دراسة و بحث قانوني حول مبدأ النسبية في اداة التحكيم

أ.د محمد نـور شحاتة

مقدمة

1- التحكيم كأداة من أدوات الفن الإجرائى – الإرادى والمنظم لحل النزاع بوساطة شخص أو أشخاص عاديين يتفق الأطراف على الالتجاء اليهم يعتبر نظاما مختلطا يبدأ باتفاق ثم يصير إجراء ثم ينتهى بقضاء هو حكم التحكيم (1) ، هذا النظام يتسم فى مراحله المتعاقبة بأنه نسبى الأثر فاتفاق التحكيم كأى تصرف إرادى ، تنصرف آثاره الى طرفيه دون أن يفيد الغير أو يضيره (2) وإجراءات الخصومة لا تنصرف آثارها الى طرفيه دون أن يفيد الغير ، فنظراً لأصلها الاتفاقى لا يجوز تدخل أو إدخال الغير فيها ، وحكم التحكيم – شأنه شأن أحكام القضاء – يحوز حجية الشىء المقضى فيه ومقتضاها أن مام فصل فيه الحكم يقتصر أثره على أطرافه ولا يتفيد منه الغير ولا يضار به (3) .

2- ومبدأ نسبية أثر التحكيم بالنسبة للغير يعد من نتاج نشأته الاتفاقية ، وما تستلزمه من احترام مبدأ سلطان الارادة ، وهذا المبدأ الأخير يعد انعكاسا صادقا للمذهب الفردى ، ويبدو وكأنه حقيقة مؤكدة (4) ، ولكن الفقه الحديث يجمع على ان توالى المبادئ الفلسفية والتكوينات السياسية والضرورات الاجتماعية يقلب ارأسا على عقب كل المبادئ القانونية الثابتة ، ومن ثم ففكرة الغير لا يمكن أن تبقى حبيسة إطار مغلق وإنما هى تتحمل كل ردود الفعل الطبيعية للتحولات الايدلوجية والاجتماعية (5) .

3- ويأخذ الفقه الحديث بفكرة أن أمور كل شخص لها علاوة على جانبها الفردى جانبها الاجتماعى مما يجب معه الاعتراف بأنها لا تهم فقط أصحابها ولكن الى حد ما المجتمع ، وبالتالى (( الغير )) (6) ، ولذلك نجد الفقه الموضوعى يميز بين القوة الملزمة للعقد أو الاتفاق ، بوصفه تصرفا قانونيا ويقصرها على أطرافه ، والاحتجاج به بوصفه وافعة تجاه الغير وكذلك يميز الفقه الاجرائى بين حجية الشىء المقضى للحككم ويقصرها على أطرافه والاحتجاج بالحكم فى مواجهة الكافة بما فيهم الغير (7) .

4- فالتحكيم فى مراحله المتعاقبة يعتبر بالنسبة للغير مجرد واقعة قانونية يمكن أن يستند إليها ، أو يحتج بها فى مواجهته كأساس لشرعية المركز القانوى : الموضوعى أو الاجرائى ، الناشىء عن (( التطبيق التوزيعى )) ( لقواعد العقد وما يتمتع به اتفاق التحكيم بوصفه تصرفا إجرائيا تقديريا (9) من قوة ملزمة يقتصر أثرها على أطرافه , ولقواعد الحكم القضائى وما يتمتع به حكم التحكيم من قوة الأمر المقضى كأثر لحظر الطعن فيه بأى طريق من طرق الطعن فى الأحكام المقررة فى قانون المرافعات ، وما قد يترتب على الاحتجاج به من فائدة أو ضرر بالغير فمن هو هذا الغير ؟ وهل يختلف مفهومه فى اتفاق التحكيم عن مفهومه فى خصومة التحكيم ؟

5- لما كان من القواعد الأصولية أن (( المضاد يحسن المضاد )) فان تحديد مفهوم الغير فى اتفاق التحكيم يتوقف على تحديد مفهوم الطرف فيه ، الواقع انه المشرع فى قانون التحكيم فى تحديده لهذا المفهوم أخذ بنظرية (( الثقة )) (10) ، وهذه النظرية تأخذ بالارادة التى استطاع من وجه إليه التعبير أن يتعرفها من خلال هذا لاتعبير مستعينا بجميع الملابسات المضوعية التى يجب أن يأخذها عقلا فى اعتباره وتأسيسا على ذلك فانه للتحقق من أن إرادة الأطراف اتجهت الى التحكيم اشترط المشرع أن تكون هذه الإرادة مكتوبة فالكتابة تعد شرطا لوجود الاتفاق لا لاثباته ، وأن يكون موقعا عليه من الأطراف ، والا يكون باطلا ( م 12 من قانون التحكيم ) وخفف المشرع من حدة هذا المقتضى واكتفى بالكتابة المتمثلة فى تبادل المستندات وهذا التبادل يفيد قبولهم التحكيم ، وتبادل المستندات مناطه الاطمئنان الى أن الأطراف كانوا على علم كاف بوجود شرط التحكيم حسب المراسلات والوثائق المتبادلة ، وأنهم قد تصرفوا أو كان مفروضا أن يتصرفوا على هذا الأساس (11) .
وبالبناء على ما تقدم فقد ينصرف أثر اتفاق التحكيم الى أشخاص لم يوقعوا عليه وعلى العكس ، قد لا ينصرف الى اشخاص وقعوا عليه ولكهن لم تتجه إرادتهم الى الارتباط به فما هو المعيار المميز لكل من الطرف والغير ؟ الواقع أن الاجابة عن هذا التساؤل محل لخلاف يمتد بدذوره الى النظرية لاعامة للعقد حيث احتدم الخلاف حول تحديد من يعد ومن لا يعد طرفا فى العقد بين المضيق والموسع .

6- فالفقه التقليدى ، يأخذ بمفهوم ضيق لفكرة (( الطرف )) ويقصره على كل من اتجهت إرادته الى إبرام العقد (12) ، ويكتسب هذه الصفة طائفتان من الأشخاص يشبهون الأطراف ، هما الأشخاص الممثلون representees والخلف العام ، وميزوا بين طائفتين من الغير (( الغير الحقيقى أو الأجنبى penitus extranei وهو الذى ليست له أية علاقة أو مصلحة مباشرة بالعقد ، والغير الوهمى أو غير الحقيقى Faux tiers (13) )) وهذه الطائفة الأخيرة ليست من الأطراف وليست من الغير الحقيقى ، ويدخل فيها الدائنون العاديون ، والخلف الخاص وتطلق محكمة النقض المصرية على هذه الطائفة (( بالأطراف ذوى الشأن فى العقد )) (14) من ذلك المرسل اليه فى عقد الشحن (15) وعبر عنهم جانب من الفقه (( بالغير ذوى المصالح المرتبطة بمصالح أحد الأطراف فى اتفاق وخصومة التحكيم )) (16) وعدد من بين هؤلاء الكفلاء ومصدر خطاب الضمان .

7- أما الفقه الحديث (17) فأخذ بمفهوم واسع لفكرة الطرف ، وحاول جاهدا تسكين طائفة (( الغير الوهمى )) فى مفهوم الطرف ، وتبنى أنصاره معايير متفاوتةة لتحقيق هذا الهدف فذذهب جانب من الفقه الى الأخذ بمعيار مدى سلطة المتعاقد فى العقد ، حيث أن أثر العقد على ضوء هذا المعيار لا ينصرف فقط الى كل من أبرم العقد أو اسهم فى إبرامه ، وإنما يمتد الى كل من نفذه أو اسهم فى تنفيذه .

