لم تتضمن معظم التشريعات الصادرة في ميدان الوظيفة تعريفا للموظف العام يتسم بالعمومية والشمول، بل كل ما جاء فيها هو تحديد لمعنى الموظف العام في مجال تطبيقها. ولذلك فقد بذل الفقه والقضاء جهودا كبيرة لاستخلاص مفهوم محدد للموظف العام في نطاق القانون الإداري. وفي حين كان الاتجاه القديم يتجه نحو توسيع مدلول الموظف العام، فان الاتجاه الحالي الذي يمثله الفقه الحديث يميل نحو تعريف مضيق للموظف العام، الا انه أيا كان الخلاف بين الاتجاهين فانه يكاد ينعقد الاجماع على العناصر التي يلم توافيرها لتحقيق صفة الموظف العام وهذه العناصر هي(1):

1- تولية العامل وظيفة دائمة يشغلها بصفة دائمة.

2- الدخول في تدرج اداري بوساطة التثبيت.

3- الاسهام في مرفق عام من نوع معين.

وفي العراق فقد تضمنت تشريعات الخدمة المدنية وانضباط موظفي الدولة تعريفا للموظف العام. فعرفت المادة الثانية من قانون الخدمة المدنية رقم (24) لسنة 1960 المعدل الموظف بانه ((كل شخص عهدت اليه وظيفة دائمة داخلة الملاك الخاص بالوظيفة)). بينما عرفت المادة (1/ثالثا) من قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم (14) لسنة 1991 المعدل الموظف بانه ((كل شخص عهدت اليه وظيفة داخل الوزارة او الجهة غر المرتبطة بوزارة)).

وعلى ذلك ينبغي لتحقق صفة الموظف العام اجتماع الشروط الاتية:

1- ان يعهد اليه وظيفة دائمة: يلزم ان تكون الوظيفة التي يشغلها الموظف دائمة بصرف النظر عن شاغلها. فالوظيفة التي يعتد بها هي التي تكون جزء في التنظيم الإداري للمرفق فيجب ان تتمتع بالاستمرار والدوام.

والى جانب هذا العنصر الموضوعي الخاص بالوظيفة ينبغي توافر عنصر شخصي وهو ان يكون شغل الموظف للوظيفة الدائمة بطريقة قابلة للدوام وليس بصفة عارضة مؤقتة مع ملاحظة ان فكرة الدام لا تستبعد بالضرورة العاملين لبعض الوقت من مفهوم الموظف العام، فالشغل الدائم لوظيفة لا يعني ان يكون ذلك لكل وقت(2). كما يجب عدم الخلط بين الموظف الذي يعمل بعقد مؤقت في وظيفة دائمة والوظيفة المؤقتة او الموسمية لان شاغل الوظيفة الأولى يعد موظفا عاما ولو امكن انها علاقته بانتهاء مدة العقد، اما الثانية فلا يعد شاغلها موظفا عاما تغليبا للطبيعة اللائحية لعلاقته شاغل الوظيفة الدائمة بالإدارة على العلاقة التعاقدية(3).

2- ان تكون الوظيفة التي يشغلها داخلة في الملاك الخاص بالموظفين: بمعنى انه يلزم ان يشغل الموظف درجة في الملاك (الكادر) الخاص بالموظفين بحيث يصبح حائزا لها. والملاك هو مجموع الوظائف والدرجات المعينة لها المصادق عليها بموجب قانون الميزانية او من وزير المالية(4). وتتم حيازة الموظف للدرجة بوساطة التثبيت وهو اجراء قانوني مستقل عن التعيين في الوظيفة وياتي بعده وذلك عند توافر الشروط التي يتطلبها القانون.

3- ان يعمل الموظف في خدمة مرفق عام تديره الدولة او احد اشخاص القانون العام: فلا يكفي لعد العامل موظفا عاما ان يعمل في وظيفة دائمة بل يلزم ان يكون عمله في خدمة مرفق عام.

ولا شك ان فكرة المرفق العام وتحديد جمعاها وبيان العناصر الأساسية التي تتكون منها تعد واحدة من اكثر المسائل التي حظيت باهتمام فقه القانون العام والقضاء الإداري. ويمكن في هذا الصدد استخلاص معيارين احدهما عضوي (شكلي) يدور حول فكرة المنظمة العامة وتاسيسا عليه يحدد المرفق العام في انه كل منظمة عامة تنشئها السلطة الحاكمة وتخضع لادارتها وتتولى جزء منها بقصد اشباع الحاجات العامة. والمعيار الثاني موضوع يدور حول طبيع النشاط الذي تتولاه الإدارة والهدف النهائي لها النشا، وتاسيسا على ذلك يتحدد المرفق العام بانه كل نشاط تتولاه الإدارة وتتجه به الى تحقيق نفع عام. والراجح في تعريف المرفق العام هو الجمع بين العنصرين معا. فيكون المرفق العام هو كل نشاط تتولاه الإدارة بنفسها بقصد اشباع حاجة عامة للجمهور. ويشترط لاكتساب صفة الموظف العام ان تدير الدولة او احد اشخاص القانون العام هذا المرفق إدارة مباشرة، وعلى ذلك لا يعد الموظفون في المرافق التي تدار بطريقة الالتزام موظفين عامين، وكذلك الشركات والمؤسسات التي لا تتمتع بالشخصية الاعتبارية العامة ولو تم انشاؤها بقصد اشباع حاجات عامة للجمهور.

4- ان يتم توليه للوظيفة بسند صحيح بواسطة السلطة المختصة: فتقلد الموظف لوظيفته يجب ان يكون بطريقة صحيحة ومشروعة. ومؤدى ذلك ان تتم التولية بقرار يصدر من السلطة العامة المختصة بارادتها المنفرد، وهو ما يسمى بالتعيين. وعلى ذلك فمن اغتصب وظيفة ا تولاها بسند غير صحيح كالموظف الفعلي لا يعد موظفا عاما. وكذلك اذا كان تقلده للوظيفة تم بطريقة التعاقد اذ يصبح العامل في هذه الحالة في مركز تعاقدي في حين ان مركز الموظف العام هو مركز لائحي نظامي(5). ولما كانت الوظيفة مساهمة اختيارية في الشؤون العامة، فانه يلزم ان تصادف تولية الوظيفة قبولا لدى الموظف، وعلى ذلك فان المكلفين والمجندين ومن في حكمهم يخرجون عن نطاق الوظيفة العامة.

_____________________

1- د. عبد الحميد كمال حشيش دراسات في الوظيفة العامة في النظام الفرنسي، مكتبة القاهرة الحديثة، 1974 ص170.

2- د. عبد الحميد كمال حشيش المصدر السابق ص172.

3- د. مازن ليلو راضي القضاء الاداري ص105.

4- انظر المادة الثانية من قانون الخدمة المدنية رقم (24) لسنة 1960 المعدل.

5- ولكن لا يتعارض ووفقا للراي الراجح مع صفة الموظف العام ان يتم تقليد الوظيفة بطريق الانتخاب. انظر بهذا الشأن د. عبد الحميد كمال حشيش، المصدر السابق ص171.

المؤلف : وسام صبار العاني
الكتاب أو المصدر : القضاء الاداري

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .