جريمة تزييف الأختام كغيرها من الجرائم لا بد ان تمر بمرحلة الشروع قبل ان تتحقق النتيجة الجرمية والتي هي تغيير الحقيقة في ختم ، فضلاً عن ان الجاني قد يقوم بتزييف الختم بنفسه او قد يشترك معه شخص اخر بوجه من وجوه الاشتراك ، وبذلك قد يتحمل عواقب فعله المجرم وحده او قد يشترك معه شخص اخر وهو المشترك معه، ولغرض ان نتعرف على احكام الشروع والاشتراك في جريمة تزييف الأختام فقد قسمنا هذا (الموضوع) الى نقطتين نتناول في الاولى منهما الشروع في الجريمة بينما نتناول في الثانية الاشتراك فيها :

اولاً – الشروع في الجريمة :-

عرفت المادة (30) من قانون العقوبات العراقي الشروع بقولها ” وهو البدء بتنفيذ فعل بقصد ارتكاب جناية او جنحة اذا أوقف او خاب اثره لأسباب لا دخل لارادة الفاعل فيها “(1). فالشروع يتحقق اذا أُوقف فعل تزييف الختم او خاب اثره لسبب لا دخل لارادة الفاعل فيه ، ولكن ثار جدال فقهي حول مدى تصور الشروع في جريمة تزييف الأختام من عدمه ، أي انه هل من الممكن تصور الشروع في جريمة تزييف الأختام ؟ انقسم الفقه الى جانبين الجانب الاول منهما يرى ان الشروع غير متصور في تزييف الأختام وذلك لان جريمة تزييف الأختام من جرائم الخطر والتي يكفي لاتمامها مجرد احتمال الضرر(2)، فبمجرد وقوع فعل التزييف تتم الجريمة ولا يبقى هناك محل لتصور الشروع المعاقب عليه ، اما رأي الجانب الثاني وهو الراجح فيرى ان الشروع متصور في جريمة تزييف الأختام وذلك لان الشروع جريمة متوافرة الاركان عدا عنصر النتيجة في الركن المادي ، والتي هي تغيير الحقيقة في الختم فاذا لم يتحقق هذا التغيير في الحقيقة لأسباب لا دخل لارادة الفاعل فيها فان الجريمة تقف عند حد الشروع في هذه الحالة ، وتخضع جريمة تزييف الأختام فيما يتعلق بالشروع الى حكم المبادئ العامة كبقية الجرائم(3). فإذا بدأ الجاني بتنفيذ فعل التزييف واوقف او خاب اثر فعله لا سباب لا دخل لإرادته فيها اعتبر شارعاً في جريمة تزييف الختم ، ولكي يعد الجاني شارعاً في ارتكاب الجريمة لا بد وان يأتي فعلاً من الافعال المادية التي تؤدي الى القول انه بدء بتنفيذ الجريمة بصورة نهائية وخرج عن مرحلة النية والاعمال التحضيرية لها واصبح عدوله عنها أمراً بعيد الاحتمال ، أي لا بد وان يأتي الجاني فعلاً من الافعال التي تؤدي مباشرة الى ارتكاب الجريمة ، فالشروع في الجريمة لا يقوم اذا كان الفعل الذي قام به الجاني وما اعده من وسائل لا تعد من قبيل البدء بالتنفيذ ولا تؤدي حالاً ومباشرة الى ارتكاب الجريمة(4). وفي جريمة تزييف الأختام لكي يعد الجاني شارعاً لا بد وان يكون قد بدأ بفعل التزييف وخرج عن مرحلة الاعمال التحضيرية من نية اجرامية واعداد وسائل للتزييف وغيرها ، فيكون الجاني شارعاً اذا بدأ بفعل التزييف وبدا بتغيير الحقيقة في الختم مستخدماً ما اعد من وسائل لذلك الا انه يوقف او يخيب اثر فعله لاسباب خارجة عن ارادته كأن يضبط مثلاً من قبل السلطات(5) المختصة قبل اتمام فعله والذي لو ترك لاتمه واحدث التغيير في حقيقة الختم(6) ” فمجرد النية على تزييف ختم او التحضيـر لارتكاب الجريمة لا يعد شروعاً “(7) لأن الشروع لا يتحقق الا بارتكاب الجاني بفعل من شأنه ان يؤدي إلى ارتكاب الجريمة ولا يشمل الشروع النية او الإعداد لارتكاب الجريمة إذا لم تنفذ الجريمة ، لأن الشروع المعاقب عليه هو الذي يخيب أثره لأسباب خارج إرادة المتهم “(8). أما اذا باشر الجاني بتزييف الختم ومن ثم عدل عن إتمام جريمته ، أي أن عدم تحقق النتيجة الجرمية راجع لعدول الجاني عن القيام بجريمته فانه لا يعد شارعاً ولا يعاقب على الشروع في الجريمة ، فاذا قام الجاني بتزييف ختم وقام بالتوقف عن فعل التزييف لعدم رغبته في اتمام الجريمة فلا يعد شارعاً في الجريمة. يتضح لنا من ذلك ان الشروع متصور في جريمة تزييف الأختام ، وان الجاني الذي لم يتمكن من اتمام تزييف الختم لا سباب خارج ارادته يعاقب على الشروع في جريمة تزييف الختم .

ثانياً – الاشتراك في جريمة تزييف الأختام :-

قد يرتكب جريمة تزييف الأختام شخص واحد فيتحمل بذلك مسؤوليتها لوحده ، او قد ترتكب الجريمة من اكثر من شخص وبذلك يجب تحديد مسؤولية كل واحد منهم كونه فاعلاً اصلياً للجريمة او شريكاً فيها ، فالفاعل الاصلي هو من يقوم بفعل التزييف بنفسه وسواءً اقام بالفعل لوحده او مع غيره او ان يكون قد قام بفعل من افعال التزييف في الختم اثناء ارتكاب الجريمة ، فالفاعل الاصلي هو من يقوم بنفسه بفعل التزييف او يقوم بفعل من الأفعال التي تؤدي الى تزييف الأختام . اما الشريك فهو من يقوم بتحريض الجاني او الاتفاق معه او مساعدته على ارتكاب جريمة تزييف الأختام(9)، وبناءاً على ذلك يعد شريكاً في الجريمة من يحرض شخص على تزييف ختم او يتفق معه على ذلك او يساعده على ارتكابها كأن يهيئ له الوسائل والمعدات اللازمة لفعل التزييف ، فالاشتراك يجب ان يتم باحدى هذه الطرق والتي حددتها المادة (48) من قانون العقوبات العراقي ولا يعد الشريك مساهماً في الجريمة ما لم يكن على علم يقين بارتكاب الجاني للجريمة وانصرفت ارادته الى الاشتراك فيها (10).

كما ان مجرد العلم لا يكفي لقيام الاشتراك ، فأي شخص لكي يعد شريكاً في الجريمة لا بد وان يكون قد توفر لديه قصد تحقيق الجريمة مع الفاعل الاصلي(11)، أي يجب عدم الخلط بين العلم وبين ارادة الاشتراك بالتزييف فالعلم شيء وقصد معاضدة الجاني في ارتكاب الجريمة شيء اخر فمجرد علم الشخص بالجريمة ودون قصد او إرادة الاشتراك فيها لا يكفي لاعتباره شريكاً فيها(12). وقد ساوت التشريعات بين من يرتكب الجريمة سواءً بنفسه او بواسطة غيره(13)، فجعلت بذلك من يقوم بالفعل المادي بنفسه ومن يتفق معه او يحرضه او يساعده على ارتكاب الجريمة فاعلاً اصلياً . فطرحت بذلك فكرة الاشتراك حتى ولو ان احد الشخصين اتى الفعل المادي للجريمة بمفرده(14). والسبب في هذه التسوية هو انه في بعض الجرائم يكون المحرض اشد اجراماً من الفاعل الاصلي ، وذلك لانه يعد الفاعل الادبي او المعنوي للجريمة ويجب ان يأخذ حكم الفاعل الاصلي(15). وكما يكون الاشتراك في الجريمة التامة ، كذلك يكون في الشروع في الجريمة أي الجريمة غير التامة او الناقصة ، والصفة غير المشروعة لسلوك الشريك يستمدها من السلوك غير المشروع للفاعل الاصلي ، فمن يحرض شخص على تزييف ختم ويوقف اثر فعله او يخيب لاسباب خارج ارادته يعد شريكاً في جريمة شروع في تزييف ختم ، اما اذا عدل الفاعل عن ارتكاب الجريمة التي حرضه الشريك على ارتكابها، فعدوله الاختياري ينفي مسائلته من الشروع وتبعاً لذلك تنتفي مسؤولية الشريك(16).

_______________

1- وتقابل هذه المادة نص المادة (45) من قانون العقوبات المصري المرقم (58) لسنة 1937 ؛ والمادة (68) من قانون العقوبات الاردني المرقم (16) لسنة 1960 ؛ والمادة (45) من قانون الجزاء الكويتي لعام 1963.

2- عبد الجبار يوسف محمد ، جريمة تزوير المحررات ، رسالة ماجستير ، جامعة بغداد ، 1977، ص155.

3- ادوار غالي الدهبي ، الجرائم المخلة بالثقة العامة في قانون العقوبات الليبي ، ط1، المكتبة الوطنية ، بنغازي ، ليبيا ، 1972 ص 201-202 .

4- عبد الجبار يوسف محمد ، المصدر السابق ، ص ص 156-157.

5- حسن الفكهاني ، الموسوعة الجنائية الاردنية ، ج2 ، الدار العربية للموسوعات، 1979، ص393.

6- د. ادوار غالي ، المصدر السابق ، ص202 .

7- ( وقد حكم بانه اذا كان الثابت ان المتهمين لم يقتصروا فقط على وضع الكليشيات وقص الاوراق واعداد المعدات اللازمة لعملية التقليد ، بل انهم وضعوا الحبر على الورق المقصوص واداروا الماكينة وابتدأوا الطبع ولولا مفاجأة البوليس لهم لاتموا جريمتهم فهذا العمل يعتبر شروعاً في تقليد الاوراق المالية ، نقض 3 يناير سنة 1938 ، مجموعة القواعد القانونية ، ج4، رقم 142، ص138 ) ، نقلاً عن : د. محمود محمود مصطفى ، شرح قانون العقوبات ، القسم الخاص ، ط7 ، مطبعة جامعة القاهرة ، القاهرة ، 1975 ، ص89 .

8- محكمة استئناف ابو ظبي ، قضية رقم 16/75 ، مجلة العدالة ، وزارة العدل في دولة الامارات، العدد السابع ، السنة الثانية ، يوليو 1975 ، ص79 . نقلاً عن : عبد الجبار يوسف محمد ، المصدر السابق ، ص160 .

9- المادة (48) من قانون العقوبات العراقي المرقم (111) لسنة 1969 ، اذ بينت ان الشريك في الجريمة هو كل من يحرض على ارتكابها او يتفق مع شخص اخر على ارتكابها او يساعده على ذلك فوقعت الجريمة بناءاً على ذلك .

10- عبد الجبار يوسف محمد ، المصدر السابق ، ص162.

11- ويقتضي علم الشريك لماهية سلوكه ونتيجته الاجرامية ، أي ان يكون قصد مع الفاعل الاصلي تحقيق جريمته ، سعد ابراهيم الاعظمي ، موسوعة مصطلحات القانون الجنائي ، ج1، ط1 ، بغداد ، 2002 ، ص82 .

12- عبد الجبار يوسف محمد ، المصدر السابق ، ص163 .

13- ومن هذه التشريعات قانون العقوبات العراقي اذ نص في المادة (275) على ” من قلد او زور سواء بنفسه او بواسطة غيره …”. وكذلك قانون العقوبات المصري في المادة (206) اذ نصت على ” سواء بنفسه او بواسطة غيره …… ” .

14- حسن الفكهاني ، المصدر السابق ، ص393 .

15- د. محمود ابراهيم اسماعيل ، شرح قانون العقوبات المصري في جرائم الاعتداء على الاشخاص وجرائم التزوير ، مطبعة الاعتماد ، مصر ، 1946، ص161 .

16- د. سعد ابراهيم الاعظمي ، المصدر السابق ، ص ص 79-80 .

المؤلف : انس محمود خلف الجبوري
الكتاب أو المصدر : جريمة تزيف الاختام

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .