الالتزمات القانونية للادارة بإزالة آثار القرار الملغي

أ/ عبد الله كامل محادين

ومقتضى هذا الالتزام هو تولي الإدارة إزالة كافة الآثار القانونية والمادية التي خلفها القرار الملغي، ويكلفها ذلك إصدار قرار إداري بسحب القرار الملغي إن كان الأخير إيجابياً، مثال ذلك إصدار قرارها بفصل موظف بغير الطريق التأديبي ويحكم القضاء بإلغائه، فتنفيذ حكم القضاء يقتضي منه أن يصدر قراراً إدارياً بسحب القرار الملغي وكأن الموظف لم يغادر الوظيفة أبداً .

أما إذا كان قرار الإدارة سلبياً وحكم القضاء بإلغائه، فإن تنفيذ حكم القضاء يوجب عليها إصدار قرار إيجابي بالموافقة على طلب صاحب الشأن الذي رفضته والذي حكم القضاء بإلغائه، كحالة امتناع الإدارة عن تلبية طلب صاحب الشأن بخصوص الحصول على ترخيص معين، فإن حكم القضاء بإلغاء هذا الرفض يحتم على الإدارة إصدار قرارها بالموافقة على الطلب المرفوض .

وبالإضافة إلى التزام الإدارة بإزالة الآثار القانونية للقرار الملغي تلتزم أيضاً بإزالة الآثار المادية التي خلفها قبل وجوب قيامها بإخلاء العين التي استولت عليها دون وجه حق أو الإفراج عن المواطن المعتقل بقرار غير مشروع.

وبذلك فإن تصفية آثار القرار الملغي يجب أن تكون كاملة وبأثر رجعي بإعادة الحال إلى ما كان عليه قبل صدوره، وهي نتيجة حتمية لحكم الإلغاء، وهذه النتيجة وأن كان يفرضها المنطق القانوني وتلافي التطبيق في أغلب الحالات، إلا أن تطبيقها في حالات معينة قد لا يجد له سبيلاً أما لتعارضها مع الواقع أو أن التطبيق يفضي إلى نتائج غير مقبولة، فالموظف الذي يلغى قرار تعيينه بحكم قضائي يترتب على الحكم التزام الإدارة بسحب قرار التعيين بأثر رجعي، فإن المنطق القانوني يقضي بأن كل ما قام به الموظف من أعمال وتصرفات قانونية يلحقها البطلان استناداً إلى مبدأ ” ما بني على باطل فهو باطل “، فلا شك أن الموظف قد قام بالعديد من الأعمال، منها ما هو تصرفات قانونية في مواجهة الأفراد ومنها ما هو أعمال مادية تثير مسؤولية الإدارة، ولو سايرنا المنطق القانوني لأفضى إلى نتائج غير مقبولة ولأدى إلى فقدان الثقة والاطمئنان بالإدارة العامة التي يتعامل معها الأفراد على أساس من الثقة والطمأنينة التامتين، لذلك نجد مجلس الدولة الفرنسي أورد استثناءً على قاعدة الأثر الرجعي لحكم الإلغاء واعتبر الأعمال التي يباشرها الموظف المخلوع أعمالاً سليمة تنسب للإدارة ولا يلحقها البطلان، وقد أطرد مجلس الدولة الفرنسي في البداية في أحكامه على أن الاستثناء الذي يرد على قاعدة الأثر الرجعي لا يمكن تطبيقه إلا على شؤون الموظفين، أما فيما عدا ذلك فإن تلك القاعدة يجرى تطبيقها بصورة مطلقة .

وهنالك حالات يكون فيها تطبيق الأثر الرجعي لحكم الإلغاء ضرباً من ضروب الاستحالة، وهي حالة قيام الإدارة بتنفيذ القرار الإداري تنفيذاً كاملاً واستنفاذه الغرض الذي صدر من أجله قبل صدور الحكم القضائي بإلغائه إذ لا يكتسب حينها حكم الإلغاء سوى قيمة نظرية بحتة ولا يجد سبيلاً إلى تطبيقه لتعارضه مع الواقع، كما لو أصدرت الإدارة قرارها بهدم منزل وتم هدمه قبل صدور حكم القضاء بإلغاء القرار.

غير أن مجلس الدولة الفرنسي لا يتردد في السير في دعوى الإلغاء وإصدار حكمه بالإلغاء حتى وأن استحال تنفيذ الحكم احتراماً منه لمبدأ الشرعية ووضع الأمور في نصابها القانوني الصحيح.

لهذا السبب فقد احتاطت التشريعات لهذا الأمر ومنحت الحق لصاحب الشأن في طلب وقف تنفيذ القرار الإداري للحيلولة دون وقوع نتائج يتعذر تداركها بتنفيذ القرار الإداري .