي يعوض عنه هنا هو ما كان بغير وجه حق ذلك أن التقاضي لا يخلو من أضرار تلحق بطرفيه في الحكم نفسه أو ما يسبقه وكثير منها تقتضيه طبيعة العملية القضائية وهذا ما يستدعي الحديث في مقدمة هذا البحث عن الضمان في الشريعة وموجباته في عجالة موجزة لنعرف المعالم الموضحة لما كان من الأفعال موجبا للضمان وما لم يكن كذلك .

ومما يشار إليه في هذه المقدمة أن هذا الموضوع قد خرجت فيه دراستان الأولى منهما كتاب للشيخ عبدالكريم اللاحم بعنوان التعويض عن أضرار التقاضي في الفقه والنظام وهو كتاب منشور ، والثانية بحث تكميلي لمرحلة الماجستير في المعهد العالي للقضاء مقدم من الشيخ مصعب بن عبدالله الخنين ، كما قدم فيه بحث موجز تحت عنوان هذا البحث في الندوة العدلية الكبرى التي أقامتها وزارة العدل في الرياض عام 1425هـ لمعالي الشيخ صالح بن عبدالله بن حميد ، وقد جرى الاطلاع على تلك الدراسات والاستفادة منها .
الضمان

الضمان لغة : يقال ضمن الشئ ضمانا فهو ضامن وضمين كفله وقد جاء هذا المصطلح في الحديث الشريف كما عند مسلم عنه صلى الله عليه وسلم قوله : (الخراج بالضمان) والمعنى أن الشخص في مسألة انتفاعه بالعين إذا أراد ردها لعيب ونحوه فإن ما حصل له من منفعة قبل الرد فهي له ولا يعوض من ردت إليه العين عن تلك المنافع وذلك مقابل ضمانه لها لو قدر أن هلكت.

الضمان في اصطلاح الفقهاء موجب الغرم مطلقا، فيشمل الضمان بموجب العقود وما يترتب عليها من التزامات ويشمل الالتزام بالتبعات في غير العقد كالضرر والاعتداء .

المقاصد الشرعية في تقرير الضمان .

جاءت الشريعة الإسلامية بالضمان حفظا لحقوق الناس في أنفسهم ودمائهم وأعراضهم ، وجبرا لما يحصل عليها من الاعتداء ذلك أن ميزان العدالة يختل مع حصول الضرر فيأتي الضمان لتعديله قدر الإمكان ، وفي الضمان ردع للمتجاوزين المتساهلين في حقوق الناس ، وقد جاءت الشريعة بحمايتها لهذه الحقوق بأمرين الأول منهما ديني هو واعظ القرآن والسنة والوعيد الأخروي في الآخرة والثاني هو العقوبة والتعويض الدنيوي والأول من هذين الأمرين امتازت به الشريعة عن غيرها من شرائع البشر الأرضية.

الأدلة الشرعية المقررة لمبدأ الضمان.

قد جاءت نصوص الشريعة بتقرير مبدأ الضمان في مواضع متعددة من الكتاب والسنة ومن ذلك قول الله تعالى ( وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ) وقوله صلى الله عليه وسلم كما عند أحمد وأبو داود ( على اليد ما أخذت حتى تؤديه) ، وحديث أنس رضي الله عنه قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم عند بعض نسائه ، فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين بصحفة فيها طعام ، فضربت التي النبي صلى الله عليه وسلم في بيتها يد الخادم فسقطت الصحفة فانفلقت ، فجمع النبي صلى الله عليه وسلم فلق الصحفة ، ثم جعل يجمع الطعام الذي كان فيها ويقول غارت أمكم ، ثم حبس الخادم حتى أتى بصحفة من التي هو في بيتها فدفع الصحفة الصحيحة إلى التي كسرت صحفتها ، وأمسك المكسورة في بيت التي كسرت ،وقد أجمع أهل العلم على تقرير هذا المبدأ في الجملة استنادا على النصوص الشرعية المتقدمة وغيرها .

موجبات الضمان في الشريعة الإسلامية .

1- الإلزام الشرعي ويمثل له بإلزام المكلف بالنفقات الشرعية في حال حصول موجبها فيلزم المكلف حينها بالضمان وهو أداء المستحق شرعا .
2- الالتزام في العقود حين يلزم المرء نفسه في العقد بشئ للطرف الآخر أو لغيره يدل لهذا قول الله تعالى : ( يأيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود ) و قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : (المسلمون على شروطهم) .
3- الإتلاف الواقع على ملك الآخرين ، وقد روعي فيه الحفاظ على حقوق الناس فاستوى فيه العالم والجاهل والقاصد والمخطئ والبالغ والقاصر

شروط الضمان

يلزم لمعرفة استحقاق الضمان للضرر الحاصل معرفة شروط استحقاقه وقد تكلم عنها الفقهاء رحمهم الله وذكروا منها ما يلي :
1- الأهلية في الضامن لترتب ووجوب الضمان وقد مثل لفقدان الأهلية بما جاء في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم : العجماء جرحها جبار أي هدر لا ضمان فيه، مع ملاحظة قيود شرعية ثبتت بأحاديث أخرى بشأن ضمان البهائم .
2- أن يكون المضمون محترما له قيمة في الشريعة إخراجا لما ليس له قيمة فيها لاعتبار شرعي كالخمر ولحم الخنزير فلا يطالب من كانا له ثم اتلفا عليه بعوض .

موانع التضمين.

هناك أمور تمنع الضمان فالإذن الشرعي مانع من الضمان في حال الإتلاف كأن يكون الإتلاف مأذونا به كالقصاص متى كان استيفاؤه على وفق الوجه الشرعي ، وكأن يكون الفعل قد حصل برضا صاحب المتلف فلا يحق له أن يطلب منه التعويض والضمان مع مراعاة الأصل الشرعي في تحريم الإسراف .

الجهات التي يصدر منها الأضرار الناشئة عن التقاضي

هناك جهات متعددة يمكن أن تكون مصدرا للأضرار الناشئة عن التقاضي ، ونظرا لطبيعة البحث والزمن المخصص لإلقائه فسيكون الحديث عن جهتين من تلك الجهات ، هما القاضي والخصوم .

الجهة الأولى : القاضي.

للقاضي مكان معتبر في المجتمع وبين الناس بحكم طبيعة عمله وما يفترض أن يكون عليه حاله من الديانة والأمانة والعلم ، وقد جاءت الشريعة برفع الإثم عنه فيما يقع منه من الخطأ في حكمه متى كان ناتجا عن اجتهاد بل هو مأجور على ذلك يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم (إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر) ، وأما من جهة التبعات المالية المترتبة على الخطأ فبيت مال المسلمين يتحمل تبعة ذلك الخطأ ، وقد اعتبر في هذا الطبيعة البشرية للقاضي ورفع الحرج عنه إذ لو لم يكن هذا لكان الحرج عظيما، يدل لهذا الأصل حديث بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد لبني جذيمة فدعاهم إلى الإسلام فلم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا فجعلوا يقولون صبأنا صبأنا فجعل خالد يقتل منهم ويأسر فلما قدموا لرسول الله صلى الله عليه وسلم رفع يديه فقال اللهم إني أبرأ إ ليك مما صنع خالد مرتين والحديث في البخاري وفي السير قوله صلى الله عليه وسلم لعلي : يا علي أخرج إلى هؤلاء القوم فانظر إلى أمرهم فخرج ومعه مال بعث به رسول الله صلى الله عليه وسلم فودى لهم الدماء ، لكن لو قدر أن حصل زلل من القاضي من قبيل التعمد بقصد الجور والظلم فإن القاضي يتحمل تبعة الزلل بنفسه وأول ذلك إبعاده عن القضاء لاختلال شرط العدالة فيه بتعمد الظلم . ومما يشار إليه هنا أن مجال حصول الخطأ العمد من القاضي هنا قد قل إذ ليس حكم القاضي نهائيا في القضية مالم يقنع به الخصوم فهناك درجة أعلى من التقاضي يصار إليها بعده إذا لم تحصل القناعة فيبعد التواطؤ على الظلم والحال ماذكر .

وإذا قدر حصول ضرر من القاضي في حكمه فإن هذا الضرر لا يخلو أن يكون جناية على الشخص أو على المال فإذا كان على النفس وما دونها فهو إما خطأ وإما عمد فإذا كانت جنايته خطأ فلا يلزم بدفع التعويض عن الضرر الذي لحق من قضائه وضمان الضرر إما في بيت مال المسلمين كما لو كان حدا لله فنفذ أو على المحكوم له كما لو كان قصاصا لأن العمل له والمسألة فيها خلاف و تفاصيل لا يتسع لها المقام.

وأما إذا كان عمدا منه فإن كامل التبعة الشرعية تلحقه كغيره من المكلفين على الراجح من أقوال الفقهاء في المسألة ويمكن أن يمثل لهذا بما لو حكم بقصاص في النفس وهو مستيقن كذب الشهود وبان ذلك بإقراره فلأولياء المقتول بحكمه قصاصا طلب قتله قصاصا وإذا عفا أولياء الدم عن القصاص إلى الدية فهي في مال القاضي لا عاقلته كغيره من المكلفين كون العاقلة لا تحمل العمد . والتنظيم في هذا البلد قد جعل الأحكام التي تصدر بالإتلاف لا ينفرد بها القاضي ويلزم ان يصادق عليها من قضاة التمييز ثم من مجلس القضاء الأعلى احتياطا للنفوس والدماء .

وأما إذا كان الحكم في الأموال فإن كان خطأ من القاضي فعلى القاضي إذا ظهر له ذلك من خلال لائحة الاعتراض المقدمة على الحكم الرجوع عن حكمه وتدراك الخطأ بالحكم بالحق كما في المادة الواحدة والثمانين بعد المائة من نظام المرافعات ولائحتها التنفيذية حيث تضمنت أنه إذا ظهر للقاضي ما يوجب تعديل حكمه فيحدد جلسة ويبلغ الخصوم بذلك ويجري ما يلزم بحضورهم ويسري على ما أجراه تعليمات التمييز وكذا إذا ظهر له ذلك من خلال قرار محكمة التمييز قبول طلب التماس إعادة النظر وفق الفصل الثالث من الباب الحادي عشر لنظام المرافعات في المواد من الثانية والتسعين بعد المائة إلى الخامسة والتسعين بعد المائة المتضمنة أنه إذا اقتنعت محكمة التمييز بذلك الطلب أعدت قرارا بذلك وبعثته للمحكمة المختصة للنظر فيما ذكر ويحال القرار وطلب الالتماس إلى حاكم القضية أو خلفه ليجري اللازم شرعا في حكمه على ضوء ماجد ويكون ما يجريه خاضعا لإجراءات التمييز وإذا بان الخطأ بعد تنفيذ الحكم فإن كان حكمه مبنيا على اجتهاد سائغ في الأخذ برأي فحكمه تام وإن كان الخطأ ناتجا عن خلاف ذلك كحكمه بشهادة مردودة فإذا رجع القاضي عن حكمه وكان المال باقيا فعلى القاضي رده لصاحبه وإن كان قد هلك فالضمان على من أخذه، وإذا كان الآخذ قد أعسر فعلى بيت مال المسلمين .

وإذا كان الضرر في المال قد وقع عمدا من القاضي على أي وجه كان فحكمه باطل ، وإذا أمكن الرد وجب وإن فات ولم يمكن الرد وجب الضمان على القاضي بالمثل أو القيمة على التفصيل المقرر في باب الضمان .

ويتبع مسألة التعويض عن الضرر المتعمد ماأشير له من التأديب للقاضي وقد تطرق لها نظام القضاء الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/ 64 في 14/7/ 1395هـ فقد عالج مسألة تأديب القضاة في الفصل الخامس من النظام من المادة الواحدة والسبعين وحتى المادة الرابعة والثمانين ففي المادة الثالثة والسبعين من النظام أن تأديب القضاة من اختصاص مجلس القضاء الأعلى منعقدا بهيئته العامة وفي المادة الرابعة والسبعين ترفع الدعوى التأديبية بطلب من وزير العدل ولا يقدم هذا الطلب إلا بناء على تحقيق جزائي أو بناء على تحقيق إداري يتولاه أحد قضاة محكمة التمييز يندبه وزير العدل وللمجلس كما في المادة السادسة والسبعين أن يجري ما يراه لازما من التحقيقات وإذا رأى مجلس التأديب السير في إجراءات المحاكمة كلف القاضي بالحضور وللمجلس كما في المادة الثامنة والسبعين أن يأمر القاضي بالتوقف عن مباشرة أعمال وظيفته وفي المادة التاسعة والسبعين نص النظام على أن دعوى التأديب تنقضي باستقالة القاضي وأنه لا تأثير للدعوى التأديبية على الدعوى الجزائية أو المدنية الناشئة عن الواقعة نفسها ، وفي المادة الثمانين جواز الحكم على القاضي غيابيا في حال غيبته ولم ينب أحدا عنه .، وعقوبات مجلس التأديب نهائية وهي تنحصر في اللوم أو الإحالة على التقاعد كما في المادتين الثانية والثالثة والثمانين من النظام ، وقد نص النظام في المادة الرابعة والثمانين منه على أنه لا يتخذ أي إجراء من إجراءات التحقيق معه أو رفع الدعوى الجزائية عليه إلا بإذن من المجلس احتياطا لحقه .

الجهة الثانية : الخصوم والكلام عن هذه الجهة وما يتعلق بها في المسائل التالية :

الأضرار الناشئة عن مصاريف التقاضي في حال ظلم المدعى عليه يتحمل المتداعيان تكاليف مالية للمحاكمات بعضها مباشر وبعضها غير مباشر فالمباشر كأجرة المحامي وغير المباشر كالفائت من الرزق الذي يظن حصوله بسبب انشغال المترافع بالتقاضي عن طلب الرزق.
وهذه المصاريف لا يسوغ النظر في المطالبة بها في أحوال كما لوكان الأمر مشتبها أو موضع خلاف فقهي فاحتاجا إلى نظر القاضي إلى الأمر للفصل في الخلاف و الكلام فيما لو كان سبب إقامة الدعوى ظلم المدعى عليه فتقدم المدعي للمطالبة بحقه كالمماطل في أداء الحق مع حلوله وقدرته على أدائه ، وقد تطرق الفقهاء لهذه المسألة وممن تطرق لها شيخ الإسلام بن تيمية حيث قال : إذا كان الذي عليه الحق قادرا على الوفاء ومنعه حتى أحوجه إلى الشكاية فما غرمه بسبب ذلك فهو على الظالم المماطل إذا كان على الوجه المعتاد ، وجاء في كشاف القناع : لو مطل المدين رب الحق حتى شكى فما غرمه رب الحق فعلى المدين المماطل

وممن تحدث في هذا ممن العلماء المتأخرين الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله حيث قال في تعليق له على حكم بتحميل محكوم عليه ما تحمله المدعي من نفقات في سبيل الدعوى من أجور ركوب السيارات كونه في تلك الدعوى جانيا: وكذلك ما قرره –أي القاضي – من تغريم المدعى عليه ما أنفقه المدعي من الأجور التي أنفقها لامانع من اعتباره من باب التعزير إذا كانت هذه النفقات على الوجه المعتاد.انتهى
وسأله أحد القضاة هل يلزم السارق مع رد العين المسروقة أن يضمن لصاحبها ما خسره من نفقات لطلبها فأجاب بأنه إذا ثبت أنه سرق العين من دون تأويل سائغ ولا دعوى يمكن قبولها وإنما أخذها ظلما وعدوانا وسرقة بحتة فعليه ردها ورد ما أنفقه المسروق منه من جراء طلبها بالمعروف .

ومن هنا يظهر لنا في استحقاق المطالبة هنا ضابطان هما :
1- أن يكون هناك ظلم بين من المدعى إليه أحوج المدعي إلى القضاء لرد حقه وإنصافه .
2- أن تكون هذه النفقات المطالب بردها معقولة وعلى الوجه المعتاد فلا يقبل طلب التعويض عن مصاريف تخرج على هذه الوجه ، والمحكمة هي من يحدد معقولية تلك المصاريف عن طريق خبرائها ، وإذا كانت المطالبة بمصاريف متجاوزة للمعقول لم تحكم المحكمة إلا بالمصاريف المعقولة وترد الطلب المتجاوز.

التعويض عن الأضرار الناشئة عن الدعوى الكيدية والدفع الكيدي.

حق التقاضي حق متاح للعموم لهم أن يستفيدوا منه متى أرادوا متى كان لهم حق يريدون تحصيله ، و هناك من يسئ استعمال ذلك الحق ليسئ للآخرين حين يقصد بدعواه إشغال الناس وإزعاجهم والتشويش عليهم والإساءة لسمعتهم دون أن يكون له حق وهو مبطل يقصد الكيد والضرر.
وقد راعت الشريعة الحفاظ على الحقوق بقبول الدعوى ولو لم تكن بينة إذ قد يقر المدعى عليه بالحق وإذا لم يقر فاليمين على المنكر لحق المدعي إذ ليس كل دعوى محقة يلزم أن تكون لها بينة فليس كل حادثة تقع تشاهد أو تحضر أو يحصل فيها ما يؤدي إلى إثباتها في حال إنكارها، ولكن هذا الاعتبار لا يعني الحق لمن لا حق له أن يؤذي الناس بالادعاء عليهم بما لا أصل له ثم يطلب أيمانهم ، والشريعة تراعي المقاصد فالأمور بمقاصدها والأعمال بالنيات ومن هنا فمن كان هذا قصده ولا حق له فهو آثم بفعله وما حصل منه من أذى وما ترتب على فعله من إشغال للمدعى عليه وللمحكمة . وإذا ظهر هذا القصد منه كأن يصرح به فإن دعواه ترد ويحكم عليه القاضي بما يردعه وقد أشير إلى هذا في نظام المرافعات ولوائحه التنفيذية المادة 4/5 ، وللمدعى عليه والحال ما ذكر أن يطلب الحكم عليه لحقه بما ترتب على حضوره من تكاليف على التفصيل المتقدم ،وقد جاء في المادة الثمانين من نظام المرافعات أن للمدعى عليه أن يقدم من الطلبات العارضة طلب الحكم له بتعويض عن ضرر لحقه من الدعوى الأصلية أومن إجراء فيها .

ويلحق بهذا الدفع الكيدي كما لو ادعي على المرء بحق فأنكره وهو يعلم صدقة من أجل تكليف المدعي إحضار بينته وفي هذا مشقة عليه ، ثم يظهر منه ذلك القصد بتصريح ونحوه فللمدعي أن يطلب من القاضي الحكم له بتعويض عن ما تحمله من تكاليف لإحضارهم ، أو طلب مجازاته لحقه على هذا الصنيع من خصمه ، ويلحق بهذ الاعتراض الكيدي كأن يحكم على المرء بحكم ثم يطلب تمييز الحكم ليشق على خصمه بتاخير التنفيذ باستنفاده الآجال المقررة نظاما دون أن يكون له وجه حق في هذا فللمحكوم له أن يطلب من القاضي مجازاة خصمه على صنيعه .

التعويض عن الأضرار الناشئة عن الحجز التحفظي .

من الأضرار التي تنتج عن التقاضي ما ينتج عن إساءة استخدام الحقوق المتاحة للمتقاضين ومن ذلك الحجز التحفظي فلصاحب الدين إذا لم يكن للمدين محل إقامة ثابت أو خشي لأسباب مقبولة اختفاء أو تهريب أمواله أن يطلب الحجز التحفظي على منقولات مدينه حتى لو لم يكن معه حكم قضائي قابل للتنفيذ كما تضمنه الفصل الثالث من الباب الثاني عشر من نظام المرافعات ، ولأن طالب الحجز التحفظي قد لا يكون محقا في دعواه أو يكون له حق ولكنه تجاوز في طلب الحجز بقدر لا يتناسب مع حقه مع إمكان توافق الحجز مع الحق فقد نصت المادة الخامسة عشر بعد المائتين من النظام على وجوب أن يقدم طالب الحجز إقرارا خطيا من كفيل غارم صادرا من كاتب العدل يضمن جميع حقوق المحجوز عليه وما يلحقه من ضرر إذا ظهر أن الحاجز غير محق في طلبه وفي اللائحة التنفيذية للمادة أن القاضي المختص بنظر دعوى الضرر الحاصل في حال حصوله والمطالبة به هو من أصدر الحجز التحفظي رعاية للحقوق أن تهدر ومنعا لإساءة استخدام ما يتاح للمتقاضي من احتياطات .

التعويض عن الأضرار الناشئة عن المنع من السفر

من الأضرار التي تلحق الخصوم من التقاضي ما ينتج عن إساءة استخدام حق طلب منع الخصم من السفر أثناء نظر الدعوى أو قبل تقديمها مباشرة إذا قامت أسباب تدعو إلى الظن أن سفر المدعى عليه أمر متوقع وأنه يعرض حق المدعي للخطر أو يؤخر أداءه ، المقرر في المادة السادسة والثلاثون بعد المائتين من نظام المرافعات إذ يكون استخدام هذا الطلب ظلما للممنوع إذا كان المدعي غير محق في دعواه .
وقد اشترطت المادة لعلاج هذا الاحتمال تقديم طالب المنع تأمينا ماليا يحدده القاضي لتعويض المدعى عليه متى ظهر إبطال خصمه وجعلت الحكم بالتعويض مع الحكم في موضوع الدعوى على حسب ما لحق المدعى عليه من أضرار لتأخيره عن السفر ، وقد تضمنت اللائحة التنفيذية للمادة تقدير الضرر بواسطة أهل الخبرة ، وأن يقدم المدعي التعويض الذي حدده القاضي للتأمين بشيك مصرفي محجوز القيمة باسم رئيس المحكمة ويودع في صندوقها ، كما جعلت للمنوع من السفر لأجل ماذكر وكانت الدعوى تتعلق بمبلغ معين رفع ذلك المنع إذا أودع ذلك المبلغ لدى المحكمة ، أو أحضر كفيلا غارما مليئا ووكل شخصا بمباشرة الدعوى ، لزوال السبب الداعي للمنع والحال ماذكر .
والحمد لله وصلى وسلم على نبينا محمد .