8- ويدخل فى الطائفة الاولى كل من أبرم أو اسهم فى إبرام العقد المتضمن شرط التحكيم واتجهت إرادتهم الى الارتباط به بنفسه أو عن طريق ممثله ولكن بتحليل فكرة التمثيل سوف نصادف صعوبة فى استبعاد الممثل Representant من دائرة الأطراف المتعاقدة خاصة إذا لم يكشف عن صفته فى التمثيل وعن اسم من يمثله كما أنه تثور صعوبة أيضا فى الأخذ بالمفهوم التقليدى للتمثيل ، عندما نكون بصدد وسيط يقتصر دوره على التفاوض على العقد ، بدون أن يكون له سلطة إبرامه فما مدى التزامه بشرط التحكيم الوارد فى الأوراق التى تم تبادلها فى المرحلة السابقة على التعاقد فى حين أنه لم يرد بالعقد نتاج هذا التفاوض مثل هذا الشرط أو الإحالة إليها وفى جميع الأحوال فان الأطراف الممثلين – سواء أكانوا أشخاصا طبيعيين أم إعتباريين – يعتبرون أطرافا فى العقد منذ إبرامه على أنه بالنسة للشخص الاعتبارى يجب أن يكون له وجود قانونى وأن يكون الممثل اكتسب الصفة التمثيلية اكتسابا صحيحا من الناحية القانونية ، وأن يتم التصرف باسم ولمصلحة الشخص الاعتبارى (18) ، كما يدخل فى هذه الطائفة الأشخاص الذين لا يتبرون أطرافا فى اتفاق التحكيم إلا بمقتضى حيلة قانونية ، أو لوحدة الرابطة القانونية أو استنادا الى قاعدة قانونية ، ومن بين هؤلاء المدينون المتضامنون والوكيل القانونى ولكن تثور هنا مشكلة تحديد طبيعة شرط التحكيم هل يعتبر حقا أم التزاما ؟ فكونه إلتزاما فانه لا يجوز الاحتجاج به فى مواجهة أى من المدينين المتضامنين لأن القاعدة هى أن التضامن فيما ينفع لا فيما يضر أما كونه حقا فانه يجوز لأى منهم التمسك به فى مواجهة أى منهم ، وهذه مسألة مختلف عليها فى الففقه والقضاء .

9- أما بالنسبة للطائفة الثانية ، وهم الأشخاص الذين يكتسبون صفة المحتكم استنادا الى ما لهم من دور فى تنفيذ العقد المتضمن شرط التحكيم ، ويدخل فى هذه الطائفة الاشخاص الذين وافقوا على أن يصبحوا أطرافا فى العقد المتضمن شرط التحكيم أو فى مشارطة التحكيم قبل أو بعد إبرامه أو إبرامها ، ومن بين هؤلاء الخلف العام والمستفيدون من الانتقال الكلى او الجزئى للآثالار الملزمة للعقد المتضمن شرط التحكيم (19) ، كما فى حالة حوالة العقد أو الحق أو الدين كما ثار جدل فى الفقه والقضاء حول مدى التزام المرسل اليه بشرط التحكيم الوارد فى سند الشحن ، فمنهم من يعتبره طرفا منضما استنادا الى الإرادة الضمنية للأطراف الأصليين(20) ، ومنهم من يعتبره طرفا استنادا الى نظرية الاعملية القانونية بين ثلاثة أشخاص les opperations juridiques a trois personnes (3) ويذهب جمهور الفقه المصرى الى اعتباره من الغير (21) ، أما محكمة النقض فتعتبره طرفا ذا شأن فى العقد (1) ،ولكن سوف نرى أن تحديد مركز المرسل اليه يتوقف على تحديد مدى تبعية شرط التحكيم بوصفه حقا إجرائيا للحق الوضوعى ومدى استقلاله عنه كما يثور التساؤل حول مدى إمكان أن يكون شرط التحكيم موضوعا للحلول ؟ ومدى انتقاله بالتجديد ، وأخيرا يثور جدل حول مدى التزام المنتفع فى الاشتراط لمصلحة الغير بشرط التحكيم ، ويرجع ذلك لصعوبة تحديد طبيعة شرط التحكيك بوصفه كما ذهب البعض شرط محايد .

10- ويثور جدل فى الفقه (22) والقضاء حول امتداد شرط التحكيم الوارد فى حد العقود الى أطراف عقد آخر لم يتضمن الإحالة الى الشرط الوارد فى العقد الأول ، مع ارتباط العقدين برابط تبعية كسلسلة العقود (23) أو تجمعها مصلحة اقتصاادية واحدة كمجاميع العقود (24) ومن ذلك المشروع المشترك – joint venture ويقترب من ذلك مجمووع المصالح الاقتصادية G.I.E ونظام الشراكة partnership ونظام الكونسورتيومconsortium ومثال هذا النوع الأخير ، مشروع مترو الأنفاق ، وينحصر هذا الجدل فى اتجاهين : الأول ،يجرى على رفض مد شرط التحكيم الوارد فى أحد العقود الى أطراف عقد آخر إعمالا لمبد نسبية أثر الاتفاق ويقوم هذا الرأى على ضرورة البحث عن الإرادة الحقيقة فى المسااهمة فى إبرام أو تنفيذ الاتفاق المتضمن شرط التحكيم أما الاتجاه الثانى فيجرى على مد شرط التحكيم الذى يرد فى أحد العقود الى أطراف عقد آخر ويقوم على الأخذ بفكرة الامتداد الأفقى استنادا الى الإرادة الظاهرة .

11- ويذهب جانب آخر من الفقه الحديث الى الأخذ بمعيار أثر الاتفاق ، حيث ميز بين القوة الملزمة لاتفاق التحكيم بوصفه تصرفا قانونيا ، والاحتجاج به بوصفه واقعة ، فاذا كان أطراف اتفاق التحكيم هم الملتزمون به وحدهم وأن لهم دون غيرهم الحق فى الالتجاء الى التحكيم ، فان تدخل شخص ثالث لضمان الوفاء بالتزام أحد أطراف العقد المتضمن شرط تحكيم عند عدم الوفاء به سواء أكان التزامه بالضمان تابعا للالتزام الأصلى كالكفيل (25) ، أو مستقلا عن الالتزام الوارد فى العقد الأصلى فى مواجهته ، ومدى حقه فى التمسك به وخاصة أن مركز الضامن سواء أكان ضامنا تابعا أو مستقلا غير واضح الأساس فى القانون الوضعى ، فهل هو فى نفس مركز المدين ، ام مدين من الدرجة الثانية أم من الغير (26) ؟ .

12- وتأسيسا على ما تقدم فالسؤال الذى يفرض نفسه هو هل خاصية التبعية التى يتميز بها التزام الكفيل يمكن أن يستنبط منها أن الكفيل مقيد بشرط التحكيم الوارد فى لاعقد الأصلى أم يجب ألا تفقدنا خاصية التبعية النظر ، بأن لكل من التزام الكفيل والتزام المكفول له ذاتيته الخاصة به لاختلاف مصدريهما ؟ ويزداد الجدل غموضا بسبب اسطورة تمثيل المدين للكفيل المتضامن فمقتضى التضامن أن يكون للدائن أن يرجع على كل من المدين والكفيل بكل الدين ، بيد أن حيلة التمثيل المتبادل بين المدينين المتضامنين محل للجدل وليس من المؤكد كما سبق أن أوضحنا أنها تطابق الحقيقة القانونية ، فمن ثم فانه من المشكوك فيه اختلاف مركز الكفيل المتضامن عن مركز الكفيل البسيط ؟ .

