ثار خلاف في الفقه الإسلامي حول من يملك عزل متولي الوقف ، ومدى هذا الحق باختلاف ما اذا كان المتولي هو الواقف ام الموقوف عليه ام المشروط له التولية ام منصوب الموقوف عليه ام منصوب القاضي ، فضلاً عن مدى أحقية المتولي في عزل نفسه على النحو الاتي :

اولاً- عزل المتولي (الواقف): لفقهاء الحنفية في عزل المتولي الواقف قولان :

الأول : ان القاضي ينزع وجوباً التولية عن الواقف الخائن او الفاسق لأنه يأثم بتركه (1).

والثاني: ان المتولي – الواقف او غيره – اذا فسق إستحق العزل ولا يعزل ، كالقاضي إذا فسق لا يعزل على الصحيح المفتى به ولأن القضاء يحتاط فيه اكثر من التولية ، وتبرير ذلك ان العدالة شرط للاولوية وليست شرطاً لصحة التولية (2). و رأي الشافعية انه اذا فقد المتولي – واقفاً كان او غير واقف – اهليته في العدالة والكفاية بالقوة والقدرة على التصرف فيما هو متولٍ فيه ، فان القاضي ينتزع الوقف منه (3) . ويرى المالكية انه لا يجوز للواقف ان يشترط التولية لنفسه ، لأن ذلك من مبطلات الوقف (4). اما الحنابلة فرأيهم : انه اذا كان المتولي – هو الواقف – وكان عدلاً ففسق يُضم اليه امين لحفظ الوقف (5). واخيراً يرى الجعفرية ان المتولي – الواقف او غيره – اذا خان ضم اليه القاضي من يمنعه عنها وان لم يمكن عزله (6). ونعتقد انه اذا جوّز بعض الفقهاء والتشريعات للواقف الرجوع عن وقفه وإنهائه ، فمن باب أولى ان يبقى الواقف متولياً على وقفه إن فقد شرطاً من شروط التولية كالعدالة او الامانة، لأنه هو المالك الاصلي للعين الموقوفة قبل وقفها وأحن على وقفه من غيره ، الا يمكن للقاضي بوصفه صاحب الولاية العامة ان يبطل او يقيد من تصرفاته او ينصحه او يجمد توليته لمدة حفاظاً على الوقف ، فأن عاد صلاحه وامكن حفظ الوقف أعاد التولية إليه .

ثانياً- عزل المتولي (الموقوف عليه ) :

اذا لم يشترط الواقف من يتولى وقفه ، يكون الموقوف عليه – المستحق لغلة الوقف – متولياً على الوقف حسب توليته الاصلية – عند من يرى ذلك – اذا كان آدمياً معيناً محصوراً اهلاً . ويرى المالكية اذا كان المتولي هو الموقوف عليه ، وفقد صفة العدالة واصبح غير مأمون ، ورضي به الموقوف عليهم المالكون لأمر أنفسهم ، فأنه لا يعزل ولا يحق للقاضي عزله (7). في حين يرى الحنابلة انه اذا كان الموقوف عليه واحداً او جماعة رشيدين كل يتولى حصته ، واذا فسق أحدهم لا يعزل لأنه ينظر الى نفسه كملكه المطلق ويحتمل ان يضم الى الفاسق اميناً حفاظاً على أصل الوقف من البيع والتضييع (8). واذا كانت الجعفرية قد ذهبت الى عدم اشتراط العدالة في المتولي منصوب الواقف على الوقف الخاص (9). فمن باب اولى اذا اصبح الموقوف عليه هو المتولي حسب توليته الاصلية على الوقف الخاص ان لا يعزل اذا فسق لأنه يملك العين الموقوفة ومنفعتها . ونعتقد ان الموقوف عليه المنتفع اذا كان متولياً اصاله وفسق او خان لا يعزل ويضم اليه ناظر مشرف عليه حفاظاً على مصلحة الوقف والموقوف عليه .

ثالثاً – عزل المشروط له التولية :

من يحق له عزل المتولي المشروط له التولية من الواقف ؟ الواقف ام الموقوف عليه ام القاضي . لا خلاف في انه لا يحق للموقوف عليه عزل المتولي بالمشروطة وان ثبت فسقه او خيانته ، ويحق للقاضي عزله في حالة ثبوت ذلك ، لكن الخلاف في مدى أحقية الواقف في عزل المتولي منصوبه -الذي عينه – وعلى النحو الاتي :

الاتجاه الأول : يذهب الى انه يحق للواقف عزل متولي وقفة –منصوبه- مطلقاً وان لم يشترط ذلك بسبب او دون سبب لأنه وكيله ، وهذا راي ابي يوسف من الحنفية والراجح من الشافعية والمالكية (10).

الاتجاه الثاني : يذهب الى انه لا يحق للواقف عزل المتولي منصوبه الا اذا اشترط ذلك في وقفيته فيعزله بموجب شرطه وليس لكونه واقفاً ، وهذا راي محمد الحسن من الحنفية، ووجه عند الشافعية، والحنابله، والجعفرية (11). وتعليل ذلك ان المتولي وكيل الموقوف عليه وليس وكيل الواقف الذي اصبح اجنبياً عن وقفه ولا سلطان عليه بإنشائه (12)، او لأن الواقف لم يشترط التولية لنفسه وجعلها لغيره او فوضها اليه او اسندها ولذلك ليس له عزله (13) ، وبعكس ذلك لو شرط الواقف التولية لنفسه ثم اناب غيره فله عزله لأنه وكيله . ونعتقد ان الاتجاه الأول هو الجدير بالتأييد لأن الواقف هو المتولي الاصلي في حياته وغيره ينوب عنه بوصفه وكيله .

رابعاً- عزل المتولي (منصوب الموقوف عليه ) :

يحق للموقوف عليه حسب ولايته الاصلية – عند من يرى ذلك – غير المشروطة من الواقف ان يعزل منصوبه مطلقاً بوصفه وكيله بناء على أحكام الوكالة ، ولا يمكن القول بأنه يعزل منصوبه بوصفه متولياً لأنه لا يحق اشتراط التولية لغيره مطلقاً (14).

خامساً- عزل المتولي (منصوب القاضي) :

المبدأ ان القاضي متولٍ عام على الوقوف ومتوليها كافة ، فأن ثبت فسق او خيانة المتولي عزله ، والا ضم متولياً أميناً اليه لمشاركته في التولية احتياطاً ، او ناظراً عليه يشرف على تصرفاته حفاظاً على حقوق الوقف وازالة ضرر المتولي عن الوقف (15). ولا يحق للقاضي عزل المتولي بالمشروطة بغير خيانة ، لأنه ليس وكيله ، وتجدر الاشارة الى ان عزل القاضي للمتولي بالمشروطة يكون عن مرافعة وخصومة – خلافاً لعزل منصوبه – ويثبت ببينة شرعية لأن التولية حق للمتولي بنص الواقف . اما عزل القاضي للمتولي منصوبه – الذي عينه – فقد اختلف الفقه في ذلك وعلى النحو الاتي :

الرأي الأول : للقاضي حق عزل المتولي منصوبه مطلقاً سواء بسبب أو بغير سبب لأنه وكيله (16).

الرأي الثاني : لا يحق للقاضي عزل المتولي منصوبه الا بسبب موجب للعزل كفسقه او خيانته (17). كما لا يحق له عزل المتولي منصوب قاضي آخر الا بسبب موجب للعزل ، لان التولية من القاضي تشبه الحكم ولا يجوز نقضه (18). كما لا يحق للواقف عزل المتولي منصوب القاضي .

سادساً- عزل المتولي لنفسه :

اختلف الفقه حول مدى احقية المتولي في جواز عزل نفسه عن التولية وذهب الحنفية الى أن المتولي بالمشروطة لا يعزل بمجرد عزله لنفسه الا اذا ابلغ الواقف او القاضي (19). وذهب الرأي الراجح من الشافعية الى ان عزل المتولي لنفسه لا يعني عزله ، بل هو امتناع عن التصرف ، ويولي القاضي غيره لامتناعه وليس لعزله فأذا عاد أعاد القاضي التولية إليه (20). وترى المالكية بان للمتولي عزل نفسه سواء ولاه الواقف او غيره (21).

في حين يرى الحنابلة ان لا يحل للمتولي بشرط الواقف او بتقرير القاضي ان يعزل نفسه اذا علم ان ذلك يضر بالوقف بابطاله او التجاوز عليه (22). وللجعفرية في جواز عزل المتولي لنفسه قولان ، الاول – لايبعد الجواز. والثاني- الاحوط ان لا يعزل نفسه ، ولو عزل يقوم بأعمال التولية مع المراجعه الى القاضي (23). ونعتقد أنه اذا كان المتولي مولى من الواقف او غيره ، يحق له طلب عزل نفسه ان رأى أنه فقد شرط العدالة ، او لم يجد في نفسه الكفاية المطلوبة للاهتداء الى التصرف الصحيح لمصلحة الوقف ، ويعتقد ان من سيتولى امر الوقف من بعده افضل منه ، او لوجود مانع من توليته كمرضه او هجرته الى مكان آخر ، ولا يسري عزله لنفسه الا من تاريخ علم وموافقة الواقف او القاضي ، ويتعدى إذا علم ان عزل نفسه يضر بالوقف بأصله ومنفعته او التسور عليه من سلطان او قاضٍ او الغير .

_____________________

[1]- برهان الدين الطرابلسي ، الاسعاف في أحكام الأوقاف ، المصدر السابق ، ص54؛ عبد الرحمن أفندي داماد ، مجمع الانهر في شرح ملتقى الأبحر وبهامشه شرح در المنتقى لصاحب الدر المختار شرح تنوير الابصار ، جـ1 ، الناشر الحاج محرم افندي ، مطبعة سنده ، من دون سنة طبع؛ تقريرات الرافعي على حاشيته ابن عابدين ، جـ6 ، المصدر السابق ، ص583 .

2- ابن نجيم ، البحر الرائق شرح كنز الدقائق ، جـ6 ، المصدر السابق ، ص352 ؛ ابن عابدين ، رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الابصار ، جـ6 ، المصدر السابق ، ص579 .

3- شمس الدين الرملي ، نهاية المحتاج الى شرح المنهاج ومعه حاشيتي الشبراملسي القاهري والمغربي الرشيدي ، جـ5 ، المصدر السابق ، ص399؛ شهاب الدين القليوبي، حاشية القليوبي مع حاشية عميره على كنز الراغبين شرح منهاج الصالحين ، جـ3 ، المصدر السابق ، ص165-166 .

4- ابو بكر بن حسن الكشناوي ، اسهل المدارك شرح ارشاد السالك ، جـ1 ، المصدر السابق ، ص84 .

5- علاء الدين المرداوي ، الانصاف في معرفة الراجح من الخلاف ، جـ7 ، المصدر السابق ، ص62 ؛ مرعي بن يوسف الكرمي ، غاية المنتهى في الجمع بين الاقناع والمنتهى، جـ2 ، المصدر السابق ، ص313 .

6- محسن الطباطبائي الحكيم ، منهاج الصالحين ، جـ2 ، المصدر السابق ، ص174 .

7- ابو بكر بن حسن الكشناوي ، اسهل المدارك شرح ارشاد السالك ، جـ1 ، المصدر السابق ، ص86 .

8- موفق الدين بن قدامة ، المغني والشرح الكبير ، جـ6 ، المصدر السابق ، ص243 ؛ مرعي بن يوسف الكرمي ، غاية المنتهى في الجمع بين الاقناع والمنتهى ، جـ2 ، المصدر السابق ، ص313.

9- يراجع ، ص50 من هذه الرسالة .

0[1]- ابن عابدين ، رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الابصار ، جـ6 ، المصدر السابق ، ص580، 641، 656 ؛ ابو زكريا يحيى النووي ، روضة الطالبين ، جـ4 ، المصدر السابق ، ص412 ؛ محمد بن عرفة الدسوقي ، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير ، جـ 5 ، المصدر السابق ، ص475 .

1[1]- برهان الدين الطرابلسي، الاسعاف في أحكام الأوقاف، المصدر السابق، ص53؛ ابو زكريا يحيى النوري، المصدر نفسه؛ مرعي بن يوسف الكرمي، غاية المنتهى في الجمع بين الاقناع والمنتهى، ج2، المصدر السابق، ص313 ؛ محسن الطباطبائي الحكيم، منهاج الصالحين، ج2، المصدر السابق على الانترنت، (مسألة 1501) .

2[1]- ابن عابدين ، رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الابصار ، جـ6 ، المصدر السابق ، ص641 ؛ فخر الدين الزيلعي ، تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق ، جـ4 ، المصدر السابق ، ص269 ؛ ابو زكريا يحيى النوري ، المصدر نفسه ؛ عبد الاعلى السبزواري ، مهذب الأحكام في بيان الحلال والحرام ، جـ22 ، المصدر السابق ، ص107 .

3[1]- علاء الدين المرداوي ، تصحيح الفروع مع كتاب الفروع ، المجلد الثاني ، المصدر السابق ، ص576-577 ؛ مرعي بن يوسف الكرمي ، غاية المنتهى في الجمع بين الاقناع والمنتهى، جـ2، المصدر السابق، ص313.

4[1]- مرعي بن يوسف الكرمي ، غاية المنتهى في الجمع بين الاقناع والمنتهى، جـ2، المصدر السابق، ص313.

5[1]- ابن نجيم ، البحر الرائق شرح كنز الدقائق ، جـ6 ، المصدر السابق ، ص361-362 ؛ شمس الدين بن مفلح المقدسي ، كتاب الفروع ومعه تصحيح الفروع ، المجلد الثاني ، المصدر السابق ، ص577 ؛ محسن الطباطبائي الحكيم ، منهاج الصالحين ، جـ2 ، المصدر السابق ، ص174 .

6[1]- ابن عابدين ، رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الابصار ، جـ6 ، المصدر السابق ، ص580 ؛ مرعي بن يوسف الكرمي ، غاية المنتهى في الجمع بين الاقتناع والمنتهى ، جـ2، المصدر السابق ، ص313.

7[1]-علي حيدر ، ترتيب الصنوف في أحكام الوقوف ، المصدر السابق ، المادة 11 ، ص17 .

8[1]-محمد قدري باشا ، قانون العدل والانصاف للقضاء على مشكلات الأوقاف ، المصدر السابق ، (المادة 247) ، ص117 .

9[1]- المصدر نفسه ، (المادة 250) ، ص118 ؛ قرار محكمة الاستئناف الشرعية الاردنية ، المرقم 9271 لسنة 1956 ، اشار اليه محمد حمزة العربي ، المصدر السابق ، ص341 .

20- عبد الرحمن الشربيني ، حاشيته على الغرر البهية في شرح منظومة البهجة الوردية ، ومعه حاشية ابن قاسم العبادي وتقرير عبد الرحمن الشربيني عليها ، جـ6 ، دار الكتب العلمية – بيروت ، 1418هـ – 1997م ، ص422 .

([1]2) محمد بن عرفة الدسوقي ، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير ، جـ5 ، المصدر السابق ، ص475 .

(22) احمد بن محمد المنقور التميمي النجدي ، الفواكه العديدة في المسائل المفيدة ، جـ1 ، المصدر السابق ، ص459 .

(23) كتاب منهاج الصالحين، جـ2، المصدر السابق على الانترنت ، (مسألة 1503).

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .