مقارنة طريقة الانتخاب في تولي الوظائف العامة وتحقيقها لمبدأ المساواة :

ان تولي الوظائف العامة بأسلوب الانتخاب يستخدم في كثير من الدول في أضيق الحدود وقد يزداد مداها نسبياً في دول عنها في دول اخرى. فقد تلجأ بعض الدول إلى الانتخاب لتمثيل اتحادات الخدمة المدنية في بعض اللجان الإدارية كما هو الحال في فرنسا وأن بعض الدول تستخدم هذا الاسلوب في اختيار بعض الأعضاء المكونين للجان أو المجالس تتصدر الجهات التي تتشكل فيها هذه اللجان أو المجالس كنوع من تطبيقات الإدارة الديمقراطية . كما ان أسلوب الانتخابات لا يسير على نمط واحد ، وقد يتسع بحيث يكون مفتوحاً لكافة الأفراد متى توافرت في حالاتهم الشروط التي تتطلبها القوانين واللوائح . بعد الاطلاع على أسلوب الانتخاب في تولي الوظائف العامة في كل من مصر وفرنسا و دول اخرى تستطيع ان تقرر ان كلا النظامين يتشابهان في هذا الصدد فكل من مصر وفرنسا تأخذ بهذا الأسلوب في اختيار العُمَد في البلدين وكذلك اختيار مساعديهم ، وفي هذا الأسلوب يحقق الانتخاب كأسلوب في تولي الوظائف العامة المساواة في تولي الوظيفة . إذ يتقدم لها من تتوافر فيه الشروط الذاتية والموضوعية التي تتطلبها هذه الوظيفة في المرشح حيث يقوم الناخبون في مصر باختيارهم بالانتخاب المباشر العام . أما في فرنسا يقوم أعضاء المجالس البلدية باختيار العمدة ومساعده من بينهم أي بانتخاب مغلق بينما يجري في مصر بأسلوب الانتخاب المفتوح . هذا الفرق بين النظامين في أسلوب الانتخاب يصاحبه الاتفاق على المبدأ العام ألا وهو ان إرادة الناخبين ستكون الفيصل باعتبارها تمثل جمهور الناخبين صاحبة التأثير والأساس في اختيار العمد ومساعديهم بعيداً عن تأثير السلطة التنفيذية ومن دون عوامل المحسوبية والوساطة .

وهنا تتحقق المساواة في تولي الوظائف العامة ، فنتيجة المساواة بين المرشحين لتولي الوظيفة ولتماثل مراكزهم القانونية وتكافؤ الفرص بين ذوي المراكز المتشابهة سوف تعمل على تحقيق المساواة في تولي الوظائف العامة . ولكن في الانتخابات المفتوحة قد يحصل ان يفوز بالانتخاب لتولي إحدى الوظائف أشخاص اقل كفاءةً وصلاحيةً لتولي هذه الوظيفة وتحمل مسؤولياتها وأعبائها . وإبعاد الأشخاص المشهود لهم بالكفاءة والقدرة الكبيرة ، وهنا سوف يهدر مبدأ المساواة إذا ما اعتمد على أسلوب الانتخاب لتولي الوظيفة بل لا بد من ان تحاط العملية الانتخابية بجملة من الشروط الذاتية بالمرشح والموضوعية الخاصة بالوظيفة لكي نكون اقرب إلى تحقيق المساواة بين المواطنين في تولي الوظائف العامة . كما ان تأثير الإدارة أو الأحزاب سيكون واضحاً بدرجة كبيرة وهذا سيؤدي إلى إهدار مبدأ المساواة بينما في الانتخابات المغلقة حيث يقتصر الانتخاب فيها على زملاء المرشح وهم اعلم بمقدرته وكفايته فانه في هذه الحالة ستتحقق المساواة بين المتقدمين لهذه الوظائف إذ ان إرادة الناخبين هنا ستكون قادرة على اختيار الاصلح والأفضل . ولكن فيما لو حصل خطأ في انتخاب الأشخاص فهذا النظام لا يعاب كوسيلة في ذاتها بقدر ما هو خطأ في تطبيق هذه العملية الديمقراطية . إذ ان زملاء المرشح يكونوا بلا جدال على علم ودراية بقدرة وكفاءة المرشح وإمكاناته على خدمتهم أو تمثيلهم وتنعدم فرصة عدم علمهم بهذه العناصر ولا سيما في الانتخابات الأكاديمية وانتخابات عمداء الكليات حيث يكون للناخبين وهم من ذوي الكفاءات الممتازة والتقدير الموضوعي لهم ما يمكنهم من اختيار الاصلح والأفضل وبالتالي تحقيق المساواة التامة في اختيار المرشح للوظيفة تبعاً لما يتوافر في عملية الاختيار من موضوعية والبعد كل البعد عن التأثيرات الخارجية . ومن ثم تتحقق المساواة بين المتقدمين لهذه الوظائف فعملية الانتخاب والاختيار ستسفر عن انتخاب الأفضل للوظيفة وهذه هي المساواة الحقيقية ، فوسيلة الانتخاب في تولي الوظائف العامة تؤدي دورها في تحقيق المساواة إذا ما احسن اختيار الوظائف المناسبة لشغلها بهذه الوسيلة وأحيطت بعدة ضمانات .

أما في العراق فعلى الرغم من ان قانون الخدمة المدنية العراقي لم ينص أو يتضمن هذا الأسلوب في اختيار الموظفين سواء بصورته المفتوحة أو المغلقة مثلما هو عليه في كلٍ من جمهورية مصر العربية وجمهورية فرنسا . إلا ان هذا الأسلوب استخدم سابقاً في اختيار المجلس البلدي ومساعديه بموجب القانون المرقم 165 لسنة 1965 . إذ نص هذا القانون على ان ” ينتخب أعضاء المجلس من بين سكان منطقة البلدية بالانتخاب الحر المباشر وبالاقتراع السري التام وفق قانون انتخاب خاص “(1).و في الوقت الذي كنا نعد فيه هذه الأطروحة ، ونتيجة للتغيرات الجذرية والتحول الكبير الذي حصل في العراق ، منح العديد من الصلاحيات والامتيازات للوحدات الإدارية ، بمزيد من الصلاحيات في الاعتماد على موارد هذه الوحدات الإقليمية الإدارية . وانسجاماً مع المبدأ الديمقراطي في ان يحكم ويتولى الشعب حكم نفسه بنفسه وتجسد هذا في اختيار مقيد بصورته الأولى لأعضاء المجالس البلدية في مختلف محافظات العراق كأسلوب مفتوح في انتخاب من يكون اصلح واقدر على خدمة وحماية مصالح أبناء المنطقة الإدارية التي رُشح لها وانتخب لها لذا فإننا نرى ضرورة الأخذ بهذه الطريقة والتوسع بها في العمل الإداري في انتخاب القيادات الإدارية خصوصاً في مجال الإدارة المحلية ، أي انتخاب رئيس المجلس البلدي (محافظ) ومساعديه وأعضاء المجلس . يمثل مختلف شرائح وطوائف المنطقة وعلى قدم المساواة دون التمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو المركز الاجتماعي أو العقيدة أو أي شيء يمكن ان يميز ويفرق ما بين المرشحين في تولي هذه الوظائف لان ذلك سيؤدي إلى تنويع وتطوير العمل الإداري بما يخدم المواطن والمصلحة العامة بنفس الوقت وهي ممارسة ديمقراطية .

والتوسع في هذه الوظائف التي لا تحتاج إلى تخصص فني مميز على اعتبار ان أبناء المنطقة ليسوا من القدرة على تلمس الخصائص الفنية في المرشح ، وان يكون شغل هذه الوظائف بصورة دورية ولمدة محددة . حتى تظل إرادة الشعوب والجماهير هي الأساس الذي يقوم عليه تعيين المنتخب وان تكون هناك رقابة على كل تصرفات قولية أو فعلية للموظف المنتخب لهذا النوع من الوظائف والتدقيق المتواصل لجميع اعماله وبصورة فجائية لكي يكون الموظف المنتخب على أهبة الاستعداد التام الكامل بأي وقت لغرض التأكد من اختيار الشخص المناسب في المكان المناسب . وبالنسبة إلى اختيار أسلوب الانتخاب المغلق الذي رأيناه بصورة واضحة في كل من جمهورية مصر العربية وجمهورية فرنسا ، لاحظنا ان هذا الأسلوب يجري في اختيار عمداء الكليات وأعضاء المجلس البلدي في كلا البلدين . فإننا ندعو إلى تدعيم هذه الطريقة وتعزيزها بصورة متواصلة في انتخاب عمداء الكليات من بين أساتذة الكلية أو المعهد بترشيح عدد ويجري انتخاب احدهم ومباشرة وبالاقتراع السري وليس على أساس ترشيح من رئيس الجامعة لوزير التعليم العالي . كما هو عليه الحال في مصر وفرنسا حيث يعين الأستاذ الحاصل على اكثر الأصوات لان التعيين إذا حصل من قبل رئيس الجامعة يفقد طريقة الانتخاب مضمونها وجوهرها ويقترب بها من عملية التعيين ابتداءً لان الأستاذ الذي قد يختار عميد الكلية من بين مرشحين عند رئيس الجامعة من بين أعضاء مرشحين له قد لا يكون الأفضل وبالتالي قد تؤدي الأهواء النفسية والتأثيرات دوراً كبيراً في هذا المجال وتعميم هذه الطريقة على كل وحدة إدارية أو مؤسسة أو كلية والأخذ بهذا الأسلوب في اختيار الأشخاص لتولي الوظائف العامة أي التوسع في أسلوب الانتخاب المغلق اكثر من الأسلوب الأول .

__________________

1- المادة 21 من القانون رقم 165 لسنة 1964 الخاص بإدارة البلديات .

مقارنة طريقة الاختيار الحر في تولي الوظائف العامة ومبدأ المساواة في العراق وبقية الدول :

ان الأخذ بهذا الأسلوب في إسناد الوظائف العليا أو الدرجات الخاصة وهي لا تعني تماما الحرية المطلقة للإدارة في الاختيار لكلٍ من الوظائف التي يتبع بشأنها هذا الأسلوب فبعض هذه الوظائف ذات الصلة بالأمور السياسية وبعضها وظائف قيادية إدارية أو الوظائف في القيادات العلمية فلا هي سياسية بحتة ولا إدارية بحتة ، بل تقرب من هذا وذاك . فلاحظنا ان المشرع العراقي قد سار مسار المشرع الفرنسي في تحديده للوظائف العليا واشار إلى هذا في قانون الخدمة المدنية النافذ حيث ترك أمر إشغال هذه الوظائف إلى جهة الإدارة على نحو ما فعل المشرع الفرنسي ، وكيف انه وضع معايير موضوعية لتحديد هذه الوظائف . ويجب عدم الخلط ما بين الوظيفة العليا كربط مالي وبين المسؤوليات ، بينما لم نلاحظ هذا في التشريع المصري فوضع هذه القائمة بهذه الوظائف . تتحلل من اتباع القواعد العامة في الالتحاق بالوظائف العامة ففي وضع القائمة وتحديد تلك الوظائف ما يضمن عدم توسع الإدارة توسعاً غير محمود في التعيين بهذا الأسلوب أو اساءة استخدامه فلا يجوز ان تترك الحرية لأية جهة ان تحدد أو تختار من يشغل بعض الوظائف . فالتعيين الذي تقوم به الإدارة إذا ما كان مطلقاً كما كان يحدث في السابق فان ذلك سيؤدي إلى هدر وخرق لمبدأ المساواة بين المواطنين في تولي الوظائف العامة ولعادت جميع السلبيات التي تم ذكرها بخصوص هذا الأسلوب ولانتهك المبدأ الديمقراطي ومبدأ تكافؤ الفرص والمساواة بين الجميع في تولي الوظائف العامة . فهذا هو الحكم المطلــق الدكتاتوري .

بينما لو اقتصر التعيين على بعض الوظائف ذات الصلة بالجانب السياسي أو القيادة الإدارية والإتيان بأفراد موالين لسياسة الدولة ومناصريها على سبيل محدود فان هذا يعتبر استثناء عن الأصل العام الممثل في اتباع القواعد العامة والشروط الموضوعية للالتحاق بالوظائف . فمبدأ المساواة مبدأ عالمي ودستوري ومن ضمن المبادئ العامة قد رسخ في نفوس الشعوب التي تسعى إلى الوصول إليه لتحقيق العدل والمساواة بين جميع المواطنين فهذا المبدأ قد ترسخ في أذهان الشعوب وقامت الثورات التي كان لها صدى على الصعيد العالمي والإنساني في سعيها لتحقيق المساواة بين الناس وحتى ان لم يذكر هذا المبدأ في دساتير تلك الدول ، وتبنته المنظمة الأممية في العديد من المعاهدات والاتفاقيات الدولية وهذا الخروج عن هذا المبدأ استثناء استدعته الضرورة والظروف الخاصة التي تبيح الخروج عن الأصول والقواعد العامة . وكذلك يجب التمييز بين اتباع هذا الأسلوب في التعيين إذا كان يخضع لرقابة القضاء كضمان أساسي لحقوق وحريات الأفراد من عدمه . فان اتباع هذا الأسلوب في التعيين والتحلل من كل قيد أو رقابة فان ذلك يعد خرقاً لمبدأ المساواة بين الأفراد . أما إذا كان التعيين خاضعاً لرقابة القضاء فان ذلك لا يعد خرقاً لمبدأ المساواة بين المواطنين في تولي الوظائف العامة لمبررات واعتبارات تفرض ذلك.

مقارنة أسلوب الإعداد والتدريب الفني في العراق وبقية الدول وعلاقة ذلك بمبدأ المساواة بين المواطنين في تولي الوظائف العامة :

من خلال الاطلاع على هذا الأسلوب الذي يعتبر من الأساليب الاعتيادية في اختيار الموظفين لتولي الوظائف قمنا بإجراء مقارنة لما هو عليه في العراق وفي بعض الدول التي تم الاستشهاد بها على سبيل المثال لا الحصر في إجراء عملية المقارنة ونتيجة ذلك وعلاقتها بمبدأ المساواة بين المواطنين في تولي الوظائف العامة. فرأينا ان إعداد الموظفين يتم في مدارس وهيئات وجامعات يقصد منها تنمية المعلومات العلمية ، وتنمية القدرة التدريبية في وزارات ومؤسسات ومصالح حكومية لاحقة على التعليم لتهيئة الموظف للوظيفة التي سيشغلها وصولاً إلى اكبر قدر ممكن من القدرة والصلاحية للموظف معززاً بالدراية العلمية والفنية التأهيلية للأفراد الذين سينضمون إلى هذه المدارس والهيئات على قدم المساواة فيما بينهم من حيث الشروط المطلوبة للتوظف والمعاملة القانونية الواحدة التي يعاملون بها لتماثل مراكزهم القانونية وبالتالي فان تكافؤ الفرص ما بين المرشحين ستكون واحدة وتعمل على تحقيق المساواة بين المرشحين في الدخول إلى الوظيفة العامة ، وتطوير ذلك بالأخذ بأسلوب الاختيار للمرشحين قبل الدخول إلى تلك المؤسسات والهيئات التعليمية لغرض الحصول على افضل العناصر التي يمكن ان تتبوأ الأعمال الوظيفية والأقدر على تحمل واجبات الوظيفة وتقديم افضل الخدمات للجمهور . فعن طريق الاختبارات التمهيدية سوف يرتب الناجحون من أعلى الدرجات إلى أدناها ولكن حتى طريقة الإعداد الفني ينبغي ان تكون عملية مواكبة للتطور الحاصل في الحياة .

والإعداد عن طريق اتباع الوسائل العلمية الحديثة ووضع الدراسات العلمية التخصصية وربط ذلك بعملية التنمية منعاً لتكديس الموظفين الذي يمكن ان نلاحظه في الجهاز الإداري في الدولة. فالدول لا تسير في إعداد الموظفين فنياً على وتيرة واحدة . ان فرنسا تخصص فضلاً عن مدارس الإعداد الفني التي تشتمل على دراسة عامة مدرسة عليا لهذا الإعداد تتولى إمداد الجهاز الإداري بقيادات متخصصة في مجال الإدارة بينما لا تلجأ الدول الأخرى مثل العراق ومصر إلى هذا النوع من الأسلوب الفني مكتفية في هذا الإعداد بالدراسات العامة التي لا تصل إلى مرتبة التخصص في مجال الإدارة. ان الإعداد الفني يتخذ صورتين السابق للتعيين واللاحق له تتولاه بعض دور التعليم ويقوم بهذه المهمة في العراق مثل المعهد القضائي التابع لوزارة العدل ومعاهد وكليات المعلمين واعداديات وكليات التمريض التي تعد الطالب فيها إعداداً علمياً عن طريق المحاضرات التعليمية والتدريبية في المنشآت والمؤسسات الصحية بالبلد . أي ان في العراق شأنه شأن جمهورية مصر العربية يقع على كل وزارة ان تعد دورات تدريبية تطويرية لكوادرها موزعة على دوائر الدولة .

ونرى ان من شأن هذا التعدد في هذه الأجهزة والوزارات تفتيت القوى في مجال الإعداد الفني وما يترتب على هذا التعدد من التداخل والازدواج في الاختصاصات والتكرار لبرامج في مستوى واحد مما يخلق موجة عدم الثقة للدارسين في هذه البرامج . فمتى ما كان الإعداد الفني الموضوع على أساس تخطيطي سليماً سيؤدي إلى سد نقص الموظفين في بعض فروع الخدمة المدنية العامة والاستعاضة بالمواطنين عن استخدام الأجانب ، فضلاً عما سيؤديه من رفع للروح المعنوية لدى الموظف أياً كانت مرتبته في السلم الوظيفي نتيجة لإفادته من هذا الإعداد في مجال الخبرة والمعرفة بواجبات ومسؤوليات وظيفته. كما ان الإعداد الفني متى ما كان متلازماً مع التخطيط السليم العلمي المدروس سواء كان نظرياً أم عملياً يجب ان يكون له صفة الالتزام ليأخذ الاتجاه الجدي وسبيلاً للترقية إلى وظيفة أعلى. يضاف إلى ما ذكرنا ان إدراج الموظفين في دورات تدريبية إعدادية يجب ان لا يتحمل الموظفون فيها نفقات هذا الإعداد وتشجيعهم بشمولهم بحوافز ومكافآت اجتياز هذه الدورات بنجاح بمورد مالي من شأن ذلك ان يجعله ينافس الآخرين في سبيل الحصول على أعلى الدرجات نظرياً وإتقان العمل الوظيفي بوقت اقل وكلفة أقل والحصول على نوعية ممتازة من الموظفين .

ولكن مهما بلغ هذا الإعداد الفني في كل من العراق ومصر فهو لا يصل إلى ما وصل إليه الحال في فرنسا ولبنان والسعودية من تخصيصه لمدرسة عليا للإدارة أو معاهد وطنية ترفد دوائر الدولة بموظفين أكفاء في شتى الاختصاصات والمجالات الوطنية بهذا التخصص العميق الذي لا نجد له مثيلاً عندنا في العراق أو في مصر . نأمل ان تؤسس مدرسة مشابهة كالتي في فرنسا عندنا في العراق تستقطب افضل المواطنين الذين يرومون الحصول على وظيفة عامة بالدولة ، تتحدد فيها الشروط العامة للالتحاق بها وما إذا كان يحق لجميع المواطنين التقديم إليها أو لفئة الموظفين الذين لديهم خدمة وظيفية يحددها المشرع للتأكد من توافر الصلاحية بالأفراد الذين يتقدمون للانخراط بتلك المدارس لغرض اشغال الوظائف العامة وما تتطلبه من كفاية خاصة تتلاءم مع دقة وخطورة المسؤوليات التي يتحملها هؤلاء الموظفون في ممارستهم لأوجه الأنشطة التي تقتضيها طبيعة هذه الوظائف . ولكن الذي نراه يحول دون تحقيق المساواة الكاملة في القبول بهذه الكليات والمعاهد التعليمية التدريبية هو استثناء بعض الفئات من الطلاب ولاسباب شتى بإضافة خمس درجات على معدلاتهم مثلاً . ونرى ان من شأن ذلك ان يعتبر خروجاً عن مبدأ المساواة على المدى البعيد في تولي الوظائف العامة كما يعد ردة إلى نظام توارث الوظائف بطريقة غير مباشرة والذي لا يمكن قبوله أو تبريره في العصر الحديث .

لذلك يفضل هذا الاستثناء كي تتحقق المساواة التامة في القبول بكليات الطب والتمريض أو المعلمين ، إذ يقتضي مبدأ المساواة بان يكون القانون واحداً بالنسبة لجميع الأفراد بحيث يطبق بطريقة واحدة على الأفراد ذوي المراكز المتماثلة دون تفرقة بينهم لاسباب تتعلق بأشخاصهم أو ذواتهم وبذلك يتعارض مع مبدأ المساواة بين المواطنين تقرير امتياز أو استثناء من قاعدة عامة على أساس المولد أو الانتماء إلى طبقة معينة أو فئة من فئات المجتمع . لان أي استثناء أو تمييز من شأنه حرمان مواطن من فرصة تحقق له شروط الحصول عليها وإيثار غيره ممن لم تتوافر في شأنه تلك الشروط الأمر الذي يتعارض مع مبدأ تكافؤ الفرص الذي أوجده الدستور . وان العدالة تقضي بان يكون القبول بالجامعات قائماً على أساس التفوق العلمي دون تفرقة في المعاملة لان هذا التمييز بين المواطنين فضلاً عن إخلاله بمبدأ المساواة فانه يهدر مبدأ تكافؤ الفرص الذي يرفضه الدستور العراقي. لذلك فإننا نحبذ الأخذ بها في العراق وتعميمها قدر الإمكان . ولا ينبغي ان يكون فيما تحتاجه من نفقات وإمكانيات مادية حائلاً دون انتشار تعميمها ، ذلك أنها تحقق المساواة في الالتحاق بالوظائف العامة إلى جانب كونها استثماراً مؤكدة فائدته ونتيجته مضمونة في خلق عناصر بشرية قادرة على تحمل أعباء ومسؤوليات الوظيفة العامة.

المؤلف : مصطفى سالم مصطفى النجفي
الكتاب أو المصدر : المساواة ودورها في تولي الوظائف العامة

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .