الأصل الشرعي والأصل الوضعي لحقوق الإنسان

يطرح العلمانيون حينما يتحدثون عن حقوق الإنسان ـ إشكالية ـ هي في الحقيقة إشكالية زائفةـ بخصوص تلك الحقوق في الشريعة الإسلامية يقول أحدهم ـ وهو الدكتور فؤاد زكريا ـ (أنه مادام الأصل في حقوق الإنسان مصدرًا شعريًا، وما دام العقاب على انتهاكها هي نفس الجزاءات اليت تضمن الخير والشر في العقيدة الدينية وهو الجزاء الأخروي فقط، فإنه إذا لم يكن إيمان الحاكم صادقًا فلن يردعه شيء عن انتهاك هذه الحقوق، ولن يستطيع مواطنوه المضطهدون أن يهبوا ضده بشيء سوى الجزاء الأخروي .
والغريب أ، الدكتور فؤاد زكريا وهو أستاذ جامعي وهو أيضًا مسلم أما إنه يعرف بالضرورة أن للخير والشر جزاءه الدنيوي في الإسلام وجزاؤه الأخروي أيضًا، ومن الأغرب أن العلمانيين أحيانًا ينتقدون الشريعة الإسلامية من زاوية ترتيب عقاب وحدود وتعا زير في الدنيا على مرتكبي الآثام والجرائم ويقولون أن هذا إدخال للدين في ملكوت الدنيا والمرغوض أن الدين يختص بالآخرة فقط .
وهكذا فإن الدكتور فؤاد زكريا وأمثاله، إما أنهم يجهلون أن في الشريعة الإسلامية عقابًا دنيويًا، وإما يتجاهلون ذلك، أو يتحدثون عن دين آخر دين الإسلام ، أو عن إسلام معين يخضعوه هم (تعريفاتهم ومفاهيمهم عن الدين، وأعتقد أ، الجميع يعلم، بما فيهم طلبة الابتدائي أن عقاب ابن عمرو بن العاص رضي الله عنه عندما اعتدى على حقوق أحد المصريين كان عقابًا دنيويًا وهو الضرب بالسوط وبنفس الطريقة التي ضرب بها المصري، وعلى يد الشخص المضروب ذاته.
ولم يقل احد ساعتها كما لم يتطرق إلى ذهن أحد ترك ابن عمرو بن العاص إلى الجزاء الأخروي، إذن فهذا الإشكال في غير محله، فهناك بالطبع جزاء دنيوي وهناك أيضًا جزاء أخروي،

وبديهي أن الجزائين معًا يعل للمسألة ضمانات أقوى من تلك الموجودة في الأصل الوضعي الذي يعتمد على الجزاء الدنيوي وحده.
أما مسألة عن ارتداع بعض الحكام غير الصادقين عن انتهاك حقوق الإنسان، وهي الشبهة الثانية في هذا الصدد، فهو موجود أكثر بالنسبة للحكام الذين يحكمون بالقوانين الوضعية ، فالقوانين الوضعية مثلاً لم تردع النازية والفاشية والصهيونية عن انتهاك حقوق الإنسان على نطاق واسع جدًا ، وأوروبا ذات الأصل الوضعي لحقوق الإنسان مارست الاستعمار والنهب والقهر والمذابح بحقوق الشعوب الأخرى، بل ولا تزال أمريكا وإسرائيل تفعلان نفس الشيء على نطاق أكثر اتساعًا!!. ومن ثم فإهدار حقوق الإنسان حدثت في وجود الأصل الوضعي لحقوق الإنسان ، ورغم أنف المواثيق الدولية في هذا الصدد أكثر ألف مرة من حدوثها في وجود الأصل الشرعي لحقوق الإنسان عندما يتجاوزه أحد الحكام، وفي تلك الحالة فإن هناك الوعي الإسلامي العام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعلماء الدين عينون أو يحاولون منع الحاكم من فعل هذا .
الشبهة الثالثة في هذا الصدد، هو أن النص الشرعي يحتمل دائمًا اتساع التأويل أو التلاعب به أو إخراج الشيء ونقيضه وهكذا وينسى أصحاب تلك الشبهة أن هذا الأمر موجود في كل النصوص دينية ووضعية، والنص الماركسي نفسه تعرض لنفس الأمر، لدرجة اتهام الماركسي أخاه الماركسي بالانتهازية والتحريفية … الخ. ولعل الضوابط الموجودة في الشريعة الإسلامية يجعل التلاعب بالنص الإسلامي بالذات في أضيق الحدود .