الحفاظ على البيئة والنظام العام العبر دولي

يشكل الحفاظ على البيئة أحد أهم المسائل التي تستحوذ على الاهتمام الدولي، بالنظر لأهميتها على الصعيد الإنساني الدولي الثقافي أو حتى الطبيعي، وبنظرة سريعة على الاتفاقيات الدولية المعقودة في الثلث الأخير من القرن الآفل، تظهر مدى الأهمية التي يوليها المجتمع الدولي لموضوع البيئة، فصح القول حول إمكانية التساؤل عن بروز نواة نظام عام عبر دولي بيئي يستهدف تقرير حماية الممتلكات الثقافية والطبيعية للمجتمع الإنساني.

فعلى صعيد حماية الممتلكات الثقافية تبرز اتفاقية الاونسكو لسنة 1972 الخاصة بالحفاظ على التراث الثقافي والطبيعي والعالمي، واتفاقية روما لسنة 1995 المتعلقة بالممتلكات الثقافية المسروقة أو المصدرة بصورة غير مشروعة ، وقد أثيرت مسألة التحكيم والحفاظ على البيئة الثقافية ومدى اعتبارها من النظام العام العبر دولي بمناسبة قضية الأهرام المصرية.

تتلخص وقائع هده القضية في أن وزير السياحة المصري أبرم بتاريخ 1984 بصفته ممثلا للدولة المصرية والمؤسسة المصرية للسياحة والفنادق اتفاقا مع الشركة الأمريكية S.P.P بهدف إنشاء مركزين سياحيين يقع أحدهما قرب الأهرامات، ووفقا لنصوص الاتفاق المذكور تعهدت الحكومة المصرية بعمل كل مايلزم من أجل تسهيل تملك المشروع المشترك المزمع إنشاؤه للأراضي المخصصة لإقامة هذين المركزين، هذا وأن الحكومة المصرية عمدت سنة 1987 إلى سحب موافقتها على المشروع بسبب المعارضة التي لقيها من قبل المجتمع المدني ونواب الأمة لما قد يسببه من تدمير للأهرامات باعتبارها موقعا أثريا، كما ثم إدخال هذه الأهرامات ضمن لائحة الأماكن الواجب حمايتها بمقتضى اتفاقية اليونسكو لسنة 1972.
على إثر ذلك باشرت الشركة الأمريكية إجراءات التحكيم تحت مظلة التجارة الدولية، مطالبة بالتعويض عن التأخير والضرر اللاحق بها، وقد أصدر المحكمون قرارا لصالح الشركة الأمريكية فتقدمت الحكومة المصرية بمراجعة بطال هذا القرار أمام استئنافية باريس وفي قرارها الصادر سنة 1984 ، عمدت استئنافية باريس إلى القضاء ببطلان القرار التحكيمي استنادا إلى السبب الأول المتمثل في عدم وجود شرط تحكيمي، وكذلك استنادا إلى الاستقلالية التي تتمتع بها المؤسسة العامة المصرية للسياحة والفنادق، وقامت بعد ذلك الشركة الأمريكية بعرض النزاع على تحكيم المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار في واشنطن وهذا الأخير قضى لصالح الشركة الأمريكية.

إلا أنه واعتبارا لأن قواعد اليونسكو تعتبر من قواعد النظام العام العبر دولي الثقافي، يدفع أيضا إلى اعتبار القواعد المنظمة للبيئة الطبيعية جزءا من قواعد هذا النوع من النظام العام استنادا إلى التوافق الدولي الواسع حول ضرورة حماية البيئة.

ولئن كان التحكيم في هذا الإطار لم يطرح حتى اليوم بصدد المنازعات التي تثير تطبيق أحكام خاصة بحماية البيئة الطبيعية في إطار العلاقات الخاصة الدولية بين الأشخاص الخصوصيين، فإن ذلك لايمنع من اعتبار الأحكام المتعلقة بحماية هذه البيئة جزءا من قواعد النظام العام العبر دولي التي ينبغي احترامها وعدم مخالفتها إن في إطار القضاء النظامي أو حتى في إطار القضاء التحكيمي، فباستطاعة هذا الأخير مثلا استنادا إلى الإعلانات والاتفاقيات الدولية استخلاص وجود قواعد عبر دولية آمرة تسمو على إرادة المتعاملين في ميدان التجارة الدولية، لاسيما متى كانت هذه الإرادة منصرفة إلى إحداث ضرر في البيئة العالمية، فمثلا الاتفاق المبرم بين تجار دوليين حول طمر نفايات نووية بصورة غير علمية وبالمخالفة لاتفاقية bale المذكورة، تسمح للمحكم اعتبار هذا الاتفاق مخالفا للنظام العام العبر دولي ( النسبي ) والحكم بإبطاله.
فالمحكم إذا ملزم بإعلاء المصلحة الإنسانية للمجتمع الدولي على مصالح المتعاملين في ميدان التجارة الدولية.
عموما إذا كان هذا هو الوضع بخصوص حماية النظام العام العبر دولي لمصالح المجتمع الدولي، فإنه يحق لنا التساؤل عن الوضع بخصوص هؤلاء العاملين في ميدان التجارة الدولية .