الفلسطينيون في لبنان وحقوقهم المدنية ‘

أ. نظرة موجزة في الخلفية التاريخية-عود على بدء:

لا أدري ما هي المشاعر التي كانت تخالج سايكس و بيكو ، قنصلا بريطانيا وفرنسا في لبنان، عام 1916 عندما وضعا امامهما خارطة المنطقة ، وبالمسطرة والقلم قسّما المشرق العربي الى مشاريع دويلات، او بالأحرى حددوا نصيب كل من دولتيهما في هذا الجزء من العالم ، الذي عُرف طوال القرن التاسع عشر باسم الرجل المريض؟! وهل كان في حسبانهما غير مصالح بلديهما الإستعمارية بمنأى عن رأي شعوب المنطقة ومصالحها؟!

وهل كان بلفور عام 1917 يدرك بدوره أن وعده بإعطاء القسم المقتطع باسم فلسطين لشعب الله المختار ، انما يغرس بذور فتنة بشرية ، ويرتكب احدى افظع جرائم التاريخ الحديث بحق شعب آمن ومستقر في أرضه منذ بدايات التاريخ ، لتستوطنه عصابات مريضة حاقدة على البشرية جمعاء ، فترتكب بحق هذا الشعب جرائم ضد الإنسانية وإبادات تسببت بإجباره على ترك ارضه وإقتلاعه منها نحو ديار الشتات، ولتستولي عليها بعقلية استعمارية إستيطانية ممنهجة .

هل كان في مدى التصور أن بدايات كهذه ، وعلى أيدي العابثين بالتاريخ والجغرافيا والمتلاعبين بمصائر الشعوب وأقدارها، سوف يترتب عن تصرفهم نتائج وخيمة، وصراعات إمتدت زمناً لتشهد حربين عالميتين، عدا عن الحروب اللاحقة التي ذاقت ويلاتها المنطقة بكاملها، وعجزت أول مؤسسة دولية، تمثلت بعصبة الأمم عن إيجاد حل لها، لترثها المؤسسة الدولية التالية، ممثلة بالأمم المتحدة، إذ تفاقمت الوقائع والنتائج وتسببت بتداعيات مرة وأليمة

بحق البشرية جمعاء ، التي استقبلت الألفية الجديدة متوجةً بأزمة ونكبة شعب فلسطين، بعد ان استنفدت هذه القضية نصف القرن الماضي كحد أدنى إذا لم نقل القرن بكامله .

نطرح هذه التساؤلات لندلل على عجز البشرية عن إيجاد حلول ناجعة لقضية تؤرّق العالم من أقصاه إلى أقصاه، وتهدد أمنه وسلامه، ولنؤكد بعد هذا الزمن المديد الذي عجز بدوره أن يطوي الصفحة الفلسطينية، بفعل تمسك أصحابها بحقهم المشروع معتصمين بإرادة صلبة وعزيمة لم تعرف اللين او الإنكسار، رغم النكبات المتتالية التي لحقت بهم، ولنقول بصوت عال أن العالم بإجمعه لن يعرف الطمأنينة والسلام ما دام حائل يحول دون تمكين هذا الشعب من تحقيق مصيره. لأن ميزان العدالة سوف يبقى مائلاً، ومجموعة مفاهيم القيم الإنسانية والأخلاقية سوف تبقى في ثلاجة الضمير الإنساني أو مكب النفايات البشرية .

مما لا جدال حوله أن المسألة الفلسطينية تعدت منذ بدايات تكوينها، ان تكون مسألة ذاتية محدودة التأثير بين غرباء قدموا لاستعمار أرض، وشعب يقاوم احتلالهم لإجلائهم عنها، وبالأحرى نحن أمام أخبث وأدهى حالات الإستعمار الإستيطاني، الذي لم يعرف مثيلاً له في تاريخ سابق، إلا في الأمريكيتين حيث جرت إبادة الهنود الحمر سكان البلاد الأصليين، او ما جرى في جنوب افريقيا حيث فرض نظام (الأبرتايد) على السكان المحليين الذين استطاعوا بإرادتهم ونصرة العالم لهم تقويض أسس هذا النظام العنصري،الذي أزيل من الوجود والذي لا شبه له إلا النظام الصهيوني. نقول أن المسألة الفلسطينية تعدت ذاتيتها لتغدو ومنذ البدايات مسألة عالمية لها علاقة بمراكز القوى الدولية و بالتوازنات العالمية .

لقد تصدرت قضية فلسطين عناوين المؤتمرات والمنابر الدولية منذ تأسيس الأمم المتحدة وحتى اليوم. وحازت على ما لا نهاية له من القرارات الدولية الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة وعن مجلس الأمن الدولي. وتصطدم هذه القرارات بجدار الحماية الذي توفر بقيام دولة إسرائيل، تارةً تحت عنوان التكفير عن عقدة الذنب التي تسببت بها النازية بحق اليهود، وتارةً أخرى بالمصالح الكبرى للدول الإستعمارية في المنطقة ، وآخراً وليس أخيراً بالتفرد الأمريكي على القرار الدولي ، وهيمنته على العالم متسلحاً بجبروته وقوته المتعاظمة . بحيث بقيت هذه القرارات في أرشيف المنظمة الدولية ، دون أن تسلك مسارها نحو التنفيذ العملي إحقاقاً لحق الشعب الفلسطيني، وترجمةً عملية لمبررات وجود المنظمة الدولية وشرائعها

إن قضية شعب فلسطين بمنظار حقوق الإنسان، هي قضية عادلة، تتنوع وتتعدد الأسس القانونية التي تستمد عدالتها منها.فهناك الميثاق الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان ممثلاً بالإعلان العالمي والعهدين الدوليين ومجمل الشرائع الدولية الأخرى بما في ذلك قرارات الأمم المتحدة، وهناك أيضاً القانون الدولي الإنساني المعروف بإتفاقيات جنيف وبروتوكولاتها.

في مداخلتنا هذه لن نتطرق إلا إلى بعض العناوين.

المنظمة الدولية في ميثاقها الصادر عام 1945 قد وضعت في ديباجتها الرغبة بإنقاذ (الأجيال المقبلة من ويلات الحرب التي في خلال جيل واحد جلبت على الإنسان مرتين أحزاناً يعجز عنها الوصف) وتأكيدها على الإيمان (بالحقوق الأساسية للإنسان وكرامة الفرد). وحدّدت في مقاصدها في المادة الأولى من الميثاق( حفظ السلم والأمن الدولي ) و(إنماء العلاقات الودية بين الأمم على أساس إحترام المبدأ الذي يقضي بالتسوية في الحقوق بين الشعوب وبأن يكون لكل منها تقرير مصيرها )

أما الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وكذلك العهدين الدوليين قد تضمنا نصوصاً محددة تحفظ للإنسان حقه العيش بكرامة، إنطلاقاً من كون هذه الحقوق هي حقوق أساسية غير قابلة للتنازل عنها. وجاءت إتفاقيات جنيف بمجملها، وخاصة الإتفاقية الرابعة لتوفر الحماية للمدنيين في زمن الحرب، والأهم من ذلك ما ورد في البروتوكول الثاني لهذه الإتفاقيات من توفير الحماية لأفراد المنظمات التي تناضل من أجل قضاياها ومعاملتها معاملة أسرى الحرب.

ومن المعروف أنّه سبق قيام كيان دولة إسرائيل صدور قرار عن الجمعية العامة للأمم المتحدة قضى بالتقسيم، تجاوزته دولة اسرائيل باحتلالها لكامل اراضي 1948، متجاهلة القرار الدولي، كما تتجاهل القرار رقم 194،القاضي بإعادة الفلسطينيين الى ديارهم. وما يقتضي ذكره أن الدولة المذكورة هي الوحيدة في العالم التي قُبلت عضويتها في المنظمة الدولية بشروط تطبيقها لقراري التقسيم وعودة اللاجئين. ومع أن حروباً عربية اسرائيلية قد شهدتها المنطقة في الفترة الماضية، واستطاعت اسرائيل بنتيجتها ان تحتل كامل التراب الفلسطيني بالإضافة الى اراض عربية أخرى في الجولان وجنوب لبنان أدت لصدور العديد من القرارات الدولية بهذا الشأن، تتغاضى الدولة المذكورة عن تطبيقها متجاهلة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، الذي ما زال يناضل للحصول عليها رغم انتهاك اسرائيل لكافة المواثيق الدولية ، وارتكابها لجرائم المجازر والإبادات الجماعية.

ولعل الخطأ التاريخي بحق شعب فلسطين بعد نضاله المرير، قد تجدد بإلغاء القرار الدولي رقم 3339 لعام 1974 الذي كان يعتبر الصهيونية شكلاً من أشكال العنصرية

وما كان لهذه الدولة التي تمارس العنصرية بامتياز أن تقدم على ما أقدمت عليه لولا استظلالها بالحماية الأميركية التي وفّرتها لها من خلال الهيمنة على قرارات مجلس الأمن الدولي والتسلط على المنظمة الدولية. وفي زمن صاغت فيه البشرية مجموعة من الشرائع الدولية التي تحرم فيها التعذيب وجرائم الإبادة الجماعية وأوجدت آليات دولية محددة للمساءلة لعل أبرزها المحكمة الجنائية الدولية التي أعلنت أميركا الحرب عليها،حمايةً لمجرمي الحرب من جنودها ومن جنود دولة اسرائيل، للإفلات من العقاب والمساءلة

إمتدت معاناة اللاجئين الفلسطينيين لتطال اللاجئين منهم في مختلف ديار الشتات، حيث جرى التضييق عليهم وانتهاك حقوقهم تبعاً لتقلبات الأوضاع السياسية في هذا البلد أو ذاك، ولعل ما حصل لهم في ليبيا في لحظة من اللحظات وترحيلهم، مروراً بإنتكاسات حروب الخليج عليهم، ووصولاً الى معاناتهم في العراق بعد سقوط النظام السابق وتجمع بعض المواطنين في مخيمات على الحدود الأردنية والسورية… ومن دون أن ننكأ الجراح ونذكر بحرب المخيمات في لبنان وما جرّته من كوارث وعواقب على اللاجئين الفلسطينيين .

ب.واقع الفلسطينيين في لبنان:

1-نظرة مختصرة بواقع معروف

إن الواقع الفلسطيني في لبنان هو مر وأليم ويشكل صفحة سوداء في تاريخ هذا البلد، إذ وصلت الأمور الى حد حرمانهم من كافة الحقوق المدنية والإقتصادية والإجتماعية المحفوظة لهم بحكم المواثيق الدولية. ولا نغالي إذا قلنا أن حرمان الفلسطيني من حق التملك بموجب قانون صادر عن السلطة الشريعية هو عمل عنصري بامتياز .

على مرمى حجر من هنا، من قاعة بلدية صيدا، يقع مخيم عين الحلوة، الذي يجسد بشكل حسي الواقع المأساوي للمعاناة الفلسطينية، من كافة جوانبها. فهو مخيم محاصر، مغلق، مقتظ بسكانه، يضم أكبر تجمع بشري من فلسطينيي لبنان، يفتقر الى أبسط متطلبات الحياة والعيش بكرامة، ولو بحدودها الدنيا، لا توجد بنية تحتية، وشبكة المرور في أزقة ضيقة تصب فيها المياة الآثنة والملوثة. لا أعتقد أنني بحاجة لوصفه، فهو يكاد يكون وضعه معروفاً من كافة المتواجدين في هذه القاعة. والمخيمات الأخرى التي تبقت بعد الحرب الأهلية اللبنانية ليست بأحسن حال من مخيم عين الحلوة. هذا إذا تذكرنا أن هناك مخيمات جُرفت عن بكرة أبيها ، وامحت من الوجود من بينها تل الزعتر، الديكوانة، جسر الباشا، النبطية…وهناك تخل شامل عن رعاية أي من تلك المخيمات من قبل الدولة اللبنانية، و رعاية الأنروا المعنية مباشرة بهذا الشأن، تكاد تقارب حالة التخلي، لأن خدماتها تتقلص الى ما دون حدودها الدنيا، من حين لآخر.

2- الموقف الرسمي اللبناني:

تعاطت السلطات اللبنانية المتعاقبة مع الملف الفلسطيني في لبنان بحس أمني، ولم تعر الجانب الإجتماعي والحياتي اي اهتمام. كان ذلك قبل اتفاقية القاهرة عام 1969، وتجددت هذه المعاملة بعد الغاء الإتفاقية المذكورة وعودة السلطة الشرعية اللبنانية عام 1991.

اعترفت الدولة اللبنانية رسمياَ بمنظمة التحرير عام ، وافتتحت مكتباً لها في العاصمة بيروت، الى أن أُغلق في أعقاب الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982، وبقي مغلقاً، مع التنكر للتعاطي الرسمي مع ممثل المنظمة الأستاذ شفيق الحوت، المقيم في بيروت، والذي قدم استقالته بعد اتفاقية اوسلو . ولم يُفتتح المكتب مجدداً إلا في أواسط شهر ايار الحالي. مع التذكير أن لبنان حتى تاريخه لم يعترف رسمياً بالسلطة الفلسطينية التي أُعلنت بعد اوسلو .

3- الوضع التشريعي للفلسطينيين:

على الصعيد التشريعي نُظمت أوضاع الفلسطينيين بموجب مراسيم :

الأول صدر عام 1950 باسم اللجنة المركزية لشؤون اللاجئين، برئاسة مسؤول البرتوكول في القصر الجمهوري السيد جورج حيمري، الذي كُلف بمهمة الإجتماع مع رئيس وكالة غوث اللاجئين (الأونروا) والتباحث معه بوضعهم، وإمكانية تشغييلهم في مشروعات خاصة في الجنوب والبقاع وعكار.

الثاني صدر عام1959 باستحداث مديرية شؤون اللاجئين، وقد تم إلحاقها بوزارة الداخلية، ومن مهامها الإتصال بوكالة الغوث لتأمين العناية والإيواء بالشؤون الصحية والإجتماعية، وفي جانب آخر من مهامها تنظيم قضايا أحوالهم الشخصية، وحركة تنقلهم ومكان إقاماتهم .

الثالث صدر عام 1960 قضى بإنشاء هيئة عليا لشؤون الفلسطينيين تحت إشراف وزارة الخارجية، ضمت في عضويتها عدد من المدراء العامين في الدولة، ومن مهامها جمع ما يتعلق بالمشكلة الفلسطينية من جوانبها السياسية والعسكرية والإقتصادية، ودراسة هذه القضية ومتابعة تطوراتها وإعداد حلول لمواجهتها، بالإضافة لتعقب النشاط الصهيوني في الخارج ومقاومته.

خارج هذا الإطار، اعتبرت التشريعات اللبنانية، وبشكل ضمني، الفلسطيني المقيم على أرض لبنان أجنبياً. وذلك استناداً للنص الوارد في المادة الأولى من قانون (دخول الأجانب الى لبنان والإقامة فيه) الصادر عام 1962، والذي عرّف الأجنبي كما يلي : “يعد أجنبياً بالمعنى المقصود بهذا القانون كل شخص حقيقي أو معنوي من غير التابعية اللبنانية ” ومن مترتبات هذا التعريف وتداعياته، صدر القرار الوزاري رقم 147/2002، الذي حصر حق ممارسة أعمال مهن معينة باللبنانيين، مساوياً بذلك الفلسطيني المقيم بالأجنبي. مستنداً بالمرسوم رقم 17561الصادر بتاريخ18/9/1968 المتعلق بتنظيم عمل الأجانب، الذي اشترط لعمل الأجنبي الحصول على إجازة العمل والمعاملة بالمثل للبنانيين من قبل دولته. وقد استثنى الوزير طراد حمادي عملاً بالمادة الثالثة من القرار رقم 147/2002، الفلسطينيين من اللبنانيين من احكام القرار المذكور، ممن تتوفر فيهم احد الشروط الواردة في المادة 8 من مرسوم 1967… وفي التفاصيل لدى المراجعة يتبين ان الفلسطينيين قد كانوا يمارسون هذه المهن عملياً بدون استئذان الدولة، من بين هذه المهن: بواب، حداد، كهربجي، بلاط، مورق،نجار…

وبدلاً من ملء هذا الفراغ التشريعي، اقدمت السلطات اللبنانية، وبهدف المزيد من التضييق على الفلسطينيين، على فرض تأشيرة دخول وخروج المقيم في لبنان، والتي الغاها الدكتور الحص عام 1998،كما صدر تشريع عن مجلس النواب اللبناني بتاريخ 3/4/2001، قضى بتعديل القانون الصادر عام 1969، المتعلق (باكتساب غير اللبنانيين الحقوق العينية العقارية في لبنان) وجاء في نص المادة الاولى من التشريع الجديد ( لا يجوز تملك أي حق عيني من أي كان لأي شخص لا يحمل جنسية عن دولة معترف بها، أو لأي شخص اذا كان التملك يتعارض مع أحكام الدستور لجهة رفض التوطين) ومن المعروف ان هذا التعديل الذي ألحق الظلم الفادح بالفلسطينيين، فتح باب التسهيلات أمام تملك الأجانب في لبنان، تحت عنوان تشجيع الإستثمارات لمعالجة الوضع الإقتصادي. وقد أُجيز لشركات أجنبية أن تتملك في لبنان، ربما يكون أحد المساهمين فيها اسرائيلياً، يحمل جنسيةً أخرى ؟!!!

ج. التزامات لبنان بموجب مواثيق دولية وعربية:

في مقابل هذ التغاضي التشريعي، باستثناء ما يترتب من تدابير أمنية أو قوانين تضر بالفلسطينيين وتلحق بهم الأذى،وغياب أي مرجعية رسمية لهم، رتبت الدولة اللبنانية على نفسها التزامات محددة بموجب مواثيق ومعاهدات، نذكر منها:

· بروتوكول قمة الدار البيضاء لعام 1964 ، والذي صادق عليه لبنان، وورد في مادته الأولى (يعامل الفلسطينيون في الدول العربية التي يقيمون فيها معاملة رعايا الدول العربية في سفرهم وإقامتهم وتيسير فرص العمل لهم مع احتفاظهم بالجنسية الفلسطينية).

· قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1949، القاضي بإنشاء وكالة غوث وتشغييل اللاجئين الفلسطينيين، والتي اتخذت من بيروت مقراً رئيسياً لها، بعد توقيع مذكرة تفاهم مع الحكومة اللبنانية، الى ان انتقلت لعمان عام 1976، لتعود مجددا لبيروت عام 1977، ثم تنتقل لاحقاً الى فينا.

· الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عام 1948، والذي يتباهى لبنان بالإسهام بصياغته، وتوّج مقدمة دستوره معلناً التزامه به وبالمواثيق الدولية والعربية .

· العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الصادر عام 1966، والذي أبرمه لبنان بتاريخ 1/9/1972، وقد كرّس حقوقاً اصيلة للإنسان، غير جائز التنازل عنها من بينها الحق في الحرية والإعتراف بشخصيته القانونية .

· العهد الدولي الخاص بالحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية الصادر بذات تاريخ العهد المدني، والمبرم بدوره معه، وقد كرّس الحق بالعمل وتوفير مستوى عيش كافٍ بالإضافة للحقوق: الصحة، التعليم، التملك، تشكيل النقابات العمالية والمؤسسات الثقافية.

· الإتفاقية الدولية لإلغاء كافة أشكال التمييز العنصري الصادرة عام 1963، والتي أبرمها لبنان في 24/6/1971.

· مقدمة الدستور اللبناني المعدل عام 1991، التي ورد فيها ( أن لبنان هو عضو عامل ومؤسس في جامعة الدول العربية وملتزم مواثيقها، كما هو عضو مؤسس وعامل في منظمة الأمم المتحدة وملتزم مواثيقها والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وتجسد الدولة هذه المبادئ في جميع الحقول والمجالات دون استثناء).

· نص المادة الثانية من قانون أصول المحاكمات المدنية اللبناني الصادر عام 1985، الذي كرس قاعدة تقدم التشريعات الدولية على التشريعات الداخلية، حيث ورد النص (عند تعارض أحكام المعاهدات الدولية مع أحكام القانون العادي تتقدم في مجال التطبيق الأولى على الثانية).

· الإجتهادات الجريئة لعدد من المحاكم اللبنانية التي استندت للإعلان العالمي لحقوق الإنسان في معرض تصديها لقضايا محددة .

د.الحقوق المدنية والإقتصادية والإجتماعية للفلسطينيين في لبنان

بمنأى عن الهواجس والتحفظات اللبنانية، سواء تلك المتولدة عن التركيبة الطائفية والمذهبية للبنان، والتي تجسدت بمشجب رفض التوطين، لإعطاء أي حقوق للفلسطينيين، أم الناجمة عن تداعيات الدور الفلسطيني في الحرب الأهلية اللبنانية، وتحميله كافة المثالب، في منحى إسقاطي غايته التطهّر من رجسها، وإلقاء التبعة على الغير…

بمنأى عن ذلك وغير ذلك، فإن للفلسطينيين حقوقاً اساسية أصيلة مكتسبة، بفعل ما أوردناه من مواثيق دولية وعربية، يستمدونها منها بحكم التزام لبنان بما التزم به، وهي غير قابلة للتصرف والتنازل عنها لارتباطها بكرامة الإنسان وشخصيته القانونية.

وإذا كانت أطراف أخرى تشاطر لبنان في مسألة تحمُل جانب من هذه الحقوق، مثل الوكالة الدولية لغوث اللاجئين(الأونروا) ومنظمة التحرير الفلسطينية، فإن وجود الطرفين المذكورين لا يعفي لبنان من نصيبه في تأمين هذه الحقوق، لكون الفلسطينيين يقيمون على الأرض اللبنانية بصفة لاجئين، وتترتب لهم هذه الحقوق بموجب الصكوك الدولية والعربية، هذا إذا تركنا جانباً مسألة الروابط التاريخية والقومية وعلاقات الأخوة مع الشعب الفلسطيني.

إن هذه الحقوق ثابتة ومترتبة على السلطة اللبنانية للإنسان الفلسطيني مهما كان طبيعة العلاقات المتحركة والمتحولة وغير الثابتة التي تربط هذه السلطة بمنظمة التحرير، أو بالفصائل الفلسطينية، لأن هذا الإنسان الذي يجري التعاطي معه بحس أمني، تكتنفه الريبة والشبهة بدون مبرر، هاجسه بعد معاناته الطويلة والمريرة، تحصيل لقمة عيش أطفاله في محيط يشعر فيه بحد أدنى من الأمان الذاتي، وعينه على مفتاح بيته في قريته الفلسطينية المحتلة، والذي تسلّمه من ذويه، وليس على بطاقة الهوية اللبنانية.

ومع أننا نتحدث عن حقوق ثابتة للفلسطينيين، ندرك في الآن ذاته المتاعب اللبنانية في جانبها الإقتصادي والإجتماعي وتأثيرها على تدني مستوى معيشة اللبنانيين أنفسهم، وعدم توفر فرص العمل لهم، مما أشاع في صفوف القوى الفتية البطالة والهجرة، وندرك أيضا ان السلطة مقصّرة بإعطاء اللبنانيين الحقوق الأساسية لهم.

إن التغاضي عن إعطاء الفلسطينيين حقوقهم ومعاملتهم بأساليب غير إنسانية، قد أدت الى الإساءة لسمعة لبنان لدى المنظمات الدولية، و سوف تؤدي من دون شك الى جعل الإنسان الفلسطيني، إما محبطاً أو مهزوماً لإحساسه بالمعاملة الدونية، التي لن تؤدي الى تمسّكه بحقه في العودة، وإما باحثاً عن منمظمة إرهابية أو أصولية للإحتماء بها والتسبب بالخطر على السلامة العامة وأمن الجميع. وإنّ ربط الحقوق بمسألة السلاح الفلسطيني أو العلاقة مع الفصائل الفلسطينية أو منظمة التحرير، هو ربط غير سليم، لأنه يشكل تجاوزاً للحقوق الثابتة للإنسان الفلسطيني، ويجعل من قضيته المدنية والإجتماعية قضية سياسية بامتياز .

وبالعودة الى الشرائع الدولية يتبين لنا أن للفلسطينيين الحقوق التالية:

– الحق في العمل بمنأى عن الإجازة المطلوبة أو إشتراك المعاملة بالمثل، ومن مترتبات هذا الأمر مساواتهم باللبنانيين، والإستفادة من الأجر والإجازة والضمان الإجتماعي والصحي وتعويضات نهاية الخدمة وحق التقاعد، ولإجازة تشكيل مؤسساتهم النقابية.

– الحق في الصحة وتمكينهم من العلاج في المستشفيات الحكومية.

– الحق في التعليم وفتح مجالات الدراسة امامهم في المدارس الرسمية، والجامعة اللبنانية.

– الحق بالتملّك العقاري وإبطال القانون العنصري القاضي بحرمان الفلسطينيين من التملّك .

– الحق في حصول أي لاجئ على أوراقه الثبوتية، وعدم شطب إسم من يحوز على جنسية أجنبية من قيود مديرية شؤون اللاجئين، وتسوية أوضاع كافة المكتومين من قبل المديرية المذكورة.

– فك الحصار الأمني المضروب على المخيمات الفلسطينية، واستفادة هذه المخيمات من إعادة تجهيز بنيتها التحتية، واستفادتها من خدمات البلدية المجاورة لأي مخيم.

– إتاحة الفرصة للفلسطينيين للتعبير عن رأيهم وتمكينهم من تشكيل مؤسساتهم الإجتماعية والثقافية.

وفي النهاية نرى أنه لا بد من إستفادة المواطن الفلسطيني من الحقوق المتوجبة له، علماً بأنه يسهم في تنشيط العملية الإقتصادية العائدة بالفائدة للبنانيين وللفلسطينيين. مما يقتضي إعادة النظر بكافة الصياغات التشريعية النافذة، لمصلحة تشريعات مؤنسنة تراعي حق الفلسطينيين بالحقوق المدنية والإجتماعية.

* بقلم / ذ المحامي نعمة جمعة *