الحماية القانونية للطفل القاصر بعد الطلاق

الحماية القانونية للطفل القاصر في مدونة الأسرة – الباب الأول:

الفصل الثاني : وضعية القاصر بعد انحلال ميثاق الزوجية

إن وضعية القاصر بعد انحلال ميثاق الزوجية ستراعى فيها الوضعية التي كان عليها الأطفال من الناحية المعيشية مستواها ونوعيتها وكذا الناحية التعليمية طبيعتها جودتها إلى غير ذلك بحيث مع مراعاة هذه الوضعية يحدد مبلغ النفقة محترما نفس الوضعية التي كانوا عليها قبل افتراق الأبوين وتحدد هذه المستحقات طبقا للمادتين 168 و 190 وكما تنص المادة 85 من مدونة الأسرة وسنقوم بتخصيص هذا الفصل إلى مبحثين مبحث أول سنتطرق فيه في حق الطفل في الحضانة و المبحث الثاني في النفقة و السكن.

المبحث الأول : حق الطفل في الحضانة

يقصد بالحضانة حفظ الولد مما يضره قدر المستطاع والقيام بتربيته ومصالحه من حيث نظافته ومأكله ومشربه وراحته والحضانة تحد سندها في قوله صلى الله عليه وسلم ” أنت أحق بما لم تنكحي ” والجمهور متفق على أن الحضانة للأم إذا طلقها الزوج وكان الولد صغيرا وفي هذا يقول ميارة رحمه الله الحضانة هي حفظ الولد في مبيته ومؤونة طعامه وملبسه ومضجعه وتنظيف جسمه ” وهو ما أشارت إليه المدونة في المادة 163 .

وتنص المادة 164 من مدونة الأسرة أن الحضانة من واجبات الأبوين مادامت العلاقة الزوجية قائمة ” وكما تشير المادة 166 من المدونة أن الحضانة تستمر حتى بلوغ سن الرشد القانوني للذكر أو الأنثى على حد سواء أما إذا انتهت العلاقة فتكون الأم أولى الناس بهذه الحضانة ثم يليها الأب وقد نصت كذلك المدونة على الحالة التي يصل فيها المحضون سن الخامسة عشر حيث سمحت له بحق اختيار من يحضنه لكن يجب مراعاة الترتيب في هذه الاختيارات الأب أو الأم ولا ليتجأ إلى غيرهما إذا لم يوجد الأبوين يمكن للمحضون أن يختار أحد أقاربه حسب التحديد الوارد في المادة 171 من المدونة وهم أم الام أو أحد أقارب الأكثر أهلية لكن شريطة ألا يتعارض في اختياره في هذه الحالة الأخيرة مع مصلحته وأن يوافق نائبه الشرعي على هذا الاختيار وفي عدم موافقة النائب الشرعي يرفع الأمر إلى القاضي البت وفق ما تقتضيه مصلحة المحضون . ومن خلال هذا سنقوم بتخصيص المطلب الأول للحديث عن مفهوم الحضانة شرعا وقانونا ونخصص المطلب الثاني للحديث عن مدة الحضانة وشروط استحقاقها والمطلب الثالث للحديث عن حقوق الطفل نحو حاضنته الأم ونائبه الشرعي.

المطلب الأول : تعريف الحضانة شرعا وقانونا

تتمثل الحضانة من الناحية الاصطلاحية في الاعتناء بالطفل في سن لا يستطيع هو نفسه القيام بشؤونه بنفسه.

شرعا: لم يرد هناك ذكر للحضانة في كتاب الله عز وجل إنما هناك سنة نبوية صحيحة امرأة ذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت :” يا رسول الله هذا إبني أبوه قد طلقني و أراد أن ينزعه مني فقال لها رسول الله ص أنت أحق به ما لم تتزوجي وتروي كتب الفقه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان قد طلق زوجته الأنصارية بعد أن خلف منها ولده عاصما فرأه في الطريق يوما وأخده فتبعته جدته وخاصمته إلى أمير المؤمنين أنداك خليفة المسلمين أبي بكر الصديق فأخذ الولد من عمر وأعطاه إلى جدته وقال له ” ريحها ومسها ومسحها وريقها خير له من الشهد عندك ياعمر ” وقد حكم أمير المؤمنين في هذه الواقعة مع وجود صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يكفيه بأنه نوع من الإجماع السكوني.

قانونا : حسب الفقرة الأولى من المادة 163 من مدونة الأسرة الحضانة هي حفظ الولد مما يضره والقيام بتربيته ومصالحه إذن فالحضانة هي حفظ الولد مما يضره قدر المستطاع والقيام بتربيته ومصالحه ومعيار التفرقة بينهما وبين الولاية هو أن الأولى تتعلق بذات وحاجيات الطفل الجسدية والثانية تتعلق بالحفاظ على مصالحه المادية والمعنوية .

المطلب الثاني : مدة الحضانة وشروط استحقاقها

سنتطرق في هذا المطلب إلى مدة الحضانة وذلك من خلال الفرع الأول وشروط الاستحقاق الحضانة من خلال الفرع الثاني

الفرع الأول: مدة الحضانة
استنادا إلى مقتضيات المادة 166 من مدونة الأسرة فإن مدة الحضانة تستمر إلى بلوغ سن الرشد القانوني للذكر والأنثى على حد سواء وبعد إشهاد العلاقة الزوجية يحق للمحضون الذي أتم الخامسة عشر سنة أن يختار من يحضنه من أبيه أو مه وفي حالة عدم وجودهما يمكنه اختيار أحد أقاربه المنصوص عليهم في المادة 171 بعده، شريطة أن لا يتعارض ذلك مع مصلحته وأن يوافق نائبه الشرعي وفي حالة عدم الموافقة يرفع الأمر إلى القاضي ليبت وفق مصلحة القاصر وتبتدئ مدة الحضانة من حين ولادة الصغير وتنتهي باستغنائه عن خدمات النساء وقدرته على القيام بنفسه بما يحتاج إليه وفي هذا السياق فقد قررت مدونة الأسرة استمرار الحضانة إلى حين بلوغ سن الرشد وفي حالة إنهاء العلاقة الزوجية بين الأبوين يحق للمحضون الذي أتم خامسة عشر سنة ، أن يختار بعد ذلك الإقامة مع من يشاء من أبويه أو غيرهما من أقاربه المنصوص عليهم في المادة 171 بعده واشترط المشرع ألا يتعارض اختياره هذا مع مصالحه وأن يزكي ذلك بموافقة نائبه الشرعي فهو أدرى بمصلحته والحارص عليه مما يجعله لا يوافق في بعض الأحيان وقد يرفض لأسباب أخرى قد تكون عن سوء نية في بعض الأحيان وفي جميع الأحوال فإن رفضه هذا يجيز رفع الأمر للقاضي الذي يبت في الأمر مراعيا مصلحة القاصر المحضون .

الفرع الثاني : شروط استحقاق الحضانة
لقد نظمت المادة 173 من مدونة الأسرة شروطا لاستحقاق الحضانة وهذه الشروط يمكن إبرازها كآلاتي أولا الرشد القانوني لغير الأبوين ، ثانيا الاستقامة والأمانة ، ثالثا القدرة على تربية المحضون وصيانته ورعايته دينا وصحة وخلقا على مراقبة تمدرسه ، رابعا عدم زواج طالبة الحضانة في الحالات المنصوص عليها في المادتين 174 و 175 بعده إذا وقع تغيير في وضعية الخاص إذا خيف منه إلحاق الضرر بالمحضون سقطت حضانته وانتقلت إلى من يليه .

*** أولا: سن الرشد القانوني: لم يشترط المشرع البلوغ فقط كما هو الشأن بالنسبة لمدونة الأحوال الشخصية الملغاة بل اشترط الرشد القانوني للحاضن فلابد للحاضن أن يبلغ من العمر 18 سنة شمسية كاملة المادة 20 لانه في هذه الحالة يتمتع بأهلية الأداء والوجوب الأمر الذي يؤهله لأن ينظر إلى مصلحة المحضون معتمدا على الوسيلة القانونية التي يخولها له المشرع تبعا للمادتين 207 – 208 حيث يكون أهلا لممارسة حقوقه الشخصية وحقوق الآخرين .

*** ثانيا: الأمانة والاستقامة: ومعناها أن يكون الحاضن أمينا على المحضون في نفسه وماله مستقيما في سلوكه وتصرفاته فلا تقبل حضانة البغي أو القاصرة أو المستهتر الفاسق ويرى الحنفية أن المرأة الفاسقة غير المأمونة إذ أتبت فجورها بفسق أو سرقة أو كانت محترفة حرفة دنيئة كالنائحة والراقصة فإن حقها يسقط ويصنف الشافعية على ذلك الأمانة إذ لا حضانة لخائن والرأي نفسه قال به المالكية حيث يقولون لا حضانة لفاسق يشرب الخمر ومستهتر بالزنا ونحو ذلك أولا أمانة له في دينه

*** ثالثا: القدرة: ويشترط في الحاضن القدرة على تربية المحضون ومتابعته والاهتمام بشؤونه وصيانته وحفظ فالمريضة العجوز الطاعنة في السن وأمثالها لا تستحق الحضانة لعجزها على متابعة ومراقبة المحضون والاهتمام به وتربيته وتعليمه أما كبر السن دون العجز فلا يسقط الحضانة عنها وتسقط كذلك حضانة العاملة إذا كانت طبيعة عملها تحول دون الاهتمام بشؤون أطفالها أما إذا كانت طبيعة العمل لا تؤثر على شؤون المحضون أو إذا كان المحضون يقضي وقته في المدرسة وفي الوقت الذي تكون الحاضن في العمل حيث تنتقل المسؤولية خلال تلك الفترة إلى المدرسة ،الأمر الذي لا يؤثر على حضانها، ففي هذه الحالة تستحق الحضانة وهكذا فإن القدرة يجب أن تمتد إلى الرعاية البدنية والصحية والخلقية والمراقبة المدرسية وهي عناصر لا تتأتى للحاضن الأمي .

*** رابعا: السلامة من الأمراض المعدية: إن مدونة الأسرة لم تتطرق لموضوع السلامة من الأمراض المعدية خلافا للمدونة الملغاة في الفصل 5/98 وعلى اعتبار الأمراض المعدية خلافا للمدونة الملغاة في الفصل 5/98 وعلى اعتبار أن الأمراض المعدية قد تهدد صحة المحضون وأن رعايته الصحية وسلامته من الأمراض ، تعتبر من أهم أسس نموه وقوته من هذا المنطلق فقد يستطيع الحاضن القيام بشؤون الطفل ، لكن يخشى أن تنتقل إليه بعض الأمراض المعدية من الحاضن نفسها كمرض السل أو الجدام ونحو ذلك فالصغير يتضرر من انتقال هذه العدوى إليه فسلامة الحاضن من الأمراض المعدية ليست أقل من بقية الشروط وجوبا إن لم تكن أولى منها بالرعاية على أن المريضة بمرض معدي وإن كانت قوية قادرة على خدمة المحضون فهي في حكم العاجزة إذ يجب لحفظه أن تبتعد عنه وبذلك يسقط حقها في الحضانة .

*** خامسا: عدم زواج الحاضنة : من بين موانع الحضانة زواج الحاضنة لكن هذا لا يعني أحد الأمور على إطلاقها بمعنى أن مجرد الزواج يرفع عنها الحضانة بل وفق حالات حددتها المادتين 174 و175 بعد حيث نصت على زواج الحاضنة الأم ثم الحاضنة غير الأم .

المطلب الثالث : حقوق الطفل نحو حاضنته الأم ونائبه الشرعي .

رأينا سابقا أن المادة 164 من مدونة الأسرة تنص على أن ” الحضانة من واجبات الأبوين مادامت العلاقة الزوجية قائمة” وتقتضي الفقرة الأولى من المادة 169 من نفس المدونة بما يلي :” على الأب أو النائب الشرعي والأم الحاضنة واجب العناية بشؤون المحضون في التأدب والتوجيه الدراسي ، كما تنص المادة 177 من المدونة ذاتها على المقتضى التالي ” يجب على الأب وأم المحضون الأقارب وغيرهم إخطار النيابة العامة بكل الأضرار التي يتعرض لها المحضون لتقوم بواجبها للحفاظ على حقوقه بما فيها المطالبة بإسقاط الحضانة .

انطلاقا من كل ما تقدم أعلاه يستشف أن الطفل المحضون يتوفر على مجموعة من الحقوق في مواجهة كل من حاضنته وكذا نائبه الشرعي الذي يكون غالبا هو الأب وهي الحقوق التي يمكن إجمالها في العناية بشؤونه في التأديب . والتوجه الدراسي أولا أي التي يتضمنها الفرع الأول وكذا العمل على إخطار النيابة العامة لكل الأضرار التي قد يتعرض لها ثانيا .

الفرع الأول : العناية بشؤون الطفل المحضون في التأديب والتوجيه الدراسي
إضافة إلى سهر الحاضن على شؤون الطفل المحضون والقيام بمختلف خدماته يلتزم كل من أبيه أو نائبه الشرعي وكذا حاضنته الأم على الحرص على تربيته وتأديب تصرفاته وتهذيب أفعاله وصيانة أخلاقه وذلك بملاحظة حركاته وسلوكاته طيلة مراحل نموه ومراقبة علاقته مع أصدقائه وزملائه حتى لا يعتاد على معاشرة رفقاء السوء الذين قد يفسدون تربية أخلاقه مما يحتم عليهما مع العمل على إرجاع المحضون إلى جادة الصواب إذا ما ظهرت عليه بعض بوادر الانحراف حتى وإن اقتضى الأمر اللجوء إلى استعمال سلطتهما في التأديب والإكراه كما يجب أيضا على الأم الحاضنة والنائب الشرعي للطفل المحضون إحسان توجيهه في دراسته ومواكبة خطواته المدرسية استهلال من اختيار المؤسسة التعليمية المناسبة له وتكتيف ملاحظة مدى مواظبته على الحضور إليها مع مراقبة مدى قيامه بإنجاز واجباته وذلك حتى يستنى له بلوغ أسمى مراتب التحصيل العلمي .

والجدير بالذكر أنه وإن كان المشرع المغربي قد فرض على كل من الأب والأم والحاضنة توجيه طفلهما من الناحية الدراسية فإن الملاحظ هو أنه لم يعمل على تحديد عناصر و حدود هذا التوجيه مما يستصاغ منه أنه ترك صلاحية هذا الأمر للأبوين معا، الحال الذي يمكن القول معه أنه إذا ارتأت الأم الحاضنة توجيه طفلها دراسيا على أعلى مستويات وذلك بتقييده في إحدى المؤسسات التعليمية الخصوصية وقبل بلوغه السن المحددة للتسجيل في المدارس العمومية ، وتبت أن ما أقدمت عليه الأم المذكورة يقف مصلحة الطفل وكان الأب ميسورا ومن أواسط الناس الذين يقومن بتعليم أبنائهم ففي مثل هذه فإنه يتعين على الأب أن يتحمل تبعات هذا التسجيل بصفته النائب الشرعي للطفل. ولا يمكن له ، أن يحتج بأن الوزارة المكلفة بالتعليم حددت سن معينا للتمدرس بمؤسساتها لم يبلغها بعد الطفل المحضون
وتجدر الإشارة إلى أن المشرع المغربي قد أكد حرصه الشديد على حماية مصلحة المحضون عندما فطن إلى إمكانية وقوع الخلاف بين الأبوين الملزمين معا بالعناية بشؤونه في التأديب والتوجيه الدراسي وذلك بأن يدعي كل واحد منهما مسؤولية الآخر لوحده في القيام بهذه العناية حيث خول للمحكمة صلاحية النظر في هذا الخلاف طبقا لمقتضيات الفقرة الأخيرة من المادة 69 من مدونة الأسرة .

الفرع الثاني : إخطار النيابة العامة بكل الأضرار التي يتعرض لها الطفل المحضون
رغبة من المشرع المغربي في توفير الحماية الضرورية للطفل المحضون فقد ألزم والديه معا وسواهما من أقاربه وكذلك كل شخص من الأغيار يرى أو يلاحظ أن الطفل المذكور يتعرض لأي نوع من الإهمال وسوء المعاملة من طرف حاضنه الذي أصبح يتهاون في القيام بالشؤون التي تفرضها عليه مهام الحضانة إزاء الطفل المحضون من رعاية صحية وعناية آنية وسهر دائم على خدمته وحرص متواصل على تربيته وتأديبه… حيث ينبغي لكل واحد من هؤلاء الأشخاص المذكورين ، وبمجرد ملاحظتهم لأي إخلال أو تقصير في القيام بهذه المهام ونتج عنها بالتالي إضرار معين بمصلحة الصغير أن يبادروا بإخطار النيابة العامة بكل ما لا حضوه حتى تقوم هذه المؤسسة القضائية التي أوكل إليها المشرع صلاحية مراقبة تنفيذ مختلف الأحكام المتعلقة بحقوق الأطفال ويرفع الأمر به إلى المحكمة قصد اتخاذ كل إجراء تراه مناسبا بما في ذلك إسقاط الحضانة عمن يمارسها .

هذا ناهيك عن صلاحيتها في تحريك الدعوى العمومية في حق الأبوين الذي يثبت نسبه في إلحاق الأذى بطفله المحضون .