إذا انعقد الإيلاء ترتبت عليه أحكام شرعية دلت عليها آراء فقهاء المذاهب الاسلامية واخرى قانونية دلت عليها المواد القانونية التي وضعها الفقهاء القانونيون في صلب القانون وعلى هذا الاساس سوف نتناول في هذا الموضوع حكم الإيلاء ، شرعاً في فرع اول وحكم الإيلاء قانوناً في فرع ثانٍ وعلى النحو الآتي :

الفرع الاول :حكم الإيلاء شرعاً

لقد اعطى الله سبحانه في قوله (( للذين يؤلون من نسائهم تربص اربعة اشهر فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم . وان عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم ))(1). الخيار للمولي بين الفيئة والطلاق والفيئة تكون خلال المدة عند الحنفية(2). وتمتد الى مابعدها عند جمهور الفقهاء(3) . لذلك سوف نقسم هذا الفرع الى فقرتين نخصص الفقرة الاولى لبيان حكم الإيلاء قبل انقضاء المدة والفقرة الثانية لحكم الإيلاء بعد انتهاء المدة.

اولاً : حكم الإيلاء قبل انقضاء المدة

المولي إذا فاء الى زوجته خلال مدة الإيلاء وهي أربعة أشهر عند الحنفية وأكثر من أربعة أشهر عند جمهور الفقهاء انحلت يمينه ووجبت عليه كفارة اليمين إن كان حلفه بالله تعالى أو بصفة من صفاته وهذه الكفارة حددها الله في محكم كتابه الكريم بقوله تعالى ((لايؤاخذكم الله باللغو في ايمانكم ،ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الايمان ، فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم او كسوتهم أو تحرير رقبة، فمن لم يجد فصيام ثلاثة ايام ، ذلك كفارة ايمانكم إذا حلفتم واحفظوا إيمانكم ، كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تشكرون ))(4).

اما اذا كان حلفه على التزامه بشيء (5). فيه مشقة كالطلاق والعتاق فإذا فاء خلال المدة عليه ان يقوم بما التزم به ، وذلك كأن يقول لزوجته ” ان جامعتك خلال أربعة أشهر فأكثر فلله عليّ صوم شهر ” فإن فاء خلال الاربعة اشهر فعليه ان يصوم شهراً . كذلك ان كان التزامه بشيء ليس فيه مشقة كالتزامه بنذر او صلاة(6).فإن فاء خلال المدة وجبت عليه الكفارة والفيء يكون بالجماع عند القدرة عليه لعدم وجود المانع سواء من جهته أو جهتها . اما عند المانع لمرض او حبس فيكون الفيء باللسان كأن يقول فئت الى امرأتي أو راجعتها أو أبطلت الإيلاء شرط أن يستمر العجز عن القربان جميع مدة الإيلاء فإن قال ذلك سقط الإيلاء عند الحنفية وفائدة الفيء القولي انه يمنع وقوع الطلاق إذا تمت مدة الإيلاء من غير قربان حقيقي عندهم(9). وذهب المالكية الى ان فيئته في حالة العجز يكون بالوعد بالوطء عند زوال المانع. وعند الشافعية والحنابلة والزيدية والامامية يكون بقوله إذا قدرت فئت إليها ونحوه مما يدل على التزامه بذلك عند زوال المانع ، فيعد ذلك فيئاً منه(10). ومن وجهة نظري انه يجب الاخذ بالرأيين معاً أي بالفيء القولي والوعد بالوطء عند القدرة او زوال المانع لانه ينتج عن الفئ القولي الاعتراف بخطئه وعدوله عنه والاعتراف بالحق المستلب للزوجة مما يستتبعه زوال النفور وزيادة في المحبة والوئام ومن ثم رجوع الحق للزوجة عند القدرة عليه .

