في كثير من الأحيان يثور التساؤل لدى العامة حول الفرق بين محامي نقابة المحامين أو الإدارات القانونية و مستشاري هيئة قضايا الدولة و هو ما يتعلق بطبيعة عمل واختصاص كل منهم ، كما تدور لدى البعض فكرة مفادها تساوي كل من محامي الإدارات القانونية و مستشاري قضايا الدولة في المركز القانوني ، و بالرجوع للقانون والدستور ستعلم عزيزي القارئ الفرق ما بين محامي نقابة المحامين أو الإدارات القانونية و مستشاري هيئة قضايا الدولة و في السطور التالية سرداً لتاريخ هيئة قضايا الدولة و التي تمثل عنواناً للاستقلال ؟!

فهيئة قضايا الدولة هى الهيئة القضائيه المستقله والتى أنيط بها كهيئة قضائية مستقلة إختصاص النيابة القانونية عن الدولة في الدعاوى وتسويتها في أي مرحلة من مراحل التقاضي وصياغة عقود الدولة والإشراف الفنى على إدارات الشئون القانونية بالجهاز الادارى للدولة كما أكد على تمتع أعضائها بكافة الضمانات والحقوق والواجبات المقررة لأعضاء السلطة القضائية لتمكينهم من الدفاع عن الحق والمال العام الذى هو مال الشعب المصري فهي أم الهيئات والجهات القضائية جميعا فقد زاد عمرها على قرن وأربعة عقود فقد أنشئت قبل إنشاء المحاكم الأهلية بثمانى سنوات وولد من رحمها القضاء العادى والنيابة العامة ثم محاكم مجلس الدولة والنيابة الإدارية .

ويذكر التاريخ أن نوبار باشا الذي كان يفاوض الدول الأجنبية في موضوع إنشاء المحاكم المختلطة قد اختار إلى جانبه في هذه المفاوضات مجموعة من علماء القانون الدوليين وأصدر قراراً سنة 1875 بتكوين ما يسمى بلجنة قضايا الحكومة والتعبير الصحيح لها بلجنة قضايا الدولة

comite des consiels d’Etat ” وقبل افتتاح المحاكم المختلطة صدر ديكريتو بتاريخ 27 من يناير سنة 1876 أشار في ديباجته إلى القضايا القائمة بين الحكومة وبين الأجانب والى أن الدفاع عن مصالحها أمام المحاكم الجديدة يجب أن يعنى به عناية جدية فنص على إنشاء لجنه لقضايا الدولة وكان أول تشكيل لها من أربعة مستشارين أجانب من ايطاليا والنمسا وفرنسا وانجلترا .

ونص الدكريتو على إعطاء اللجنة استقلالاً ذاتياً كما نص على تحقيق الاستقلال الشخصي لمستشاريها في أدائهم لأعمالهم ويذكر التاريخ أن هذه الهيئة هي أول هيئة مستقلة فى التاريخ المصري وفقاً لأحكام الأمر العالي الصادر عام 1976 حيث أنيط بها النيابة القانونية عن الدولة فى مواجهة الأجانب صيانة لسيادتها الوطنية وحفظا لأموالها وحقوقها ضد أصحاب الامتيازات الأجنبية وإصدار الفتاوى وإعداد وصياغة عقود الدولة والتحقيق مع كبار موظفي الدولة ومجالس التأديب وإبداء الرأي فيما تباشره الحكومة من أعمال وتصرفات.

وبتاريخ 20 من ابريل سنة 1884 اصدر نوبار باشا أمرا عاليا ينص على استقلال هذه الهيئة وأضاف اختصاصا جديدا لها هو اعداد ومراجعة وصياغة القوانين والأوامر قبل إصدارها في ظل غياب المجالس النيابية ويكون لها استقلال ذاتي عن الحكومة في مباشرتها لاختصاصها .

وفى 25 من يناير 1896 صدر أمر عال بإنشاء هيئة خاصة باسم (اللجنة الاستشارية لسن القوانين واللوائح ) وأصبح المستشارون الملكيون أعضاء لجنة قضايا الدولة أعضاء في هذه اللجنة وقد قامت هذه اللجنة بدور وطني كبير في صياغة التشريعات المصرية ووضعت الأصول الدستورية والقانونية لمصر الحديثة قبل أن يكون لها دستور.

بعد قيام ثورة 1919 وظهور الشخصية الوطنية المصرية صدر دستور سنة 1923 ليقرر أن الأمة هي مصدر السلطات وصدر أول قانون في ظل الدستور الجديد هو القانون رقم 1 لسنة 1923 بتنظيم لجنة قضايا الدولة وحدد اختصاصها بإصدار الفتاوى ووضع الوثائق والعقود في الصيغ القانونية وكذلك إعداد مشرعات القوانين واللوائح كما أناط بها الدفاع عن الحكومة والمصالح العامة أمام المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها وإبداء الرأي القانوني فيما تباشره الحكومة من أعمال وتصرفات .

كما أصبح من اختصاص قضايا الدولة دراسة عقود الشركات المساهمة وأنظمتها قبل صدور المرسوم باعتماد إنشائها . كما أصبح مقررا أن يتولى المستشارون الملكيون الجلوس في مجالس تأديب كبار الموظفين ويتولى المستشار الملكي مهمة التحقيق وكتابة أسباب القرارات .

وفى عام 1946 تبنى مجلس النواب مشروع قانون مجلس الدولة المقدم من لجنة قضايا الدولة بعد إدخال بعض التعديلات عليه وتمت الموافقة عليه وهو القانون المعمول به حالياً بشأن مجلس الدولة رقم 112 لسنة 1946وبموجبه تم نقل بعض اختصاصات هيئة قضايا الدولة كأقسام الفتوى والتشريع والتسوية الودية للمنازعات إلي مجلس الدولة وأعقبه صدور قانون ” هيئة قضايا الدولة ” رقم 113 لسنة 1946 واقتصر دورها على النيابة عن الدولة والدفاع عنها أمام القضاء.

وقد أصبحت هيئة قضايا الدولة إحدى السمات المميزة للنظام القضائي المصري بل هي إحدى مفاخره ونيابتها عن الدولة ليست وكالة بل هي نيابة مصدرها القانون وهى نيابة مفروضة على الأصيل والنائب معا بحيث لا يجوز لأيهما أن ينهى هذه النيابة أو يغيرها ولا يجوز للأصيل ان يختار نائبا أخر عنه يمثله أمام القضاء .

وتكاد تكون هيئة قضايا الدولة هي الهيئة القضائية الوحيدة التي يتسع نشاطها لكافة فروع القانون ومن اجل ذلك فقد أنشئت بها أقسام للمحكمة الدستورية العليا والمحكمة الإدارية العليا ومحكمة النقض والقضاء الإداري بكافة فروعه وقضايا الضرائب والقضايا المدنية الابتدائية والجزئية والاستئناف العالي ومحكمة القيم والقيم العليا .

وفي 5 أكتوبر عام 1922 عين أول رئيس مصري لهذه الهيئة هو المستشار الدكتور/ عبد الحميد باشا بدوى ، وعين مستشاراً ملكياً لوزارة الأشغال فى لجنة قضايا الحكومة، وعين رئيساً للجنة القضايا فى سنة 1926، وكبيراً للمستشارين وبقى فيها حتى 1940، وقد إشترك في وضع وصياغة دستور 1923ـ باعتباره أميناً عاماً للجنة الثلاثين التي وضعت هذا الدستور.. ثم عين فى 1946 قاضياً بمحكمة العدل الدولية لمدة عشرين عاماً ، فكان أول عربي شرقي يشغل هذه الوظيفة، وشغل منصب نائب رئيس هذه المحكمة فى المدة من 1955 حتى 1958 .

ومن رجال قضايا الدولة على سبيل المثال لا الحصر السنهورى باشا قبل انتقاله إلى مجلس الدولة وقاسِم بِك أمين والفقيه القانوني المستشار / محمد عبد العزيز ملوخيه والذى ترأسها عام 1986 ومن المعاصرين المستشار/ محمد زعزوع القاضي والمحكم الدولى والسيد الأستاذ الدكتور / عصمت عبد المجيد وزير الخارجية ونائب رئيس الوزراء وأمين عام جامعة الدول العربية الأسبق والفقيه الدستوري المستشار الدكتور/عوض المر رئيس المحكمة الدستورية العليا خلال حقبة التسعينات والذي أصدر أحكاماً بعدم دستورية بعض القوانين التى هزت عرش السلطة في هذا الوقت .

وبتاريخ 10 من يونيه 1986 صدر قانون هيئة قضايا الدولة رقم 10 لسنة 1986 وكان صدوره بمثابة ميلاد جديد لهيئة قضائية عتيدة . والذي نص في مادته الأولى على ان هيئة قضايا الدولة هيئة قضائية مستقلة .

وقد كان طبيعيا أن ينال نصها الدستوري عقب ثورتي 25 ينايـر و30 يونيو كل هذا الحجم الهائل من الاهتمام والصراع والمجادلة فهي الامينة على حقوق الدولة وأموال الشعب فهى ليست خصماً لأفراد المجتمع وليست محامياً للحكومة كما يصورها البعض بل هى ضمانة لتحقيق العدل بين الدولة والأفراد فهى تحاكم الدولة قبل أن يحاكمها القاضي دفاعا عن الحق والمال العام الذي هو مال الشعب كما أنها تدافع عن تطبيق القانون بعينين معصوبتين دون النظر إلى صفات الخصوم بما فيهم الشخص الاعتباري الذي تنوب عنه ، وهى في مباشرتها لسلطة الدولة في التقاضي إنما تلتزم بنصوص الدستور والقانون وتلتزم بقيم القضاء وتقاليده نزاهة وحيده .

وقد أرسى دستور مصر الجديد مبدأ سيادة القانون بمادته 196 وأناط بهيئة قضايا الدولة كهيئة قضائية مستقلة إختصاص النيابة القانونية عن الدولة في الدعاوى وتسويتها في أي مرحلة من مراحل التقاضي وصياغة عقود الدولة والإشراف الفنى على إدارات الشئون القانونية بالجهاز الادارى للدولة كما أكد على تمتع أعضائها بكافة الضمانات والحقوق والواجبات المقررة لأعضاء السلطة القضائية لتمكينهم من الدفاع عن الحق والمال العام الذى هو مال الشعب المصري فهيئة قضايا الدولة تدافع عن الدولة فى مقام دفاعها عن تطبيق القانون حيث تستقل دون غيرها بتقدير متى تتدخل الدولة في الخصومة القضائية ومتي لا تتدخل؛ فلا تزج بالناس إلي ساحات المحاكم ظلما أو تدفع حقا ليتحقق به ظلم، فتكون أول من يرفض لأجهزة الدوله الإدارية طلباتها إن جنحت تلك الأجهزة الإدارية عن الحق، وإذا فرض عليها الدفاع لمصلحة عامة تستقل وحدها بتقديرها وفقاً لأحكام القانون فهي تحقق دفاع الدولة فإن صح أبدته؛ وإن حاد عن الصواب أغفلته، فلا تنطق إلا عدلا وصدقا وتربأ بنفسها عن اللدد في الخصومة, وإن شرعت في جمع المعلومات والمستندات من الجهات الإدارية ذات الصلة بمناسبة دعوى تباشرها فهي تلتزم بالحيدة والتجرد فتجمع ما للدولة وما عليها لتنير به الطريق أمام منصة القضاء و إذا ما صدر حكم لصالح أحد المواطنين، وكان هذا الحكم مبنيا على أساس قانونى سليم ، فلا تطعن عليه وتهب لاتخاذ ما يلزم نحو تنفيذه طبقاً لما قضي به، فتعطي كل ذي حقٍ حقه.

وأعضاء هيئة قضايا الدولة مستقلون ، غير قابلين للعزل ، ولا سلطان عليهم فى عملهم لغير القانون ، ويتمتعون بكافة الضمانات والحقوق والواجبات والحصانات المقررة لأعضاء السلطة القضائية، فهم قضاة يحكمون ضمائرهم فى نيابتهم عن الدولة والمال العام الذى هو مملوك للشعب المصرى أما إن كان اعضاء الإدارات القانونية أصحاب سلطة قضائية دستورية مستقلة عن مجلس الإدارة ، بحيث يمكنهم إزالة اسباب مخالفة المشروعية حتى ولو كان المخالف هو عضو أو رئيس مجلس الإدارة إن كانوا كذلك ، فهم زملاء لمستشاري هيئة قضايا الدولة ، أما وهم ليسوا سلطة قضائية ولكنهم يدافعون عن وجهة نظر رئيس مجلس الإدارة في حدود ونطاق التوكيل ، فهم لا يصلحون إلا للدفاع عن أعمال الإدارة في الشركة في حدود وجهة نظر رئيس مجلس الإدارة ، فلهم وجهتهم ، ولمستشاري السلطة القضائية وجهة أخري دونما زمالة بينهم ؛ فلا زمالة ولا خلط بين عمل مصدره وكالة ، وبين عمل مصدره سلطة قضائية دستورية .

بقلم : المستشار أحمد عاشور رمضان

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .