المفهوم القانوني لمصطلح الاستحقاقراطية

 
الاستحقاقراطية أو الحكم بالاستحقاق أو الميرتقراطية (بالإنجليزية: Meritocracy) هي نظام إداري وسياسي تُسند فيه التكليفات والمسؤوليات إلى الأفراد على أساس “استحقاقهم” القائم على ذكائهم وشهاداتهم ودرجة تعليمهم، التي تقاس عن طريق التقييم أو الاختبارات.
من بين الميزات الجاذبة للدولة المدنية أنها دولة استحقاق (أو ما يعرف بالاستحقاقراطية) لا دولة عصبية أو محسوبية.  وأعني بذلك أنها دولة تجسد حقا مبدأ تكافؤ الفرص تكافؤا حقيقيا بحيث لا يعدو اسم الشخص أو انتمائه إلى فئة أو مجموعة أو قبيلة بعينها هو السبيل إلى نجاحه أو تبوئه منصبا أو استفادته من موارد الدولة أو تمكينه من الإسهام بالرأي والعمل الصائبين دون توجس منه أو شك في نياته واعتباره من خارج السرب.  إن الدولة التي تعتمد الاستحقاق منهجا لها دولة لحرية بأن تبني ولاءات منقطعة النظير بين أبناء شعبها من خلال تكريس حس المسؤولية والمِلكية (بكسر الميم وتسكين اللام) وإشاعة المشاركة بين الجميع حقا وممارسة.
إن منهج الاستحقاقرطية يعني ان الدولة بجميع عناصرها الرسمية وغير الرسمية تسعى إلى بناء قيادات شابة وتصفها في صفوف أفقية (بمعنى متعددة المجالات القانونية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والتجارية والعلمية والمهنية وغيرها) وأخرى عمودية (بمعنى متعددة المستويات من حيث التخصص والتعمق في المجال الواحد)، إلا أنه من الأهمية بمكان أن تنتقى هذه القيادات الشابة وفق معايير تتفق وحقوق الإنسان من حيث الشمولية والإنصاف وتكافؤ الفرص وتوازن النوع الاجتماعي والتوازن المناطقي، وألا تنتقى من بين المجموعات المحظوظة والقائمة حاليا كونها تعد من المجموعات المتحالفة والمتوائمة تلقائيا مع عقلية الإدارة الحالية، ولكن ينبغي أن تستهدف مجموعات أخرى كالمجموعات المهمشة تقليديا والأخرى التي لم تنل حظها من الالتفات والعناية أو الموارد المالية المتاحة والتي تتزايد في داخلها وتيرة الإحساس بالتهميش وبالتالي النقمة أو التربص ولربما يجعلها غير مهتمة أو لا مبالية باستقرار الوضع العام مما يفت في استدامة التنمية والتطور الحقيقي.
إن التركيز على مثل هذه المجموعات التي تمتلك حقا مكافئا للجميع في الاستفادة من مقدرات البلاد والمشاركة في بنائه بشكل أفضل يهدف إلى كسر حاجز التهميش هذا وضمها إلى صفوف المجموعات العاملة من أجل الوطن وتنشئة مصلحة نفعية تعضد القاعدة القيمية التي قد تكون ماثلة في نفسيات هذه المجموعات، وبذا يعمل الجميع (مع التركيز على كلمة الجميع) من أجل الوطن الذي يدرك الجميع المصلحة العليا من وجوده واستدامة تنميته وتطوره ونجاحه.
ومن أبرز ما يجب الالتفات إليه في سياق إدماج ثقافة الاستحقاقراطية في عماننا الحبيبة تمكين الشباب من تحديد أهدافهم وتخطيط حيواتهم العلمية والمهنية ووضع خطط لا تستدعي معارف أو واسطات أو محسوبيات ، وإنما تحتاج إلى فرصة لإثبات الذات وتحقيق نجاحات موصلة إلى الأهداف الفردية والتي بدورها ستوصلنا إلى أهدافنا الجمعية (الكلية) كمجتمع ووطن.  ومما لفت نظري كثيرا في الدول التي تنتهج الاستحقاقراطية سبيلا قصص النجاحات الحية والمتجددة التي خرجت بأشخاص عاديين لا ينتمون إلى أسر بعينها أو مجموعات بذاتها من إطارهم الضيق إلى إطار أرحب ، خدموا من خلاله بلادهم والعالم وأيقنوا والمجتمع من حولهم أن الخير موجود في الجميع إذا ما أتيحت الفرصة مؤسسيا ومنهجيا لهؤلاء الشباب لأن يبدعوا كل بطريقته ولو اختلفنا ذهنيا أو جيليا معهم.
وفي هذه الدول – على سبيل المثال – تجد المراكز الشبابية والمجتمعية (الحكومية منها والأهلية) منتشرة بشكل واسع بحيث يتحقق مبدآ الوصول والمعرفة، وهما مبدآت أساسيان من مبادئ حقوق الإنسان.  فمن خلال إدماج مبدأ الوصول أو النفاذ يتحقق للفتاة والفتى في كل ربوع الوطن إمكان الاستفادة من هذه المراكز التي نعتها بالشبابية لا يعني أنها رياضية فحسب أو أنه ليس لغير الشباب مكان فيها، وإنما نعتها يوضح الشريحة المستهدفة منها وصفة إدارتها، فالشباب يديرها والشباب هم وجهتها الأولى، وإنما يستفاد من غير الشباب في رفد المستفيدين من هذه المراكز وروادها بالتجربة والخبرة المتراكمة، ناهيك عن ردم الهوة الجيلية التي قد تنشأ في مثل مجتمعاتنا مع تزايد فتوة المجتمع ديموغرافيا ووتيرة الحياة العصرية.  كما أن مبدأ الوصول يضمن بنا أن جميع فتيان وفتيات المجتمع في شتى أنحاء البلاد يستطيعون أن يتخذوا قرارا بالاستفادة من مثل هكذا مراكز أو لا، وبالتالي يصبح في أيديهم قرار تغيير مصائرهم وأنماط حياتهم.
ومن خلال المعرفة ، بأوعيتها المختلفة ومشاربها المتعددة، يتحقق للفتاة والفتى في كل ربوع الوطن أن يتلمس طريقه داخل ذاته والسبيل إلى ربطها ومهاراته وقدراته بمجتمعه المحيط؛ مما يوجد أفرادا متصالحين ذاتيا مع أنفسهم ومع خارجهم.  إن المعرفة تبني إنسانا واثقا قادرا على تحديد هدف يتفق وما هو ميسر له، والمعرفة أداة تمكن الإنسان من اتخاذ قرار واع، وتمكنه من التقاط نفسه إذا هو أخطأ في التقدير وحاد عن جادة الصواب، وبذا تمكننا المعرفة ومثل هذه المراكز الشبابية من ألا نخسر فتاة أو فتى ضاعوا في بداية طريقهم، ونتيح للجميع التجربة والمحاولة اللذين من ديدنهما الخطأ والصواب. من خلال إتاحة فرصة المحاولة والتجربة وتقبل الخطأ كما نتقبل الصواب سيتكون لدينا مجتمع مستقر وواثق قادر على مجابهة أعتى الظروف الحياتية  والفكرية، وسيتكون لدينا جيل لا يلتفت إلى من هو إسما ومكانة بقدر ما هو عقلا وطاقة.