يختلف أثر بطلان الاتفاق على تملك الدائن المرتهن المال المرهون على عقد الرهن المقترن به بحسب الفقه القانوني في القوانين المقارنة. فعلى وفق القانونين العراقي والمصري، هناك رأيان فقهيان في هذا الصدد:

يذهب الأول منهما(1). إلى أن بطلان الاتفاق يمكن أن يؤدي الى بطلان عقد الرهن المقترن به إذا كان هذا الاتفاق هو الباعث الدافع لإبرام عقد الرهن،إذ وفقاً للقواعد العامة في هذين القانونين، يكون الاتفاق الباطل غير مؤثر فـــــــي عقد الرهن المقترن به إذا لم يكن هو الباعث الدافع لإبرام عقد الرهن، إذ يبقى عقد الرهن صحيحاً ويلغى الاتفاق الباطل لوحده، في حين إذا كان هذا الاتفاق هو الباعث الدافع لإبرام عقد الرهن، فعندها يبطل العقد والاتفاق المقترن به معاً(2) .ولكننا لا نتفق مع الرأي المتقدم ونؤيد الرأي الثاني(3)،الذي يذهب الى إمكانية المحافظة على عقد الرهن من الانهيار مادام بقاؤه لا يتعارض مع ما يبغي المشرع تحقيقه بل يتفق مع تلك الأهداف وذلك باستبعاد الجزء الباطل، أي الاتفاق على تملك المرهون، استبعاداً وجوبياً لأن هذا الاتفاق مخالفٌ للنظام العام، عندها يبقى عقد الرهن صحيحاً مرتباً لآثاره ويؤدي الى تحقيق غاية المشرع من وراء بطلان الاتفاق، إذ إن الاستبعاد الوجوبي للجزء الباطل _بحكم القانون_ يُنقذ عقد الرهن من البطلان المحتمل ويجعله موافقاً للنظام العام(4).

فـــي حين الإعتداد بالمعيار القصدي وإرادة الدائن المرتهن على وفق الرأي الأول، قد يؤدي الى بطلان عقد الرهن كلياً إذا كان هذا الاتفاق هو الباعث الدافع لإنعقاد الرهن. أما تأثير بطلان اتفاق تملك المرتهن للمرهون على عقد الرهن المقترن به في القانون المدني الفرنسي، فقد علمنا أن هذا القانون لا يجيز الاتفاق على تملك المرهون ويعده باطلاً قبل صدور المـــــــــادة 2348، وعليه فان تأثير هذا البطلان على عقد الرهن يستشف من نص المادتين 900و 1172 منه، فعلى وفق المادة 900((أن الشروط المستحيلة أو المخالفة للنظام العام أو الآداب أو القانون التي تتضمنها الوصية أو التبرعات تُعد كأن لم تكن))(5). في حين قضت المادة 1172 ببطلان العقد المقترن بشرط مستحيل أو مخالف للنظام العام أو الآداب مع بطلان الشرط(6) و على وفق ذلك فأن عقد التبرع يبقى ويُستبعد الشرط الباطل منه، بينما عقد المعاوضة، كعقد الرهن مثلاً، يُبطل كلياً بوجود الشرط المخالف للنظام العام أو الآداب أو الشرط الممنوع قانوناً(7)، وقد سوغ بعض الفقهاء الفرنسيين هذا الاختلاف الواضح بين النصين، بقاء عقد التبرع دائماً باستبعاد الجزء الباطل يرجع الى إن أحد الطرفين في هذا العقد يحصل على شيء دون أن يعطي في مقابل ما حصل عليه، لذا يتردد هذا الطرف في التمسك بالبطلان خوفاً من استرداد الطرف الآخر لما حصل عليه هو، لذا لا يفرض عليه ذلك بل يوجب عليه الاحتفاظ بما حصل عليه، فالبطلان سوف يرد على الجزء الباطل فقط دون الأجزاء الأخرى، في حين إنه في عقود المعاوضات لم تتحقق هذه الفكرة لأنه دائماً هناك طرفان كل منهما يعطي شيئاً في مقابل ما حصل عليه(8).

على الرغم من ذلك، فإن القضاء الفرنسي اتجه الى توحيد الحكم في الحالات جميعاً، سواء كانت تبرعات أم معاوضات، إذ إتجهت أحكام المحاكم إلى أن الشرط الباطل المخالف للنظام العام إذا كان هو الباعث الدافع للتعاقد فان العقد بأكمله يكون باطلاً، أما إذا كان هذا الشرط ثانوياً بالنسبة للمتعاقدين وحده يكون باطلاً ويُعد كأنه لم يكن ويبقى العقد المقترن به صحيحاً مرتباً لآثاره، وعليه فإن عقد الرهن إذا تضمن اتفاقاً على تملك الدائن المرتهن المال المرهون عند عدم وفاء المدين بالالتزام المضمون وكان هو الدافع لإبرام هذا العقد يكون عقد الرهن باطلاً كلياً، أما إذا كان هذا الاتفاق يُعد ثانوياً بالنسبة لطرفي عقد الرهن، فأن الاتفاق يبطل لوحده ويبقى عقد الرهن صحيحاً مرتباً لآثاره(9) فـــــي حين ظهر إتجاه فقهي(10). يرى خلاف الاتجاه القضائي المتقدم، بأنه من أجل الحفاظ على عقد الرهن مع بقائه مطابقاً لما أراده المشرع أي مطابقاً للنظام العام، لذا يرى هذا الاتجاه وجوب استبعاد الجزء الباطل لوحده لكونه مخالفاً للنظام العام، إستبعاداً وجوبياً وبحكم القانون مع الإبقاء على الأجزاء الأخرى من العقد أي يبقى صحيحاً مرتباً لآثاره ، ومن ثم يكون قد تم الأخذ بما أراده المشرع وهو عدم اقتران العقد باتفاق مخالف للنظام العام، بينما الموقف القضائي السابق يُبطِل العقد كلياً إذا كان الاتفاق الباطل هو الدافع للتعاقد.

ما تقدم كان على وفق نص المادة 2078 من القانون المدني الفرنسي التي ألغيت بصدور القانون رقم 346 لسنة 2006، فبموجب القانون الأخير الذي انشأ المادة 2348، فإن النص كان صريحاً بذكـــــره بأن إتفاق تملك المال المرهون من قبل الدائن المرتهن يجب أن تتوافر فيه الشروط المنصوص عليها في هذا النص والتي جاءت لمنع استغلال الراهن وحمايته من عدم تقدير القيمة الحقيقية للمال المرهون وما يلحقه من غَبِن. ومن ثَم فإن عدم توافر هذه الضمانات في هذا الاتفاق، فإنه يُعد كأن لم يكن، بمعنى أن بطلان هذا الاتفاق لا يؤثر في عقد الرهن، أذ يُبطل الاتفاق على تملك المرهون ويبقى عقد الرهن صحيحاً مرتباً لآثاره،فالتعديل الذي جاء به القانون المدني الفرنسي قد أزال الجدل حول تأثير هذا البطلان على عقد الرهن ، إذ كان النص القديم الملغي ينص على ((بطلان الاتفاق)) ((est nulle )) في حين جاء نص المادة 2348 واضحاً ينص على إنه ((غير مكتوب)) ((non ecrite )). وعليه فإن الإتفاق على تملك المرهون يعد كأن لم يكن، ويعني ذلك بأن المشرع قد تدخل لتصحيح عقد الرهن تصحيحاً تشريعياً باستبعاد الجزء الباطل منه وجوبياً والإبقاء على العقد(11). يتضح من موقف القانون المدني الفرنسي،بأنه لم يُبقَ الأمر خاضعاً للباعث الدافع للتعاقد وللاجتهاد القضائي المتعلق بهذه المسألة كما كان قبل صدور التعديل الأخير، فالأفضل هو الإبقاء على العقد مرتباً لآثاره ومطابقاً لأهداف المشرع في الوقت ذاته، أي رَفع الاتفاق المخالف للنظام العام وهذا ما أراده المشرع والإبقاء على العقد بين طرفيه مرتباً لآثاره في الوقت ذاته، إذ يكون استبعاد الجزء الباطل المخالف للقانون إجباريا بحكم القانون حتى لو كان هذا الجزء هو الدافع الى التعاقد بالنسبة لأحد المتعاقدين أو كليهما، لأن بقاء ذلك الجزء قد يؤدي الى بطلان العقد بأكمله. يتضح لنا مما تقدم في هذا المطلب بفرعيه، أن الاتفاق الحاصل بين طرفي عقد الرهن على تملك المرتهن المال المرهون يُعد باطلاً، وإذا حصل هذا الاتفاق فأنه يبطل لوحده دون أن يؤثر على عقد الرهن المقترن به. ومع ذلك فإن بعض القوانين قد أقَرت بيع الوفاء ونظمت أحكامه وهذا البيع يتضمن ستاراً يخفي وراءه اتفاقاً بين طرفي العقد على تملك المرتهن للمرهون ،لذا نبين من خلال المطلب القادم العلاقة بين اتفاق تملك المرهون من جهة و بيع الوفاء من جهة أخرى.

__________________

1- د. عبد الرزاق السنهوري – الوسيط – ج1 – المجلد الاول – ط3 – منشورات الحلبي الحقوقية – بيروت – 2000ص425.د. صالح ناصر العتيبي – فكرة الجوهرية في العلاقة العقدية- دراسة مقارنة- الطبعة الأول-2001-ص132-134.د. اسماعيل غانم- مصادر الالتزام-مكتبة عبد الله هبه – القاهرة -1966- ص296.المستشار انور طلبة – الطعن بالاستئناف والتماس اعادة النظر – دار المطبوعات الجامعية – الاسكندرية – 1987- ص449.

2- وذلك استناداً للمادة 131/ف2 من القانون المدني العراقي إذ جاء فيها (( كما يجوز ان يقترن بشرط فيه نفع لاحد المتعاقدين أو للغير أذا لم يكن ممنوعاً قانوناً أو مخالفاً للنظام العام وإلا لغاءه الشرط وصح العقد ما لم يكن الشرط هو الدافع الى التعاقد فيبطل العقد أيضاً )). وكذلك جاء بهذه الأحكام في المادة (139) منه إذ جاء فيها (( أذا كان العقد في شق منه باطلاً فهذا الشق وحده هو الذي يبطل، أما الباقي من العقد فيظل صحيحاً باعتباره عقداً مستقلاً إلا إذا تبين أن العقد ما كان يتم بغير الشق الذي وقع باطلاً )) وتطابقها في الأحكام ذاتها في القانون المدني المصري المادة 143 منه.

3- ذهب الى هذا الاتجاه:

د. عبد العزيز المرسي حمود- نظرية إنقاص التصرف القانوني في القانون المدني المصري- دراسة تحليلية وتأصيلية مقارنة – اطروحة دكتوراه مقدمة الى كلية الحقوق- جامعة عين شمس 1988،ص88. الاستاذ محمد طه البشير، د. غني حسون طه/ الحقوق العينية / الجزء الثاني/ وزارة التعليم العالي والبحث العلمي / جامعة بغداد/1982- ص430. د. سليمان مرقس/ التأمينات العينية/ بدون مكان طبع/1959-136.

4- وهناك تطبيقات تشريعية في القانون المدني العراقي والمصري تؤيد هذا الاتجاه أذ تأخذ بأستبعاد الجزء الباطل وجوبياً دون الاعتداد بقصد المتعاقدين في المواد 146، 259/ف2،170من القانون المدني العراقي والمواد 147/ف2،244، 217/ف2 من القانون المدني المصري

5- المادة 900 المعدلة بموجب القانون 728/2006 في 23/6/2006 والنافذة في 1/1/2007،حيث جاء فيها:

((Dans toute disposition entre vifs ou testamentiaire، les conditions impossibles، celles qui sont contraires aux lois ou aux moeurs ،seront réputes non écrites)).

نقلاً عن الموقع الالكتروني www.easy droit،fr/codes-et-lois/

6- L. árticle 1172((Toute condition dúne chose impossible ، ou contaire aux bonnes moeurs، ou prohibée par la loi est nulle، et rend nulle، la convention qui en dépend)).

نقلاً عن الموقع الالكتروني السابق.

7- Weill et Terré – droit civil – les obligations- Dalloz – 4 eédition- 1986- no، 327.

8- J.Flour، J.Luc Aubert et Savaux- Obligation -1- L’act juridique- ARMAND Colin -2000 ، no.358.

9-وقد اوضحت الغرفة المدنية الاولى في محكمة النقض الفرنسية في حكمها بتاريخ 16/3/1983 بان ((اذا كان بطلان الاتفاق على تملك المال المرهون عند عدم الوفاء لم يتناول إلا الاتفاق ذاته، فأن الامر مختلف عندما يشكل هذا الاتفاق السبب الدافع للعقد)) نقلاً عنJ.Mestre، E.Putman etM.Billiau-ouvr.Précno.864.

وكذلك القرارات التالية:

Cass 3e civ،5 févr، 1970 ،D،1973، 151، sous not cass com،27 mars،1990،bull،civ،Iv، no.93،p.62 RTD.civ،1991.112.obs.J.mestre. نقلاً عن:

F.Terré، P.Simler et Y.Lequette- droit civil- les obligations- 8e، édition ،Dalloz،2002،no.420

10-P.Malaurie et L.Ayné- Cours de droit civil- T.VI-les obligations-9′ edition –paris- 1998-no.584.

B.starck،H.Roland et L.Boyer-obligations-2-contract. Quatriéme édition-paris- 1993-no.921-J.luc Aubert et p.Jestaz- connaissance du droit- le contract droit des obligations –dalloz- paris- 1992 –p. 130.

11- انظر في الاستبعاد الوجوبي للجزء الباطل للابقاء على العقد.

G.Marty et P.Raynaud – droit civil –les obligations -2e édition،T.1-Les sources-Sirey -1988-no.127،225.J.Floure،J.Luc. Aubert et savaux –ouvr.préc-no.360.F.Terré، P.Simler et lequette –ouvr.préc-no.421.

وفي الفقه العربي حول هذا الاستبعاد: د.ريما فرج مكي،تصحيح العقد- دراسة مقارنة-الطبعة الأولى – المؤسسة الحديثة للكتاب – لبنان-ص44-45.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .