أنواع الجزاءات في القانون الدولي

الجزاء الدولي / أ.حنين نصار

الذين انكروا أو شككوا في وجود جزاءات تكفل احترام القانون الدولي العام لم تعد أفكارهم تتمشى مع واقع الأمور إذ يزخر النظام القانوني الدولي بالعديد من الجزاءات تتمثل فيما يلي:-
أولاً : جزاءات جنائية
ثانياً : جزاءات لا تستخدم فيها القوة
ثالثا : جزاءات تستخدم فيها القوة

وسوف نوالي شرح ذلك :-

أولاً : جزاءات جنائية :-
هي عقوبات يوقعها قاض أو محكمة دولية على متهم بانتهاك قواعد القانون الدولي العام وقد شهد المجتمع الدولي صورة لهذه العقوبات وقعتا محكمة نور مبرج بالمانيا وهي المحكمة التي شكلتها دول الخلفاء بعد الحرب العالمية الثانية عام 1945 لمحاكمة كبار رجال النازي الألمان المتهمين بانتهاك قواعد القانون الدولي المتعلقة بالحرب .
وقد قدم أمام
هذه المحكمة أربعة وعشرون من كبار رجال الحكم النازي بوصفهم من كبار مجرمي الحرب واستغرقت محاكمتهم عشرة أشهر حيث قضي على تسعة عشر منهم بأنهم مذنبون وحكم بالإعدام شنقا على أثنى عشر زعيما نذكر منهم جورج نائب رئيس الرابخ الألماني والماريشال كيتل القائد العام للجيش الألماني ويودل رئيس هيئة اركان الحرب العامة وريبتروب وزير الخارجية .

ثانيا : جزاءات لا تتطلب استخدام القوة :-
وتشمل :-
1= جزاءات معنوية أو أدبية
2= قطع العلاقات الدبلوماسية
3= جزاءات مالية
4= جزاءات تأديبية
وسوف نوالي شرح ذلك :-

1= الجزاءات المعنوية أو الأدبية :-
تتمثل في استنكار الرأي العام الدولي أو إعلان الاحتجاج وتوجيه اللوم إلى الدولة المنتهكة لقواعد القانون الدولي أو ادائه تصرفها بقرار من منظمة دولية أو مؤتمر دولي
وتوجد في التاريخ السياسي الدولي امثلة عديدة لهذا الجزاءات نذكر منها :-
– لوم روسيا في بروتوكسول لندن عام 1871 لانها عطلت تنفيذ معاهدة باريس لعام 1856 المتعلقة بتحصين موانئ البحر الاسود
– في 17 إبريل 1935 وجه مجلس عصبة الأمم اللوم إلى الحكومة الألمانية بسبب إعادة تسليح نفسها منتهكة بذلك نصوص معاهدة صلح فرساي المبرمة عام 1919 كما وجهت اليها اللوم مرة ثانية في 18 مارس 1926 لقيامها بأنهاء معاهدة صلح فرساي ومعاهدة لوكارنو
– في 13 و 14 ديسمبر 1939 وجهت جمعية العصبة وكذا مجلسها اللوم إلى روسيا بسبب هجومها على فيلندا
– في اكتوبر 1949 وجهت الجمعية العامة للأمم المتحدة اللوم إلى المجر وبلغاريا بسبب محاكمة الكثير من رجال
الدين

2= قطع العلاقات الدبلوماسية :-
إذ تشفع الدولة احتجاجها بسحب ممثليها الدبلوماسيين وطرد ممثلي الدولة المنتهكة للقانون ورغم إن هذا الجزاء أدبي في مضمونه إلا انه يتجاوز النطاق الأدبي ويؤثر في العلاقات السياسية والاقتصادية بين الدولتين ومن أمثلة هذا الجزاء :-
– استدعاء ملك المغرب لسفيره في باريس احتجاجا على تفجير فرنسا لأول قنابلها الذرية في ريجان الصحراء الجزائرية في فبراير 1960
– في 11 نوفمبر 1964 أعلنت حكومة الأقلية البيضاء في روديسيا الجنوبية الاستقلال من جانب واحد وتقاعست بريطانيا في ردع هذه الحكومة العنصرية رغم مقدرتها على ذلك وقد اعتبرت الدول الأفريقية إن بريطانيا مسؤولة عن الموقف في روديسيا فبادرات عشرة دول أفريقية إلى قطع علاقاتها الدبلوماسية مع بريطانيا كاحتجاج وعقاب على موقفها غير الشرعي .
– يمكن للدولة المحتجة إن تستبدل ممثلها الدبلوماسي بمثل دبلوماسي آخر أقل درجة كنوع من الاحتجاج على تصرف الدولة الاخرى

3= جزاءات مالية :-
هي اجراء مضاد لإجراء أخر غير قانوني فإذا نقضت إحدى الدول التزاماتها الدولية يمكن للدولة المضرورة إن تستوفى حقوقها من اموال الدولة الأولى الموجودة لديها ولعل المثل القريب الينا ذلك الذي إتخذته بريطانيا وفرسنا أثر تأميم قناة السويس في 26 يوليو 1956 فبعد يومين اثنين من صدور قانون التأميم بادرت الحكومتان البريطانية والفرنسية بتجميد الأرصدة المصرية وأموال المصريين لديها وأعلنت الحكومتان أن قرار التأميم يخالف اتفاقا دوليا هو اتفاقية القسطنطينية لعام 1888

4= جزاءات قانونية صريحة :-
وتتخذ هذه الجزاءات عدة صور تتمثل فيما يلي :-

أ = بطلان المعاهدة لعدم صحة إجراءات عقدها :-
فالقانون الدولي يشترط توافر عدد من الشروط لصحة ابرام المعاهدة فإذا تخلف احد هذه الشروط فإنه يكون من المنطقى السماح بإبطال المعاهدة وهذا ماجرى عليه التطبيق العملي في المجتمع الدولي .

ب= إبطال معاهدة لتعارضها مع معاهدة أخرى أو تعارضها مع القانون الدولي :-
إذ يوجد تسلسل في مركز المعاهدات فمعاهدة روما لعام 1957 التي أنشأت السوق الأوربية المشتركة تفرض علوها وسموها على اية معاهدة تجارية تبرمها دولة من الدول الأعضاء فلا يجوز لهذه الدول إن تبرم معاهدة تتعارض مع معاهدة السوق وإلا كان نصيبها البطلان ويكون باطلا بطلانا مطلقا كل معاهدة تتعارض مع القانون الدولي العام كمعاهدة للاتجار بالمخدرات أو تقبل الرقيق.

ج = عدم تطبيق المعاهدة :-
هنا لا تكون المعاهدة باطلة ولكن فقط يشل تطبيقها امام أي فرع من فروع الأمم المتحدة فلا يجوز للدولة التي عقدتها إن تستند اليها وتستفيد منها امام الجمعية العامة أو مجلس الأمن أو محكمة العدل الدولية أو أي هيئة من هيئات الامم المتحدة وهذا الجزاء يوقع في حالة عدم تسجيل المعاهدة في سجلات الأمانة العامة للأمم المتحدة وهو أجزاء مقصود به مع عقد معاهدات سرية أو مخالفة للقانون الدولي العام وتجنبا لتطبيق هنا الجزاء فإن الدول تسارع إلى تسجيل معاهداتها في سجلات الأمم المتحدة

د= إلغاء المعاهدة :-
ذلك في حالة إذا أخل الطرف الآخر بالمعاهدة اخلالا خطيرا إذ إن المعاهدة وترتب حقوقا والتزامات على اطرافها ويوجد توازن بين هذه الحقوق وتلك الواجبات فإذا حدث إخلال بهذا التوازن من جانب أحد الأطراف نتيجة عدم تنفيذ التزاماته الجوهرية فإن الغاء إو ايقاف العمل بها يصبح امرا غير مستبعد ومن جانب الطرف الآخر
ومن قبيل ذلك ما نصت عليه المادة 40 اتفاقية لاهاي السادسة لعام 1907 إذ ذهب إلى أنه عندما يخل أحد الأطراف اخلالا خطيرا بالهدنة القائمة جاز للطرف الآخر انهاؤها
– وفي 19 إبريل 1969 أعلنت إيران الغاء معاهدة الحدوى المبرمة في 14 يوليو 1937 مع العراق وكذا البروتوكول الموقع في نفس اليوم والمتعلق بشط العرب وقد بررت ايران هذا الإلغاء للمعاهدة بقولها :” إن العراق لم تحترم مبدأ المساواة في الملاحة النهرية الذي يعد أساسا للمعاهدة والبرتوكول .

هـ = بطلان التصرفات التي تنتهك إحدى المعاهدات أو القانون الدولي :-
من أمثلة ذلك بطلان ضم اراضي الغير أو الاستيلاء عليها بالقوة وقد ثبت هذا المبدا لدى الدول الأمريكية عام 1899 حيث صدرت توصية من مؤتمر الدول الأمريكية تقضي بان كل تنازل عن الأقاليم يحدث خلال فترة معاهدة التحكيم يعتبر تنازلا باطلا إذا تم نتيجة التهديد بالحرب أو بسبب وجود قوات عسكرية مسلحة
وتلك التوصية الأمريكية المبكرة قننتها بعد ذلك وثيقة بوجوتا لعام 1948 المعتبرة بمثابة دستور لمنظمة الدول الأمريكية إذ نصت في المادة 17 على عدم الاعتراف بالمكاسب الإقليمية أو أي مزايا خاصة اكتسبت بالقوة أو بأي وسيلة أخرى من وسائل القهر كما ذهب المادة الخاصة إلى أن الانتصار لا يخلق حقوقا

و = خسارة المزايا التي تتضمنها معاهدة ما :-
توجد معاهدات تنص على حرمان الدولة المخلة بها مما ترتبه المعاهدة من مزايا مثال ذلك ميثاق باريس المبرم في 26 اغسطس 1928 كما إن الاتفاقيات الخاصة بقانون الحرب تتضمن قواعد في هذا المعنى

5= جزاءات تأديبية :-

تجدها في المنظمات الدولية إذ تضع مواثيقها جزاءات توقع على الأعضاء عند الإخلال بالميثاق كالحرمان من التصويت أو إيقاف التمتع بمزايا معينة أو إيقاف العضوية أو الطرد من المنظمة
ومن أمثلة هذا الجزاءات العقوبة التي وقعتها منظمة التغذية والزراعة قرارا في 5 ديسمبر سنة 1963 بعدم دعوة هذه الحكومة للاشتراك في أعمال المنظمة بسبب اتباعها سياسة التمييز العنصري مما اضطر هذه الحكومة إلى الانسحاب في 18 ديسمبر 1963

ثالثا : جزاءات تستخدم فيها القوة :-

فالعرف الدولي والمعاهدات تخولان استخدام العنف من أجل تحقيق نتائج معينة تتطلبها قواعد القانون الدولي . ومن هذه الوسائل :-

1= استخدام قوات بوليسية أو عسكرية مشتركة :-
ذلك بان تجرد عدة دول عسكرية ، وترسلها إلى الدولة المخالفة لأجبارها على الالتزام بالقانون وفي حدود ميثاق الأسم المتحدة حاليا
ومن أمثلة ذلك :-
– الحملة العسكرية التي جردتا الدول الغربية إلى بكين في عام 1900 لمقاومة الفئة التي أثارتها إحدى الجمعيات السرية الصينية والتي كانت تهدد أعضاء البعثات الدبلوماسية الأوربية .
– في 25 يونيو 1950 عبرت قوات كوريا الشمالية خط عرض 38 بادئه غزوها لكوريا الجنوبية وقد انعقد مجلس الأمن على الفور وأدان هذا الغزو واعتبره مهددا للأمن والسلام وطلب من أعضاء الامم المتحدة وتقديم المساعدة العسكرية لقوات كوريا الجنوبية لتمكينها من صد الغزو الواقع عليها.

2= الاخذ بالثأر :-
هو إجراء من إجراءات العنف والقهر يتنافى أصلا مع قواعد القانون الدولي ولكن تضطر إحدى الدول لإتخاذ من اجل الزام دولة أخرى على تنفيذ التزاماتها القانونية واتخذ الأخذ بالثار صورا متعددة ابرزها :-
أ = الحصار البحري السلمي وقد مارسته المانيا وبريطانيا وايطاليا ضد فنزويلا عام 1902 لحسابه مصالح رعاياها الدائنين لفنزويلا
ب = المقاطعة الاقتصادية ونذرك في هذا الصدد المقاطعة البترولية من جانب الدول العربية إثر اجتماع وزراء البترول العرب في الكويت يوم 7 اكتوبر 1973 فقد قررت الدول العربية المجتمعة الأخذ بالثأر من الدول الصناعية المزيدة لأسرائيل وذلك بالتقليل من شحن البترول إليها وهو عصب حياتها بل ويمنع شحن البترول كلية إلى بعضها كما حدث بالنسبة للولايات المتحدة الامريكية وهولنداء لموافقتها المؤيد لاسرائيل وهو موقف العدوان وتشجيع احتلال اراضي الغير بالقوة على غير ما يقتضي الحق والقانون
ج= نصت بعض الاتفاقيات الدولية على الأخذ بالثار كجزأ مشروع من ذلك اتفاقية 9 ديسمبر 1923 الخاصة بالموانئ البحرية إذا اباحت للدولة غلقها أو الغاء المعاملة المتساوية للسفن اخذا بالثأر من دولة مخالفة لالتزاماتها القانونية .

2= الضمان الجماعي :-
حيث تبرم عدة دول معاهدة تتكفل فيها باستخدام القوة الجماعية من اجل كفاية تطبيق القانون كأن تتفق على ضمان حماية حرية الملاحة في منطقة من البحر العام مثلما حدث خلال الحرب الأسبانية عند أبرام اتفاقية نيون في 14 سبتمبر 1937 فقد أنفقت تسع دول بريطانيا بلغاريا مصر فرنسا اليونان رومانيا تركيا الاتحاد السوفيتي ، يوجوسلافيا ) على أبرام تلك الاتفاقية من اجل ضمان حرية الملاحة في البحر الأبيض المتوسط إذ ثبت إن غواصات مجهولة الجنسية كانت تهاجم السفن التجارية في هذا البحر وتغرقها ولم يكن من الممكن ايقاف هذه العمليات غير المشروعة إلا بالقوة المسلحة لعدد من الدول ولذلك اتفقت الدول التسع على ضرب هذه الغواصات وإغراقها أو القبض عليها وقد نفذت تلك الدول اتفاقها تنفيذا فعليا مما أدى إلى انعدام حوادث إغراق السفن التجارية من جانب الغواصات

الخلاصة :-

عرضنا للجزاءات في القانون الدولي الوضعي وهي جزاءات فعالة وتتمشى مع طبيعة تكوين المجتمع الدولي ولا ينبغي قياسها على الجزاءات التي توقع على الأفراد ي المجتمع الداخلي فلكل مجتمع مقومات وصفاتة وما يتناسب معه من جزاءات فالجزاءات التي عرضنا لها في المجتمع الدولي والتي طبقت مرارا وتكرارا واثمرت ثمراتها في الردع وهذه الجزاءات تضفي على القاعدة القانونية الدولية عامل الاحترام والالتزام من جانب اشخاص القانون الدولي وهو عنصر لازم لتواجد القانون
ولقد تساءل فقهاء القانون الخاص عن من يقوم بتوقيع هذا الجزاء الدولي وهم في ذلك يريدون سلطة دولية تماثل السلطة العامة داخل الدولة حيث تعلو على الأفراد وتوقع عليهم للعقوبات بالقوة
ولقد ذكرنا من قبل إن طبيعة المجتمع الدول تأبى وجود سلطة عامة مشابهة للسلطة العامة الداخلية وان الدول أو جماعات الدول هي التي توقع الجزاءات في معظم صورها كما سبق البيان .