13- فضلا عن أن آثار اتفاق التحكيم تجاه الكفيل يشوبها بعض الغموض فاذا كان صحيحا أن الكفيل يستطيع أن يدفع بكل الدفوع المتعلقة بالالتزام المكفول ( م 882 مدنى ) فهل يعتبر الدفع بالتحكيم من الدفوع الملازمة للدين ، وبالتالى يمكن أن يتمسك به بنفس الطريقة التى يتمسك بها المدين فى مواجهة الدائن ، وهل يجوز لهذا الأخير الاحتجاج به فى مواجهة الكفيل ؟ وهل يمكن تعميم القاعدة المستمدة من نص المادة 794 مدنى الى الدفع بالتحكيم كدفع إجرائى بغض النظر عن أساس هذه القاعدة المستمد من ضرورة تأثر الكفالة بأسباب انقضاء الالتزام الأصلى ؟ .

14- وأخيرا هل يختلف مركز مصدر خطاب الضمان بوصفه ضامنا مستقلا أو ضامن مقابل عن مركز الكفيل البسيط أو المتضامن ؟ وخاصة أنه قد ينشأ عن النوع الأول من الضمان عدة روابط قانونية تتميز كل منهما باستقللها عن االأخرى ، من الناحية القانونية ، وان كانت ترتبط بعضها بالبعض من الناحية الاقتصادية ، فقد تتضمن أحد هذه الروابط شرط تحكيم (27) , وقد يرد هذا الشرط فى كل رابطة من هذه الروابط فنكون بصدد تعدد فى شروط التحكيم ، أو إن صح التعبير (( تزاحم فى شروط التحكيم )) ، ففى الواقع العملى كثيرا ما يتضمن العقد الذى يربط كلام من العميل الآمر والمستفيد مثل هذا الشرط فالسؤال الذى يثور هو هل يمكن للعميل لآمر أن يتمسك به فى مواجهة البنك بقصد منعه من الوفاء للمستفيد ؟ وهل يمكن للبنك الذى ليس بطرف فيه أن يحتج به فى مواجهة المستفيد ، والامتناع عن الوفاء ؟ مع أن هذا الشرط يعد واقعة خارجة عن خطاب الضمان ،و هل يمكن تعليق الوفاء بالضمان على صدور حكم المحكمين ؟ ومن ناحية أخرى فقد يرد شرط التحكيم فى العقد الأصلى الذى يربط العميل الآمر والمستفيد ثم يوجد شرط تحكيم آخر فى العقد الذى يربط بين البنك الضامن لعميله وبنك آخر ضامن له ويسمى (( بضامن الضامن )) أو (( بالضامن المقابل )) ، وقد يعهد بحل النزاع الناشئ عن العقدين الى مركز تحكيم واحج فتثور مشكلة إمكانية ضمهما ، وخاصة أنه يوجد ثمة إرتباط بين التحكيمين ؟ .

15- وعلى الصعيد الإجرائى فان الأصل الاتفاقى للروابط الإجرائية فى خصومة التحكيم تحول دون إعمل القواعد المعمول بها فى قانون المرافعات ، فالتحكيم كتصرف إجرائى (28) تنصرف آثاره الى طرفيه وتنصرف عبارة (( طرفى التحكيم )) على أطراف التحكيم ولو تعددوا (( م 4/1 من قانون التحكيم )) ..

وهذا التعدد قد يكون قبل بدءء خصومة التحكيم كأثر لوجود عقد متعدد الأطراف وهنا يثور التساؤل عن صور هذا التعدد ؟ وما هى آثاره ؟ فقد يلتجئ جميع الأطراف الى التحكيم فتثور مشكلة كيفية اختيار هيئة التحكيم ، وقد ينشأ عن هذا التعدد عدة تحكيمات فتثور المشكلة فى كيفية ضمها (29) ، هذه المشكلة ما زال الخلاف محتدما بشأنها على الصعيد الداخلى فى الفقه والقضاء والتشريع وكذلك على الصعيد الدولى ، وكلنا أمل أن يلقى هذا الموضوع اهتماما من جانب الباحثين فى المستقبل (30) .
وقد يكون التعدد بعد بدء خصومة التحكيم مما يجعل من الصعب انصراف أثر إجراءاتها الى غير أطرافها ةوالأخذ بفكرة الخصم التبعى والأمر بادخال الغير والزامه بالاشتراك أو المشاركة فيها حتى لو خول أطرافها هيئة التحكيم مثل هذه السلطة ، لأن السلطات التى يعهد بها الأطراف للمحكمين لا تصل الى حد تخويلهم سلطة الأمر ، وعلى فرض اتفاق الأطراف على ذلك فان الغير له دائما أن يرفض الاشتراك فى تحكيم لم يشارك فى اختيار هيئته ولكن الأمر يتوقف على تحديد مفهوم الغير المتدخل أو المطلوب إدخاله ومدى جواز الاتفاق على ذلك بين الأطراف والغير وهيئة التحكيم ، ثم يثور التساؤل حول مدى جواز تدخل وإدخال الغير فى خصومة بطلان حكم التحكيم ؟ .

16- ويثور التساؤل كذلك حول مدى تأثر الغير بعدم قابلية الإجراءات القضائية والتحكيمية للتجزئة ، فاذا رفع شخص من الغير على احد أطراف عقد متضمن شرط تحكيم دعوى أمام محاكم الدولة ، فهل يجوز للمدعى عليه أن يطلب إدخال الطرف الآخر فى اتفاق التحكيم كضامن فى هذه الدعوى أم أن لهذا الأخير أن يدفع بعدم قبول طلب تدخله تأسيسا على شرط التحكيم الوارد فى العقد المبرم بينه وبين المدعى عليه ؟ مثال ذلك قيام المشترى الذى ترفع عليه دعوى استحقاق من الغير للمبيع بإدخال ا لبائع الذى يلتزم بالضمان والمرتبط معه بشرط تحكيم فى هذه الخصومة ، فاذا دفع البائع بالتحكيم بوصفه ضامن فهل دفعه هذا يعد مقبولا أم غير مقتول ؟ الواقع أن الفقه والقضاء اختلفوا اختلافا واضحا فى الاجابة عن هذا التساؤل ، وترددت الإجابة بين اتجاهين :
الاتجاه الأول : ويذهب أنصاره الى عدم قبول دفع الضامن بالتحكيم وإدخاله فى الخصومة تأسيسا على الارتباط الإجرائى غير القابل للتجزئة بين الدعوى وطلب الإدخال ، ومؤدى ذلك سمو اختصاص قضاء الدولة على ما لشرط التحكيم من قوة ملزمة .
والاتجاه الثانى : ويذهب أنصاره الى قبول دفع الضامن بالتحكيم وعدم ادخاله فى خصومة التحكيم ومقتضى ذلك فعالية شرط التحكيم ، وانعقاد خصومة التحكيم واحتمال صدور أحكام متناقضة .

17- من المسلم به الآن على ضوء قانون التحكيم الجديد ، أن أحكام المحكمين ، شأنها شأن أحكام القضاء تحوز حجية الشىء المقضى به بمجرد صدورها ، وتبقى هذه الحجية طالما بقى الحكم قائما (( 52 من قانون التحكيم )) والواقع أن لحجية الشىء المقضى ثلاثة أوجه :
الوجه الأول : ويتعلق بأثر الحكم تجاه الخلافات التى ثارت بين الأطراف أنفسهم ، وهذا الوجه يطلق عليه الفقه بالحجية السلبية للحكم ، أى عدم جواز نظر الدعوى لسبق الفصل فيها ، (( م 116 مرافعات )) وهذ الدفع يعتبر دفعا بعدم القبول لإنقضاء الحق فى الدعوى ( أو التحكيم ) يتعلق بالنظام العام ، والسؤال هو ما مدى تعلق حجية الشىء المقضى لأحكام المحكمين بالنظام العام ؟ والإجابة عن هذا السؤال تخرج عن إطار البحث .

18- أما الوجه الثانى : ويتعلق بأثر الحكم تجاه الخلافات التى يمكن أن تثور فيما بعد وهو ما يطلق عليه بالحجية للحكم (( م 101 إثبات )) وهى لا تكون إلا إذا حاز الحكم قوة الأمر المقضى ، ومن المسلم به أن حكم التحكيم يحوز هذه القوة بمجرد صدوره نظرا لعدم جواز الطعن فيه بأى طريق من طرق الطعن فى الأحكام الصادرة من قضاء الدولة ، وفى هذا الخصوص يذهب رأى فى الفقه بأن نظرية حجية الشىء المقضى stare decisis لا تطبق فالقرار الصادر من محكمة التحكيم لا يمكن أن يكون له أدنى أثر على الخلافات التى يمكن أن تثور فيما بعد بين الأطراف ا للهم إلا إذا اتفقوا على أن حكم التحكيم السابق يكون ملزما لهم بالنسبة لكل خلاف من نفس الطبيعة يحتمل أن يحتج به فى المستقبل (31) ، ولكن هذا الرأى من شأنه أن يؤدى الى تناقاضات حجية الأمر المقضى (2) ولذلك لا يمكن قبوله على إطلاقه وهذا الوجه الآخر يخرج عن إطار البحث .

19- أما الوجه الثالث : ويتعلق بأثر حكم التحكيم تجاه الغير ، ويثير هذا الوجه جدلا حول نطاق الأثر الملزم لحجية الشىء المقضى ليتناول الغير الذى لم يكن طرفا فى الخصومة ، وهذا الجدل يمتد بجذوره الى حجية الحكم الصادر من قضاء الدولة وفى هذا الخصوص يذهب التقليديون الى الأخذ بمبد الأثر النسبى لحجية الشىء لمقضى ، فحجية الحكم تقتصر على أطرافه وأختلفوا فيما بينهم حول أساس هذا المبدأ فمنهم من أخذ بفكرة العقد القضائى ومنهم من أخذ بفكرة التمثيل الضمنى وباعمال هذه النظرية نجد أن البعض يذهب الى القول بأن (( الغيرية فى الحكم لا يصح أن تختلف عن الغيرية فى العقد )) (32) , ومنهم من يرى أنه يجب أن يكون الغير سبق وأن أدخل أأو تدخل فى الخصومة إعمالا للنظرية الإجرائية لفكرة الخصم فى الخصومة ، ولكن وجهة النظر هذه تتعارض مع الطبيعة الاتفاقية للتحكيم (33) .

20- أما الفقه الحديث ، فيذهب الى القول بالحجية المطلقة للحكم واختلفوا هم أيضا فى تأسيس وجهة نظرهم فمنهم من ذهب الى القول إن هذه القوة ترجع الى كون الحكم كعمل قضائى يشكل حقيقة قانونية ، ولذلك نجد جانبا من الفقه الإجرائى تأسيسا على فكرة المركز القانونى التابع situation juridque subordonnee (2) ذهب الى القول انه من العدل السماح بامتداد حجية حكم التحكيم الى الغير كالكفيل ومن فى حكمه : المؤمن والمصدر لخطاب الضمان تأسيسا على أن مركز الغير فى هذه الفروض يعتمد على المركز الذى قرره الحكم ، سواء يتعلق الأمر بحكم قضائى أم بحكم تحكيم (34) هذا الاتجاه يدعونا الى التساؤل عما إذا كان ثمة سبب لبقاء قاعدة نسبية أثر الحكم أو ما إذا كان يوجد فى الحقيقة (( غير)) (35) ؟ .

21- ويذهب فريق آخر من الفقه الحديث الى تأسيس الحجية المطلقة للأحكام على أساس التمييز بين حجية الحكم وقصرها على أطرافه ، والاحتجاج بالحكم بوصفه واقعة قانونية (36) يحتج به فى مواجهة الكافة والأولى ترمى الى ضمان ثبات الشىء المقضى فيه لأجل استقرار وحماية السلام الاجتماعى , والثانية فانها نظرا لأن الحكم قد يضر أو يفيد الغير فمن ثم يجب تعديل النظام القانونى للحكم تجاهه كأثر لتشابك وتداخل العلاقات بين الأفراد (37) ، ولكن كيف تتم حماية الغير من حكم التحكيم الذى ينطوى على ضرر به ، وخاصة أن المشرع حظر الطعن فيه بكل طرق الاطعن ؟ وخاصة أنه قد يصعب فى كثير من الأحكام التمييز بين حجية الشىء المقضى به والاحتجاج بالحكم وذلك بسبب الروابط الوثيقة والمصالح المشتركة التى قد توجد بين بقض من الغير وبين أطراف الاتفاق .

22- الواقع أن مشكلة الغير تعتبر من أعقد مشاكل القانون الخاص المعاصر ، وأن الأبعاد النظرية ، الموضوعية والإجرائية لمفهوم الغير فى التحكيم تعادل ثراءها فى التطبيق العملى سواء فى مرحلة الاتفاق على التحكيم أو لى مرحلة خصومة التحكيم ، واتساقا مع ما تقدم سنقوم بدراسة هذا البحث تحت عنوان (( مفهوم الغير فى التحكيم )) دراسة تحليلية وتطبيقية مقارنة لمبدأ نسبية أثر التحكيم بالنسبة للغير وذلك فى فصلين :
الفصل الأول : مفهوم الغير فى اتفاق التحكيم ( المفهوم الموضوعى ) .
الفصل الثانى : مفهوم الغير فى خصومة التحكيم ( المفهوم الإجرائى ) .

الفصل الأول مفهوم الغير فى اتفاق التحكيم

(( المفهوم الموضوعى ))

مطلب تمهيدى معايير تمييز الغير عن الطرف فى اتفاق التحكيم

23- يمكن أن نستنبط من قانون التحكيم ، وكذلك من النظرية العامة للعقد عدة معايير لتمييز الغير عن الطرف فى اتفاق التحكيم ، بعضها شكلية والأخرى موضوعية :

(1) المعيار الشكلى :
24- (1) مضمونه : اشترط المشرع فى قانون التحكيم لاعتبار الشخص طرفا فى اتفاق التحكيم (38) أن تكون إرادته مكتوبة فالكتابة تعد شرطا لوجود الاتفاق لا لاثباته فضلا عن أن يكون الاتفاق موقع عليه من جانب الأطراف ولكن المشرع خفف من هذا المقتضى (39) واكتفى بالكتابة المتمثلة فى تبادل المستندات أيا كانت صورة هذه الكتابة ، رسائل أو برقيات أو غيرها من وسائل الاتصال المكتوبة كالتلكس أو الفاكس ، ورتب على تخلفها البطلان (( م 12 من قانون التحكيم )) .

25- وترتيبا على ما تقدم ، فان تبادل المستندات يفيد قبول الطرفين أو الأشخاص الذين حدث بينهما هذا التبادر للتحكيم وتثور المشكلة فى الفرض الذى يتم فيه إبرام العقد بتبادل استمارات مطبوعة تحتوى على شرطى تحكيم مختلفيه وهو ما يسمى (( بمعركة الاستمارات )) الواقع أنه ينبغى البحث عن النية المشتركة للمتعاقدين ، وإعمال شرطى التحكيم بقدر تطابقهما (40) .

26- ويعتبر الاتفاق على التحكيم صحيحا وملزما لاطرافه إذا اتفقوا على إخضاع العلاقة القانونية بينهم لاحكام عقد نزذجى أو اتفاقية دولية أو أى وثيقة أخرى تتضمن أحكاما خاصة بالتحكيم ( مثل تحكيم الجافتا) ( م 6 من قانون التحكيم ) طالما أن الأطراف لم يستبعدوا هذه الأحكام (41) فالفرض أن الأطراف اطلعوا عليها بما فيها الأحكام الخاصة بالتححكيم وكذلك يعتبر اتفاقا على التحكيم كل إجالة ترد فى العقد الى وثيقة تتضمن شرط تحكيم : إذا كانت الإحالة واضحة فى اعتبار هذا الشرط جزءا من العقد ( م 10/3 من قانون التحكيم ) على أن الوضوح هنا لا يعنى وضوح الإرادة ذاتها ، إذ أن الظروف الخارجية تلعب بجانب عبارة الاتفاق دور فى الإفصاح عن النية المشتركة لأطرافه ، فيجب الأخذ بالإرادة التى استطاع من وجه اليه التعبير أن يتعرفها من خلال التعبير مستعينا بجميع الملابسات التى يجب عقلا أن تدخل فى اعتباره ، ووجهة النظر هذه تتوافق مع نظرية الثقة التى تجمع بين كل من الارادة الظاهرة والإرادة الباطنة لأطراف الاتفاق (42) .

27- وعلى ذلك يجب فهم التبادل بمعناه الواسع فلا يشترط أن يكون قد ثبت وصوله الى علم الأطراف مباشرة أو بذواتهم ، بل يجب التوسع فى مفهومه ليشمل مختلف صور التبادل التى تتم عن طريق الوكلاء المأذون لهم أو السماسرة المعتمدين ، فمناط تبادل المستندات الكتابية – كما ذهب البعض هو الاطمئنان الى أن الأطراف كانوا على علم كاف بوجود شرط التحكيم حسب المراسلات والوثائق المتبادلة وأنهم قد تصرفوا أو كان مفروضا أن يتصرفوا على هذا الأساس(43) وتأسيسا على ذلك قضى بأن ( عدم اعتراض المشترى على شرط التحكيم الوارد بخطابات البائع يفيد قبوله خضوع المنازعات التى تنشأ عن الصفقة الجارية للتحكيم ) (44) .

28-(ب) تقدير نقدى :مما سبق يتبين ان اتفاق التحكيم قد ينصرف أثره الى أشخاص لم يوقعوا عليه وعلى العكس كما سوف نرى قد لا ينصرف أثره الى أشخاص وقعوا عليه ، إذا لم تتجه إرادتهم الى الارتباط به او لم يكن لهم سلطة التوقيع عليه ومن كل ذلك يتبين مدى مرونة المعيار الشكلى ومن ثم عدم كفايته فما هو المعيار المميز لكل من الطرف والغير ؟ الواقع أن الإجابة عن هذا التساؤل محل لخلاف يمتد بجذوره الى النظرية العامة للعقد حيث احتدم الجدل حول تحديد من يعد ومن لا يعد طرفا بين المضيق والموسع ، وتتسم معايير التميز بالموضوعية وان اختلفوا فى اسس هذه المعايير فمنهم من اخذ باتجاه الإرادة ومنهم من اخذوا بمعيار اثر الاتفاق وآخرين اخذوا بمعيار مدى سلطة المتعاقد .

(ب) معيار اتجاه الإرادة :

29- (أ) مصمونه : يذهب الفقه التقليدى فى تمييز الأطراف عن الغير الى تبنى مبدأ حرية التعاقد الذى هو نتـاج مبدأ سلطان الإرادة وقوام هذا المبدأ أن المتعاقدين لا يلتزمون إلا بإرادتهم ولا يلتزم أحد بعقد ليس طرفا فيه (45) .

30- فمعيار صفة المتعاقد تكمن عندئذ فى إرادة التعاقد ، ووفقا لهذا المنهج فانه يأخذ حكم الطرف طائفتان :
الطائفة الأولى : الأشخاص الممثلون les personnes representees ، ومن الملاحظ أن إرادة هؤلاء توجد عندما نكون بصدد تمثيل اتفاقى ، وعلى سبيل المثال ، الوكيل الاتفاقى كأثر لعقد الوكالة وفى المقابل فانها لا توجد فى حالة التمثيل القانونى كممثل القاصر أو البالغ الخاضع للوصاية فصفة الممثل القانونى تستمد من القانون وليس من إرادة الممثل التى لا وجود لها .
الطائفة الثانية : الخلف العام ، فانه يعتبر طرفا فى العقد الذى أبرمه السلف ، إذا لم يستنفد هذا العقد آثاره أثناء حياة المتعاقد ، ويأخذ الخلق مركز السلف دائنا أو مدينا وهنا أيضا فان صفة المتعاقد يكتسبها الخلف كأثر للقانون ، دون الاعتداد بارادته وان هذا العقد ينصرف اليه حتى ولو كان يجهل بوجوده (46) .

31- وينقسم الغير على ضوء هذا المعيار الى طائفتين (47) :
الطائفة الأولى : الغير الحقيقى وتشتمل هذه الطائفة على الأشخاص الذين يعتبرون أجانب كلية عن العقد وعن المتعاقدين ، حيث لا توجد أدنى رابطة قانونية بينهم ، وهى طائفة غير محدوده من الغير الأجنبى penitus extreni .
الطائفة الثانية : الغير غير الحقيقى أو الوهمى Faux tiers وهم طائفة من الأشخاص ليسوا من الغير وليسوا بأطراف فى العقد ، ومن هؤلاء الدائنون العاديون والخلف الخاص .

32- (ب) تقدير نقدى :الواقع ان فكرة الغير على ضوء هذا المعيار تتسم بالغموض والنسبية ، فهى فكرة متغيرة تتوقف على كيفية استخدامها ،فالقانون يقصد بالغير كل من ليسوا بأطراف بأنفسهم ، وتارة الغيرة الأجنبى بالمقابلة بالأطراف وخلفهم هذا يعنى أنه يقابل طائفة سلبية بطائفة أخرى ، ولكن هذه الطائفة غير محددة مقدما وبالتالى تكون مدعاة للخلط .
كما أن التقسيم الذى انتهى اليه أنصار هذا المعيار يتسم بالتعقيد ، لوجود طائفة الغير الوهمى أو الغير الحقيقى وهى طائفة وسط يجعل من الصعب التمييز بينهما وهى ما عبرت عنهم محكمة النقض المصرية بالأطراف ذوى الشأن فى العقد ومن هؤلاء : المسر اليه فى عقد الشحن (48) : وتثور المشكلة فى تحديد مركز كل من الكفلاء ومصدر خطاب الضمان .
فضلا عن ذلك فان فكرة الغير تفتر وجود شخص ثالث ومع ذلك فانها تطبق على شخصين بمعنى أن احد الطرفين يجمع بين صفة الطرف والغير ، فمشترى العقار يعتبر خلفا خاصا لبائعه ولكن يتعبر فى نفس الوقت دائنا عاديا بالنسبة للالتزام بالضمان ، ومن الغير بالنسبة للتصرفات الأخرى غير التصرف فى العقار (49) .
كما أن الغير الأجنبى ليس بالضرورة كل شخص أجنبى كلية عن لأطراف فاذا كانت آثار العقد تنصرف ابليه بطريقة غير مباشرة أى يحتج بها فى مواجهنه فان ذلك يرجح بأن له أو من المحتمل أن يكون له على الأقل رابطة بأحد الأطراف لا تخوله صفة الدائن أو الخلف التى تقابل مركزا قانونيا محددا .

(ب) معيار أثر الاتفاق :

33- (أ) مضمونه : الالتزام بحسب طبيعته رابطة شخصية بين ذمتين أو أكثر (50) فاذا كان مصدر الالتزام الاتفاق فان هذا الاتفاق يعتبر حجة فى مواجهة الجميع erga omnes فالدائن يعتبر دائنا فى مواجهة الجميع مع أنه يعتبر دائنا فقط للمدين والمدين هو المدين فى أعين الجميع ، مع أنه ليس مدينا سوى للدائن ، فكل تصرف قانونى يعدل من مضمون حق سابق يخلق مركزا واقعيا جديدا وهذا المركز له فى حد ذاته وجوده الموضوعى المطلق الذى يفرض احترامه على الجميع ، وإن أضر بهم أو أفادهم بطريقة غير مباشرة .

34- فالاحتجاج بالعقد ينشأ عن اعتباره واقعة اجتماعية ، فى حين أن الأثر الملزم العقد ، فيتولد عن كونه تصرفا قانوني وهذا التمييز يجد أساسه فى رغبة أطراف العقد فى بسط آثاره على من ليس بطرف فيه أى أن له أثراً انعكاسيا تجاه الغير ورغبة الغير فى البقاء فى مأمن من كل اعتداء على حريته ، بإعمال الأثر النسبى للعقد وعلى ذلك فان هذا المعيار المبنى على التمييز بين القوة الملزمة للعقد والأحتجاج به يسمح بفض مثل هذا التنازع فالأثر الملزم لا يمس الغير فحريته مصونة وان كان يمكن الاحتجاج به فى مواجهة الكافة ، وذلك احتراما للطابع الاجتماعى للحقوق (51) .

35- وفائدة هذا التمييز يبدو فى تسكين الطائفة الوسط التى تسمى بالغير الوهمى والتى تطلق عليهم محكمة النقض المصرية ، بالأطراف ذوى شأن فى العقد وإدخالهم فى طائفة الأطراف ، حيث أنه متى سلمنا بأن الشخص الممثل representee يمكن أن يكون طرفا فى العقد دون ان يسهم فى إبرامه نظرا لأن الالتزامات المتولدة عن العقد تقع على كاهله فمن المنطقى امتداد أثر رضا بالعبد ومع ذلك يتعبرون ذوى شأن إيجابا أو سلبا فى العقد ، فتنصرف إليهم آثار القوة الملزمة للعقد على عكس الغير الذى يحتج فى مواجهته او يتمسك بالمركز القانونى المتولد عن االعقد .

36- تقدير نقدى : والواقع أنه لا يمكن تصور مبدأ النسبية أى القوة الملزمة للعقد بدون مبدأ الاحتجاج به فكل منهم يتضمن الآخر ، وإن كان كل منهم يتعارض فى ذات الوقت مع الآخر ، فان كلا منهم يكمل الآخر فالقوة الملزمة للعقد لا يمكن أن تجعل من الغير دائنا أو مدينا (52) ،وهى تبرر مسئولية المدين الذى يتعاقد مع الغير ، ويتعهد بتعهدات تتعارض مع تلك التى التزم بها فى مواجهة الدائن ، وفى المقابل فان القوة الملزمة لا يمكن أن تبرر إخلال الغير بالتزام عقدى (53) حيث يتم مساءلته مسئولية تقصيرية وهذه المسئولية لا تتولد عن العقد نفسه ولا تستمد منه مصدرها المباشر ، وإنما من الخطأ الناجم عن عدم احترام حق يعلم بوجوده ناجم عن وجود العقد وهو ما عبرت عنه محكمة النقض بأن الخطأ شبه التقصيرى من شأنه أن يرتب مسئولية الغير (54) .
فالاحتجاج ليس مجرد تطبيق للقوة الملزمة للعقد ، ولكن كلاهما يعتبران مجرد آلية تكميلية لضمان فعالية العقد وبالتالى إعمال الحق الشخصى .

37- وسوف نرى أن الاحتجاج باعتباره آلية تكميلية للقوة الملزمة للعقد يمكن أن يكون له أثره فى حوالة الحق أو الدين ، حيث تجعل من الغير مدينا فضلا عن أن القوة الملزمة للعقد تتوقف فعاليتها على الاحتجاج كأثر تكميلى يتمثل فى إلزام الغير بالقيام بعمل أو آداء شىء بمقتضى عقد ليس طرفا فيه وذلك فى جميع الحالات التى يكون محل العقد انتقال حق أو الحلول .

(جـ) المعيار المختلط :

38- ولكن هذا المعيار تجاهل مدى سلطة الشخص فى إبرام (55) ، أو إبطال أو تنفيذ العقد فضلا عن أن الفقه والقضاء كثيرا ما تخلط بين القوة الملزمة للعقد والاحتجاج به ، مما حدا بالبعض الى القول بأن مصطلح (( الاحتجاج )) يتسم بعدم الدقة (1) ولذلك ينبغى التوفيق بين هذا المعيار ومعيار مدى سلطة المتعاقد مع الأخذ فى الإعتبار المعيار الشكلى ومن هذا المنطلق سوف نقوم بدراسة هذا الفصل فى مبحثين :
نخصص الأول : لدراسة مدى امتداد القوة الملزمة لاتفاق التحكيم الى الغير .
ونتناول فى الثانى : مدى الاحتجاج باتفاق التحكيم فى مواجهة الغير .

المبحث الأول مدى امتداد القوة الاملزمة لاتفاق التحكيم الى الغير

39- اتفاق التحكيم كأى تصرف إرادى سواء أورد فى صورة شرط أم مشارطة لا تنصرف آثاره إلا الى طرفيه دون الغير طبقا لمبد نسبية أثر الاتفاق بيد أن إعمال هذا المبدأ الأخير يتوقف على تحديد من يعد ومن لا يعد طرفا ، وهذ التحديد يقتضى التفرقة بين الأطراف لحظة تنفيذه ، وقوام هذه التفرقة لاتمييز بين الأشخاص الذين أبرموا الاتفاق أو ساهموا فى إبرامه وأولئك الذين نفذواا الاتفاق أو ساهموا فى تنفيذه .

40- كما يثور التساؤل حول أثر تغيير المراكز العقدية على انتقال شرط التحكيم الوارد بالعقد الذى طرأ عليه مثل هذا التغيير وهذا التساؤل يدور حول مدى التعبارض أو التوافق بين استقلال شرط التحكيم والقوة الملزمة للقعد الأصلى الذى طرأ عليه التغيير ، فشرط التحكيم يرد عادة كبند فى العقد الأصلى ، وإن كان يتمتع باستقلال عن العقد الأصلى (( م 23 من قانون التحكيم )) ويقصد باستقلال شرط التحكيم أمران : الأول : إنه إذا كان الشرط باطلا فان هذا يجب ألا يؤثر فى العقد الذى يتضمنه ، والثانى : إنه إذا كان العقد نفسه باطلا أو فسخ فهذا لا يؤثر فى اتفاق التحكيم نفسه ولكن اتفاق التحكيم بوصفه تصرف إجرائى يرمى الى حل المنازعات التى قد تنشأ عن العقد الأصلى يتسم بالتبعية فالحق فى التحكيم بوصفه حقا إجرائيا هل يتمتع باستقلال عن الحق الموضوعى والإجابة عن هذا التساؤل محل لخلاف يمتد بجذوره الى النظرية العامة للدعوى حيث احتدم الخلاف حول مدى تبعية الحق فى الدعوى للحق الموضوعى .

41- وثور التساؤل أخيرا حول مدى امتداد القوة الملزمة لشرط التحكيم الوارد فى مجاميع العقود أو فى سلسلة العقود الى المراكز العقدية المركبة أو التبعية الناشئة عنها ، وهذا المبحث سوف نعرضه فى المطالب التالية :
المطلب الأول : الأطراف لحظة تكوين العقد المتضمن شرط التحكيم .
المطلب الثانى : الأطراف لحظة تنفيذ العقد المتضمن شرط التحكيم .
المطلب الثالث : مدى امتداد شرط التحكيم الى المراكز العقدية المركبة الناجمة عن (( مجاميع العقود )) .

المطلب الأول الأطراف لحظة تكوين العقد المتضمن شرط التحكيم

42- ونقصد بهؤلاء من ناحية الأشخاص الذين أسهموا فى تكوين العقد المتضمن شرط التحكيم ، واتجهت إرادتهم الى الارتباط به ومن ناحية أخرى الأشخاص الممثلون .
(1) الأشخاص الذين أبرموا أو ساهموا فى ابرام العقد المتضمن شرط التحكيم واتجهت إرادتهم الى الارتباط به :

43- من المسلم به اناتفاق التحكيم لا ينصرف اثره الى غير أطرافه ويجرى قضاء النقض المصرى على ذلك فقضى بأن آثار العقد وفقا لنص المادة 145 من القانون المدنى لا تنصرف الى غير الذى لم يكن طرفا فيه ولم تربطه صلة بأى من طرفيه سواء أكانت هذه الآثار حقا أم التزاما ، وإذا كان يبين من مدونات الحكم الطعون فيه أن الطاعنه ( المشترية ) قد اتفقت مع الشركة البائعة بمقتضى عقد البيع المبرم بينهما على أن كل نزاع ينشأ عن هذا العقد يكون الفصل فيه من اختصاص هيئة التحكيم واذا لم تكن الشركة الناقلة طرفا فى هذا العقد وتتحدد حقوقهاا والتزاماتها على أساس عقد النقل المبرم بينها وبين الشركة البائعة ، فان شرط التحكيم الوارد فى عقد البيع لا يمتد أثره الى الشركة الناقلة ، ولا يجوز التمسك به عند قيام النزاع بين هذه الأخيرة وبين الطاعنة ( المشترية ) تطبيقا لمبدأ القوة الملزمة للعقود (1) .
ويجرى القضاء الفرنسى على إعمال مبدأ نسبية أثر الاتفاق أيضا فقضى بأنه حيث أن الشركة (أ) شريكة فى الشركة (ب) وكلتاهم يعتبران فرعا فى المجموعة (ج) لا تخضع للأثر الملزم لشرط التحكيم الوارد فى العقد المبرم بين (ج) و(ب) حيث أن الشركة (أ) تعد من الغير بالنسبة لهذا العقد الأخير وورد بحيثيات الحكم أن محكمة الاستئناف كانت على حق إذا قررت بشأن شرط التحكيم الذى يخول الاختصاص لغرفة التحكيم والمدرج فى اتفاق مبرم بين شركة واحد إعضائها أنه لا يمكن الاحتجاج به فى نزاع بين العضو وشريك آخر فى الشركة الأولى لأن هذا الشريك لم يكن طرفا فى الاتفاق (1) .
كما قضى بأن شروط التحكيم التى وردت فى العقود التى تم على أساسها تسليم مجموعات اليكترونية الى قرية سياحية لا تلزم مستغل القرية الاذى تأثر بالاضطراب الناجم عن سوء استغلال هذه المجموعة لنه يعتبر من الغير بالنسبة لشروط التحكيم الواردة فى هذه العقود (2) ..
وقضى بأن االاشتراط لمصلحة الغير إذ استمل على شرط تحكيم والذى تم بين المشترط والمتعهد ، و لا يجوز للمنتفع أن يتمسك بشرط التحكيم (3) كما قضى فى قضية Sofidif بأ ن قواعد التحكيم لا تسمح بامتدد شرط التحكيم الى الغير وأن آثار الإتفاقية المتنازع عليها تعد عقبة أمام اختصام الغير وادخال ضامن (4) .

44- على أنه يجب أن تتجه إرادة الأطراف الذين ساهموا فى إبرام العقد المتضمن شرط التحكيم الى الارتباط به ويخضع تفسير هذه الإرادة لسلطة المحكمين ، ويتجه القضاء الى الأخذ بمفهوم واسع الارتباط ، حيث أسس قضاءه فى بعض الحغالات على فكرة الاعتقاد المشروع وفى بعض لحالات الأخرى على فكرة القبول الضمنى لشرط التحكيم .
ولكن البحث عن الإرادة الضمنية ليس بالأمر السهل وخصة فى عقود الاستثمار المبرمة بين الدول ، حيث يكمن خلف الارتباط بشرط التحكيم والرضا الضمنى به مسألة التنازل عن الحصانة القضائية ومن هنا يبدو واضحا ومفهوما تخبط االقضاء فى قبول التنازل الضمنى وتفسير اتجاه الإرادة الى الارتباط بشرط التحكيم .

45- ومما سبق يبدو جليا فيما انتهى اليه القضاء فى ( قضية وستلاند ) وتتلخص وقائع القضية فى أنه فى عىم 1975 اتفقت أربع دول عربية هى كل من مصر والسعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة وقطر على إنشاء الهيئة العربية للتصنيع ومنحتها الشخصية الاعتبارية (A.O.I ) وعهدت اليها بتنمية الصناعة الحربية وعلى وجه الخصوص بالتعاون مع الشركة البريطانية وستلاند هليكوبترز المحدودة والتى اتفقت معها فى 27/2/1978 على مشروع سمى (( بالشركة العربية للهيلكوبترز (A.P.H ) واتفق على أن الثيئة العربية للتصنيع تضمن تنفيذ هذا المشروع .
وفى أعقاب اتفاق كامب دفيد ، واعترااف مصر باسرائيل وضعت الدول اثلاثة حدا لتعاونها وطلبت تصفية الهيئة العربية للتصنيع وأوقفت فجأة الاستثمار فى مجال التسليح .

46- وعلى إثر ذلك التجأت شركة وستلاند هيلكوبترز المحدودة الى غرفة التجارة الدولية بباريس(1) ، إعمالا لشرط التحكيم الوارد فى الاتفاق المبرم بينها وبين الهيئة العربية للتصنيع ، وذلك فى 27/2/1978 مطالبة كلا من الهيئة والدول الأربعة الأعضاء فيها بتعويضها عن الأضرار التى ترتبت على عدم تنفيذ المشروع كاثر لانسحاب الدول الثلاثة المشاركة فى الهيئة .
نازعت الدول الأربعة فى صفتها كطرف حيث أنها لم توقع على شرط التحكيم ، دفعت شركة وستلاند بامتداد شرط التحكيم الى الدول الأربعة لا بسبب كون الهيئة العربية للتصنيع تعتبر ممثلة للدول الأربعة ولكن نظرا لأن الهيئة تتكون منهم وان إرادتهم اتجهت الى الارتباط بالاتفاق المبرم بينهما (1) .

47- قضت هيئة التحكيم باختصاصها واعتبرت الهيئة تسمو على ما هو وطنى من هيئات ، وتعد هيئة دولية غير خاضعة لأى نظام قانونى وطنى بحيث لا تملك أى من الدول المؤسسة لها تعديل نظامها بمفردها حتى ولو كان مقرها واقعا داخل إقليم دولة معينة واذا كانت نصوص الاتفاق المنظم لها ، يمنحها شخصية اعتبارية مستقلة فان مثل هذه الشخصية لا تعنى استبعاد مسئولية الدول المشاركة فيها لأنه من القواعد المعمول بها فى هذا الإطار أن كل من يكون طرفا فى اتفاق ذى طابق اقتصادى يفترض تحمله بالالتزامات المترتبة عليه وهذا الافتراض يبدو مطقيا وخاصة أن الدول الاربع أخطأت فى عدم تضمين الاعتقاد بالمشروعية تقتضيه المبادئ العامة وحسن النية (2) .

48- وسلم المحكمون بالبناء على ما تقدم وعلى ضوء الظروف التى أدت الى إنشاء الهيئة ، وما تضمنته الاتفاقية المنشئة لها والظروف التى دفعت الشركة المدعية بأن الهيئة العربية للتصنيع تعتبر بمثابة شركة تضامن حيث ان الدول الربعة لم تسع الى الاختفاء كلية وراء ستار الشخصية الاعتبارية بل حرصوا على أن يقوموا بدور الأطراف المسئولين الذين يباشرون دوراا بارزا فى إطار لجنة عليا وزارية تتكون من الوزراء المختصين فى الدول الأربعة ومكلفين بتنفيذ السياسة العامة للهيئة وفى حالة اختلاف الوزراو ينبغى الزجوع الى رؤساء دولهم ،فقرار الهيئة لم يكن مستقلا استقلالا تاما .
ومع ذلك فان المدهش أن هيئة التحكيم لم تناقش دور الدول الأربعة فى بدء تنفيذ الاتفاق أو فى فسخ الاتفاق , الواقع ان عدم تعرضها لذلك يرجع لاعتبارات سياسية (1) ، ويضاف الى م سبق أن الحكم اقتصر على تفسير إرادة الشركة المدعية دون إرادة الدولا لمدعى عليها حيث اعتقد المحكمون بأن الاتفاق المبرم بين الشركة المحتكمة والهيئة المحتكم ضدها مضمون تنفيذه من قبل الدول الأربعة المؤسسة لهذه الأخيرة وأسسوا حكمهم على فكرة الاعتقاد المشروع والتى مفادها اتجاه إرادة هذه الدول الى الارتباط بالاتفاق على التحكيم الوارد فى العقد المتنازع عليه رغم عدم توقيعهم عليه وقضوا باختصاصهم (2) .

49- والواقع أن ما انتهى اليه الحكم من حيثيات غاية فى الجرأة ويتفق مع الاتجاه المعصر فى إطار نظرية التحكيم الى الأخذ بمفهوم واسع لفكرة الطرف وهذا المفهوم يجد أساسه فى الواقع فى الأاخذ بنظرية الثقة Vertraue-nsthheorie وهذه النظرية كما سبق أن ذكرنا تاخذ بالإرادة التى استطاع من وجه اليه التعبير أن يتعرفها من خلال هذا التعبير مستعينا بجميع الملابسات الموضوعية التى يجب عقلا أن تدخل فى اعتباره .

50- وإذا كان إسباغ وصف الطرف أنما ينصرف الى من تتجه إرادته الى الارتباط بالاتفاق فان هذا الوصف لا ينطبق على كل من يرد ذكره بالاتفاق أنه أحد أطرافه طالما لم تتجه ارادته الى الارتباط به حتى لو كانت إجازته ضرورية لإبرامه ، ومن ذلك جهاز حماية عديمى الأهلية والأجهزة الإدارية للوصاية أو الرقابة .
وإعمالا للقاعدة السابقة فانه تثور مشكلة تتمثل فى مدى التوافق أو التعارض بين مبدأ القوة الملزمة لاتفاق التحكيم والاستقلال القانونى للأشخاص الاعتبارية العامة عن الدولة ، فالدولة تتمتع من ناحية بصفة السيادة أى بمزايا السلطة العامة وما يتبعها من حصانة قضائية ومن ناحية أخرى تمارس أعمال التجارة الدولية مما من شأنه أن يضفى على موقفها دربا من الغموض وفى هذا المقام يثور التساؤل حول قيمة توقيعها على العقود التى تبرمها الهيئات العامة التابعة لها , والتى تتضمن شرط تحكيم فما قيمة توقيعها ؟ هل يعنى اتجاه إرادتها الى الارتباط بالعقد وما تضمنه من شرط تحكيم أم أن هذا التوقيع تم بمقتضى ما لها من سلطة وصاية وبالتالى لا ينتج هذا التوقيع أى أثر قانونى تجاهها وهذا التفسير الآخر تبنته محكمة النقض الفرنسية فى قضية هضبة الأهرام .

51- وتدور قضية (( هضبة الأهرام )) حول تنفيذ عقود تتعلق ببناء واستغلال موقع سياحى تم تشييده على هضبة أهرامات الجيزة ، تم إبرام اتفاق – إطار بين الهيئة العامة للسياحة والفنادق (( ايجوث E.G.O.T.H)) وشركة جنوب الباسفيك S.P.P ومقرها هونج كونج وهذ الاتفاق لم يتضمن شرط اتحكيم وتم إبرام هذا الاتفاق فى 23/12/1974 .
وأعقب ذلك إبرام اتفاق إضافى فى 12/12/1974 ، وقعته شركة إيجوث وشركة جنوب الباسفيك وتضمن هذاا الاتفاق شرط تحكيم لدى غرفة التجارة الدولية ، وفى نهاية العقد ورد توقيع الطرفين فضلا عن توقيع وزير السياحة المصرى مسبوقا بعبارة ووافق ومؤكد ومصدق opproved agreed and ratified وفى اعقاب حملة عالمية ووطنية جارفة ضد المشروع اضطرت السلطات الإدارية فى مصر الى الرضوخ لها ووقف المشروع واعتبار هضبة الأهرام من المناطق الثرية ووقف أعمال المشروع وعدم صحة نقل حيازة الأراضى وتعيين حارس قضائى على الشركة المشتركة وشركة التنمية السياحية ، وإلغاء المشروع ككل .

52- وعلى أثر ذلك تمسكت الشركة الأجنبية بشرط التحكيم لدى غرفة التجارة الدولية (1) ، فى مواجهة كل من شركة إيجوث والحكومة المصرية ومطالبتها بالتعويضات ،ولكن الحكومة المصرية تسكت بأنه لا يجوز إخضاعها للتحكيم