أبحاث قانونية ومواضيع عن موانع الرجوع في الهبة

مقال حول: أبحاث قانونية ومواضيع عن موانع الرجوع في الهبة

بقلم ذ أحمــد أوبـلا

إعادة نشر بواسطة محاماة نت

ماستر الدراسات القانونية والعقارية كلية العلوم القانونية، الاقتصادية والاجتماعية -مراكش
تعتبر الهبة من عقود التبرع التي اباحتها الشريعة الاسلامية الغراء ورغبت فيها لما لها من دور في تقوية التضامن بين الافراد وتكريس مبادئ الاخلاص والوفاء، والمشرع المغربي لم ينظم احكام عقد الهبة الا بصدور مدونة الحقوق العينية

حيث قبل صدور هذه الاخيرة كانت تطبق احكام الفقه المالكي باعتباره المذهب الرسمي للبلاد.

وقد عرف المشرع المغربي الهبة بموجب المادة 273 من مدونه الحقوق العينية بانها تمليك عقار او حق عيني عقاري لوجه الموهوب له في حياة الواهب بدون عوض “

وإذا كان الاصل في العقود هو اللزوم اي ان العقد يلزم طرفيه ولا يستطيع أحد الطرفين المتعاقدين بعد العقد التحلل من الالتزامات التي يرتبها هذا الاخير بإرادته المنفردة لان في ذلك تغيير في المراكز القانونية

وإذا كانت الهبة عقد من العقود فانه لامحالة تخضع لهذا الاصل اي انها عقد لازم لا مجال ان ينفرد فيه أحد طرفيه بتعديل احكامه او نقضه الا بمقتضى نص في القانون او الاتفاق

الا ان هذا المبدأ بطبيعة الحال ترد عليه استثناءات من بينها امكانية الرجوع في الهبة من طرف الواهب إذا توافرت الشروط وانتفت الموانع، وقد أشار المشرع المغربي بمقتضى مدونة الحقوق العينية لحالات الرجوع في الهبة كما انه حدد وعدد الموانع التي تحول دون استعمال هذه المكنة تكريسا وترسيخا لمبدأ استقرار المعاملات.

وهذه الدراسة ستقتصر على جانب واحد من احكام عقد الهبة، يتعلق الامر بحالات الرجوع في الهبة المنصوص عليها في مدونة الحقوق العينية اضافة الى الموانع التي تحول دون الرجوع في الهبة.

وعليه سنقوم بتقسيم هذا الموضوع الى مبحثين سيرا على المنوال التالي:

المبحث الاول: حالات اعتصار الهبة في القانون المغربي والمقارن
المبحث الثاني: موانع الاعتصار في القانون المغربي والمقارن
المبحث الاول: حالات اعتصار الهبة في القانون المغربي
بداية لا بد من الإشارة إلى أن المشرع المغربي لم ينظم عقد الهبة إلا بموجب قانون 08-39 المتعلق بمدونة الحقوق العينية، لذلك فإن مسألة اعتصار الهبة أو الرجوع فيها كان المرجع فيها الراجح والمشهور وما جرى به العمل في الفقه المالكي.

وقد نظم المشرع المغربي اعتصار الهبة بمقتضى المواد من 283 إلى 289 من مدونة الحقوق العينية.

وإذا كان المشرع عادة لا يتدخل في مسألة التعريفات باعتبار أنها متروكة للفقه والقضاء، فإن المادة 283 من مدونة الحقوق العينية عرفت الاعتصار بأنه ” رجوع الواهب في هبته ويجوز في حالتين…” وعليه يمكن القول، أن الاعتصار حالة استثنائية ترد على عقد الهبة إذا ما تحققت حالات معينة واردة حصرا تجيز للواهب إرجاع الشيء الموهوب وانتفت موانع تحول دون ذلك.

وتأسيسا على ما سبق، سنقسم هذا المبحث إلى مطلبين، سنتناول في (المطلب الاول) حالات الاعتصار في مدونة الحقوق العينية، في حين سنخصص (المطلب الثاني) لحالات الرجوع في بعض التشريعات المقارنة.

المطلب الاول: حالات الاعتصار في ضوء مدونة الحقوق العينية يعد الفقه المالكي صرحا من الصروح الذي استقت منه مدونة الحقوق العينية بعض احكامها، لذلك نجد ان مصطلح الاعتصار انفرد به فقهاء المالكية دون غيرهم من المذاهب الاخرى التي تستعمل مصطلح الرجوع.

والاعتصار كما تم تعريفه من قبل ابن عرفه رحمه الله هو “ارتجاع المعطي عطيته دون عوض لا بطوع المعطى

كما عرف المشرع المغربي بدوره الاعتصار بموجب المادة 283 من مدونة الحقوق العينية بقوله “رجوع الواهب في هبته ويجوز في حالتين …”

والملاحظ ان المشرع المغربي لم يترك باب الاعتصار مفتوحا على مصراعيه، وانما حدد الحالات التي يحق فيها للواهب الرجوع في الهبة على سبيل الحصر وهكذا سنقسم هذا المطلب الى فقرتين سنعالج في الاولى، اعتصار الابوين، على ان نتناول في الثانية، حالة العجز عن الانفاق ورجوع الخاطب في هديته.

الفقرة الاولى: اعتصار الأبوين
لم يفتح المشرع المغربي حق اعتصار الواهب للهبة على عواهنه، وإنما حدد حالات معينة واردة على سبيل الحصر لا يجوز القياس عليها او التوسع في تفسيرها.

وباستقراء ما جاء بصدر المادة 283 من م.ح.ع نجد المشرع نص على حالتين يجوز فيهما الاعتصار وهما:

“اولا: فيما وهبه الاب او الام لولدهما قاصرا كان او راشدا
ثانيا :…..”
وهكذا سنتناول في هذه الفقرة حالة اعتصار الاب (اولا) ثم حالة اعتصار الام(ثانيا)

اولا: اعتصار الاب
انطلاقا من المادة 283 من م.ح.ع يتضح بجلاء ان المشرع خول للأب امكانية اعتصار الهبة التي سبق ان وهبها لأبنائه سواء كانوا قاصرين ام راشدين ذكورا او اناثا.

وتجد حالة اعتصار الاب لهبته سندها في القاعدة الفقهية القائلة ” الابن لأبيه وما ملك” والتي تجد أساسها في الحديث النبوي الشريف: ” يا رسول الله إن لي مالا وولدا وإن أبي يريد أن يحتاج مالي فقال أنت ومالك لأبيك “

وفي هذا الإطار يقول ابن عاصم في تحفته:

“والاعتصار جاز فيما يهب أولاده قصدا للمحبة الأب
والملاحظ أن المادة 283 المومأ إليها أعلاه نصت فقط على الأب والأم مما يعني استبعاد الجد والجدة من المخول لهم حق الرجوع في الهبة.

وتجب الإشارة إلى أن اعتصار الهبة من قبل الواهب مقيد ببعض الشروط تطبيقا للمادة 284 من م.ح.ع التي تنص “لا يجوز للواهب أن يعتصر ما وهب إلا إذا أشهد بالاعتصار وتم التنصيص عليه في عقد الهبة وقبل بذلك الموهوب له”

إضافة إلى ذلك تنص المادة 286 من نفس المدونة على أنه “لا يمكن الاعتصار إلا بحضور الموهوب له وموافقته أو بحكم قضائي بفسخ عقد الهبة لفائدة الواهب”

واخيرا نشير الى ان المشرع المغربي تبنى نفس احكام الفقه المالكي في تنظيمه للاعتصار من جهة الاب في مدونة الحقوق العينية.

ثانيا: اعتصار الام
بعد تناولنا لحالة اعتصار الاب سنتطرق لحالة اعتصار الام بناء على الحديث الشريف “لا يحل للرجل ان يعطي العطية فيرجع فيها الا الوالد فيها اعطى لوالده”.

وتأسيسا على هدا الحديث ومن باب القياس، تم الحاق حكم اعتصار الام بالأب لتساويهما في مرتبة الوالدين لان الوالد في اللغة يطلق على الاب والام.

لكن ما يجب ان نشير اليه هو ان فقهاء المالكية استلزموا شرطا اساسيا في اعتصار الام والذي يعتبر خصوصية تميز اعتصار الام عن اعتصار الاب، اذ ليس لها الحق في ان تعتصر ما وهبته بعد موته لان هبتها والحالة هذه تأخذ حكم الصدقة وهذه الاخيرة لا اعتصار فيها.

وفي هذا الصدد يقول ابن عاصم في التحفة:

والام ما حي الاب تعتصر وحيث جاز الاعتصار يذكر
لكن برجوعنا الى المادة 283 من مدونة الحقوق العينية نجدها لم تقيد اعتصار الام باي قيد او شرط وانما ساوت بين الاب والام.

وفي اعتقادي المتواضع، حسنا فعل المشرع المغربي لما ساوى بين اعتصار الاب واعتصار الام “لان النساء شقائق الرجال في الاحكام. كما ان مصطلح الوالد ينصرف على الاب والام وما قلنا عن الاب يسري على الام اذ لابد من الاشهاد على الاعتصار والتنصيص عليه في عقد الهبة وان يقبل بذلك الموهوب له

وعلاوة على ذلك يشترط حضور الموهوب له وموافقته على الاعتصار او بحكم قضائي يقضي بفسخ عقد الهبة.

وتجدر الاشارة ان حق الرجوع في الهبة قبل صدور مدونة الحقوق العينية كان يقتصر فقط على الاب والام دون حالات اخرى موجبة للرجوع كالعجز عن الانفاق …وهذا ما سار عليه المجلس الاعلى سابقا “محكمة النقض حاليا في احدى قراراته.
حيت جاء في قرار له عدد381 الصادر 10/09/2003 ما يلي … “حيت انه من المقرر في الفقه المالكي انه لا يجوز الرجوع او الاعتصار في الهبة الا للاب والام وبشروط محددة فقها عملا بقوله عليه الصلاة والسلام “لا يحل للرجل ان يعطي العطية فيرجع فيها الا الوالد فيما اعطى لولده …”
بناء على ما سبق إذا كنا قد تعرضنا لحالات اعتصار الابوين فهل ثمة حالات اخرى يحق فيها للواهب الرجوع في هبته؟

الفقرة الثانية: حالتي عسر الواهب ورجوع الخاطب في هديته
وسعت مدونة الحقوق العينية من دائرة الاشخاص الذين يحق لهم الرجوع في الهبة، فبعدما كان الامر سابقا مقتصرا على الاب والام فقط.

أصبح حاليا بموجب هذه المدونة للواهب العاجز عن الانفاق حق الرجوع في الهبة التي كان قد وهبها وذلك عملا بمقتضيات المادة 283 من نفس المدونة التي جاء فيها

“يراد بالاعتصار رجوع الواهب في هبته ويجوز في حالتين:
اولا :….
تانيا: إذا أصبح الواهب عاجزا عن الانفاق على نفسه او على من تلزمه نفقته

كما ان هناك حالة اخرى للرجوع غير واردة في مدونة الحقوق العينية وانما اشارت اليها المادة 8 من مدونة الاسرة التي جاء فيها “لكل من الخاطب المخطوبة ان يسترد ما قدمه من هدايا ما لم يكن العدول عن الخطبة من قبله ترد الهدايا بعينها او بقمتها حسب الاحوال”.

وإذا كان معرض بحثنا يقتصر فقط على ما جاءت به مدونة الحقوق العينية فانه لا حرج من الاشارة الى نصوص قانونية ذات الصلة بالموضوع لان النصوص القانونية كالبنيان المرصوص ينبغي ان يكمل بعضها البعض الاخر.

وهكذا سنتطرق لعسر الواهب عن الانفاق (اولا) ثم رجوع الخاطب في هديته (ثانيا) اولا: عسر الواهب عن الانفاق

بمقتضى مدونة الحقوق العينية لم يعد حق اعتصار الهبة منحصرا ومقتصرا عن الابوين فقط بل يجوز ايضا للواهب العاجز عن الانفاق على نفسه او على من تلزمه نفقته الرجوع في هبته

وبدلك تكون هذه المدونة قد فتحت الباب امام كل واهب تبدلت حالته من ستر او يسر الى عجز او عسر للرجوع في هبته

وفي نظرنا المتواضع حسن فعل المشرع المغربي لما نص على هذه الامكانية لأنه لا يعقل ان يهب شخص هبة عبارة عن عقار وبعد ذلك تضيق به السبل فأصبح عاجزا عن تحصيل لقمة العيش والموهوب له يتمتع بعقاره غير آبه ولا مبال لعجز الواهب وحتى القواعد الفقهية تؤكد على ان دفع الضرر اولى من جلب المصلحة.

كما تؤكد ايضا ان الضرر يزال لذلك لا مناص من تمكين الواهب من استرداد عقاره لعل وعسى ان يخرج من فقره وإملاقه الذي اصابه.

وعموما لكي تتحقق حالات الرجوع في الهبة بسبب عسر الواهب لابد من توفر شرطين اساسيين هما:

-عجز الواهب عن الانفاق اي ان يكون هذا العجز لاحقا على عقد الهبة وذلك بإثبات قصر ذات اليد وغلبة الفقر بوسيلة اثبات معتبرة قانونا.

-عجز الواهب عن الانفاق عن نفسه وعلى من تلزمه نفقته.

وبالرجوع الى المادة 187من مدونة الاسرة نجدها تنص على ما يلي: «سباب وجوب النفقة على الغير الزوجية والقرابة والالتزام “

إعمالا للمادة المومإ اليها اعلاه يتبين ان الواهب يمكنه الرجوع في هبته متى عجز عن الانفاق على زوجته وان تعددت ونفقة مطلقته حال وجوبها عليه وهنا نتساءل مع الاستاذ حسن منصف هل يتسع الامر ليشمل حتى مستحقات المطلقة من متعة وغيرها؟

وفي هذا الصدد يطرح سؤال آخر بخصوص حالة الواهب القاصر عن الانفاق على نفسه لكنه عجز عن الانفاق على ابنائه الذين تجب عليه نفقتهم، وبالتالي فالإنفاق في هذه الحالة يجب على امهم الموسرة طبقا للمادة 199 من مدونة الاسرة فهل يجوز له الرجوع في الهبة معه انه اضحى غير ملزم بنفقة الابناء لان القانون اوجبها على امهم الموسرة في حالة عسره؟

على هذا السؤال يجيب الاستاذ حسن منصف بأحقية الاب في الاعتصار لان الاصل في العقود هو اللزوم اما الرجوع ما هو الا استثناء، وهذا الاخير لا يتوسع في تفسيره.

وفي هذا الخضم، نعتقد ان حالة الرجوع في الهبة بسبب عجز الواهب لا محالة سيتمخض عنها جملة من الاشكالات القانونية نذكر بعضها كالاتي:

إذا كانت المادة 283 من م ح ع نصت على امكانية رجوع الواهب في هبته بسبب عجزه عن الانفاق فهل سيتم اثبات هذا العجز بوسيلة اثبات معينة؟

في اعتقادنا المتواضع ما دام ان المشرع لم يستلزم وسيلة معينة لإثبات العجز ومادام العجز عن الانفاق مسالة مادية، فالواهب يمكنه اثبات عجزه بكافة وسائل الاثبات المنصوص عليها في الفصل 404 من ق.ل.ع.

لتظل من بين الاشكالات المطروحة، هل يمكن للأفراد الذين يجب الانفاق عليهم من قبل الواهب، المطالبة باعتصار الهبة نتيجة الضرر الذي مسهم من جراء تبرع الواهب بهبته وعدم رغبته في اعتصارها رغم وجود مطرقة العسر؟

كما يحق لنا ان نتساءل، هل الحالات الواردة في المادة 283 من م.ح.ع والتي تسمح بالرجوع في الهبة، يمكن الاعتصار فيها بقوة القانون ام لابد من احترام مقتضيات المواد 284و286؟

جوابا على هذا السؤال نشير الى احدى قرارات المجلس الاعلى الصادر بتاريخ 09/04/2008

والدي جاء فيه “…. وحيث ان المحكمة لما ناقشت الفقه المعمول به وثبت لها ان الطالبة اشترطت عدم الرجوع في الموهوب وان هذا الشرط ملزم وان العقد شريعة التعاقدين طالما قد نشأ صحيحا ….”

وفي اعتقادي ولو ان ما ذهب اليه المجلس الاعلى”محكمة النقض حاليا “كان قبل صدور مدونة الحقوق العينية الا انه يتماشى مع ما كرسه ورسخه المشرع في المادة 286 من هذه المدونة التي تستلزم التنصيص على الاعتصار في صلب عقد الهبة.

ثانيا: رجوع الخاطب فيما اهداه لخطيبته

بالرغم من ان مدونة الحقوق العينية لم تشر الى هذه الحالة الا ان تكامل النصوص القانونية وانسجامها يفرض الاشارة اليها ولو على سبيل الاقتضاب. وهكذا تنص المادة 5 من مدونة الاسرة على ان الخطبة ” تواعد رجل وامرأة على الزواج …”وبعيدا عن اختلاف المذاهب الفقهية حول مصير الهدايا في حالة فسخ الخطبة الا ان المادة 8 من مدونة الاسرة تنص صراحة على ما يلي

“لكل من الخاطب والمخطوبة ان يسترد ما قدمه من هدايا ما لم يكن العدول عن الخطبة من قبله، ترد الهدايا بعينها او بقيمتها حسب الاحوال”

يستشف من هذه المادة ان الخاطب يحق له ان يسترد الهدايا التي قدمها لخطيبته، متى كان سبب العدول لا يعزى اليه سواء كان العدول من المخطوبة بمبرر او بدون مبرر لان الواهب وهب بشرط اتمام الزواج ن ولما تسببت المخطوبة في عدم اتمامه جاز له استرجاع ما اهداه خلال الخطبة.

وقد جاء في قرار صادر عن محكمة الاستئناف بمكناس ما يلي:

“حيث ان المحكمة ثبت لها احقية الخاطب في استرجاع هداياه، عندما تبين لها ان ما قامت به المخطوبة من تصرفات تجاه خطيبها الاول ينم عن سوء نية واعتبر معه العدول من جانبها …”

كما يحق للمخطوبة استرداد ما اهدته لخطيبها متى كان سبب العدول يعزى اليه مادام ان المادة 5 من مدونة الاسرة استعملت عبارة” تواعد «التي تتسع للخاطب والمخطوبة عكس ما نصت عليه مدونة الاحوال الشخصية الملغاة التي استعملت عبارة ” وعد”.

وختاما ينبغي التمييز بين حكم الهدايا اثناء الخطبة واثناء الزواج، حيث ان ما يهبه الزوج لزوجته قبل البناء او بعده لا يجوز له الرجوع فيه ما دامت رابطة الزوجية قائمة بينهما عملا بالمادة 285 من مدونة الحقوق العينية.

كما يجب التأكيد على ان الاعتصار يبقى دائما مشروطا بالإشهاد عليه والتنصيص غلى ذلك في عقد الهبة وقبول الموهوب له بذلك اعمالا لمقتضيات المادة 284 من م.ح.ع.

وجدير بالذكر انه لا يمكن الاعتصار الا بحضور الموهوب له وموافقته او بحكم قضائي يقضي بفسخ عقد الهبة لفائدة الواهب.

المطلب الثاني: حالات الرجوع في بعض التشريعات المقارنة
نصت بعض القوانين المقارنة بدورها على الحالات التي يمكن فيها للواهب اعتصار الهبة وذلك إذا توافرت موجبات هذا الرجوع ورب سائل يسأل عن سبب استعمالنا لمصطلح الرجوع بدل الاعتصار، فالجواب بسيط حيث سبق ان أكدنا على ان لفظ الاعتصار مالكي صرف.

وسنسلط الضوء في هذا الإطار على كل من القانون الفرنسي والمصري ثم القانون الاردني (الفقرة الاولى) اضافة الى القانونين التونسي والجزائري (الفقرة الثانية).

الفقرة الاولى: حالات الرجوع في القانون الفرنسي والمصري والاردني
سنعالج في هذه الفقرة حالات الرجوع في الهبة في القانون الفرنسي (اولا) ثم نسلط الضوء على القانونين المصري والاردني(ثانيا)

اولا: حالات الرجوع في القانون الفرنسي

بالنسبة للقانون الفرنسي نجده ينص على ان الرجوع في الهبة غير جائز اصلا، حيث نص القانون المدني الفرنسي على ما يلي:

“الهبة بين الاحياء لا يجوز الرجوع فيها “

غير انه اوجد عدة استثناءات على هذه القاعدة وقرر حالات الرجوع كالتالي:

إذا لم تنفذ الشروط المتفق عليها في عقد الهبة

حالة جحود الموهوب له
ولادة ابن للواهب
الرجوع في الهبة بين الازواج

وإذا تطرقنا لكل على حالة على حدة بشيء من التفصيل لتبين ان الامر بالنسبة للمشرع الفرنسي يختلف عن نظيره المغربي.

ففي الحالة التي لا يتم فيها تنفيذ شروط عقد الهبة من قبل الموهوب له جاز للواهب طلب فسخ الهبة.

اما حالة جحود الموهوب له، فقد اعتبرها المشرع الفرنسي سببا للرجوع في الهبة وجعل الجحود قائما في ثلاث حالات واردة على سبيل الحصر حددتها المادة 955كالتالي:

1 الاعتداء على حياة الواهب (الضرب، الجرح، محاولة القتل…)
2 حالة سوء المعاملة وارتكاب جنحة (سرقة اموال لواهب، الضرب، الجرح…)
3 حالة الامتناع عن الانفاق (يحق للواهب الاعتصار إذا تقاعس الموهوب له هن الانفاق)
اما في الحالة التي يولد ابن للواهب، يحق لهذا الاخير الرجوع في الهبة التي كان قد وهبها في الوقت الذي ليس له ابن، وموجب الرجوع في هذه الحالة ان الواهب لما وهب هبته كان يعتقد ان الابناء غير قادر على انجابهم.

واخيرا اجاز المشرع الفرنسي الرجوع في الهبات بين الزوجين سواء بين ازواج المستقبل او بمناسبة الزواج او خلال فترته.

ثانيا: حالات الرجوع في القانونين المصري والاردني
بالرجوع الى القانون المدني المصري نجده ينص على انه “يجوز للواهب ان يرجع في هبته إذا قبل الموهوب له وإذا لم يقبل جاز للواهب ان يطلب من القضاء الترخيص له في الرجوع متى كان يستند في ذلك على عذر مقبول …”

وقد بين المشرع المصري الحالات والاعذار التي يجوز فيها الرجوع وهي كالتالي:

1 اخلال الموهوب له بالتزاماته تجاه الواهب
2 عجز الواهب عن توفير اسباب المعيشة
ان يرزق الواهب بولد 3

من خلال ما سبق يتبين ان حالات الرجوع في القانون المصري أقرب الى الحالات المنصوص عليها في التشريع الفرنسي مع الاختلاف في بعض الجزئيات. اما بخصوص حالات الرجوع في القانون المدني الاردني فنجد هذا الاخير ينص على

ما يلي:

“يعتبر سببا مقبولا لفسخ الهبة والرجوع فيها ان يصبح الواهب عاجزا عن توفير اسباب المعيشة او ان يعجز عن الوفاء بما يفرضه عليه القانون من النفقة واضاف نفس القانون ” إذا قتل الموهوب له الواهب عمدا او قصدا بلا وجه حق كان لورثته حق ابطال الهبة “

الفقرة الثانية: حالات الرجوع في القانونين التونسي والجزائري
سنتناول في هذه الفقرة موجبات الرجوع في القانون التونسي (اولا) ثم نعرج على ما قرره المشرع الجزائري بهذا الخصوص (ثانيا).

اولا: بالنسبة للقانون التونسي

بموجبالفصل 210من مجلة الاحوال الشخصية التونسية ” يجوز للواهب الرجوع مع مراعاة حقوق الغير المكتسبة قانونا، طلب الرجوع في هبته لاحد الاسباب الاتية مالم يوجد مانع من الموانع:
إذا أخل الموهوب له بما يجب عليه نحو الواهب
إذا أصبح الواهب عاجزا عن توفير المعيشة
ان يرزق الواهب بعد الهبة بولد يظل حيا الى وقت الرجوع

ثانيا: بالنسبة للقانون الجزائري
: تنص المادة 211 من قانون الاسرة الجزائري على ان ” للأبوين حق الرجوع في الهبة لولدهما مهما كانت سنه الافي الحالات …”

يتضح من هذه المادة ان المشرع الجزائري لايزال يتشبث بأحكام الفقه المالكي التي تحصر حق الرجوع على الابوين فقط مالم يوجد مانع من الموانع يحول دون ذلك.

فمن خلال هذه الاطلالة السريعة على بعض القوانين المقارنة، يتضح جليا ان المشرع المغربي وان كان قد حصر حالات الرجوع في حالتين طبقا للمادة 283 من مدونة الحقوق العينية وهما، رجوع الابوين وحالة العجز عن الانفاق، الا ان ما ذهبت اليه بعض القوانين السالفة الذكر، خصوصا المشرع الاردني يبقى حريا بالتأييد عندما نص على ان قتل الموهوب له للواهب متعمدا موجب لإبطال الهبة من قبل الورثة.

وعلى سبيل القياس، فالوارث الذي يزهق روح موروثه عمدا يكون قد منع نفسه من الارث لتوافر مانع من موانع الارث وهو القتل .

لذلك حبذا لو نص المشرع المغربي على هذه الحالة وجعل قتل الموهوب له للواهب سببا لإبطال عقد الهبة لأنه وان كانت هذه الحالة نادرة، الا ان الندرة لا تعني العدم خصوصا مع نسمعه بين الفينة والاخرى من قتل الاصول.

وخلاصة القول إذا كان المشرع المغربي قد فتح الباب للواهب للرجوع في الهبة إذا تحققت موجباته، فماهي الموانع التي تمنع الواهب من الرجوع في الهبة؟

المبحث الثاني: موانع اعتصار الهبة في القانون المغربي والمقارن
إذا كانت اغلب التشريعات تفسح المجال للواهب للرجوع في الهبة التي سبق ان اعطاها للموهوب له، فانه ثمة موانع تحول دون استعمال هذه المكنة، لذلك سنتطرق لموانع الاعتصار المنصوص عليها في مدونة الحقوق العينية (المطلب الاول)على ان نقوم بإطلالة على موانع الرجوع التي نصت عليها بعض التشريعات المقارنة (المطلب الثاني).

المطلب الاول: موانع الاعتصار في ضوء مدونة الحقوق العينية

نقصد بداية بموانع الاعتصار القيود التي تغل يد الواهب في الرجوع في الهبة التي سبق ان وهبها للموهوب له، وقد حدد المشرع المغربي هذه الموانع على سبيل الحصر لا المثال وبالرجوع الى المادة 285من مدونة الحقوق العينية نجدها تنص:

لا يقبل الاعتصار في الهبة إذا وجد مانع من الموانع التالية:

1-إذا كانت الهبة من أحد الزوجين للأخر مادامت رابطة الزوجية قائمة
2-إذا مات الواهب او الموهوب له قبل الاعتصار
3-إذا مرض الواهب او الموهوب له مرضا مخوفا يحشى معه الموت، فاذا زال المرض عاد الحق في الاعتصار.

4-إذا تزوج الموهوب له بعد ابرام عقد الهبة ومن اجلها

5-إذا فوت الموهوب له الملك الموهوب بكامله فاذا اقتصر التفويت على جزء منه جاز للواهب الرجوع في الباقي

6-إذا تعامل الغير مع الموهوب له تعاملا ماليا اعتمادا على الهبة.

7-إذا ادخل الموهوب له تغييرات على الملك الموهوب ادت الى زيادة مهمة في قيمته.

8-إذا هلك الموهوب في يد الموهوب له جزئيا جاز الاعتصار في الباقي.

من خلال هذه المادة يتضح ان موانع الاعتصار يتم تصنيفها الى ثلاثة اصناف:

-موانع طارئة: تنحصر في الموت والمرض وتوظيف الهبة في الزواج او الدين.

موانع انتقال: تتجلى في تفويت الهبة لسبب من اسباب التفويت.

موانع التغيير: المقصود هنا انتقال الهبة من مظهر الى مظهرا بالزيادة او النقصان او الهدم

وعلى سبيل الدقة والتدقيق، فجميع هذه الموانع تطرأ بعد الهبة فتمنع الرجوع ومن ثم يصدق عليها جميعها اسم الموانع الطارئة

واستنادا الى ما سبق ارتأيناعدم تقسيم هذا المطلب الى فقرتين لسبب وحيد هو محاولة تناول كل مانع من الموانع على حدة، تفصيلا وتمحيصا لما نصت عليه المادة 285 من مدونة الحقوق العينية

1-مانــــــــــع الزوجــــية:
إذا كانت مدونة الحقوق العينية قد سايرت الى حد كبير الفقه المالكي في موانع الاعتصار فإنها استحدثت مانعا جديدا، ويتعلق الامر بالهبة من أحد الزوجين ما دامت رابطة الزوجية قائمة

وبمفهوم المخالفة فاذا انحل الزواج بفسخ او طلاق او تطليق جاز للمفارق الواهب ان يرجع في الهبة التي سبق ان وهبها للموهوب له متى توافرت اسباب الرجوع وانتفت الموانع

وعموما فمانع الزوجية يحول دون اعتصار الهبة من قبل أحد الزوجين، والملاحظ ان هذا المانع يخالف الامكانية المتاحة للخاطب للرجوع في الهدايا التي وهبها للمخطوبة

كما انه بالرجوع الى المادة 285 من م. ح. ع نجدها ربطت المنع من الاعتصار بقيام رابطة الزوجية، اما إذا انحلت لسبب من الاسباب فيجوز الاعتصار، وهذا التوجه الذي سار عليه المشرع المغربي حسب بعض الفقه منتقد وكان على المشرع ان يحذو حذو القانونين المصري والسوري اللذان نصا على عدم امكانية الرجوع في الهبة من أحد الزوجين سواء كانت رابطة الزوجية قائمة او منحلة ولو اراد الواهب الرجوع بعد انقضاء رابطة الزوجية، فقد يكون الواهب هو المتسبب في انفصام الزوجية وانحلالها فيؤلم بذلك الطرف الاخر ثم يزيده الما اخر باعتصاره للهبة

علاوة على ذلك فتقييد منع الاعتصار ببقاء الزوجية قائمة قد يضطر معه الزوج الموهوب له الى البقاء في كنف الزوجية رغم ضنك العيش وذلك خشية اعتصار الواهب لما كان قد وهبه ايام الرخاء والهناء.

ونعتقد بدورنا ان منع الواهب من الاعتصار سواء ابان رابطة الزوجية او بعد انحلالها توجه سليم وحري بالتأييد، لان الله جل وعلا قال في كتابه المبين مخاطبا المطلقين ” ولا تنسوا الفضل بينكم ان الله بما تعملون بصير “

اضافة الى ذلك فرابطة الزوجية ليست كلها حياة عناء ومشاكل بل تعمها ايضا جوانب مشرقة مضيئة، وحتى إذا قدر الله ان انحلت رابطة الزوجية بالطلاق، فهذا لا يعني نسيان الفضل والوفاء، فأي اخلاص ووفاء يبقى إذا فتح باب اعتصار الهبة بعد انقضاء العلاقة الزوجية؟

2-مـــانـــع المـــوت:

يعد الموت مانعا من موانع الاعتصار ان العلاقة انقضت بين الواهب والموهوب له ونشوء حقوق الورثة حسب الفريضة الشرعية ويستوي في ذلك ان يكون الموت حقيقيا او حكميا كحالة المفقود الذي حكم بتمويته

وتجدر الاشارة ان وفاة الواهب قبل ان يقبل الموهوب له الهبة يبطلها ويعتد بتاريخ تقييد اراثة الواهب متى تعلق الامر بعقار محفظ، ونفس الامر بالنسبة للموهوب له فوفاته قبل ان يقبل الهبة يبطلها ولا يحق لورثته المطالبة بها

وعليه فالحالة التي تتحدث عنها المادة 285 من م.ح.ع تتعلق بالهبة الصحيحة والمبرمة في محرر رسمي ثم بعد ذلك أدرك الحمام (الموت) أحد عاقديها.

لذلك فموت الواهب يمنع ورثته من اعتصار الهبة لان حق الرجوع في الهبة حق شخصي يتعلق بالواهب وجودا عدما، كما ان وفاة الموهوب له مانع من الاعتصار لان الحق ينتقل للورثة بالموت

3-مـــانـــع المـــرض المـخـوف:
لم يعرف المشرع المغربي في مدونة الحقوق العينية المرض المخوف وقد عرفه الشيخ خليل في مختصره بقوله ” وعلى مريض حكم الطب بكثرة الموت به “

وعموما فمرض المخوف، هو المرض الذي يخشى معه الموت سواء كان في مرض الموت الواهب او الموهوب له، فاذا كان الواهب هو الذي يعاني من المرض المخوف فلم يعد بإمكانه اعتصار الهبة لأنه والحالة هذه سيعتصرها لغيره وهو ما يتنافى مع الاعتبار الشخصي للاعتصار.

اما إذا كان الموهوب له هو المريض مرضا مخوفا، فان علة منعه من الرجوع، تكمن في تعلق حقوق ورثته بالعين الموهوبة. غير ان المشرع عاد ليؤكد انه بزوال المرض يعود الحق في اعتصار الهبـــــة.

وفي هذا المقام، لابد من الاشارة ان مرض الموت من المواضيع المتشعبة، وما يدل على ذلك ان المشرع بموجب المادة 280من م.ح.ع نص على ان الهبة في مرض الموت تسري عليها احكام الوصية.

لكن السؤال المطروح هو إذا كانت الهبة لاحد الورثة هل تأخذ حكم الوصية؟ والحال ان المادة 280 من مدونة الاسرة تنص على انه لا وصية لوارث؟

وقبل ختم هذه النقطة، فالمجلس الاعلى سابقا –محكمة النقض حاليا –ذهب في احدى قرارته الى الاعتماد على الشواهد الطبية وعلى اللفيف العدلي لإثبات المرض المخوف باعتباره واقعة مادية يجوز اثباته بجميع وسائل الاثبات.

4-مـــانــــع زواج الموهــوب له من اجـــل الهبـــة:
تعد حالة زواج الموهوب له من اجل الهبة احدى الموانع المنصوص عليها في المادة 285 من م.ح.ع

وموجب ذلك، ان الهبة في هذه الحالة هي الدافع الى الزواج لولاها لما أقدم الموهوب له على ابرام عقد الزواج ومثال ذلك ان بعض الاشخاص يزوجون بناتهم نظرا للثقة الموضوعة في الشخص المقبل على الزواج وبالتالي إذا وهب الشخص هبته من اجل زواج بنته، يمنع عليه الرجوع فيها.

5-مــانــــع التــفويـــت:

ينجم عن عملية التفويت انتقال الملكية من يد الى يد اخرى، والتفويت يكون بعوض او بدون عوض، فاذا تصرف الموهوب له مثلا بالبيع او الصدقة …فانه يخرج الملك من يده لينتقل الى يد الغير وبالتالي ليس هناك محل الاعتصار الهبة غير انه إذا اقتصر التفويت على جزء منه جاز للواهب الرجوع في الباقي

وقد أكد المجلس الاعلى سابقا محكمة النقض حاليا في احدى قرارته، ان التفويت مانع من الاعتصار بقوله:

“…حيث ان تقديم العقار الموهوب حصة في شركة بمثابة التفويت المانع من الاعتصار طبقا للقواعد الشرعية …”
6-مـــانـــع ابرام المعاملات المالية مع الموهوب له بسبب الهبة:
تدخل هذه الحالة في إطار موانع التفويت بشكل عام، ومقتضى ذلك ان يتداين الموهوب له من اجل الهبة التي وهبت له كما لو كانت ارضا فيقترض مالا لفلاحتها او اقامة بناء عليها …

ففي هذه الحالة ومثيلاتها لا يحق للواهب الاعتصار لتعلق حقوق الغير بالهبة وهم الدائنون

نفس الشيء إذا قدم العقار الموهوب كضمانة بنكية للحصول على قرض، فلو تم السماح بالرجوع في الهبة في هذه الحالة لعصفت بالعملية الائتمانية وهددت حقوق الدائنين وضربت بعرض الحائط مبدأ استقرار المعاملات المالية

وفي هذا الإطار رفضت استئنافية وجدة اعتصار الهبة لوجود دين عليها، ومما جاء في قرارها ما يلي:

“…وحيث ان الامر المجتمع عليه عند المالكية فيمن نحل ولده نحلا او اعطاه عطية ليست بصدقة ان يعتصر ذلك ما لم يستحدث الولد دينا يداينه الناس به ويأمنون عليه …”

وفي اعتقادي، هذا التوجه الذي سارت عليه محكمة الاستئناف بوجده يتماشى مع المنطق واستقرار المعاملات وهو ما كرسه المشرع المغربي بمقتضى المادة 285 من م.ح.ع بعد صدورها

7-مـــــانـــع ادخال تغييرات على الملك الموهوب:
انطلاقا من المادة 285 المومأ اليها اعلاه إذا ادخل الموهوب له تغييرات على الملك الموهوب ادت الى زيادة مهمة في قيمته كان ذلك مانعا يحول دون اعتصار الهبة

وما يمكن ان نسجله بخصوص هذا المانع ان المشرع المغربي اعتد فقط بالتغيير الذي ينقل الشيء الموهوب من مظهر الى اخر بالزيادة فقط ولم ينص على التغيير الذي ينتج عنه نقصان قيمة الهبة ولم يعتد به كمانع من الاعتصار بخلاف فقهاء المالكية الذين يعتبرون النقصان مانع ايضا كتلاشي البناء او تعيب البضائع …الى غير ذلك

علاوة على ذلك، اشترط المشرع ان تكون التغييرات المدخلة على الشيء الموهوب ادت الى زيادة مهمة في قيمته

لكن بالرجوع الى احدى قرارات محكمة النقض نجدها سارت على مسلك المذهب المالكي عندما قضت ان المانع يتحقق بالحاق تغيير سواء زاد في قيمة الموهوب او خفض منها ومما جاء في هذا القرار ما يلي:

” حيث صح ما عابته الوسيلة، على القرار ذلك ان موانع الاعتصار الحاق تغيير في الهبة سواء زيادة او نقصانا بشكل مؤثر او بالتحويل او بالهدم قال الشيخ خليل في مختصره ان لم تفت لا بحوالة سوق بل يزيد او ينقص وجاء في المدونة الكبرى بالجزء 15 ص136 فله ان يعتصر هبته مالم يوجد دين او نكاح او تغيير حالها …
والمحكمة لما اعتبرت القضية هبة لم تجب الطالبين عن مثارهم بشأن موانع اعتصار الهبة
ولم تناقش ما استدلوا به في هذا الخصوص وتبحث فيه رغم اهمية الدفع مما يجعل قرارها ناقص التعليل وهو يوازي انعدامه ويعرض القرار للنقض
وفي نظري المتواضع، اساير ما ذهبت اليه محكمة النقض في اعتبار النقصان في قيمة الشيء الموهوب مانع ايضا لان في ذلك تكريس وترسيخ لاحكام الفقه المالكي المعمول به في بلدنا

لذلك حبذا لو نص المشرع المغربي على ان نقصان قيمة الهبة مانع ايضا من موانع الرجوع خصوصا ان المادة الاولى من مدونة الحقوق العينية تعطي امكانية الرجوع لما جرى به العمل في المذهب المالكي إذا لم يكن ثمة نص في المدونة او في قانون الالتزامات والعقود.

8-مــانــع هــــلاك الموهــوب في يــد الموهــوب لـــه:

نصت الفقرة الثامنة من المادة 285 من م.ح.ع على انه:

إذا هلك الموهوب في يد الموهوب له جزئيا جاز الاعتصار في الباقي”

واعمالا لمفهوم المخالفة فانه لا اعتصار مع هلاك الموهوب لاندثار محله، غيرانه إذا هلك الملك الموهوب في يد الموهوب له هلاكا جزئيا فانه يكون من حق الواهب الرجوع في الباقي

المطلب الثاني: موانع الرجوع في بعض التشريعات المقارنة
على غرار المشرع المغربي نصت بعض القوانين المقارنة بدورها على جملة من الموانع التي تحول دون رجوع الواهب في هبته وهكذا لا ضير ولا ضرار في القيام بإطلالة سريعة على بعض هذه القوانين _خصوصا منها العربية _ لان الانفتاح على هذه القوانين سيساعدنا لامحالة في معرفة مدى توفق المشرع المغربي حيال تنظيمه لموانع الرجوع في الهبة وسنقتصر في هذا الإطار على القانونين المصري والاردني (الفقرة الاولى) علاوة على القانونين التونسي والجزائري (الفقرة الثانية).

الفقرة الاولى: موانع الرجوع في القانونين المصري والاردني
سنتناول في هذه الفقرة موانع الرجوع في القانون المصري (اولا) ثم نعالج حالات المنع من الرجوع في القانون الاردني(ثانيا)
اولا: موانع الرجوع في القانون المصري
بالرجوع الى القانون المدني المصري نجده ينص “يرفض طلب الرجوع في الهبة إذا وجد مانع من الموانع التالية:

1-إذا حصل للشيء الموهوب زيادة متصلة موجبة لزيادة قيمته فاذا زال المانع عاد الحق >
2-إذا مات أحد طرفي عقد الهبة
3-إذا كانت الهبة بين الزوجيـــن ولو اراد الواهب الرجوع بعد انقضاء الزوجية
4-إذا تصرف الموهوب له في الشيء الموهوب تصرفا نهائيا
5-إذا كانت الهبة لذي رحم محرم
6-إذا هلك الشيء الموهوب في يد الموهوب له سواء كان الهلاك بفعله او باستعمال وبحادث فجائي فاذا لم يهلك الا بعض جاز الرجوع في الباقي
7-إذا قدم الموهوب له عوضا عن الهبة
8-إذا كانت الهبة صدقة او عملا من اعمال البر

ثانيا: موانع الرجوع في القانون الاردني
“يعتبر مانعا من الرجوع في الهبة:
1-إذا كانت الهبة من أحد الزوجين لأخر او لذي رحم محرم
2-إذا تصرف الموهوب له في الشيء الموهوب تصرفا ناقلا للملكية فاذا اقتصر التصرف على بعض جاز الرجوع في الباقي
3-إذا زادت العين الموهوبة زيادة متصلة ذات اهمية تزيد في قيمتها
4-إذا مات أحد طرف عقد الهبة
5-إذا هلك الشيء الموهوب في يد الموهوب له وإذا كان الهلاك جزئيا جاز الرجوع في الباقي
6-إذا كانت الهبة بعوض
7-إذا كانت الهبة صدقة او لجهة البر
8-إذا وهب الدائن الدين للمدين

الفقرة الثانية: موانع الرجوع في القانونين التونسي والجزائري

سنتطرق لموانع الرجوع في القانون التونسي(اولا) ثم نعرج على الموانع الوردة في القانون الجزائري (ثانيا) اولا: موانع الرجوع في القانون التونسي
بخصوص القانون التونسي فانه لا يجوز طلب الرجوع في الهبة إذا وجد مانع من الموانع التالية:
1-إذا حصل للشيء الموهوب زيادة متصلة موجبة لزيادة قيمته
2-إذا فوت الموهوب له الشيء الموهوب اما إذا اقتصر على بعض جاز الرجوع في الباقي
3-إذا هلك الشيء الموهوب في يد الموهوب له سواء كان الهلاك بفعله او باستعمال وبحادث فجائي فاذا لم يهلك الا بعض جاز الرجوع في الباقي

ثانيا: موانع الرجوع في القانون الجزائري
اما بخصوص المشرع الجزائري فقد نص على ان الابوين يمكنهما الرجوع في الهبة لولدهما مهما كان سنه الا في الحالات التالية:

1-إذا كانت الهبة من اجل زواج الموهوب له
2-إذا كانت الهبة لضمان قرض او قضاء دين
3-إذا تصرف الموهوب له في الشيء الموهوب ببيع او تبرع او ضاع منه او ادخل عليه تغيير
كما اضاف القانون الجزائري حالة اخرى مهمة وهي ان” الهبة لأجل المصلحة العامة لا رجوع فيها “

من خـــــلال هذه الاطلالة المهمة على بعض القوانين المقارنة العربية يتضح جليا، ان هذه التشريعات لا تختلف كثيرا عما قرره المشرع المغربي في مدونة الحقوق العينية بخصوص موانع الرجوع في الهبة
الا ان ما يمكن تسجيله هو ان المشرع المصري بتنصيصه على ان الزوجين لا يمكن لهما الرجوع في الهبة اثناء قيام الرابطة الزوجية او بعد انقضائها. توجه حري بالتأييد، وموقف لم يتبناه المشرع المغربي الذي نص فقط على ان مانع الزوجية يكون اثناء قيام رابطة الزوجية.

والحقيقة ان توجه المقنن المصري ينسجم مع المنطق القانوني السليم لأنه اغلق الباب على امكانية الرجوع في الهبة حتى ولو انقضت رابطة الزوجية وهذا فيه نوع من الانصاف والعدالة وسيعزز استقرار المعاملات لامحالة.

لأنه حتى ولو قدر الله ان انحلت رابطة الزوجية فلأيمكن نسيان او تناسي الفضل الذي كان بين الزوجين، وكونهما يعيشان في كنف واحد فكيف يعقل ان يتألم الطليق من الطلاق او التطليق، ثم نزيده ألما اخر يتمثل في اعتصار الهبة التي كان قد حصل عليها اثناء فترة الزوجية.

خاتمة
خلاصة لكل ما سبق بسطه اعلاه ومن خلال هذه الدراسة المتواضعة لموضوع الرجوع في الهبة وموانعه ثمة مقترحات بسيطة ارتأينا تقديمها انطلاقا من الاطلالة التي قمنا بها على بعض التشريعات المقارنة وهي كالتالي:

التوسيع من حالات الاعتصار بدل حصرها في حالتين اثنتين اسوة ببعض القوانين المقارنة

التنصيص على ان قتل الموهوب له للواهب يعد سببا للرجوع في الهبة على غرار ما نص عليه المشرع الاردني لأنه ليس هناك جرم أكبر من ازهاق روح الواهب

التنصيص على الحالة التي تتغير فيها قيمة الشيء الموهوب نقصانا وجعله مانعا من موانع الاعتصار على غرار ما قرره المذهب المالكي

اقرار المشرع ان رابطة الزوجية مانع من موانع الاعتصار سواء اثناء قيام العلاقة الزوجية او بعد انحلالها سيرا على منوال المشرع المصري.

انتهى بحمد الله نسال الله التوفيق والسداد فإن وفقت فمن الله وان صدر خطأ او سهو فمني ومن الشيطان
لائحــــة المراجـــع
عبد الرحمان بلعكيد: الهبة في المذهب والقانون –الطبعة الاولى –1997
حسن منصف “الرجوع في الهبة في القانون المغربي ” مقال منشور مجلة قضاء محكمة النقض العدد 76-2013

احمد لهنيدة “الرجوع في الهبة واعتصارها وموانعه فقها وقضاء “دراسة منشورة بمجلة المحامي الصادرة عن هيئة المحامين بمراكش ملف خاص بعقود التبرع –العدد63 يوليوز 2014
بقلم ذ أحمــد أوبـلا
ماستر الدراسات القانونية والعقارية كلية العلوم القانونية، الاقتصادية والاجتماعية -مراكش

شارك المقالة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر بريدك الالكتروني.