بحث الصلح في جريمة خيانة الأمانة في القانون اليمني

الصلح في جريمة خيانة الأمانة
تمهيد:
التعريف :-
جريمة خيانة الأمانة هي استيلاء شخص على منقول يحوزه بناء على عقد مما حدده القانون عن طريق خيانة الثقة التي أودعت فيه بمقتضى هذا العقد وذلك بتحويله صفته من حائز لحساب مالكه إلى مدع الملكية .
شرح قانون العقوبات الخاص د/ عبد الرحمن سلمان عبيد – صـ 1132
وعرف القانون العقوبات اليمني جريمة خيانة الأمانة في المادة( 318) بقوله ( يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات من ضم إلى ملكه مالاً منقولاً مملوكاً للغير سلم بأي وجه )

طبيعة الجريمة :-
خيانة الأمانة جريمة لا شكلية يتمثل حدثها الضار في أضافة الجاني شيئاًمن ملك الغير إلى ملك نفسه حيث كونه مؤتمناً على هذا الشيء ووجه الضرر هذا الحدث الضار الحرمان مالك الشيء ومن عساه يكون منتفعاً من الشيء غير مالكه على التوالي من ملكية الشيء أو من منفعته
صـ 102 الجرائم المضررة بأحاد الناس – رمسيس بهنام
أركان الجريمة
1-ركن المادي للجريمة
ويتمثل الركن المادي للجريمة بالتالي
أ-ان يضيف الجاني الشيء إلى ملكه
ب- يكون هذا الشيء منقولاً في حوزته
ج- أن يكون الجاني مؤتمناً على الشيء
د- أن يصاب بالضرر مالك الشيء أو حائزه
2- الركن المعنوي
لما كان الركن المادي للجريمة هو الاختلاس أو التبديد أو الاستعمال فأن الركن المعنوي لها هو بالبداهة القصد الجنائي ويمتثل في انصراف الإدارة إلى السلوك المادي الموصوف في نموذج الجريمة مع وعي بملابسات هذا السلوك .
صـ 145الجرائم المضر ره بأحد الناس – رمسيس بهنام
بالإضافة إلى الركن المادي المعنوي المتمثل في القصد الجنائي هناك قصد جنائي خاص ما هو نية الإضرار بمالك المال المنقول أو صاحبة أو وضع اليد عليه
جرائم الصلح في قانون العقوبات د/ محمد عبد الحميد الألفي- صـ 192

الصلح:-
أولاً :- تعريف الصلح
الصلح كما عرفته المادة ( 549) مدني مصري هو” عقد يحسم به الطرفان نزاعاً قائماً او يتوقيان به نزاعاً محتملاً وذلك بان ينزل كل منهما على وجه التقابل عن جزء من إدعائه”.
أحكام الصلح في المسائل المدنية والجنائية د/ عبد الحكم فوده – صـ 7
وعرف فقهاء الشريعة الإسلامية الصلح بأنه تصرف قانوني يقصد به قطع النزاع ورفع المنازعة بين الخصمين المتصالحين
ثانيا: مشروعية الصلح :-
استدل فقهاء الشريعة الإسلامية على مشروعية الصلح وإجازته من قوله تعالى ( وإن أمرآة خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحاً والصلح خير واحضرت الأنفس الشح وان تحسنوا وتتقوا فان الله بما تعملون خبيراً ) سورة النساء ( 128)
قال تعالى ( فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم ) سورة الأنفال أية ( 1)
قال تعالى ( فمن خاف من موص جنفا أو أثماً فأصلح بينهم فلا أثم عليه ان الله غفور رحيم ) البقرة آية ( 182)
كما جاءت أحكام السنة تحث على الصلح بين المسلمين وتقضي بإجازته بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم ( الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحاً حرم حلالاً واحل حراماً والمسلمون على شروطهم إلا شرطاً حرم حلالاً أو أحل حرام) ويأتي أجماع أئمة فقهاء المسلمين ليؤكد حجية الصلح ومشروعيته فقد استدل فقهاء الشريعة الإسلامية على هذه المشروعية من أقوال وأفعال صحابة رسول صلى الله عليه وسلم فقد روى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوله ” ردوا الخصوم حتى يصطلحوا فأن فصل القضاء يورث بينهم الضغائن والصلح بين مندوب لترغيبه سبحانه وتعالى فيه واعتباره من الخير لعامة المسلمين وإذا كان الصلح يتضمن تنازلاً من المجني عليه عن حقه فان أساس هذا التنازل هو حريته في اختيار صفحة وتسامحه مع الجاني وعلى ذلك فلقد اتفق المسلمين على اعتبار الصلح بين المسلمين مندوباً .ٍ
ثالثاًَ :أركان الصلح :-
فعقد الصلح كسائر العقود المدنية فهو يتكون من الرضاء والمحل والسبب وإلى جانب ذلك الأركان الخاصة قيام نزاع فعلي بين طرفي العقد أو احتمال قيامه مستقلاً بالإضافة إلى أن يكون الهدف من إبرام العقد هو حسم النزاع القائم بالفعل وبالتالي تكون الأركان الخاصة لعقد الصلح هي كالتالي :

أ-نزاع فعلي أو احتمالي ” ركن مفترض “
ب-الركن المادي التنازل الجزئي في المقابل
ج- الركن المعنوي فيه حسم النزاع بالصلح
مرجع سابق / د/ عبد الحكم فوده – صـ 10
رابعاً: تميز الصلح عن غيره من الألفاظ:-
يتميز التصالح عن التنازل بأن الأول كان يتضمن الثاني إلا أنه يتم بمقابل أو بعوض ففي التصالح ينقضي حق الدولة في العقاب إذا دفع المتهم مبلغاً من المال أو إذا تخلى عن بعض الأموال بينما التنازل يتم بغير مقابل وبدون عوض ، ومن ناحية أخرى يتميز التصالح عن الصفح في أن الأول يصدر من جهة عامة يشترط تقدمها بطلب معاقبة مرتكب الجريمة وبغير هذا الطلب لا يحق للدولة أن تطالب بحقها في العقاب بينما الصفح من المجني عليه وهو شخص طبيعي أو معنوي وإلى جانب هذا التصالح يتحقق دائماً بعوض بينما الصفح قد يكون بمقابل يأخذ صورة التعويض أوٍ بدون مقابل
حق الدولة في العقاب د/ عبد الفتاح الصيفي- صـ 380

خامساً: أثر الصلح في جريمة خيانة الأمانة :-
بما أن القانون اليمني لم يتناول الصلح وأثره في جريمة خيانة الأمانة فانه لا مانع من الأخذ بأقوال الفقهاء في هذا الجانب ما دامت هذا القوال لا تتنافى مع العدالة والمبادئ العامة باعتبار أن أقوال الفقهاء مصدر من مصادر القانون .

أن القاعدة العامة في المسائل الجنائية هي أن الجريمة لا تعد اعتداء على حق المجني عليه فقط بل تهدد أيضاً أمن وسلامة الهيئة الاجتماعية التي ينتمي إليها المجني عليه لذلك فان الهيئة الاجتماعية هي صاحبة الشأن في خلط مقار في الفعل الإجرامي ومحاكمتهم كما أن الاقتصاص من هولاء الجناة أمر منوط بها تباشر من خلال النيابة العامة التي تمثل المجتمع و تنوب عنه وعن المجني عليهم الذين يقتصر دورهم على الشهادة كدليل من أدلة إسناد الفعل الي المتهمين وفي هذه الحالة ينحصر دور المجني عليه في الخصومة الجنائية على المطالبة بالتعويض المدني عن الأضرار التي لحقت به من جراء الجريمة
حقوق المجني عليه في الإجراءات الجزائية المؤتمر الثالث للجمعية المصرية – صـ 140- 141
ويظل حق كل من المجني عليه الشاكي والجهة العامة التي تقدمت بالطلب في التنازل عن حق الدولة الشخصي في العقاب قائماً طالما أنه لم يصدر حكم بات في الدعوى وبهذا يجوز لأي منهما التنازل عن الشكوى أو الطلب أثناء مباشرة النيابة العامة لإجراءات التحقيق أو طالما أن الدعوى ما زالت بين يدي المحكمة المختصة ولم تصدر بشأنها حكماً باتاً إذ لا تأثير للتنازل بعد صدور هذا الحكم في تنفيذ العقوبة المقضي بها إلا في حالات استثنائية نص عليها المشرع المصري ولا داعي لإيرادها الآن.
مرجع سابق/ د/ عبد الفتاح الصيفي صـ 371
الصلح في مجال الدعوى الجنائية فهو نزول الهيئة الاجتماعية عن حقها في الدعوى الجنائية مقابل الجعل الذي قام عليه الصلح ويحدث أثره بقوة القانون مما يقتضي من المحكمة إذا تم التصالح في أثناء نظر الدعوى أن تحكم بانقضاء الدعوى الجنائية أما إذا ترامى إلى ما بعد الفصل في الدعوى فأنه يترتب عليه وجوباً وقف التنفيذ العقوبة الجنائية المقضي بها
مرجع سابق/د.عبدالحكم فوده – صـ98
وبناء عليه إذا صدر الصلح في مرحلة جمع الاستدلالات تعين على النيابة حفظ الشكوى إدارياً وإذا صدر في مرحلة التحقيق تصدر أمر بأنه لا وجه لإقامة الدعوى الجزائية بمجرد الصلح بين الجاني والمجني عليه وإذا صدر الصلح بعد صدور الحكم فان على المحكمة أن تأمر بوقف تنفيذ الحكم أو النيابة تأمر بذلك وإلا كان باطلاً كما هو الحال إذا تنازل المجني عليه عن حقه .
الصلح في جريمة خيانة الأمانة خاصة فهناك اختلاف بين شراح القانون على قولين :-
الأول :- من رأي ان جريمة خيانة الأمانة من الجرائم الخاصة لأن ليس فيها حق عام فقال أنه يجوز الصلح فيها كالقانون السوداني والبحريني والكويتي وغيرها من القوانين العربية ومن ذلك تنص المادة (270) من قانون الإجراءات الجنائية السوداني لسنة 1983م على أنه:
( باستثناء الجرائم ضد الدولة أو لجرائم المتعلقة بالحق العام يجوز الصلح في كل الجرائم التي تحاكم بموجب هذا القانون ما لم يتعارض ذلك مع أحكام الشريعة الإسلامية )
ومتى حصل الصلح المتعلق بالجرائم الخاصة وجرائم الشكوى غير معلق على إذن المحكمة به ألا أنه يجب أن يحصل في أي مرحلة كانت عليها الدعوى قبل تقرير إدانة المتهم وفي هذا الحالة يصدر القاضي قرار بالبراءة بالصلح ، ومتى حصل الصلح لا يجوز الرجوع فيه ويحرم القاضي من اختصاصه في المحاكمة والبراءة للصلح براءة قانونية لأن البراءة القضائي تسبقها محاكمة تحرر خلالها ورقة اتهام ويكفل للمتهم خلالها حق الدفاع عن نفسه
مرجع سابق المؤتمر الثالث للجمعية المصرية –صـ 44
أما القضاء المصري طبقاً لما جاء به النقض المصري حول إثبات الجريمة متوافر أركانها “ تتحقق خيانة الأمانة بكل فعل يدل على أن الأمين الحيز المال الذي أوتمن عليه مملوكاً له يتصرف تصرف المالك ” الطعن رقم (225) لسنة 39ق جلسة 28/4/1994م الصلح والتصالح في المواد الجنائية صـ 59 عمرو عيسى العفي
وحيث نصت المادة (341) من قانون العقوبات المصري بان للمجني عليه ولوكيله الخاص في جريمة خيانة الأمانة المنصوص عليها في المادة أن يطلب إلى النيابة العامة أو المحكمة بحسب الأحوال إثبات صلحه مع المتهم ويترتب على الصلح انقضاء الدعوى الجنائية ولو كانت مرفوعة .
بطريق الإدعاء المباشر ، ولكن لا أثر للصلح على حقوق المضرور من الجريمة فله الإدعاء بحقوقه المدنية إذا شاء وفقاً للقواعد العامة
جرائم الصلح في قانون العقوبات محمد عبد الحميد الآلفي صـ 193- 194.
ومنهم من رأى بمفهوم المخالفة انه يسري التنازل على الجرائم المماثلة للسرقة بين الأصول والفروع التي تشترك معها فيما تقوم عليه من الحصول على المال بغير حق إلى جرائم النصب وخيانة الأمانة وكذلك إذا ساغ القول بان عجز الأمين عن رد الأمانة يعد مبدأ لسقوط الدعوى فذلك لا يرجع إليه إلا إذا لم يقم دليل على حصول التبديد من قبله ، فإذا دفع لدى المحكمة الموضوع بأن تبديد الأمانة حصل في تاريخ معين وان الدعوى عمومية عنه سقطت ٍالدعوى فيجب عليها أن تحقق هذا الدفع ثم ترتب على ما يظهر لها النتيجة التي تقتضيها أما إغفال تحقيق هذا الدفع بحجة أن المجني عليه لم يكن يعلم بوقوع التبديد في ذلك التاريخ فموجب لنقض الحكم .
جرائم خيانة الأمانة د/ عبد الحميد المنشاوي- هامش صـ 103

ويلاحظ أن بعض فقهاء القانون أورد عقود للأمانة وهي على سبيل الحصر كما فعل المشرع المصري في المادة (341) من قانون العقوبات وهذه العقود هي عقد الوديعة وعقد الإيجار وعقد عارية الاستعمال وعقد الرهن الحيازي وعقد الوكالة وعقد الشركة وبالتالي ذكر فقط جواز الصلح في جريمة خيانة الأمانة المتمثلة في عقد الوكالة ولم يتطرق إلى العقود الأخرى .أما القول الثاني الذي قال بأنه لا يجوز الصلح في جريمة خيانة الأمانة فكان يستند إلى أن جريمة خيانة الأمانة تتعلق بالنظام العام فهي حقاً خالصاً للمجتمع.

وكذلك لأن جريمة خيانة الأمانة من الجرائم التي لا يتقيد رفعها بشكوى من المجني عليه إلى النيابة العامة أو أحد مأموري الضبط القضائي لرفع الدعوى الجنائية في شأنها ولا يترتب على المدعي بالحق المدني إذا هو قام بتحريكها بناء على تكليفه للمتهم مباشرة بالحضور أمام محكمة الجناة وفقا لنص المادة (232) من القانون المصري.
جريمة خيانة الأمانة والجرائم الملحقة بها /مستشار عدلي خليل – صـ 347

المحامي اليمني امين الربيعي
إعادة نشر بواسطة محاماة نت