_ يمكن رد صعوبة تعريف الجريمة السياسية الى أمرين : 

_ أولهما : نظري ويتمثل في تسييس الجريمة السياسية ذاتها : 

فهي تختلف من دولة ذات نظام حكم ديكتاتوري أو شمولي أو ديني الى دولة ديمقراطية فليس ثمة وجود قانوني محض للجريمة السياسية أية ذلك أن التشريعات تعزف دائماً عن التصدي لتعريف هذه الجريمة . بل ان النظرة الى هذه الجريمة قد تختلف في الدولة الواحدة من عصر لآخر بل انها تتباين في ذات الدولة وفي نفس العصر من موقف الى آخر ، فمحاولة قلب نظام الحكم في الدولة تصبح عملاً اجرامياً حالة الفشل وقد تغدو ثورة حالة النجاح ولهذا قيل ان المجرم السياسي اليوم قد يكون هو الحاكم غداً .

_ ثانيهما : عملي ويتجلى في اختلاط الجريمة السياسية بغيرها من الظواهر الاجرامية الحديثة : 

كجرائم الارهاب ، والجرائم المذهبية ، وما يمكن أن نطلق عليه الجرائم السياسية العارضة والجرائم السياسية المختلطة . و يختلف الفقه حول مدى اعتبارها كذلك ، ولازالت أحكام القضاء مترددة ان لم تكن مضطربة في مدى نعت الجريمة بأنها سياسية .

_ و من الملاحظ أن التشريعات الجنائية لا تتبع سياسة عقابية واحدة في مواجهة هذه الجريمة وثمة نظرتان بهذا الخصوص :

1- فمن التشريعات ما يميل الى اعتناق سياسة عقابية مخففة بشأن المجرمين السياسيين : 

كما في حظر عقوبة الاعدام ضدهم وتمييزهم بمعاملة عقابية انسانية ومخففة أثناء تنفيذ العقوبة المحكوم بها عليهم . وتستند هذه النظرة الى أن المجرم السياسي لا تنطوي شخصيته على نزعة اجرامية أصلية أو خطرة كالتي نعهدها في بعض طوائف المجرمين . كما أن هذا المجرم لا يكون مدفوعاً في اجرامه بباعث نفعي أو هدف ادراك مصلحة خاصة ، بل ينطلق غالباً من الايمان بمبادئ ومثل وطنية أو انسانية رغم شططه في طرق الدفاع عن هذه المبادئ والمثل ، وحيدته عن الطريق القويم في محاولة بلوغه . وقد كانت هذه الفلسفة الانسانية المخففة هى السمة السائدة ابان القرن التاسع عشر . وهو أمر مفهوم بالنظر الى أن هذه الحقبة الزمنية شهدت ثورات الشعوب ضد نظم الحكم الاستبدادية والفاشية والنظم الموالية للاستعمار القديم ، و ظهوراً ليبرالياً للحقوق والحريات السياسية لاسيما حرية التعبير عن الرأي مما أولد قدراً من التعاطف مع المجرم السياسي أو بالأقل فهماً لحقيقة دوافعه .

2- ولكن على العكس فثمة تشريعات تميل الى اعتناق سياسة عقابية متشددة في مجال الجرائم السياسية :

وتتمثل هذه السياسة في تغليظ العقوبة المقررة بل ان بواكير اتفاقات تسليم المجرمين بين الدول كانت في الأساس بهدف تسليم المجرمين السياسين على دولهم . ولربما كان مبرر هذه السياسة رغبة الحكام والملوك في اضفاء حصانة تحميهم من معتادي التمرد ومثيري القلاقل والاضطرابات السياسية ابان القرنين السابع عشر والثامن عشر . كما يبرر هذه النظرة ما قيل أن المجرم السياسي ليس دائماً شهيد التضحية و المثل العليا بحثاً للآخرين عن حياة أفضل ، بل هو أحياناً الشخص المتعطش الى السلطة أو المدفوع بضغائن شخصية أو الباحث عن انقلاب يجني من ورائه مصالح خاصة .