تمت إعادة النشر بواسطة محاماة نت

توضيح قانوني لصور اتفاق التحكيم في التشريع المغربي

أولا: شرط التحكيم

الصورة الأولى لاتفاق التحكيم هي (شرط التحكيم) وقد يرد التحكيم في نفس العقد الأصلي مصدر الرابطة القانونية، سواء أكان عقدا مدنيا أم عقدا تجاريا، فيتفق طرفا العقد على أن ما ينشأ من نزاع حول تفسير هذا العقد أو تنفيذه يحل عن طريق التحكيم، وعندئذ يرد التحكيم على أي نزاع يحدث في المستقبل، فلا ينصب على نزاع معين، ويسمى هذا الاتفاق كما درج عليه فقه التحكيم (شرط التحكيم)[1].
ويرد شرط التحكيم عادة في العقد الأصلي بين الطرفين، على أنه لا يوجد ما يمنع من ورود هذا الشرط أيضا في عقد لاحق – يعرف بوثيقة التحكيم – قبل نشوء أي نزاع، فيكون المميز لشرط التحكيم ليس وروده في العقد الأصلي، ولكن لكون المنازعات التي ينص عليها التحكيم هي منازعات لم تنشأ بعد، أي منازعات محتملة وغير محددة.

ثانيا: مشارطة التحكيم

قد لا يتفق الطرفان على التحكيم في العقد الأصلي، ولكن بعد قيام النزاع بينهما يبرمان اتفاقا خاصا لعرض هذا النزاع المعين على محكم أو أكثر ويسمى هذا الاتفاق (مشارطة التحكيم)[2].
وتعرف بأنها العقد الذي يتضمن اتفاق طرفيه على خضوع نزاع معين نشأ فعلا للتحكيم[3].

وتجدر الإشارة إلى أن إبرام “اتفاق” مشارطة التحكيم بعد قيام النزاع لا يستلزم بالضرورة أن يكون قد سبقه شرط التحكيم، بل يتصور اتفاق الأطراف على مبدأ التحكيم ذاته بعد قيام النزاع، وقد يأتي هذا الاتفاق حتى بعد اللجوء إلى القضاء لحل نزاعهم متى تبين لهم بعد إقامة الدعوى أن مصالحهم تتفق مع ترك النزاع القضائي وإبرام اتفاق تحكيم. وتتميز مشارطة التحكيم بأنها تتضمن الكثير من التفصيلات التي لا يمكن أن يشتمل غليها شرط التحكيم الذي لا يعدو أن يكون بندا من بنود العقد[4].

وبمعنى آخر يمكن إبرام مشارطـة تحكيم حتى ولو كان النزاع مثارا أمام القضاء أو في أي حالة تكون عليها الدعوى وأمام أي درجة من درجات التقاضي بـل وأمام محكمة النقض، ويجوز إبرام المشارطة ولو كانت القضية في المداولة طالما لم يصدر فيها حكم[5]. وحسب الفصل 314 من ق.م.م المغربي فإنه إذا تم الاتفاق على اللجوء إلى التحكيم أثناء نظرا من قبل المحكمة، يجب على المحكمة إحالة الأطراف على التحكيم، واعتبرت هذا القرار القضائي بحكامة اتفاق تحكيم مكتوب.

ويفهم أيضا حسب ق. 314 من ق.م.م المغربي أنه لا يجوز إبرام عقد التحكيم بشأن نزاع تم حسمه أمام القضاء بحكم نهائي بل ولا يجوز إبرام وثيقة تحكيم بشأن نزاع صدر فيه حكم تحكيم بناء على وثيقة تحكيم سابقة للسبب نفسه، وهو انتفاء سبب الاتفاق على التحكيم.
وقد لا يتفق الطرفان على التحكيم، إلا بعد أن تكون الدعوى قد قطعت شوطا بعيدا أمام القضاء. وقد صدرت فيها أحكام بين الطرفين كما لو كانت المحكمة قد حسمت مبدأ المسؤولية ولم يبق سوى تقدير التعويض المترتب عليها، أو تكون قد حسمت الطلب الأصلي ولم يبق إلا حسم الطلب المقابل. ومثل هذه الأحكام تظل قائمة لتمتعها بحجية الحكم المقضي، ما لم يكن الطرفان قد تنازلا عنها عند اتفاقهما على التحكيم، وهذا الحكم خاص بالأحكام الصادرة في الموضوع، أما الأحكام المتعلقة بالإثبات التي تكون المحكمة قد أصدرتها فلا تلزم هيئة التحكيم[6].

ويتضح من هاتين الصورتين أن مضمون شرط التحكيم هو شرط يتفق عليه الأطراف وقوامه طرح النزاعات المحتملة أمام المحكم للفصل فيها وبهذا يختلف شرط التحكيم عن المشارطة في أن الأول يتعلق بنزاع محتمل الوقوع مستقبلا، أما الثاني فإنه يتعلق بنزاع وقع فعلا.

ويحدد المتعاقدان في اتفاق التحكيم (شرط أو مشارطة) موضوع التحكيم والإجراءات المتبعة فيه، وهذا التحديد هو الذي يحدد نطاق ولاية هيئة التحكيم. فلصياغة اتفاق التحكيم أهمية بالغة في مجال تنفيذ حكم التحكيم الأجنبي. ذلك للوقوف على إرادة الأطراف المتنازعة، فإذا كان الأطراف يرغبون في وضع شرط التحكيم بطريقة أو تصور معين فيجب أن يحرصوا على إبراز ذلك صراحة في شرط التحكيم بحيث تتم صياغته بالشكل الذي يتلاءم مع حماية حقوق كافة الأطراف وحتى يؤدي اتفاق التحكيم دوره في حل المنازعات[7].

[1] – د. ناريمان عبد القادر، اتفاق التحكيم، مرجع سابق، ص 45.
[2] – المشرع المغربي آثر تسمية “عقد” عوض مشارطة التحكيم (الفصل 307 من ق.م.م).
[3] – قرار محكمة النقض المصرية في 5/3/1979، رقم 583 لسنة 46 قانونية، مشار إليه في مرجع د. إبراهيم أحمد إبراهيم، التحكيم الدولي الخاص، مرجع سابق، ص 87.
[4] – د. إبراهيم أحمد إبراهيم، التحكيم الدولي الخاص، المرجع السابق، ص 46.
[5] – د. ناريمان عبد القادر، اتفاق التحكيم، المرجع السابق، ص 46.
[6] – د. محمود هاشم، النظرية العامة للتحكيم، في المواد المدنية والتجارية، اتفاق التحكيم، الجزء الأول، دار الفكر العربي، القاهرة، سنة 1990، ص 136.
[7] – د. ناريمان عبد القادر، اتفاق التحكيم، مرجع سابق، ص 45.