التمييز بين التقييد الإحتياطي و أسباب الحجب أو الفسخ و القيود على حق التصرف
محمد ابن الحاج السلمي

موثق

لقد رأينا أن إتخاذ تقييد احتياطي واحد أو تقييدات إحتياطية متعددة بالرسم العقاري الواحد أو بعدة رسوم عقارية عائدة لمالك واحد أو لملاكين غير مختلفين يمكن أن يعرقل حرية التصرف بالعقار أو العقارات أو الحقوق المعينة إذا ما أصبح هذا العقار أو هذه العقارات أو الحقوق موضوع نزاع حقيقي و ذلك بكيفية فعلية وواقعية و بدافع نفسي فقط رغم أن هذه العرقلة ليست قانونية ولا بقوة القانون.

و السؤال المطروح هنا هو هل يمكن أن نعتبر التقييد الإحتياطي في هذه الحالة بمثابة سبب من أسباب الحجب أو الفسخ أو أحد القيود على حق التصرف؟

إن موضوع التقييد الإحتياطي في المغرب هو إما الحفاظ المؤقت على حق متعلق بعقار محفظ و إما إشهار دعوى مرفوعة لدى القضاء ترمي إلى المطالبة بحق ما أو بإسقاط عقد منشئ أو مغير لحق عيني مقيد. حيث ينص الفصل 13 من القانون رقم 39.08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية على أن ” الدعاوى الرامية إلى إستحقاق عقار محفظ أو إسقاط عقد منشئ أو مغير لحق عيني لا مفعول لها تجاه الغير إلا من تاريخ تقييدها بالرسم العقاري تقييدا إحتياطيا”.

في حين يختلف موضوع القيود على حق التصرف أو أسباب الفسخ أو الحجب بصفة عامة عن موضوع التقييد الإحتياطي من جهة أولى كما يتميز موضوع كل من القيود على حق التصرف أو على حق الملكية ككل عن موضوع أسباب الفسخ أو الحجب بصفة عامة أيضا و من جهة أخرى.

و هكذا فموضوع القيود على حق التصرف أو على حق الملكية ككل يتجلى في منع المالك من التصرف في عقاره و بالخصوص بالتفويت أو الكراء أو الرهن و لمدة معينة أو قابلة للتعيين و محددة أيضا في العقد أو على الأقل غل يده في ذلك و بالتالي تقليص حريته في التصرف إلى حدود ضيقة و ضمن شروط محددة أيضا في العقد أو كذا فرض إلتزامات قانونية معينة عليه كمثل خضوع تصرفه لإذن مسبق من الطرف المشترط للقيد و ذلك إما تحقيقا لمنفعة عامة أو خاصة للمشترط أو للمشروط عليه أو كذا لرفع مضار الجوار و عدم التعسف في إستعمال الحق.

أما موضوع أسباب الفسخ أو الحجب بصفة عامة فيتجلى في تحقيق زوال الإلتزام المتعلق على شروط فاسخة أو المقرون بآجال فاسخة في حالة تحقيق هذه الشروط أو إنصرام هذه الآجال الفاسخة بالنسبة لأسباب الفسخ أو على العكس من ذلك تعليق تمام الإلتزام على تحقيق أو عدم تحقيق شروط واقفة أو عدم وجود موانع قد تكون أحيانا مفروضة بمقتضى القانون تحول دون إنشاء أو إنتقال حق من الحقوق بالنسبة لأسباب الحجب بصفة عامة.

هذا و يكون تقييد القيود على حق التصرف أو حق الملكية أو أسباب الفسخ أو كل أسباب الحجب الأخرى و تضمينها ببيان في الرسوم العقارية المعينة واجبا حسبما تفرضه مقتضيات الفصل 69 من ظهير 12 غشت 1913 بشأن تحفيظ العقارات كما وقع تغييره و تتميمه بمقتضى القانون رقم 14.07 حيث ينص هذا الفصل في فقرته الخامسة على أنه ” و عند الإقتضاء بيان ما يطلب تقييده في نفس الوقت الذي يطلب فيه تقييد الحق الأصلي من أسباب الفسخ أو قيد على حق التصرف أو أي تقييد خاص آخر…”.

و هكذا يتجلى الفرق بين موضوع التقييد الإحتياطي و موضوع كل من القيود على حق التصرف أو أسباب الفسخ أو أسباب الحجب بصفة عامة كما يتجلى الفرق بين التقييد الإحتياطي كإجراء تحفظي و كبيان ( النص المختصر الذي يحرر بالرسم العقاري ) و بين تقييد القيود على حق التصرف و أسباب الفسخ و الحجب كتقييد منتج لكل آثاره القانونية التأسيسية و لقوته الثبوتية و حجيته.

و لهذا التمييز أهمية كبيرة نظرا لكون آثار هاتين المؤسستين مختلفة كما أن قواعد تضمينها بالرسوم العقارية متباينة أيضا.

و هكذا فإذا لم تكن القيود على حق التصرف أو أسباب الفسخ أو أسباب الحجب بصفة عامة ناتجة عن التحفيظ أو عن العقد المنشئ للحق الأصلي المقيد فإنه لا يمكن تقييدها بالرسم العقاري إلا برضاء صاحب التقييد الذي تتعلق به و ذلك عملا بمقتضيات الفصلين 69 و 70 متكاملين من ظهير 12 غشت 1913 بشأن تحفيظ العقارات كما وقع تغييره و تتميمه بمقتضى القانون رقم 14.07 ولو في حالة إرتكاز المستفيد منها على عقد رضائي يحمل إلتزام المالك المقيد.

بينما لا يتطلب إتخاذ التقييد الإحتياطي رضاء المالك المقيد أو المنتفع من التقييد المطعون فيه كما سنرى إلا في حالة التقييد الإحتياطي المتخذ بمقتضى سند و في الحالة الخاصة المنصوص عليها في القانون رقم 44.00 المتعلق ببيع العقار في طور الإنجاز.

هذا من جهة أما من جهة أخرى فإنه يصعب أحيانا تحديد ميدان كل من هذين البيانين ( التقييد الإحتياطي و القيود على حق التصرف أو أسباب الفسخ أو أسباب الحجب) ومدى أو نطاق كل واحد منهما.

فالفصل 34 من القانون الفرنسي المطبق في أقاليم لا موزيل الأعلى و الأسفل و اللورين و المؤرخ في 1 يونيه 1924 كان قد أعطى تحديدا غير إسمي للقيود على حق التصرف بينما لم يعط القانون المغربي بصفة عامة و الفصل 69 من ظهير 12 غشت 1913 بشأن تحفيظ العقارات كما وقع تغييره و تتميمه بمقتضى القانون رقم 14.07 بصفة خاصة أي إيضاح حول أسباب الفسخ و القيود على حق التصرف التي يرى إمكانية تقييدها إن وجدت.

وهذا راجع إلى أنه لم يكن يوجد في تاريخ تأسيس نظام التحفيظ العقاري بالمغرب أي نص تشريعي موحد يطبق على جميع الأشخاص كيفما كانوا و كيفما كانت جنسياتهم و كذلك كيفما كان إنتسابهم الديني. حيث كان آنذاك كل شخص و حسب ما كانت تتضمنه مقتضيات ظهير الوضعية المدنية للفرنسيين و الأجانب بالمغرب خاضعا لقانونه الوطني فيما يتعلق بحالته المدنية و الشخصية و أهليته و كذلك فيما يتعلق بالتركات التي يكون موضوعها أموال منقولة أو عقارية موجودة بالمغرب و فيما يتعلق أيضا بصلاحية و آثار المقتضيات المتعلقة بالوصية و بالتالي فقد وجدت آنذاك أنواع كثيرة و متعددة و مختلفة لأسباب الحجب بصفة عامة.

لذلك صعب على المشرع المغربي آنذاك على ما يبدو أن يعطي تعداد و لو نسبيا لأسباب الحجب أو الفسخ و القيود على حق التصرف هاته. إلا أنه كان عليه في مثل هذه الحالة كما ذهب إلى ذلك بعض الفقه أن يعتمد بعض القيود على حق التصرف الموجودة في كل الدول كالوعد بالبيع و البيع بشرط واقف و البيع بشرط الإسترداد بوصفها قيودا على حق التصرف أو أسباب للفسخ بصفة عامة لا بوصفها إلتزامات فقط.

كما أنه كان على المشرع المغربي وهو بصدد سنه للقانون رقم 14.07 المتمم و المغير لظهير 12 غشت 1913 بشأن تحفيظ العقارات أن يحدد ولو على سبيل المثال لا الحصر بعضا من القيود على حق التصرف و أسباب الفسخ و أسباب الحجب التي وقع إعتمادها في الميدان العقاري بالأخص.

وفي هذا الإطار تجدر الإشارة إلى أن القانون التونسي المؤرخ في 12 يبراير 1965 كان قد سبقنا إلى ذلك و حسم الأمر في الفقرة الأولى من المادة 366 منه حيث تنص بكيفية صريحة على أنه : ” يمكن أن يقيد إحتياطيا كذلك :

ما يتم إنشاؤه و إحالته من حقوق عينية و يكون مقرونا بشرط تعليق و كذلك الوعود بالبيع عدا الحق الممنوح للمكتري أو صاحب الأمفيتيوز في شؤاء العقار”.

من جهة أخرى و بصفة عامة فإن القيود على حق التصرف و أسباب الفسخ و أسباب الحجب وكما رأينا تدخل حتما في ميدان التقييد المنصوص عليه في الفصل 69 من ظهير 12 غشت 1913 بشأن تحفيظ العقارات كما وقع تغييره و تتميمه بمقتضى القانون رقم 14.07 من إعطاء المعني بالأمر إمكانية اللجوء إلى التقييد الإحتياطي إذا أراد أن يحافظ على حقه في حالة ما إذا كان مهددا مما يحتم علينا مزيدا من الإيضاح يمكننا من أن نقيم فرقا أساسيا بين المؤسستين.

إلا أنه و قبل ذلك يجدر بنا أن نلاحظ بأنه فيما عدا القيود على حق التصرف فإن القانون رقم 39.08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية شأنه شأن ظهير 2 يونيه 1915 الذي عوضه و ألغاه لم يتطرق في ميدان الملكية العقارية و الحقوق العينية العقارية للقيود على حق التصرف الاتفاقية و تلك المقررة منعا لإساءة استعمال الحق.

كما أن ظهير الالتزامات و العقود نفسه لم يقرر تلك القيود و لم يأخد بها صراحة كقيود على حق الملكية أو على حق التصرف و إنما أخذ بها ضمنيا فقط.

وهذا ما يتجلى من مقتضيات الفصل 492 من ظهير الإلتزامات و العقود حيث يمكن القول بأن المشرع المغربي يأخد بالقيود الإتفاقية بصفة خاصة و هي التي تعنينا بالدرجة الأولى. إذ ينص الفصل المذكور على أنه بمجرد إنعقاد البيع يسوغ للمشتري التصرف في الشيء المبيع ولو قبل حصول التسليم و ذلك ما لم يتفق المتعاقدان على خلافه. وهذا يعني أن العقد الذي يتضمن شرطا أو قيدا يمنع المشتري بمقتضاه من التصرف في الشيء المبيع قبل إنقضاء أجل معين يعتبر عقدا صحيحا أي بيعا صحيحا و يؤخد الشرط أو القيد بعين الإعتبار بحيث يلزم المشتري بتنفيذه ولا يمكنه التحلل منه إلا بعد إنقضاء الأجل المعين به و تحقيق الشرط.

من جهة أخرى فإننا نلاحظ أن مدونة الأسرة بدورها تقبل القيود الإتفاقية في ميدان الوصية حيث ينص الفصل 285 من المدونة على أنه ” يصح تعليق الوصية بالشرط و تقييدها به إن كان الشرط صحيحا و الشرط الصحيح ما كان فيه مصلحة للموصى أو للموصى له أو لغيرهما ولم يكن مخالفا للمقاصد الشرعية”.

هذا ومن جملة الشروط المخالفة للمقاصد الشرعية مثلا شرط المنع من التصرف المؤبد أي طيلة مدة تملك الشيء. فهذا الشرط بعتبر باطلا و بالتالي فإن قيد المنع من التصرف المؤقت لا يعتبر مخالفا للمقاصد الشرعية و يقع صحيحا.

ورغم أن هذا النص القانوني وهو متعلق بالوصية و قاصر عليها فإنه بإستطاعتنا تعميمه على جميع التصرفات القانونية عن طريق القياس و القول بالتالي بأن الشروط و القيود الإتفاقية غير المخالفة للمقاصد الشرعية و غير المخالفة للنظام العام تعتبر صحيحة و يعمل بها بل يمكننا أن نقول بصفة عامة بأن المشرع المغربي يجيز هذه القيود الإتفاقية إذا كانت فيها منفعة مشروعة لأحد المتعاقدين أو لغيرهما و إذا كانت محددة في الزمن أي مقرونة بأجل محدد و معقول حتى لا تضار حقوق الطرف المشروطة عليه و حتى لا يتوقف إستغلال الشيء محل الحق.

ويكون تحديد مدة سريان آثار هذه القيود الإتفاقية في العقد و إلا فيحددها القاضي عند النزاع في الأجل المعقول و المألوف الذي لا يمكن تجاوزه حسب المعايير المعمول بها قضاءا.

ومع ذلك فإنه يمكن القول بأنه بالإستناد إلى الفصلين 85 و 86 من ظهير 12 غشت 1913 بشأن تحفيظ العقارات كما وقع تغييره و تتميمه بمقتضى القانون رقم 14.07 نرى بأن آثار التقييد الإحتياطي في المغرب محددة بكيفية دقيقة من حيث المدد بإستثناء التقييد الإحتياطي المبني على مقال دعوى كما سنرى و ذلك على عكس أسباب الفسخ أو الحجب و القيود على حق التصرف فإن آثارها و مددها غير محددة في القانون ولا يمكن إبطالها و التشطيب عليها إلا إذا إنعدم موضوع هذه الأسباب أو القيود.

هذا و تجدر الإشارة إلى أن ميدان التقييد الإحتياطي في المغرب كما حددناه ضيق بالنسبة لما يعمل به في ألمانيا حيث إن مدته غير محدودة و يشمل عادة حتى القيود على حق التصرف و إشهار أسباب الحجب حتى أنه في بعض الحالات يعطي هذا القانون لأطراف العلاقة حق الإختيار بين تقييد قيود حق التصرف و بين تقييدها إحتياطيا كما في حالة البيع المشروط لعقار ما و كما في حالة الوعد بالبيع.

وهذه الحلول يمكن أن تطبق في المغرب ما دام بإمكان التقييد الإحتياطي أن ينتج آثاره في الزمن كما سنرى.

ومع ذلك فنحن نرى بأنه على المشرع المغربي و رفعا لكل إلتباس أن يجذو حذو المشرع الألماني فينظم صراحة إمكانية التقييد الإحتياطي لأسباب الحجب و أسباب الفسخ و القيود على حق التصرف في الوقت الذي تكون منازعا فيها و يتطلب إثبات وجودها على إعتراف القضاء و بذلك بكيفية أصلية و بمعزل عن الحقوق التي تكون أساسا لإنشائها و تكون في نفس الوقت محلا لها. بمعنى ألا يكون تقييدها الإحتياطي تبعيا و بمناسبة التقييد الإحتياطي للحقوق المتحملة بها.

هذا و في هذا السياق يظل السؤال الأساسي الذي كنا قد طرحناه عالقا و يتعين علينا الإجابة عنه وهو كالتالي :

هل يمكن إعتبار التقييد الإحتياطي نفسه أحد القيود على حق التصرف ؟ أو كذلك أحد أسباب الفسخ أو الحجب؟

إن الجواب سيكون بالنفي قطعا و بلا شك. إلا أننا نفصل ألا نعلل أو نبرر الجواب عاجلا و أن نترك حب الإستطلاع يعرج بنا على أهم مراحل البحث و يوصلنا بدون عناء شديد إلى مدارج هذا التبرير.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت