المفهوم القانوني للمحررات العرفية

أولاً: المقصود بالمحررات العرفية

المحررات العرفية :

هي تلك المحررات التي يصدرها الأفراد دون تدخل من موظف عام في تحريرها. ولا يهم بعد ذلك لما إذا كانت المادة التي يكتب عليها هي الورق أم القماش أم الجلد. كما لا يهم ما إذا كانت المادة المستعملة في الكتابة عليها هي الحبر أم القلم أم آلة حادة كالنقش. وسواءً كانت مكتوبة بخط اليد أم بآلة كاتبة أم مطبوعة. كما لا تهم لغة الكتابة.

والمحررات العرفية إما أن تكون معدة للإثبات مسبقاً. فيكون ذوو الشأن قد وقعوها مسبقاً لتعد بذلك أدلة كاملة للإثبات. وقد تكون غير معدة للإثبات ومع ذلك يعطيها القانون قوة الإثبات.

ثانياً: شروط المحررات العرفية المعدة للإثبات

أن يكون بالمحرر كتابة مدونة مثبتة لواقعة معينة
والكتابة هي التي تعبر عن الواقعة المثبتة في المحرر العرفي. ولا يشترط فيها أن تكون بخط موقع الورقة. وقد تكون بآلة كاتبة. ولا يشترط فيها لغة معينة. كما يمكن أن تكون برموز متفق عليها. كما لا يشترط فيها أن تتم بصيغة معينة أو بعبارات معينة.

أن تكون الكتابة موقعة من الشخص المنسوبة إليه
التوقيع هو الذي ينسب محتوى الورقة للملتزم بها أو لصاحب التوقيع بشرط أن يأتي التوقيع باسم الموقع ولقبه كاملين فلا يكفي التوقيع بالحروف الأولى أو التوقيع المختصر.

ولا يشترط أن يأتي التوقيع بالاسم الحقيقي للموقع. كما يمكن أن يأتي التوقيع بإمضاء الشخص أو بختمه أو بصمة يده.

ويلاحظ أن الورقة إذا خلت من التوقيع فإنها لا يكون لها حجية المحررات العرفية. وإنما يمكن اعتبارها مبدأ ثبوت كتابي إذا كانت بخط يد المدين.

والقاعدة في هذا الشأن أنه إذا ثبت توقيع أحد الخصوم على الورقة فإنها تصبح حجة عليه بما ورد فيها بصرف النظر عما إذا كان صلب الورقة محرراً بخطه أو بخط غيره.

التوقيع على بياض
يجوز أن يوقع الشخص على ورقة على بياض ويسلمها للدائن ليدون فيها ما تم الاتفاق عليه. ويحدث هذا كثيراً في الشيكات. فإذا ما ملأت الورقة بالبيانات بعد التوقيع فيصبح لها من الحجية ما للورقة التي كتبت أولاً ثم وقعت بعد ذلك.

وفي حالة ما إذا كان من سلمت إليه الورقة غير أمين وكتب بها بيانات غير حقيقية. فللطرف الأخر أن يثبت عكس ذلك وفقاً للقواعد العامة في الإثبات. ولا يستطيع أن يثبت عكس ما هو ثابت بالكتابة إلا بالكتابة.

وإذا نجح الشخص في إثبات أن هذه البيانات التي دونت على توقيعه على بياض غير صحيحة اعتبر الدائن مرتكباً لجريمة خيانة أمانة ويعاقب وفقاً لنصوص قانون العقوبات. وإذا كان من دون البيانات الغير صحيحة قد تعامل بالورقة مع الغير حسن النية الذي لا يعلم بحقيقة الورقة فلا يستطيع المدين أن يتخلص من التزامه قبل هذا الغير.

ثالثاً: حجية المحررات العرفية في الإثبات

للمحررات العرفية الحجية من ثلاث وجوه:

1- حجية المحررات العرفية بصدورها ممن وقعها
لأن الورقة العرفية لا يتدخل موظف عام في تحريرها بخلاف الورقة الرسمية. فيكفي الشخص إذا ما احتج بالورقة العرفية عليه أن ينكر ما بها من بيانات أو ينكر نسبتها إليه. حتى يقع على الدائن في المتمسك بهذه الورقة في هذه الحال عبء إثبات صدور التوقيع منه.

وعلى ذلك فإن الورقة العرفية تعد حجة بما دون فيها على من نسب إليه توقيعه عليها إلا إذا أنكر مضمون الورقة أو ذات التوقيع أو الختم وكان إنكاره صريحا وواضحاً فلا يكفي مجرد التشكيك في حصول التوقيع منه. كما أن سكوته لا يعتبر إنكاراً بل هو في هذه الحالة إقرار بأن هذه الورقة تخصه وأن البيانات المدونة بها صحيحة.

الاعتراف ببصمة الختم وإنكار التوقيع بها:

وقد يعترف المدين في الورقة العرفية بأن الختم ختمه. ولكنه ينكر أنه وقع به وذلك مقصور الحدوث على الحالة التي يكون فيها الختم قد فقد منه أو أعطاه لشخص غير أمين فاستغله. فهل نعتبر موقفه هذا عبارة عن إنكار للتوقيع فنكلف الدائن بإثبات حصول التوقيع؟ أم نعتبر أن موقفه هذا اعتراف بأن هذا توقيعه وعليه أن يثبت أن الدائن تحصل عليه بطريق غير مشروع؟. في الإجابة على هذا السؤال تردد القضاء بين الرأيين السابقين قبل أن يستقر على الرأي الأول وهو:

أنه إذا اعترف الخصم الذي تشهد عليه الورقة بأن الإمضاء أو الختم يخصه أو متى ثبت ذلك بعد الإنكار فلا يطلب من المتمسك بالورقة العرفية أي دليل آخر لاعتماد صحة الورقة. ولا يستطيع الخصم التنصل مما تثبته الورقة إلا إذا بين كيف وصل إمضاؤه أو ختمه الصحيح على الورقة وأقام الدليل على صحة ما يدعيه.

2- حجية البيانات المذكورة بالمحرر العرفي
إذا تقرر صحة نسبة محرر عرفي إلى شخص سواءً باعترافه أو ثبوت ذلك بعد الإنكار. فإن المحرر العرفي يصبح في قوة المحرر الرسمي وتكون له حجية في مواجهة أطرافه وبالنسبة للكافة. وبمعنى أخر أنه إذا ادعى من يتمسك ضده بالمحرر أو غيره أن البيانات المثبتة فيه أصابها التحوير أو الإضافة فلا سبيل إلى إثبات ذلك إلا بسلوك طريق الطعن بالتزوير.

ولكن اعتراف شخص بأن نسبة الورقة العرفية إليه صحيحة لا يمنعه من أن يدعي أن البيانات المدونة بها غير صحيحة. ولكن عليه هو إثبات صحة ما يدعيه في هذه الحال.

3- حجية تاريخ المحرر العرفي
إذا ثبت صحة التوقيع على محرر عرفي سواءً بإقرار الخصم أم بإثبات ذلك بعد الإنكار. فإن هذه الورقة العرفية تحوز الحجية في مواجهة أطرافها وبالنسبة للكافة. لكنها لا يكون لها حجة على الغير بالنسبة للتاريخ المدون بها إلا إذا أصبح التاريخ ثابت.

والتاريخ الثابت تكون حجيته في مواجهة الغير أقوى من حجيته في مواجهة أطراف المحرر العرفي. إذ أن تكذيب التاريخ الثابت من جانب الغير يستلزم اتخاذ سبيل الطعن بالتزوير. في حين أن تكذيب التاريخ العرفي بين الأطراف لا يستلزم أكثر من تقديم الدليل الصحيح طبقاً للقواعد العامة في الإثبات.

المقصود بثبوت التاريخ في الورقة العرفية

مما لا شك فيه أن الوسيلة الأولى التي تجعل التاريخ ثابت حتى يحتج به في مواجهة الغير هو تدخل شخص له صفة رسمية في تحديد تاريخ الورقة العرفية. والصورة الطبيعية لهذه الوسيلة هي قيد المحرر في السجل المعد لذلك في مكاتب التوثيق التابعة للشهر العقاري.

أما عن الوسائل الأخرى في طرق إثبات التاريخ فقد نصت عليها المادة 15 إثبات وهي:

إثبات مضمون المحرر في ورقة أخرى ثابتة التاريخ
التأشير على المحرر العرفي من موظف عام مختص
وجود خط أو توقيع لشخص توفى أو أصابه عجز جسماني
وقوع حادث يقطع بأن الورقة صدرت قبله

المقصود بالغير في ثبوت التاريخ:

لا يعني تعبير الغير بالنسبة لثبوت التاريخ أي شخص غير أطراف المحرر العرفي. وإنما الغير هنا له معنى خاص يقتصر على الشخص الذي يراد الاحتجاج عليه بالمحرر. ويشمل:

الخلف الخاص:

وهو كل من تلقى من سلفه حقاً عينياً على عقار. كالمشتري الذي يعتبر خلفاً للبائع. فمشتري العقار المؤجر يعتبر من الغير بالنسبة لعقود الإيجار الصادرة من البائع ولا تسري في حقه إلا إذا كانت لها تواريخ ثابتة سابقة على شرائه العقار.

الدائن الحاجز:

هو الذي أوقع حجز على مال مملوك للمدين سواءً تحت يد المدين نفسه أو تحت يد الغير. وهو يعد من الغير بالنسبة للتاريخ فلا ينفذ في حقه إلا إذا كان ثابت وسابق على الححز.

الدائن المرتهن

الدائن المرتهن هو الذي يتمتع برهن على أحد عقارات المدين. وهو يعد من الغير بالنسبة لعقود الإيجار التي أبرمها المدين على العقار المرهون. فلا يسري التاريخ في حقه إلا إذا كان ثابت وسابق على تنبيه نزع الملكية.

الدائن الذي يرفع دعوى عدم نفاذ التصرفات

إذا رفع الدائن الدعوى البولصية. فإنه يعتبر من الغير بالنسبة لتصرف مدينه الذي أضر به وبالضمان العام. فيجب أن يكون هذا التاريخ ثابت حتى ينفذ في حقه.

دائنو المفلس

وكذلك يعد دائنو التاجر المفلس من الغير بالنسبة لمعاملاته المدنية حيث يرتب القانون على شهر إفلاس التاجر رفع يده عن إدارة أمواله. فلا يكون التصرف الذي يجريه نافذا في حق دائنيه إلا إذا كان تاريخ ثابت سابق على إشهار الإفلاس.

ضرورة توفر حسن النية

يترتب على اعتبار كل من ذكرناهم من الغير أن تاريخ المحرر العرفي لا يكون حجة عليهم إلا إذا كان ثابتاً ولا يطلب منهم إثبات عدم صحة هذا التاريخ. بل يكفيهم أن يتمسكوا بعدم ثبوته حتى لا يحتج به في مواجهتهم. ولكن يشترط لإمكان ذلك أن يكون الغير حسن النية. أي أنه لا يعلم وقت إبرام التصرف أن تصرفه كان يسبقه التصرف المثبت بالورقة العرفية.

من لا يعتبر من الغير:

إذا كان الغير محصوراً في الأشخاص المذكورة آنفاً فكل ما عداهم يسري عليه تاريخ الورقة العرفية حتى ولو لم يكن ثابتاً وفقاً للمعنى المتقدم ذكره. وعلى ذلك فالدائن العادي والخلف العام لا يلزم ثبوت تاريخ الورقة للاحتجاج بها عليه.

استثناء المخالصات من قاعدة ثبوت التاريخ:

ويستثني القانون المخالصات من قاعدة ثبوت التاريخ في خصوص ما إذا حجز الدائن ما لمدينه لدى الغير فقدم مدين المدين مخالصة تفيد وفاءه. فلا يطلب منه أن تكون المخالصة ثابتة التاريخ قبل توقيع الحجز. ولما كان من المحتمل تغيير تاريخ المخالصة إضراراً بالدائن الحاجز. فقد جعل القانون هذا الاستثناء جوازي للقاضي فله أن يحكم به إذا ما وجد من ظروف الدعوى ما يبرر عدم تطلب ثبوت تاريخ المخالصة.

حجية صور المحررات العرفية

الأصل أن صور المحررات العرفية ليس لها حجية في الإثبات. ذلك أن الصورة تكون نسخة من الأصل وتكون خالية من التوقيع. ومع ذلك فإن هناك نوع من المحررات العرفية كان ينبغي على المشرع أن يجعل لصورتها قوة في الإثبات. وهي المحررات العرفية المسجلة. فهذه المحررات تتقضي قواعد الشهر أن تحفظ أصولها في مكاتب الشهر العقاري ويعطى منها صورة ضوئية أو فوتوغرافية لذوي الشأن. لكن المشرع لم يجعل لهذه الصور الحجية.