ثانياً : حكم الإيلاء بعد انقضاء المدة

انقسم الفقهاء في حكم الإيلاء بعد انقضاء مدته الى فريقين الفريق الاول هم فقهاء الحنفية والفريق الثاني هم جمهور الفقهاء :

1- حكم الإيلاء بعد انقضاء مدته عند الحنفية

ذهب الحنفية الى انه إذا انتهت مدة الإيلاء ولم يفئ المولي وقع الطلاق بمضي المدة أي وقعت الفرقة تلقائياً بمضي المدة دون الحاجة الى تفريق القاضي ويقع الطلاق بائناً (11). والعلة من وقوع الفرقة بمضي المدة هو ان الإيلاء فيه نوع من الظلم بحق المرأة وان الله سبحانه وتعالى اعطاه فرصة أربعة أشهر لكي يرجع الى صوابه ويرفع الظلم عن زوجته فإذا لم يفئ فلابد من التخلص من الظلم الواقع . كذلك فإن رفع الظلم لايتم بالطلاق الرجعي فبإمكانه أن يعيدها الى عصمته ويولي عنها مرة اخرى .فالطلاق البائن يجعلها تملك نفسها ويزيل سلطته عليها جزاء الظلمة .

2- حكم الإيلاء بعد مضي المدة عند الجمهور

يرى جمهور الفقهاء من الامامية(12)والحنابلة(13).والمالكية(14).والزيدية(15)،والشافعية(16)،بأن الزوجة إذا رضيت بذلك فلاشيء على الزوج وان لم ترض بذلك حق لها ان تطلب من القاضي بإن يوقف الزوج فإما أن يفيء وأما أن يطلق . فيما ذهب الظاهرية الى ان ذلك لايتوقف على إذنها فيقوم القاضي بذلك من تلقاء نفسه سواء رضيت ام لم ترض . إلا انهم اختلفوا في حق القاضي في التطليق فذهب الحنابلة والشافعية والمالكية والزيدية الى ان للقاضي الحق في ايقاع الطلاق في حالة تعنت الزوج وعدم قبوله للفيء أو الطلاق اما الامامية والظاهرية فذهبوا الى القول بأنه في حالة تعنته يحبس ويضيق عليه الى ان يفيء أو يطلق فعن حماد بن عثمان عن الصادق ( عليه السلام ) كان أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) يجعل له حظيرة من قصب يحبسه فيها ويمنعه من الطعام والشراب حتى يطلق وروي ايضاً انه إذا امتنع ضربت عنقه لعصيانه إمام المسلمين وفي هذا يتفق الظاهرية مع الامامية ويكون الطلاق الواقع رجعياً.

ووجه الخلاف بين الفريقين هو اختلافهم في تفسير قوله تعالى (( للذين يؤلون من نساءهم تربص أربعة أشهر فإن فاءو فإن الله غفور رحيم ، وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم )).

فإن الحنفية(17). يرون ان الفيئة تكون في الاربعة أشهر واستندوا في ذلك الى قراءة ابن مسعود إذ قرأ (( فإن فاءو فيهن فإن الله غفور رحيم )) لما أقدموا عليه من إثم وظلم وعدول عن ايمانهم بالحنث فيها ، رحمةً لهم .ثم ان الاية بينت أن عدم الفيئة في مدة التربص يدل على عزيمة الطلاق ، لانه لو كان في نيته مراجعتها في مدة التربص لراجعها. لذلك فإن مدة الفيء تنتهي بانتهاء مدة التربص ولايحق له الفيء بعدها وانما يعد طلاقاً بائناً بانتهائها . اما جمهور الفقهاء فاستدلوا من الآية الكريمة ان الفيء وعزم الطلاق إنما يكون بعد مضي المدة لان وقوع الطلاق بمضي المدة لايحتاج الى عزم عليه بعد وقوعه ويؤيد ذلك قوله تعالى (( وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم )) فقوله (سميع عليم ) يفيد ان يكون الطلاق مسموعاً وهو لايكون كذلك الا بالكلام من الزوج أو القاضي في حالة امتناع الزوج عن الطلاق.

ويرى الاستاذ علي الخفيف (( إن رأي الجمهور أقوى وأصلح دليلاً ، إذ قد يكون من الخير مفاتحة الزوج فيما حدث منه من يمين ، وامتناع عن قربان زوجته ، وذلك بعد مضي المدة فيراجع الزوج نفسه ويدرك خطأه وذلك خير من فصم عرى الزوجية بمجرد مضي المدة فلاتجدي المفاتحة ولاالنصح ولا الارث ولكن في عدم وقوع الطلاق بمضيها تهيئة فرصة يستطيع فيها الزوج إصلاح ما أفسد ))(18) فيما يرى الدكتور نظام الدين عبد الحميد (( ان الزوج المولي إذا لم يفئ الى زوجته خلال مدة التربص فللزوجة مراجعة القضاء لمطالبة الزوج بالفيء أو الطلاق منه بطلقة بائنة لتتمكن الزوجة من التخلص مما هي فيه من حال ، ولتستطيع من التماس ماتراه صالحاً لها في قابل أيامها من التزوج من شخص آخر او عدم التزوج(19). والرأي الراجح من وجهة نظري هو ماذهب اليه جمهور الفقهاء من إعطاء الحق للزوجة في طلب التفريق إذا خشيت على نفسها من الوقوع في الحرام لأن رضاها بذلك وسكوتها عنه يدل على عدم قابليتها سواء من الناحية الشرعية أو البدنية او النفسية لذلك .

الفرع الثاني :حكم الإيلاء قانوناً

كان للقوانين التي تطرقت لفرقة الإيلاء كالقانون اليمني رقم 20 لسنة 1992 والقانون الكويتي رقم 51 لسنة 1984 والقانون الاماراتي لسنة 2005 الاحكام التالية:

اولاً :حكم الإيلاء في قانون الاحوال الشخصية اليماني رقم 20 لسنة 1992:

فرق المشرع اليمني بين حكم الإيلاء قبل انقضاء مدته وبين حكم الإيلاء بعد انقضاء مدته . ففي المادة (104) والتي نصت على ( يلزم المولي من زوجته الرجوع الى ما كان عليه فإن رجع فعليه كفارة الحنث )(20). أوجب على المولي الفيء الى زوجته قبل انقضاء مدة التربص فإن رجع فجزاؤه كفارة الحنث باليمين . اما في المادة (105) والتي نصت على ان ( للزوجة تربص أربعة أشهر من وقت الإيلاء فإن لم يرجع الزوج فللزوجة طلب التطليق عند القاضي فإن استعد للفيء حدد القاضي مدة مناسبة فإن لم يفئ طلقها عليه)(21). لقد اعطى المشرع اليمني للزوجة الحق في طلب التطليق عند القاضي والقاضي في هذه الحالة ينذره بوجوب الفيء ويمهله مدة مناسبة فإن لم يفئ خلال هذه المدة طلقها عليه .

وهنا نلاحظ ان المشرع اليمني لم يخير المولي بين الفيء والطلاق وإنما ألزمه فقط بالفيء وأعطى للقاضي حق التطليق في حالة تعنت الزوج وبهذا فقد خالف المشرع اليمني ماذهب اليه جمهور الفقهاء من تخيير المولي بين الفيئة أو الطلاق ، وعلى مانراه فإنه مسلك غير حسن .

ثانياً: حكم الايلاء في قانون الاحوال الشخصية الكويتي رقم 51 لسنة 1984 :

لقد اعطى المشرع الكويتي للزوجة المولى عنها الحق في طلب التطليق إن لم يفئ الزوج خلال مدة الإيلاء ( فإذا استعد الزوج للفيء قبل التطليق أمهله القاضي مدة مناسبة ، فإن لم يفيء طلقها عليه )(22) ويقع الطلاق رجعياً.

ونرى ان حكم الإيلاء في القانون الكويتي هو الحكم نفسه في القانون اليماني .

ثالثاً :حكم الإيلاء في قانون الاحوال الشخصية الاماراتي رقم 28 لسنة 2005

لايختلف حكم الإيلاء في هذا القانون عن حكم الإيلاء في القانونين الذين سبقت الاشارة اليهما من إعطاء الحق للزوجة في طلب التطليق إذا لم يفئ خلال مدة الاربعة أشهر حيث نصت المادة (132) من هذا القانون (للزوجة طلب التطليق إذا حلف زوجها على عدم مباشرتها مدة اربعة أشهر فاكثر ما لم يفئ قبل إنقضاء الاشهر الاربعة ، ويكون الطلاق بائناً)(23). ونلاحظ أن المشرع الاماراتي رجح المصلحة الخاصة وهي مصلحة الزوجة على المصلحة العامة المتمثلة بامكانة مراجعة الزوج لزوجته وعودة بناء الاسرة من جديد عندما جعل الطلاق بائنا متفادياً بذلك الضرر الذي يمكن ان يصيب الزوجة في حالة مراجعة الزوج لزوجته في الطلاق الرجعي ثم يولي عنها مرة اخرى .

رابعاً : اما قانون الاحوال الشخصية العراقي رقم 188 لسنة 1959المعدل

فلم يتطرق الى موضوع الإيلاء شأنه في ذلك شأن العديد من القوانين العربية والتي احالت القاضي الى الرجوع الى الشريعة الاسلامية .

ونأمل من المشرع العراقي أن يعالج موضوع الإيلاء في طيات القانون إذ ما ذنب الزوجة التي يهجرها زوجها في مضجعها ويحرمها من غريزة أودعها الله سبحانه وتعالى فيها وقد يؤدي ذلك الى نتائج سلبية على نفسية الزوجة ربما تؤدي الى تحميلها الحقد والكراهية تجاه الزوج ، أو ان تسلك طريقاً آخر قد تغضب فيه الله سبحانه وتعالى ، وهو ارتكابها للمعاصي .

____________

1- سورة البقرة /الاية 221.

2- السرخسي ، ج7 ،ص20.

3- علي السيد محمد علي الطبطبائي ، رياض المسائل في تحقيقي لأحكام بالدلائل، مؤسسة آلبيت عليهم السلام لإحياء التراث ، بلا سنة طبع ، ج12 ، ص410.، يحيى بن الحسين ، الاحكام ، بلا سنة ومكان الطبع ،ج1 ، ص434، محي الدين النوري ، المجموع ، دار الفكر ، بيروت، بلا سنة طبع ، ج17 ، ص321، الامام مالك ، الموطاء ، ط2 ، دار الفكر ، بيروت، 1983 ،ج3 ، ص84، ابن حزم الظاهري ، المحلى ، دار الفكر، بيروت ، لبنان ، بلا سنة طبع ، ج10 ، ص42، عبد الرحمن بن قدامه ، الشرح الكبير ، دار الفكر ، بيروت ، بلا سنة طبع ، ج8 ، ص535.

4- سورة المائدة / الاية 89.

5- محي الدين النووي ، المجموع ، ج17 ، ص290 ، ابن عابدين ، حاشية رد المختار ، دار الفكر ، بيروت ، 1405هـ ، ص463.

6- الامام مالك ، مصدر سابق ، ص84.

7- بدران ابو العنين ، الزواج في الشريعة الاسلامية والقانون ،بلا مكان نشر ولا سنة طبع ، ص316.

8- أ.علي الخفيف ، محاضرات عن طرق الزواج في المذاهب الاسلامية ، 1959، ص242.

9- السمرقندي ، تحفة الفقهاء ، ط2 ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، بلا سنة طبع ، ص205 ، ابن عابدين ، حاشية رد المختار ، دار الفكر ، بيروت ، 1405هـ ، 464. ابن نجيم المصري ، ص104 ، السرخسي ، مصدر سابق ، ص23.

10- بهاء الدين محمد بن الحسن الاصفهاني ، كشف اللثام عن قواعد الاحكام ، ج8 ، مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسين ، قم المقدسة ،ص277.

11- عبد الرحمن بن قدامه ، الشرح الكبير ، دار الفكر ، بيروت ، بلا سنة طبع ، ص535.

12- الامام مالك ، مصدر سابق ، ص86.

13- الامام يحيى بن الحسين ، الاحكام ، بلا سنة ومكان الطبع ، ص433.

14- زكريا الانصاري ، فتح الوهاب ،ط1 ، دار الكتب العلمية، بيروت ، لبنان ، ص159.

15- السرخسي ، مصدر سابق ، ج7، ص19.

16- الاستاذ علي الخفيف ، محاضرات عن طرق الزواج في المذاهب الاسلامية ، معهد الدراسات العربية العالمية ، 1959 ، ص249.

17- د. نظام الدين عبد الحميد ، احكام انحلال عقد الزواج في الفقه الاسلامي ،ط1، بيت الحكمة ، 1989، ص172.

18- المادة (104) من قانون الاحوال الشخصية اليمني رقم 20 لسنة 1992.

19- المادة (105) من قانون الاحوال الشخصية اليمني رقم 20 لسنة 1992.

20- المادة (124) من قانون الاحوال الشخصية الكويتي رقم 51 لسنة 1984.

21- المادة (132) من قانون الاحوال الشخصية الاماراتي رقم 28 لسنة2005

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .