أبحاث قانونية ودراسات حول تدخل القضاء في معالجة صعوبات المقاولة

مقال حول: أبحاث قانونية ودراسات حول تدخل القضاء في معالجة صعوبات المقاولة

تدخل القضاء في معالجة صعوبات المقاولة في إطار قواعد متميزة وفق مستجدات القانون 17.73

إعادة نشر بواسطة محاماة نت

مجمد قدار

طالب باحث بسلك الدكتوراه

الموضوع :تدخل القضاء في معالجة صعوبات المقاولة في إطار قواعد متميزة وفق مستجدات القانون 17.73

مقدمة
تعتبر مساطر معالجة صعوبات المقاولة ذات طبيعة اقتصادية ومالية واجتماعية إضافة إلى طبيعتها القانونية، وبهذا المعنى فهي لا تؤطر نزاعا تقليديا بين خصوم يدافعون عن مصالحهم وحقوقهم الشخصية، بل ترمي إلى إنقاذ المقاولة وإيجاد الحلول الكفيلة بمعالجتها، فالغاية من تدخل مختلف الأطراف المعنية في المقاولة وإنقاذها ليس هو الوصول إلى حل نزاع معين، بل هي المشاركة في تسوية وضعية المقاولة وإنقاذها خدمة للمصلحة العامة للمقاولة وليس للمصلحة الذاتية للأفراد.

وبذلك فإن تصفية المقاولة و إبعادها عن المحيط الاقتصادي ليس خسارة يتكبدها رئيس المقاولة المدين فحسب، بل إنها خسارة تمس الاقتصاد الوطني ككل لما يجره ذلك من تداعيات سلبية على المستوى الاقتصادي وعلى آفاق التشغيل.

ومن هذا المنطلق، فإن مبدأ تصرف الأطراف في الخصومة الذي يخولهم الحق في توجيهها و التنازل عنها، لم يعد ينسجم مع مسطرة صعوبات المقاولة و لا يتلاءم مع غاياتها و أهدافها، حيث كرست هذه الأخيرة تراجعا ملحوظا لمركز الأطراف لصالح هيمنة القضاء، الذي أصبح يتمتع بسلطة واسعة للتدخل في حل الصعوبات دون التقيد بطلبات الخصوم.

و عليه سوف نحاول معالجة هذا الموضوع من خلال المبحثين التاليين :

المبحث الأول: مميزات تدخل القضاء في مساطر المعالجة
المبحث الثاني: تدخل القضاء لمعالجة صعوبات المقاولة بعد صدور حكم فتح المسطرة

المبحث الأول: مميزات تدخل القضاء في مساطر المعالجة

تعتبر مساطر معالجة صعوبات المقاولة من النظام العام ، حيث لا تعتبر ملكا لأطراف النزاع ، فهي ملك للمصلحة العامة الاقتصادية والاجتماعية والوطنية وهذا ما أكدت عليه محكمة النقض في احد قراراتها والذي جاء فيه” لكن حيث ما قررته المحكمة الابتدائية المؤيد حكمها بالقرار المطعون فيه بشأن تدخلها التلقائي في فتح مسطرة معالجة صعوبات المقاولة يجد أساسه في مقتضيات المادة 563 من مدونة التجارة والتي أعطت الحق للمحكمة بان تقضي من تلقاء نفسها بفتح تلك المسطرة كلما توفرت لديها المبررات لذلك ، وان ما نهجته المحكمة بهذا الخصوص وما عللت به قرارها بشأن أحقيتها في تحريك هذه المسطرة بصرف النظر عن أي طلب آخر يبرره أن هذه المسطرة تعتبر من النظام العام الاقتصادي ، ودور المحكمة فيها لم يعد منحصرا في الفصل في النزاع بناء على طلب احد الأطراف، وإنما تجاوزه للمساهمة في تحقيق حماية لمختلف المصالح سواء تعلق بالمقاولة المتوقفة عن الدفع أو بالدائنين الذين لهم عليها ديون غير مؤداة”[1] .

ومن هذا المنطلق، فان سيطرة الأطراف على موضوع النزاع طبقا للقواعد العامة للتقاضي قد اضمحلت إلى حد كبير في إطار صعوبات المقاولة، حيث ان مراكز الخصوم قد شهدت تغيرا ملحوظا ، باعتبار أن تدخل الأطراف ليس هدفه الوصول إلى جزاء لحقوق ذاتية ، وإنما إلى تحقيق مصلحة عليا تتمثل في انقاد المقاولة وتصحيح وضعيتها . ومن ثم فان وضعيتهم هي اقرب إلى المشاركة في الخصومة منها الادعاء[2] وهو ما يفسر من جهة مدى الصلاحيات والسلطات التي أصبحت تتمتع بها المحكمة في ظل صعوبات المقاولة، فإذا كانت القاعدة التقليدية تفرض على القاضي أن لا يحكم بأكثر مما طلب منه ، فان طبيعة موضوع صعوبات المقاولة تتيح له بالمقابل صلاحيات هامة تتجاوز طلبات الأطراف وذلك من خلال المستندات والوثائق المقدمة إليه .

المطلب الأول: التدخل التلقائي للقضاء و المساهمة التدخلية لمختلف الأطراف

تضع المحكمة التجارية يدها على مسطرة معالجة صعوبات المقاولة كيفما كانت طبيعة الدين سواء كان مدنيا أو تجاريا ، كما أن حق المحكمة في افتتاح المسطرة لا يرتبط بأجل معين ، ولا يستثنى من ذلك سوى فتح المسطرة تلقائيا في حالة الاعتزال أو الوفاة أو انسحاب شريك متضامن من شركة التوصية البسيطة أو التوصية بالأسهم، الذي ينبغي أن يقع داخل أجل ستة أشهر[3] من الوفاة أو سنة من الاعتزال إذا كان التوقف عن الدفع سابقا لهذه الوقائع، و كذلك في الحالة التي يتقدم إليها بطلب فتح المسطرة من طرف الدائن أو النيابة العامة أو رئيس المحكمة في إطار ما تخوله له الوقاية الخارجية من اختصاصات، حيث تبث في هذه الحالة داخل أجل خمسة عشر يوما على الأكثر من تاريخ رفع الدعوى إليها[4].

ومن ابرز الآليات التي منحت للقضاء في هذا الباب هو التدخل التلقائي لوضع اليد على مكامن الخلل التي أدت بالمقاولة إلى مرحلة التوقف عن الدفع، ومن تم تشخيص الوضعية الاقتصادية والاجتماعية للمقاولة وإيجاد السبل الكفيلة بمعالجتها ، وهو ما يدل على الدور التدخلي والايجابي للقضاء في هذه المسطرة من خلال حماية المقاولة من جهة وحماية النظام العادي الاقتصادي من جهة أخرى خاصة في الحالة التي يمكن أن يتقاعس فيها الدائن أو المدين في أخذ المبادرة وتستمر المقاولة في ممارسة نشاط مختل وهي في حالة توقف عن دفع ديونها[5] .

تعديل المقتضيات المنظمة لمساطر صعوبات المقاولة :المستجدات و الرهانات / تقرير حول أشغال المؤتمر الدولي المنظم من طرف مختبر البحث قانون الأعمال جامعة الحسن الأول سطات

الفقرة الأولى: الافتتاح التلقائي لمسطرة معالجة الصعوبات
إذا كانت القاعدة العامة السائدة في قانون المسطرة المدنية تجعل البث في القضايا يتوقف مبدئيا على طلب أو دعوى يرفعها احد أطراف النزاع، فان نظام صعوبات المقاولة كرس إجراء استثنائيا وغير مألوف، حيث انه خول للمحكمة التجارية وضع يدها تلقائيا على مسطرة المعالجة، وهو نفس الأمر الذي كان معمولا به في ظل قانون الإفلاس المؤرخ في 12 غشت 1913 ونجده أيضا في التشريع الفرنسي .

وتكمن الغاية من تخويل هذه الصلاحية للمحكمة التجارية في تفادي الخلل الذي يمكن أن ينجم عن إهمال المقاول المدين التصريح شخصيا بحالة التوقف عن الدفع التي وصل إليها ، وكذا تقاعس الدائنين عن ممارسة الحق الذي خولهم إياه القانون في طلب فتح المسطرة أو إغفالهم إحدى الشكليات الضرورية التي قد يؤدي إلى عدم قبول الدعوى شكلا[6] ، وبالتالي فالمشرع بوضعه لهذا المقتضى يحاول انقاد ما يمكن إنقاذه من خلال منح المحكمة الحق في وضع يدها تلقائيا على النازلة، وهو الأمر الذي يجعل مساطر المعالجة تتركز في قلب النظام العام الاقتصادي ، وبالتالي يخول للقضاء فعلا التدخل واقعيا للمساهمة في الإبقاء على المقاولات والحفاظ على منصب الشغل . إلا أن الإشكال المطروح بخصوص هذه النقطة، هو عدم توفر القضاء التجاري المغربي على جهاز مؤهل لتتبع المقاولات ومختلف الظروف التي تمر منها، كما هو الحال بالنسبة للقضاء الفرنسي ، فهل هناك مصدر للمعلومات يمكن القضاء من تفعيل هذا المقتضى القانوني ، خاصة أن القاعدة العامة تقضي بان القاضي لا يحكم بناء على علمه الشخصي؟

وكأمثلة للحالات التي تتطرق لتدخل المحكمة تلقائيا لتصرح بوضع يدها على المقاولة التي تعاني من الصعوبات نجد ما جاء به القرار الصادر عن المحكمة التجارية بفاس[7] والذي أجاب على ما أثاره الدفاع حول خرق المحكمة لمقتضيات الفصل 3 من قانون المسطرة المدنية وذلك كما يلي:”…حيث أن ما نعاه الجانب المستأنف على الحكم المطعون فيه مجانبته للصواب ، وخرقه للقانون لاستجابته لطلب إجراء خبرة حسابية مقدمة أمام محكمة الموضوع ، ولتحريفه لموضوع الطلب حيادا على مقتضيات الفصل 3 من قانون المسطرة المدنية ولعدم توقف الشركة عن عدم دفع ديونها، وحيث قدمت النيابة العامة مستنتجاتها ملتمسة الحكم وفق القانون، وحيث انه خلافا لدفوعات الجهة المستأنفة، فان مسطرة معالجة صعوبات المقاولة تعتبر من النظام العام ، وان للمحكمة حق التدخل التلقائي عملا بالمواد 563 و566 من مدونة التجارة والمادة 11 من قانون المسطرة المدنية ، تلك القاعدة التي تجعل البث في النوازل يتوقف مبدئيا على دعوى يرفعها احد أطراف النزاع”.

ورغم أهمية الدور الذي أراد المشرع إناطته به رغم انه وبعد الاطلاع على مجموعة من الأحكام القضائية نجد أن نسبة ضئيلة جـدا من القضايا الرائجة أمام المحاكم التجارية التي تكون فيها المحكمة هي صاحبة المبادرة فيها، ولعل ذلك يعود بالأساس إلى غياب قناة للمعلومات و وميكانيزمات تمكن المحاكم التجارية من تتبع وضعية المقاولة بدقة واستمرار، و إن كانا نرى أن هذه المحاكم هي بمثابة وثيقة تجتمع فيها كل المعلومات المتعلقة بالمقاولات سواء منها الفردية أو الجماعية، وهو يبقى مجرد رأي نظري يخالف الواقع العملي، هذا الواقع الذي يجسد قطيعة شبه كاملة بين المقاولة والمحكمة التجارية .

هذا من جهة، و من جهة ثانية، فإن القاعدة التقليدية لإقامة الدعوى أمام القضاء تعتمد على طلب مقدم وفق شكليات معينة منصوص عليها في القانون، بحيث لا يجوز للمحكمة النظر في موضوع الخصومة قبل التأكد من سلامة الإجراءات الشكلية، وهو مفهوم تقليدي لا يتلاءم مع فلسفة المشرع من خلال سنه لمسطرة معالجة صعوبات المقاولة والذي منح للقضاء دورا تدخليا، يتجسد في الافتتاح التلقائي للمسطرة، باعتبار أن المحكمة تتوفر على معطيات تمكنها من تعديل طلبات الأطراف إلى جهة تحريك مسطرة المعالجة .وهو ما لا يطرح أية صعوبات عملية خاصة بالمقارنة مع الحالة التي تضع فيها المحكمة يدها تلقائيا على المسطرة من دون رفع الطلب إليها ،حيث يصطدم القضاء بعوائق شتى تتمثل خاصة في الصعوبات التي تواجهه وذلك أمام كثرة القضايا المعروضة عليه وضعف المصادر الاستعلامية التي يمكن أن تزوده بالمعلومات الكافية عن وضعية المقاولات، وهو ما يجعله لا يحمل نفسه عناء تعقب المقاولات التي تعاني من صعوبات للبحث في مدى امكانية تسويتها قضائيا ما لم تتقدم بطلب في هذا الشأن[8].

وفي هذا الباب يمكن للمحكمة التجارية أن تخطر ببعض المخالفات إما عن بشكل رسمي أو شبه رسمي عند تعسر الشؤون المالية لإحدى المقاولات ، فبمجرد أن يصل إلى علم احد أفراد هيئة المحكمة بان إحدى المقاولات تسير بطريقة غير عادية مما يهدد مصالح الدائنين أو المصلحة العامة، يمكن للمحكمة أن تقضي بالبدء في الإجراءات مع أن ذلك يعتبر خروجا عن القواعد العامة المتمثلة في أن القاضي لا يقضي بعلمه الخاص أو الشخصي .وبذلك فان الدور القضائي لمعالجة صعوبات المقاولة يجب أن يتعزز بمصادر الاستعلام والتقصي بغاية تنوير المحكمة ومساعدتها في عملية التقويم[9]، فرغم أن المشرع المغربي قد شجع الهيآت والإدارات العمومية ومراقبي الحسابات بإبلاغ القضاء بالحالة المالية والاقتصادية للمقاولات التي تعاني من صعوبات دون الاحتجاج بالسر المهني، فان تقاعس هذه الجهات لا يؤدي إلى النتائج المرجوة، حيث نرى أن قنوات تبليغ السلطة القضائية أو إخطارها بأوضاع المقاولات تبقى دون المستوى المطلوب.

كما يشكل مفتش الشغل جهازا مهما بالنسبة لهذه المسطرة حيث يمكن له دوره في إطار الحفاظ على مناصب الشغل واستمرار نشاط المقاولة أن يطلع المحكمة على الوضعية الاجتماعية للمقاولة خاصة منها وضعية الإجراء التي يمكن أن تؤثر سلبا على استمرارية النشاط وتؤدي بالمقاولة إلى التوقف عن الدفع، إلا انه وفي الواقع العلمي لم نعثر على حالة قام فيها مفتش الشغل بتبليغ المحكمة عن واقعة التوقف عن الدفع نتيجة حدوث اضطرابات اجتماعية داخل المقاولة .

وفي إطار القانون الفرنسي، تبنت غالبية المحاكم التجارية نظام الفحص لوضعية المقاولات وذلك خلال محاضر الاحتجاج بعدم الأداء، أوامر الأداء، أداء ديون ممتازة وغيرها، حيث تقوم كتابة الضبط بالمحكمة بتقديم هذه المعلومات بصفة منتظمة إلى رئيس المحكمة التجارية مما يؤدي إلى مركزة هذه المعلومات وبالتالي فتح تحقيق كلما كان ذلك ضروريا. وفي نفس السياق ذهب بعض الباحثين[10]إلى الدعوة إلى خلق خلية للرصد تتكون من مختلف الإدارات والهيئات العمومية ومن ضمنها بنك المغرب، الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، مديرية الضرائب، الخزينة العامة، وكيل الملك، رئيس مصلحة كتابة الضبط لدى المحكمة التجارية، وهي مسالة ايجابية تتطلب تضافر الوعي لدى جميع الفعاليات الاقتصادية من اجل حماية النظام العام الاقتصادي، خاصة أمام الأزمات التي يعيشها حاليا و الخطابات الرسمية المتتالية التي تحت على تبسيط قواعد الاستثمار.

وبالنظر إلى كون افتتاح مسطرة المعالجة تلقائيا من طرف القضاء يرى فيه البعض تهديدا لمختلف الحقوق التي يتمتع بها المدين في ظل قواعد القانون المدني أو العقاري كحق الملكية، والحرية التعاقدية وغيرها من المكتسبات والمراكز القانونية، أورد المشرع المغربي ضمانات هامة من اجل صيانة حقوق الدفاع حيث نص على أن المحكمة لا تبث بشأن فتح المسطرة إلا بعد استماعها لرئيس المقاولة أو استدعائه قانونيا للمثول أمام غرفة المشورة، كما يمكنها أن تطلب من كل شخص من ذوي الخبرة إبداء رأيه في الموضوع. إلا أن الملاحظ من حيث الممارسة القضائية أن القضاء التجاري في نظام صعوبات المقاولة ما زال حبيس النظرة التقليدية للخصومة، ولعل هذا الإحجام في التدخل المباشر في حياة المقاولات مرده إلى حداثة هذا القانون مقارنة مع القوانين الأخرى القديمة من جهة والى انعدام الآليات التواصلية والهياكل الإعلامية بين الجهاز القضائي والمقاولات التي تعاني من صعوبات من جهة أخرى ، ويقترح بعض الباحثين[11] في هذا الصدد أن يعهد إلى النيابة العامة لدى المحكمة التجارية بسلطة الإشراف على السجل التجاري ونظرا للترابط الوثيق بين هذا الأخير وبين صعوبات المقاولة ، ونظرا أيضا للأهمية التي يشكلها في حياة أية مقاولة، فمن خلال البيانات المدونة في هذا السجل من محجوزات تحفظية وتنفيذية وغيرها ما يمكن للنيابة العامة أن تقوم برصد المقاولات التي تعاني من صعوبات، وبالتالي أن تطلب فتح مسطرة المعالجة في حقها باعتبارها الحارس الأمين للنظام العام الاقتصادي وباعتبار مساطر معالجة صعوبات المقاولة كما ذكر سابقا من النظام العام .

الفقرة الثانية: المساهمة التدخلية إلى جانب القضاء في إطار مسطرة المعالجة
لا يمكن وجود تسوية قضائية لمشاكل المقاولات من دون التضافر الفعلي للجهود و التعاون المثمر لجميع الأطراف ذات المصلحة و البحث الحقيقي عن المصلحة العامة للمقاولة، فنجاح الدور القضائي في مسطرة معالجة صعوبات المقاولة يقتضي المشاركة الفعلية و الفعالة لجميع الفعاليات الاقتصادية المعنية حتى يتمكن هذا الجهاز من تحقيق الغاية المرجوة من تدخله و المتجلية في تقنية حقل الاستثمار وضبط المعاملات التجارية وفق مقتضيات و وسائل حديثة و متطورة.

أولا: المساهمة التدخلية لأطراف داخلية
تعتبر الأطراف الداخلية المساهمة في تحريك مسطرة المعالجة من بين الأجهزة المحورية التي تساهم إلى جانب القضاء في هذه المسطرة باعتبارها مكونا أساسيا من مكونات المقاولة التي تعترضها الصعوبات، كما تعد الأكثر حرصا على مصلحة المقاولة باعتبارها الأكثر تضررا من انتهاء المقاولة و توقفها عن نشاطها.

رئيس المقاولة: فقد ألزم المشرع هذا الأخير بتقديم طلب فتح مسطرة المعالجة فور حصول واقعة التوقف عن الدفع تحت طائلة الحكم عليه بالعقوبات المنصوص عليها قانونا[12]، لكن التساؤل الذي يثار في هذا الصدد هو هل أن هذه المقتضيات القانونية قادرة على إلزام رئيس المقاولة بالتبليغ عن الصعوبات المالية التي تواجهها المقاولة؟ خاصة إذا علمنا أن هذا الأخير قد يعمد إلى القيام بأعمال تدليسية لا تعطي صورة حقيقية عن ذمته المالية و هو ما بجعل القاضي لا يقبل مشتملات التصريح بالتوقف عن الدفع التي يدلي بها رئيس المقاولة، حيث يجعلها محل نظر و المتمثلة في القوائم التركيبية لآخر سنة مالية و جرد قيمة أموال المقاولة و لائحة بأسماء الدائنين و جدول التحملات…[13]. فالنسبة للأجل الذي حدده القانون لرئيس المقاولة حتى يقوم خلاله بطلب فتح مسطرة المعالجة هو 30 يوما[14] تلي توقفه عن الدفع، و ذلك حتى يتم إنقاذ المقاولة في الوقت المناسب و ضمان إمكانية تسويتها قضائيا، إلا أن هذا الأجل لا يتم التقيد به من طرف رؤساء المقاولات عادة و ذلك لأسباب ذاتية تتعلق بهم، و أهم هذه الأسباب عدم لجوء رئيس المقاولة إلى القضاء إلا بعد استنفاذ جميع الطرق الحبية اتجاه دائنيه على اعتبار أن دق باب القضاء هو بمثابة إقرار منه بفشله في إنقاذ مقاولته و عجزه عن المحافظة على سمعته التجارية، الأمر الذي يضطر معه في غالب الأحيان لسلوك الصمت و إخفاء الصعوبات التي تعاني منها المقاولة، أي بمعنى آخر استمرار الثقافة القديمة المتمثلة في إشهار إفلاسه. و رغم أن المشرع نجده قد ألزم رئيس المقاولة بضرورة الإعلان و التصريح أمام القضاء المختص بواقعة التوقف عند الدفع تحت طائلة الحكم بسقوط أهليته التجارية، إلا أن المقتضيات الزجرية على ضئالة ردعها لن تحقق المراد ما لم يواكب ذلك تحسيس رؤساء المقاولات بأهمية مساطر صعوبات المقاولة و الإيجابيات التي يحملها إضافة إلى ترسيخ الثقة في اللجوء إلى القضاء التجاري كجهاز متخصص و مسؤول عن إدارة مساطر صعوبات المقاولة و قدرته على إيجاد الحلول الاقتصادية المناسبة و الكفيلة بمواجهة الصعوبات التي تعتري المقاولة.

و يتعين على رئيس المقاولة الذي يتقدم بطلب فتح مسطرة المعالجة أن يرفق طلبه بجميع الوثائق المنصوص عليها في المادة 577 من القانون 17.73 و أن يشير في طلبه لسبب توقفه عن الدفع، حتى يستطيع القضاء التأكد من جدية التصريح و أنه غرضه ليس فقط دفع القضاء إلى إعمال قاعدة منع المتابعات الفردية التي يمكن أن يقيمها الدائنون. و في الحالة التي لا يتم فيها تقديم أي وثيقة أو واحدة منها فإن المحكمة تنذر رئيس المقاولة بذلك تحت طائلة عدم قبول طلبه أو حتى تطبيق عقوبة سقوط الأهلية التجارية في حال إغفال مسك محاسبة وفقا للمقتضيات القانونية الجاري بها العمل. و في هذا الصدد فقد ذهبت المحكمة التجارية بالدار البيضاء إلى رفض طلب فتح مسطرة المعالجة لكون رئيس المقاولة لم يعزز طلبه بالوثائق التي يشترطها فتح المسطرة رغم إنذار المحكمة لرئيس المقاولة بذلك[15].

ممثلي الأجراء: لا يخفى أن تمثيلية الأجراء داخل المقاولة تعد عاملا أساسيا في خلق نوع من التوازن في علاقات الشغل و الدفاع عن مصالح الأجراء و نقل مطالبهم إلى رب العمل. و تتخذ هذه العلاقات أساسا عبر مؤسسة مندوبي الأجراء و إن كانت الأجهزة التمثيلية أكثر تنوعا عما كان عليه الوقت سابق، حيث أصبحت تتجسد في النقابات المهنية و لجنة المقاولة و الممثلون النقابيون داخل المقاولة.و إذا كان الأجير يعتبر من مواطني المقاولة، فإن هذا الوضع يجعله على دراية بكل يحدث داخلها من نزاعات و المرتبطة أساسا بموضوع الشغل، حيث أن النزاعات الاجتماعية من شأنها أن تؤثر سلبا على مستقبل الأجراء خاصة في حال وقوع إضرابات تشل نشاط المقاولة و تجعلها في عجز عن أداء ديونها.
و تجدر الإشارة إلى أن قانون صعوبات المقاولة رغم نسخه بمقتضى القانون 17.73 لم يعط للأجراء من خلال ممثليهم بان يتقدموا بصفتهم هاته طلب فتح مسطرة المعالجة في مواجهة المقاولة التي يشتغلون بها و ذلك على خلاف المشرع الفرنسي الذي أعطاهم هذا الحق بمقتضى الفصل 4 من قانون 1985، حيث سمح للجنة المقاولة أو لمندوب الأجراء إخبار رئيس المحكمة أو وكيل الجمهورية بكل واقعة تفيد التوقف عن الدفع. حيث يعتبر القانون الفرنسي أن العامل هو بمثابة دائن للمقاولة مما يخول له الحق بطلب فتح المسطرة في مواجهتها. في حين أن المشرع المغربي لم يزود فئة الأجراء بهذه الصلاحية و إن كان هناك من يرى أنه يحق لهم ذلك استنادا إلى عمومية المادة 578 من القانون 17.73 التي أجازت فتح المسطرة بناء على طلب من أحد الدائنين و أن الأجراء ما هم في حقيقة الآمر إلا دائنين للمقاولة نتيجة الأشغال التي يقومون بها لفائدتها.

الشركاء في الشركة التجارية: بمقتضى القانون 17.73 أصبح من حق الشركاء التدخل في حياة الشركة التي تعاني من صعوبات يمكن أن تؤدي بها الاخلال باستمرارها أن يتقدموا بطلب لرئيس المحكمة المعنية يخبرونه في إطار الوقاية الخارجية ليؤسس عليه سببا لفتح مسطرة المعالجة

ثانيا: تدخل أطراف خارجية عن المقاولة
إن قانون صعوبات المقاولة لا يقف عند حماية الدين، بل يرمي إلى إنقاذ المقاولة وضمان استمراريتها، فقد أصبحت المشاركة الفعلية للدائنين في مساطر صعوبات المقاولة ضمن هذا التصور الجديد الذي يعكس صلاحيات متنامية للجهاز القضائي الذي يسهر على ضمان نوع من التوازن بين مصالح المقاول المدين و الدائنين و يجعل المسطرة تسير في ظل المصداقية و الشفافية[16]. وتتمثل أهم الخصائص الأساسية لنظام صعوبات المقاولة في حماية الائتمان الذي يشكل عصب الحياة التجارية ومحور دورانها، حيث كان التاجر المفلس رهين القرارات الصادرة من الدائنين الذين يشكلون حجر الزاوية في تحريك المسطرة الجماعية وتوجيهها مستمدين سلطتهم من كتلة الدائنين. فالمشرع قد خول للدائن كيفما كان دينه، بأن يتقدم إلى المحكمة المختصة بطلب فتح مسطرة المعالجة في مواجهة المقاولة مدينته، إلا أنه في هذا الصدد لا يمارس دعوى الأداء أو يهدف إلى توقيع حجز على أموال المدين ، وإنما يرمي إلى إثبات واقعة التوقف عن الدفع التي تنتج آثارها القانونية. إلا أن الملاحظ من خلال الواقع العملي أن غالبية الدائنين ينطلقون من دوافع ذاتية عند طلب تحريك مساطر معالجة صعوبات المقاولة و هو ما يؤثر في نجاح تسوية وضعية المقاولة و يقود حتما نحو التصفية القضائية، لدى نجد أن القضاء تصدى لمجموعة من الطلبات التي تهدف إلى ذلك حيث قضت مثلا المحكمة التجارية بالرباط أن كشف الحساب المدلى به من طرف الدائن لا يعتبر حجة كافية لأثبات التوقف عن الدفع طالما أنه لا يعكس الوضعية الاقتصادية الحقيقية للشركة و لعدم إثبات وضعية المدعى عليها بشكل لا رجعة فيه أو بشكل ينبئ عن اضطراب في مركزها المالي مما يبقى معه الطلب مخالفا لمقتضيات مدونة التجارة و يتعين رفضه[17].

المطلب الثاني: القواعد القانونية وأثرها على وظيفة القضاء خلال مساطر المعالجة

أخضع المشرع المغربي الأحكام والأوامر الصادرة في إطار مادة صعوبات المقاولة إلى إمكانية الطعن ، كما أنه حرص على إقحام أقل قدر من النصوص التي تخرج عن المبادئ العامة المقررة في قانون المسطرة المدنية سواء من حيث تحديد آجال ممارسة الطعون وتوحيدها بالإضافة إلى سن نظام التنفيذ لمعجل بقوة القانون. فما مدى مراعاة القضاء لخصوصيات طرق الطعن في إطار صعوبات المقاولة؟( الفقرة الأولى )، و ما هي قواعد الاختصاص التي تساهم في إنجاح التدخل القضائي بشكل سريع وفعال و التي تحتاجها مسطرة معالجة صعوبات المقاولة خاصة الاستثنائية منها( الفقرة الثانية ).

الفقرة الأولى: مدى مراعاة القضاء لخصوصيات طرق الطعن.
قبل صدور القانون 17.73، فإن الأحكام القضائية المغربية كانت تقتصر على التطبيق الضيق والدقيق للنصوص العامة و هذا راجع بالأساس إلى صياغة القانون المحدث للمحاكم التجارية[18] التي تنص على تطبيق القواعد المقررة في قانون المسطرة المدنية أمام المحاكم التجارية ومحاكم الاستئناف التجارية ما لم ينص على خلاف ذلك .

وفي هذا الاتجاه، قضت محكمة الاستئناف التجارية بمراكش بعدم أحقية النيابة العامة في الاستئناف ضد حكم صادر في ملف التسوية القضائية اعتمادا على الفصول 6-7 و 8 من قانون المسطرة المدنية ، وقد جاء في حيثيات قرارها ما يلي:”… إنه وأمام انعدام أي نص قانوني بمدونة التجارة يخول للنيابة العامة صفة الطرف الرئيسي في كل القضايا المتعلقة بمساطر صعوبات المقاولة فإنه يتعين الرجوع الى الفصل 19 من القانون المحدث للمحاكم التجارية الذي نص في الفقرة الأخيرة منه على تطبيق القواعد المقررة في قانون المسطرة المدنية ما يم ينص على خلاف ذلك، وأنه وبموجب الإحالة المذكورة وبالرجوع إلى قانون المسطرة المدنية فإن الموضوع تنظمه الفصول 6و7و8 من نفس القانون…0 وكون مساطر صعوبات المقاولة تتعلق بالنظام العام الاقتصادي لا يبرر اعتبار النيابة العامة طرفا رئيسيا في قضاياها ما لم تكن هي التي حركت المسطرة لان هناك عدة مساطر ينظمها القانون وتتعلق بالنظام العام الاقتصادي ولصيقة به ولم يسبق للنيابة العامة أن كانت طرفا رئيسيا فيها مما يتعين معه عدم قبول استئناف النيابة العامة وعلى الخزينة الصائر”[19].

في حين قضى المجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا) بنقض القرار الصادر عن محكمة استئناف التجارية بمراكش المشار إليه سابقا حيث جاء في قراره: “… إن المحكمة مصدرة القرار المطعون فيه بت قضاءها بعدم قبول الاستئناف شكلا، نظرا لان النيابة العامة لا تكون طرفا رئيسيا حسبما هو منصوص عليه في المادة 563 من مدونة التجارة، وأن النيابة العامة في نازلة الحال لم تكن هي التي حركت المسطرة، وأن من المبادئ المستقرة فقها وقضاء أن الطعن بالاستئناف لا يقبل إلا ممن كان طرفا في الدعوى مباشرة أو بواسطة خلال المرحلة الابتدائية والحال أن الحكم التجاري المستأنف أورد في ديباجته اسم النيابة العامة بصفتها طرفا في النازلة، مما تكون النيابة العامة قد استمدت صفتها من الحكم المستأنف ومن الدور المنوط بها في إطار صعوبات المقاولة، ويكون مانعته على القرار واردا يستوجب نقضه”[20].

و فيما يتعلق بالتجربة الفرنسية ، والتي تسمح للنيابة العامة بممارسة حق الطعن رغم أن المحاكم التجارية بفرنسا لا تتوفر على جهاز قضائي للنيابة العامة على غرار المشرع المغربي الذي اخذ عن نظيره الفرنسي هذه القواعد، وهو ما يعني أنه إذا ما تم اعتبار النيابة العامة لدى المحكمة التجارية طرفا رئيسيا في جميع مساطر صعوبات المقاولة، وهي إما أن تكون مدعية عندما تطلب فتح المسطرة وإما مدعى عليها عندما يطلب بقية الأطراف فتح هذه المسطرة خاصة عندما تضع المحكمة يدها على المسطرة تلقائيا وحيث إن طبيعة القواعد المنظمة لمساطر صعوبات المقاولة المتجلية في ارتباطها بالنظام العام، تقتضي تفسير مقتضيات المادة 563 من مدونة التجارة على النيابة العامة لدى المحكمة التجارية طرف أصلي في مساطر صعوبات المقاولة، ويمكن مقارنة هذا الدور بقضايا الحالة المدنية.

و بعد صدور القانون 17.73، نلاحظ أن المشرع المغربي قد غير جدريا من طرق الطعن في مادة صعوبات المقاولة، فبعد أن حدد الأجل الذي يلزم محكمة الاستئناف بالنظر في الطعون المقدمة إليها و الذي يتمثل في 15 يوما ابتداء من تاريخ تقديم الطلب إليها[21]، نجده خصص مادة تشتمل على إحدى عشر فقرة للمقررات القابلة للطعن بالاستئناف و كذا الجهات المخول لها تقديم طلب في هذا الشأن[22] فيما خصص مادة فريدة لتعرض الغير الخارج عن الخصومة و هي المادة 763 من نفس القانون، و تكلفت المواد من 764 إلى 767 إلى باقي الإجراءات الشكلية الواجب إتباعها و احترامها عند الطعن في الأحكام في مادة صعوبات المقاولة.

وعيا منه بأهداف مسطرة معالجة صعوبات المقاولة وبالدور القضائي الجديد والمتمثل أساسا في معالجة صعوبات المقاولة وإيجاد الحلول الكفيلة بتسويتها، عمد المشرع المغربي إلى تبني نوع من البساطة والمرونة أثناء تنظيمه لطرق الطعن ضد الأحكام الصادرة في مادة صعوبات المقاولة، وهو ما لا يمكن أن يتحقق إلا بإحداث إجراءات للطعن أكثر فاعلية و نجاعة تضمن الوصال إلى حل سريع ونهائي بشان المقاولة التي تعاني من الصعوبات وبالرجوع إلى الفصول المنظمة لطرق الطعن نجدها تشكل استثناء من القواعد العامة المنظمة لطرق الطعن بمقتضى قانون المسطرة المدنية.

وبهذا الخصوص تخضع الأحكام والأوامر الصادرة في إطار مادة صعوبات المقاولة إلى إمكانية الطعن بالتعرض وتعرض الخارج عن الخصومة، والاستئناف والنقض، فيما كان الطعن بإعادة النظر محل خلاف قبل صدور القانون 17.73.، حيث كان بعض الفقه المغربي يذهب بالقول إلى أن تعداد المشرع لطرق الطعن جاء حصريا[23] وبذلك لا مجال للطعن بإعادة النظر بالإضافة إلى أن هذه الطريق من طرق الطعن لا تتلاءم مع بعض مساطر المعالجة خاصة مسطرة استمرارية المقاولة ومسطرة التفويت خاصة أن القبول بإعادة النظر بعد أن يحوز الحكم حجية الشيء المقضي كارثة على المسطرتين أعلاه، ولم تبق من المساطر سوى مسطرة التصفية القضائية، التي قد تسعف صاحبها إعادة النظر.

إلا أن المشرع و بعد نسخه للكتاب الخامس من مدونة التجارة فيما يتعلق بمادة صعوبات المقاولة قد وضع حدا لهذا الخلاف، و نص صراحة بموجب الفقرة الثانية من المادة 766 من القانون 17.73 على أنه: لا يجوز الطعن بإعادة النظر في الأحكام و الأوامر و المقررات الصادرة في مساطر صعوبات المقاولة.

وفي نفس الإطار سن المشرع المغربي نظام التنفيذ المعجل بقوة القانون[24] وذلك ضمانا لتحقيق الثبات والاستقرار للأحكام الصادرة في إطار صعوبات المقاولة،و ذلك باستثناء الأحكام و المقررات بسقوط الأهلية و العقوبات الزجرية[25]. أما بالنسبة للاتجاه القضائي لطرق الطعن في مادة صعوبات المقاولة قبل تعديل هذا الأخير،فقد قضت محكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء في قرار صادر عنها بعدم قبول استئناف الطاعن المقرر بشأن التسوية القضائية معللة قرارها بانعدام الصفة لدى الطاعن استنادا للفصل الأول من قانون المسطرة المدنية، مما يجب القول معه أن على القضاء التجاري المغربي أن لا يأخذ بالقواعد المنصوص عليها المسطرة المدنية حيث في ذلك عرقلة لتحقيق أهداف مسطرة معالجة صعوبات المقاولة التي أسست لمفهوم جديد للصفة والمصلحة أكثر اتساعا يشمل خدمة المصلحة العامة للمقاولة ويدعم النشاط الاقتصادي.

الفقرة الثانية: تدخل القضاء وقواعد الاختصاص في مادة صعوبات المقاولة.
لا يمكن للقواعد العامة أن تستوعب الخصوصيات التي تتميز بها مسطرة معالجة صعوبات المقاولة والأهداف المرجوة منها والمتمثلة أساسا في إنقاذ المقاولة وتصحيح وضعيتها، حيث تحتاج هذه المسطرة إلى قواعد استثنائية لموضوع الاختصاص تساهم في إنجاح التدخل القضائي بشكل سريع وفعال، فليس من المنطقي أن تشكل عوارض الاختصاص عائقا أمام التدخل القضائي لإيقاف النزيف الذي تعانيه المقاولة مما يؤثر على المقاولة ذاتها وعلى جميع المصالح المرتبطة بها. وإذا كان الدفع بعدم الاختصاص الوسيلة الإجرائية التي ينكر بها أحد الأطراف اختصاص المحكمة بنظر الدعوى نوعيا أو محليا،فإن استعمال هذه الوسيلة بشكل كبير ينتج عنه آثار سلبية على مسطرة معالجة صعوبات المقاولة عامة وعلى المقاولة خاصة، فكثيرا ما تستعمل الدفوعات في مجال الاختصاص لإطالة وقت الخصومة فقط.

و لقد شكلت قواعد الاختصاص هاجسا لدى المشرع المغربي أثناء سنه لقانون المحاكم التجارية أو قانون صعوبات المقاولة مما حدا به إلى صياغة مقتضيات خاصة بكل النزاعات والبت فيها بالسرعة والفعالية اللازمتين. و مع ذلك فإن صياغة النصوص لم تكن بالدقة المتناهية التي تحسم في الإشكاليات والنقاشات الدائرة، حيث وجدنا أحيانا تنافرا بين النصوص وعدم ملائمة بعضها البعض، فرغم ارتباط مسطرة معالجة صعوبات المقاولة بالنظام العام الاقتصادي نجد المادة 12 من قانون المحاكم التجارية تنص على أنه يجوز للأطراف في جميع الأحوال أن يتفقوا كتابة على اختيار المحكمة التجارية المختصة وهو وضع غير سليم ولا يمكن القبول به في إطار صعوبات المقاولة التي تصطبغ قواعد الاختصاص فيها بطابع النظام العام[26].

فبالنسبة الاختصاص النوعي في إطار مسطرة معالجة صعوبات المقاولة وفق القانون المغربي فإنه لا يطرح نفس المشاكل التي يطرحها في القانون الفرنسي الذي يتميز بنوع من التعقيد والتركيب أحيانا،وذلك سواء من جهة الأشخاص الخاضعين لهذه المسطرة أو المحاكم المختصة بتطبيقها،حيث تختص المحكمة التجارية إذا كان المدين تاجرا أو حرفيا،والمحكمة الابتدائية الكبرى بالنسبة للمزارعين والأشخاص المعنوية الخاضعة للقانون الخاص[27]. حيث تولد عن هذا التنظيم تضارب كبير في تحديد المحكمة المختصة للبت في قضايا صعوبات المقاولة انعكس بشكل على الممارسة القضائية بمناسبة تطبيق هذا النوع من المساطر ،كما أن التشريع الفرنسي يميز بين المحاكم التجارية الصغيرة وبين التجارية الكبرى و لم يعدل عن ذلك إلا عام 1987 بعد صدور مرسوم جديد[28].

ونشيد في هذا الباب بموقف المشرع المغربي الذي توخى الوضوح والبساطة فيما يتعلق بتحديد المحاكم المختصة نوعيا للنظر في مساطر معالجة صعوبات المقاولة والتي تعود إلى المحاكم التجارية دون المحاكم العادية، على الرغم من كون المادة الخامسة من قانون إحداث المحاكم التجارية لم تنص على المقتضى مع العلم أن هذه المادة كانت هي المكان الطبيعي لذلك ، إلا أن هناك من يرى[29] هذا الإغفال كان مقصودا بالنظر إلى هاته المساطر لها ارتباط وثيق بالنظام الاقتصادي ولم يكن من الممكن إدراجها في المادة الخامسة إلى جانب نزاعات يمكن للأطراف إخضاعها لمسطرة التحكيم .

وبالرجوع إلى المادتين 546 و575 من القانون 17.73 فإن مناط تطبيق نظام صعوبات المقاولة هو توفر الصفة التجارية التي يكتسبها الشخص الطبيعي بالممارسة الاعتيادية أو الاحترافية للأنشطة المنصوص عليها في المادتين 6و 7 من مدونة التجارة، أما بالنسبة للشركات التجارية فهي تكتسب هذه الصفة بحسب الشكل مهما كان غرضها باستثناء شركة المحاصة التي لا تعد شركة تجارية إلا إذا كان غرضها تجاريا. ورغم وجود أنشطة تجارية بنص القانون، فهناك أخرى تجارية بالقياس أو المماثلة يملك القضاء حق استخلاص طابعها التجاري، وبالتالي يمكن لهذا الأخير أن يوسع أو يضيق من نطاق تطبيق معالجة صعوبات المقاولة، فالنشاط الزراعي مثلا لا يعتبر عملا تجاريا، ولا يخضع الشخص المزارع لمساطر المعالجة، لكن القضاء يملك بموجب سلطته التقديرية إضفاء الطابع التجاري على هذا النشاط إذا توافرت فيه معايير النشاط التجاري. وفي حالة إثارة نزاع حول مدى توافر صفة التاجر من اجل تطبيق مسطرة معالجة صعوبات المقاولة، فان على من يدعي هذه الصفة إثبات توافرها ويجب على المحكمة ان تبين في حكمها الأسباب التي استندت إليها وإلا كان حكمها معيبا.

أما بالنسبة لقواعد للاختصاص المحلي فالمشرع المغربي فيما يخص مسطرة معالجة صعوبات المقاولة سن سواء في قانون المحاكم التجارية أو في مدونة التجارة بأنه ينعقد كمبدأ عام للمحكمة التي يتواجد بها موطن المدعى عليه ما لم تكن مصلحة المدعي أولى بالرعاية، إلا أنه ومراعاة منه لطبيعة مساطر المعالجة التي لا ينبغي أن تصطدم بالقواعد التقليدية وإشكالاتها التي تعيق حسن سير المسطرة لتحقيق الغاية المرجوة منها والمتمثلة في خدمة المصلحة العامة للمقاولة، نجده يخرج على القاعدة العامة.

وبسبب هذه الاعتبارات يتم الأخذ بالنسبة للتاجر الشخص الطبيعي بالمؤسسة الرئيسية وبالنسبة للشخص المعنوي بالمقر الاجتماعي ، وبهذا الخصوص يرى أستاذنا أحمد شكري السباعي أن المشرع لم يستفد من الاجتهاد القضائي القار الذي أعطى لمفهوم مقر الشركة مفهوما واسعا يغطي ويشمل سائر الخصومات سواء تعلق بفتح مساطر المعالجة أو غيرها، بحيث يجوز رفع الدعوى أمام المحكمة التي يوجد في دائرتها مقر الشركة أو فرعها أو وكالتها، وهذا الاجتهاد يناسب أكثر مساطر المعالجة التي تتطلب أن تكون أموال المسطرة المنقولة والعقارية قريبة من هيئاتها .

والملاحظ انه رغم تحديد المؤسسة الرئيسية للتاجر أو المقر الاجتماعي انطلاقا من المعلومات المدونة بالسجل التجاري باعتبارها بيانات إلزامية لتحديد هوية المقاولات إلا أن هناك بعض الإشكاليات التي لم تتطرق إليها مدونة التجارة والتي قد تكون سببا في إثارة دفوعات كثيرة في مجال الاختصاص المحلي من شانها التأثير على التدخل القضائي لمعالجة صعوبات المقاولة وأهمها تعدد المقرات الرئيسية فقد يحدث في الواقع أن يكون للتاجر أنشطة تجارية متعددة بل وحتى أكثر من مقاولة رئيسية وفي جهات متعددة، ولكل واحدة منها نشاطها تجاريا مستقلا،مما يؤدي إلى انعقاد الاختصاص المحلي إلى أكثر من محكمة ومن تم افتتاح عدة مساطر لمعالجة صعوبات المقاولة وهو ما ينتج عنه معالجة قضائية غير سريعة فيما يتعلق بالمقاولة المعنية بالأمر لذلك يتعين استعباد كل استقلالية للمقاولة لا سيما أن تعدد الأنشطة التجارية للتاجر لا يؤثر على وحدة الذمة المالية للمدين وهو ما من شأنه خدمة وحدة المسطرة التي تستغرق ذمة المقاولة المدنية بكاملها.

وتجدر الإشارة إلى أن المشرع المغربي لم يتطرق للمحكمة المختصة في حالة نقل مقر المقاولة خاصة إذا تم هذا النقل أو التغيير ما بين تاريخ التوقف عن الدفع وتاريخ طلب فتح المسطرة،وقد ذهب بعض الفقه المغربي إلى أنه لا يمكن الاحتجاج على الغير بنقل أو تغيير المقر الاجتماعي للشركة إذا لم تكن واقعة النقل أو التغيير هذه قد خضعت لتقييد معدل يتم إجراؤه في السجل التجاري. أما بالنسبة لموقف القضاء بهذا الخصوص فقد ورد في حكم صادر عن المحكمة التجارية بمراكش ” … وحيث إن المطلوبة في المسطرة لم تدل بأي وثيقة معتبرة تفيد جدية ما تدعيه حول مركزها الاجتماعي المزعوم… وحيث يظهر من جهة أخرى وخاصة من نسخ الأحكام المدلى بها بالملف من طرف الشركة الطالبة أن المطلوبة توجد بمراكش وتزاول نشاطها وتتسلم جميع الاستدعاءات فيه وتقام عليها الدعاوى بدليل عدم إثارتها لأي دفع بعدم الاختصاص المكاني فيه بل إن مكانها الموجود في مراكش هو المعتبر لكونها لما رفعت استئنافها ضد أمر بالأداء استصدرته ضدها الطالبة قامت باعتماد عنوانها الموجود بمراكش … وبالتالي يكون الاختصاص المكاني معقود لهذه المحكمة …”[30]

والملاحظ بهذا الخصوص أن القضاء المغربي وبالرغم من المقتضيات الاستثنائية المتعلقة بالاختصاص مازال في بعض الأحيان يرتبط بالتوجه الكلاسيكي لقواعد الاختصاص استنادا إلى القواعد العامة المنصوص عليها في قانون المسطرة المدنية، وما هو لاحظناه في حكم صادر عن المحكمة التجارية بمراكش في معرض حديثها عن الدفع بعدم الاختصاص المحلي تقدم به المتدخل في الدعوى حيث جاء فيه “… وحيث إنه بخصوص هذا الدفع أي الدفع بعدم الاختصاص المكاني لا بد من رصد مبدأين قانونيين أو لهما أن الدفع بعدم الاختصاص المكاني قاصر على من له المصلحة في إثارته ومقيد بزمانه، فمن حيث الطرف الذي قرر لمصلحته فهو المدعى عليه في الدعوى الذي يمكنه وحده دون غيره أن يثبت الاختصاص المكاني كما يمكنه باتفاق مع المدعي اختيار محكمة تجارية مختصة إعمالا لمقتضيات المادة 12 من القانون المحدث للمحاكم التجارية ، أما بخصوص تزمين هذا الدفع فقد اشتراط المشرع بمقتضى نص المادة 16 من قانون المسطرة المدنية هذا الفصل الذي لا يدخل ضمن الاستثناء المنصوص عليه في المادة 11 من قانون من قانون المحاكم التجارية أن يقدم قبل كل دفع أصبحت القضية جاهزة للبث فيها …”[31].

و من الإشكالات التي تطرح في مساطر صعوبات المقاولة نجد أيضا موضوع امتداد الاختصاص لفائدة المحكمة التي فتحت أمامها المسطرة. حيث يعتمد هذا النظام على تركيز جميع القضايا المرتبطة والمتفرعة عن مسطرة معالجة صعوبات المقاولة أمام المحكمة التي وضعت يدها على المسطرة ابتداء. فبالنسبة لمفهوم الدعاوى المرتبطة بصعوبات المقاولة، فإن المشرع المغربي لم يتطرق بشكل واضح ودقيق لمفهوم الدعاوى المرتبطة بمسطرة صعوبات المقاولة حيث نص فقط على أن المحكمة المفتوحة مسطرة المعالجة أمامها تكون مختصة للنظر في جميع الدعاوى المتصلة بها[32]، حيث جاءت صياغة النص عامة مما ترك (رغم التعديل الجديد) الباب مفتوحا أمام الفقه والقضاء لشرح وتأويل الدعاوى المتصلة والمرتبطة بتسيير مسطرة صعوبات المقاولة، فقد ذهبت المحكمة التجارية بالرباط إلى أنه من خلال وقائع النازلة المعروضة عليها فإنه يتبين أن موضوعها نزاع حول مبالغ وشيكات وطلب تعويض عن أضرار ترجع أحداثها إلى ما قبل فتح مسطرة التسوية، مما يدل على أن مفهوم الاتصال كما ورد في المادة566 من مدونة التجاري لا ينطبق على هذه النازلة ويتعين تبعا لذلك رد تعقيب المدعين[33].

و قد نشأ عن التطبيق القضائي للمادة 566 من مدونة التجارة (المادة 581 حاليا) نوع من الاضطراب والتداخل في اختصاص الأجهزة القضائية، وقد عرضت على القضاء التجاري المغربي نازلة خاصة بشركة تجارية استصدرت حكما قضى بفتح مسطرة التسوية القضائية في حقها[34]وخلال جريان المسطرة تقدم الدائنون بالتصريح بديونهم لدى السنديك، وفي ذات الوقت تقدم بعض هؤلاء بشكاية من أجل إصدار شيكات بدون رصيد موقعة من طرف مدير المقاولة وذلك في تاريخ سابق عن تاريخ صدور الحكم القاضي بفتح مسطرة التسوية القضائية، وعمدت النيابة العامة بالمحكمة الابتدائية إلى مباشرة المسطرة الجنحية دون الأخذ بعين الاعتبار المقتضيات القانونية الواردة في مدونة التجارة والتي تسند الاختصاص في جميع الدعاوى المرتبطة بمسطرة المعالجة إلى المحكمة والتي تسند الاختصاص في جميع الدعاوى المرتبطة بمسطرة المعالجة إلى المحكمة التجارية المفتوحة أمامها المسطرة وهنا يظهر الاضطراب ، ذلك أن النيابة العامة بالمحكمة الابتدائية في إطار مسطرة الشيك بدون رصيد لم تلتفت لما أثير أمامها من دفوع تصب في الاتجاه الذي رسمه المشرع من مقاصده من إحداث قانون صعوبات المقاولة بل إنه إجراء أدى في محتواه إلى إفشال مخطط التسوية الذي تم تهيئته من طرف القضاء التجاري بمناسبة ملف التسوية المفتوح أمامه مما ولد تنافرا وتضاربا بين بعض نصوص القانون،ففي الوقت الذي تقرن فيه النيابة العامة قرار السراح المؤقت بواقعة الأداء، نجد المشرع التجاري يمنع منعا كليا أداء كل دين نشأ قبل الحكم القاضي بفتح المسطرة أيا كان سند هذا الدين .

وفي جميع هذه الحالات تختص المحكمة التي فتحت أمامها مسطرة المعالجة، وفي هذا الإطار ذهبت المحكمة التجارية بالرباط إلى تمديد المسطرة طبقا للمادة 570 من مدونة التجارة بعد ما تبين من خلال وثائق الملف أن هناك تداخل في الذمم المالية للمقاولات موضوع طلب التمديد مع المقاولتين المفتوحتين في حقهما مسطرة التسوية القضائية،وأن ما يؤكد تداخل هذه الذمم المالية هو أن التصريح بالضريبة على القيمة المضافة يتم تحت نفس الرقم،وكذلك بالنسبة للضريبة المهنية على الأرباح وضريبة الباتانتا،كما أن الشركات موضوع طلب التمديد تمارس نفس النشاط[35].

المبحث الثاني: تدخل القضاء لمعالجة صعوبات المقاولة بعد صدور حكم فتح المسطرة
أحاط المشرع المغربي فتح مسطرة المعالجة بضمانات قوية من أجل الحفاظ على حقوق المدين وكذا حقوق المتعاملين مع المقاولة من دائنين وأجراء وغيرهم باعتبار فتح مسطرة معالجة صعوبات المقاولة من الإجراءات الهامة في مسلسل إنقاذ المقاولة ومدخلا أساسيا للقضاء لممارسة الصلاحيات الممنوحة له في هذا الإطار. هذه الصلاحيات لم تعد رهينة القواعد التقليدية في إطار الخصومة العادية التي تؤطر النزاعات الفردية وإنما أصبحت الأهداف الأساسية من هذا متصلة بأبعاد أوكلت للقضاء التجاري مسؤولية التحقيق في الوضعية للمقاولة ومن تم البحث عن أنجع السبل لمعالجتها. حيث يقع على عاتق القضاء استخدام الآليات القانونية المتاحة من خلال مد جسور الاتصال مع الإدارات والهيآت العمومية وكل شخص من ذوي الخبرة دون التمسك بالسر المهني وذلك لتقدير درجة اختلال وضعية المقاولة اعتمادا على معطيات اقتصادية ومالية صلبة لا تقف عند حدود تصريحات الأطراف. ويمكن الجزم في هذا المضمار أنه كلما توفرت مصادر الاستخبار والتقصي كلما كان التدخل القضائي ناجعا لأنه كلما كانت المعلومات المتوفرة غزيرة ودقيقة كلما كانت الفرص أكبر لتسوية وضعيتها.

المطلب الأول: مدى فاعلية الإجراءات المرتبطة بحكم فتح المسطرة

لقد عقدت السياسة التشريعية المغربية الرهان على سلطة القضاء ومساهمته في تحقيق التنمية الاقتصادية ضمن آليات وضوابط حديثة ومتطورة من خلال مسطرة معالجة صعوبات المقاولة فقد يبدو للوهلة الأولى أن تدخل القضاء في عالم المقاولات يعتبر تهديدا لمبدأ الحرية والمبادرة الفردية التي يقوم عليها أي نظام ليبرالي وتراجعا ملموسا لكثير من المؤسسات القانونية المحمية في إطار القانون المشترك، ومنها حق الملكية والحرية التعاقدية، إلا أن هذا التصور يتلاشى أمام الضمانات القوية التي أحاط بها المشرع مسطرة معالجة صعوبات المقاولة وذلك من أجل سلامة الإجراءات وضمان نوع الشرعية على القرارات القضائية.

الفقرة الأولى: استماع القضاء لرئيس المقاولة ضمانة أساسية لممارسة حق الدفاع
نصت مدونة التجارة[36] على أن المحكمة تبت بشأن فتح المسطرة بعد استماعها لرئيس المقاولة أو استدعائه قانونيا للمثول أمام غرفة المشورة وهو ما يضفي على هذا الإجراء صفة المساس بالنظام العام الاقتصادي ويؤدي الإخلال به إلى بطلان جميع إجراءات التحقيق التي قد تتم في جلسة عانية، فبالنسبة للقضاء الفرنسي فعدم احترام مسطرة الاستماع يبرر إبطال الحكم القاضي بفتح المسطرة إلا أن المدين له ليست له الصفة لإثارة هذا العيب المسطري[37]، كما يرى بعض الفقه المغربي أن غياب الاستماع إلى أقوال رئيس المقاولة يؤدي إلى بطلان الحكم بالتسوية أو التصفية القضائية[38].و يرى بعض الفقه المغربي أن المحكمة التجارية في حالة استدعائها لرئيس المقاولة من أجل الاستماع إليه بغرفة المشورة ولم يحضر هذا الأخير في التاريخ المحدد في الاستدعاء دون الإدلاء بأي عذر قانوني جاز للمحكمة أن تعتبر هذا التخلف عن الحضور بمثابة قرينة على كون المقاولة المدعى عليها توجد في حالة توقف عن الدفع مما يسمح لها بالحكم بفتح مسطرة معالجة صعوبات المقاولة كلما كانت الشروط اللازمة لذلك متوفرة[39]،إلا أنه بخصوص هذه النقطة فعدم حضور رئيس المقاولة لا يعتبر في جميع الأحوال مؤشرا على وجود حالة التوقف عن الدفع حيث يجب التمييز بين كون رئيس المقاولة هو الذي تقدم بطلب فتح المسطرة وبين كون الطلب قدم من لدن أطراف أخرى .

وفي الحالة التي يتقدم فيها رئيس المقاولة بطلب فتح المسطرة أو جبت عليه مدونة التجارة[40] الإدلاء بمجموعة من الوثائق التي على ضوئها تقرر المحكمة مدى الصعوبات التي تعترض المقاولة وما إذا كانت مختلة بشكل لا رجعة فيه أو لا، وقد يحدث أن يمتنع المدين إما عن حسن نية أو سوء نية عن الإدلاء بأية وثيقة وعندها تقوم للمحكمة بإنذار رئيس المقاولة بذلك[41]و لا تبت في الطلب إلا بناء على خبرة يتم انتدابها لهذا الغرض من أجل الكشف عن الوضعية الاقتصادية والاجتماعية للمقاولة المعنية بالأمر، لذلك فإن المحكمة لا يمكنها تحديد وضعية المقاولة مادام الخبير لم يضع تقريرا مفصلا حول وضعيتها المالية، وهو الاتجاه الذي ذهبت إليه محكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء في قرار صادر عنها معتبرة أن مديونية المقاولة وعدم إدلائها للخبير بالوثائق الحسابية لا تنهض سببا للقول بأن وضعيتها مختلة بشكل لا رجعة فيه طالما أن المستأنفة هي الدائنة الوحيدة لها، ثم إن تقرير الخبرة المنجز في الموضوع لم يكشف بصورة مفصلة عن الوضعية المالية للمقاولة المستأنف عليها خاصة اتجاه بعض المؤسسات العمومية كالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وإدارة الضرائب[42]. أما بالنسبة للحالة التي تفتح فيها المسطرة المعالجة بناء على طلب أطراف أخرى فتخلف المدين عن الحضور للاستماع إليه بغرفة المشورة وإن كان يشكل إقرارا ضمنيا بوجود الدين، إلا أنه بالمقابل لا يعتبر توقفا عن الدفع بالمعنى القانوني، ويبقى من حق الدائن في هذه الحالة أن يثير كل الوقائع التي من خلالها يمكن للمحكمة أن تستشف من ورائها وجود المقاولة في حالة توقف عن الدفع وبالتالي فتح مسطرة المعالجة في مواجهتها .

الفقرة الثانية: موقف القضاء من التوقف عن الدفع
يعتبر مفهوم التوقف عن الدفع نقطة انطلاق مسطرة معالجة المقاولة وشرطا جوهريا وموضوعيا لبدء الإجراءات، حيث كان يكتسي هذا المفهوم أهمية قصوى في إطار نظام الإجراءات الجماعية وفي ظل مدونة التجارة فالتوقف عن الدفع شرط قانوني ضروري و لازم لفتح مسطرة المعالجة .

والتوقف عن الدفع كشرط موضوعي لطلب فتح مساطر معالجة صعوبات المقاولة له خصوصيات،وتتجلى هذه الأخيرة في التغيير الذي عرفته العديد من المفاهيم التي كانت تسود نظام الإفلاس القديم إذ يلاحظ أن واقعة التوقف عن الدفع التي كانت تعتبر نقطة الانطلاقة والشرط الأساسي لتحريك مسطرة الإفلاس والتصفية القضائية، تعتبر اليوم المعيار الحاسم لانطلاق مساطر المعالجة.

فالمشرع المغربي عندما نص على عنصر التوقف عن الدفع في مدونة التجارة أو في قانون التجارة الملغى، فإنه لم يحدد لا مفهومه ولا كيفية إعماله كشرط لفتح مسطرة الإفلاس أو التصفية القضائية في القانون القديم وفتح مساطر معالجة صعوبات المقاولة في قانون صعوبات المقاولة، شأنه في ذلك شأن العديد من التشريعات كالتشريعين المصري والتونسي التي لم تحدد المقصود من هذه العبارة مما جعل الفقه والقضاء يعملان على تقصي الأسس القريبة والبعيدة لتحديد مفهوم فكرة التوقف عن الدفع .

وإذا كانت مهمة وضع التعريفات ليست من مهام المشرع عادة وإنما من صميم عمل الفقه والقضاء فلا شك أن ربط نظام بأكمله بحالة معينة وترك مهمة تعريفها وتحديد معناها وشروطها لاجتهاد الفقه والقضاء، يمكن أن يكون عملا ينطوي على خطورة بالغة أقل ما يقال عنه أنه مغامرة قانونية كبرى، ومن هنا كان طبيعيا أن تتعدد وتتنوع التفسيرات والتعريفات الفقهية للتوقف عن الدفع أدى بالكتاب والباحثين إلى تصنيفه في اتجاهات فقهية مختلفة تقليدية وحديثة، قانونية واقتصادية، مدينة وتجارية، وبذلك يمكن التمييز بينها على ضوء التطورات الحاصلة بشأنها بين مرحلتين أساسيتين :

النظرية التقليدية و التي تعتمد مفهوما تقليديا للتوقف عن الدفع: يقتصر هذا الاتجاه على التفسير الحرفي لمصطلح التوقف عن الدفع، وذلك بناء على أن عالم التجارة يقوم على الدقة في تنفيذ الالتزامات وعلى ضرورة احترام مواعيد الاستحقاق لأنه يكفي أن يتوقف أحد التجار عن أداء ديونه ليضع دائنيه في وضعية صعبة[43]، فهذا الاتجاه يسعى إلى حماية أهم الدعائم التي تقوم عليها المعاملات التجارية وهي الثقة والائتمان، كما يتميز بالبساطة والسرعة فيما يخص جريان المسطرة أمام المحكمة المرفوعة إليها دعوى الإفلاس، فهو لا يتطلب من هذه الأخيرة سوى التأكد من واقعة عدم الأداء في ميعاد الاستحقاق لتعبير المدين في حالة التوقف عن الدفع ويحكم بالتالي بشهر إفلاسه.

النظرية الثانية الحديثة :إن المفهوم الاقتصادي الحديث للتوقف عن الدفع يتميز بعدم الوقوف عند الحدود الخارجية والظاهرية للامتناع عن التوقف عن لدفع الديون في مواعيد استحقاقها وإنما يبحث في أسباب ودوافع التوقف وفي المركز الحقيقي للتاجر المدين المتوقف عن الدفع أي البحث فيما إذا كان هذا الأخير في مركز مالي مضطرب يجعله عاجزا عن الأداء أو أن المدين التاجر قادر على الأداءوأن الامتناع مؤقت، كأن يكون نتيجة منازعة معينة يمكن تجاوزها، ومن تم يمكن القول بأن هذا المفهوم يستند إلى معطيات ذات طابع اقتصادي أكثر منه قانوني، وقد كان الاجتهاد القضائي الفرنسي صاحب الفضل الأكبر في إرساء دعائم هذا المفهوم الاقتصادي الحديث للتوقف عن الدفع حيث ورد في حيثيات القرار الصادر عن محكمة النقض الفرنسية الذي وضع تعريفا لمفهوم التوقف عن الدفع ما يلي”…. حيث أنه ببتها بدون البحث فيما إذا كان السيد برادة قادرا على مواجهة الخصوم المستحقة الأداء بالأصول المتواجدة فإن محكمة الاستئناف لم تعط أساسا قانونيا لقرارها[44] “وهو ما دفع المشرع الفرنسي إلى التدخل لوضع حد للتضارب الناتج عن إغفال تعريف التوقف عن الدفع عن طريق تعريف حالة التوقف عن الدفع بأنها ” الوضعية التي يستحيل فيها على المدين أن يواجه فيها أصوله المتوفرة لخصومه المستحقة[45] بمعنى أن حالة التوقف عن الدفع حسب القانون الفرنسي تقوم عندما يصل المدين إلى استحالة أن يواجه أو أن يغطي جانب الخصوم بالميزانية من ذات أصولها دون الرجوع إلى مصادر خارجية، وهكذا فالمشرع عمد إلى تعريف التوقف عن الدفع وحدد معيارا حدده في ” عدم قدرة المقاولة على مواجهة الخصوم المستحقة عند الحلول بالأموال القابلة الحديث للتصرف “

وقد لامس القضاء المغربي على مستوى المجلس الأعلى (محكمة النقض) النظرية الحديثة لمفهوم التوقف عن الدفع في قرار جاء فيه :’… لكن حيث أنه بمقتضى الفصل 197 من القانون التجاري القديم فإن كل تاجر توقف عن دفع ديونه يعتبر في حالة إفلاس و جاز إشهار إفلاسه، فإن التوقف المبرر للإفلاس هو الذي ينبئ عن اضطراب المركز المالي والتجاري للتاجر المتوقف عن دفع ديونه لدرجة يصبح عاجزا عن مواصلة أعماله التجارية أو الوفاء بالتزاماته المالية تجاه دائنيه وتحديد التوقف من عدمه يرجع أمر تقديره لقضاة الموضوع ولا رقابة عليهم وذلك من المجلس الأعلى إلا من حيث التعليل، كما أن اعتماد خبرة دون أخرى يدخل في نطاق سلطتهم التقديرية’[46].

وللإشارة فإن تقدير وجود التوقف عن الدفع يتم في الوقت الذي تبت فيه المحكمة في الطلب وتطبيقا لذلك قضت المحكمة التجارية بمراكش بما يلي : “… وحيث أنه وخلافا للقواعد العامة للمسطرة فإن تقدير وجود التوقف عن الدفع يجب أن يتم في الوقت الذي تبت فيه المحكمة ولا ينظر إلى توفرها عند رفع الدعوى إليها ولا يمكن بالتالي فتح المسطرة إذا وقع تصحيح الأداء بالوفاء بين الفترة الممتدة بين رفع الدعوى واليوم الذي تبت فيه المحكمة ابتداء أو حتى استئنافيا[47].

والملاحظ بالنسبة للقضاء المغربي وهو بصدد تطبيق الأفكار المتعلقة بمساطر معالجة صعوبات المقاولة وخاصة عند إثبات حالة التوقف عند الدفع يستند تارة إلى أحكام قضائية صادرة عن القضاء الفرنسي بكل درجاته وتارة عن القضاء المصري في حين أن النص التشريعي المغربي وضع أساسا لكي يطبق على تراب المملكة المغربية وهو بلد له خصوصياته وهويته الثقافية هذا فضلا أن تضمين أحكام قضائية أجنبية في صلب أحكام مغربية مسألة لا تسلم من النقض كما نشير أيضا إلى القضاء المغربي مازال يتأرجح بين النظرية الحديثة التي تستند إلى مفهوم المركز المالي المضطرب والضائقة المستحكمة التي لا مخرج منها وبين مفهوم العجز عم سداد الديون المستحقة عند الحلول .

ففي قرار صادر عن محكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء[48] والذي ورد فيه “… وحيث أن المحكمة بعد دراستها لكافة وثائق الملف ومستنداته تبين لها أن عناصر فتح مساطر معالجة صعوبة المقاولة وخاصة عنصر التوقف عن الدفع غير متوفرة في هذه النازلة وحيث أنه لئن كانت النصوص القانونية لم تحدد مفهوم التوقف عن الدفع فإن الاجتهاد القضائي تطرق له كما ذهبت إلى ذلك محكمة النقض المصرية في أحد قراراتها التي جاء فيها “… التوقف عن الدفع هو الذي ينبئ عن مركز مالي مضطرب وضائقة مستحكمة يتزعزع معها ائتمان التاجر وتتعرض معها حقوق دائنيه إلى خطر محقق وكبير الاحتمال فليس كل امتناع عن الدفع يعتبر توقفا إذا قد يكون مرجع هذا الامتناع عذرا طرأ على المدين مع اقتدار وقد يكون لمنازعته في الدين من ناحية صحته أو مقدار أو حلول أجل استحقاقه أو انقضائه لسبب من أسباب الانقضاء…”

و من المستجدات التي جاء بها المشرع من خلال القانون 17.73 أنه عمل على تحديد و توضيح حالة التوقف عن الدفع حيث تثبت هذه الأخيرة متى تحقق عجز المقاولة عن تسديد ديونها المستحقة المطالب بأدائها بسبب عدم كفاية أصولها المتوفرة بما في ذلك الالتزامات الناشئة بموجد الاتفاق الودي المتعلق بمسطرة المصالحة[49].

أما بالنسبة لتحديد المحكمة لتاريخ التوقف عن الدفع فالمشرع نص على أن حكم فتح المسطرة يعين تاريخ التوقف عن الدفع الذي لا يجب أن يتجاوز في جميع الأحوال ثمانية عشر شهرا قبل فتح المسطرة وإذا لم يعين الحكم هذا التاريخ تعتبر بداية التوقف عن الدفع من تاريخ الحكم.وقد حدد المشرع المغربي تاريخ التوقف عن الدفع توقعا منه لإمكانية تعذر تحديده من طرف المحكمة بشكل دقيق وذلك حماية لاستقرار المعاملات وضمانا لحقوق الأطراف المتعاملة مع المقاولة وتعتبر الفترة الممتدة بين تاريخ التوقف عن الدفع إلى تاريخ صدور الحكم القاضي بفتح المسطرة فترة ريبة مما يجعل التصرفات التي يبرمها المدين خلال هذه الفترة خاضعة إما للبطلان الوجوبي أو الجوازي بحسب الأحوال. وبالرجوع إلى بعض الأحكام الصادرة في إطار صعوبات المقاولة نجد أن الحكم القاضي بفتح مسطرة التسوية أو التصفية القضائية يحدد تاريخ التوقف عن الدفع بناء على تصريح رئيس المقاولة بذلك أمام غرفة المشورة[50] وهنا يثور التساؤل حول مدى صحة التصريحات التي يدلي بها هذا الخبير باعتبار أن رئيس المقاولة قد يعمد إلى إخفاء التاريخ الحقيقي للمقاولة المعنية عن الدفع.

وبخصوص ما تقدم نرى أنه وعلى غرار بعض الفقه[51] أن اعتبار المشرع المغربي في حالة عدم تعيينه لتاريخ التوقف عن الدفع في الحكم القاضي بفتح مسطرة المعالجة تاريخ التوقف عن الدفع هو مقتضي يفتقد إلى الواقعية لأنه من النادر جدا أن يكون تاريخ التوقف عن الدفع هو تاريخ صدور الحكم القضائي بفتح المسطرة، فهذا الحكم لا يمكن أن يصدر يوم التوقف عن الدفع، هذا بالإضافة أن المادة 576 من القانون 17.37 تلزم رئيس المقاولة أن يقدم طلبه الرامي إلى فتح المسطرة داخل أجل أقصاه ثلاثون يوما التي تلي توقفه عن الدفع مما يفيد أن تاريخ التوقف عن الدفع يكون سابقا لتاريخ الحكم خاصة وأن المادة 576 تجعل من التوقف عن الدفع شرطا موضوعيا يتعين توفره قبل صدور تاريخ توقف المقاولة وتاريخ صدور الحكم القاضي بفتح المسطرة.

وفي هذا السياق ذهبت عدة أحكام قضائية[52] إلى اعتبار تاريخ التوقف عن الدفع هو تاريخ صدور الحكم ومما يزيد الأمر تناقضا وغرابة هو أنه لا يمكن تصور تاريخ التوقف عن الدفع هو تاريخ الحكم بالنسبة للتاجر المتوفى أو الذي اعتزل التجارة[53]، فإن لم يعين الحكم القاضي يفتح المسطرة ضد التاجر المتوفى تاريخ التوقف عن الدفع فلا يمكن تصور بداية التوقف في هذه الحالة من تاريخ صدور الحكم مادام القانون نفسه يشترط أن يكون التوقف عن الدفع سابقا لواقعة الوفاة أو الاعتزال[54]، لذلك كان على المشرع أن ينص بالنسبة لهاتين الحالتين الأخيرتين في حالة عدم تحديد الحكم القاضي بفتح مسطرة المعالجة لتاريخ التوقف عن الدفع على اعتبار هذا التاريخ هو تاريخ الوفاة أو تاريخ اعتزال التجارة .

المطلب الثاني : معايير اختيار القضاء للمسطرة الملائمة وتعيينه للأجهزة المساعدة

لم يعد فتح المسطرة الجماعية يستند إلى الاعتبارات الذاتية كما كان عليه في نظام الإفلاس الملغى، حيث كان تصرف المدين وحسن نيته معيارا أساسيا في الاختيار بين الإفلاس والتصفية القضائية,وهو وضع لم تكن تفرضه وضعية المقاولة بقدر ما كان يفرضه سلوك المدين. ومن هذا المنطلق كانت التصفية القضائية بمثابة امتياز يمنح للمدين حسن النية ويعفيه من بعض الآثار الصارمة لنظام الإفلاس ولم يكن هذا النوع من التصفية القضائية حلا نهائيا وإنما نظاما مؤقتا ينتهي إما بالإصلاح أو بالإفلاس[55].

وقد أصبح الوضع مختلفا في ظل مساطر معالجة صعوبات المقاولة حيث أصبح الاعتماد على معايير موضوعية تتحدد من خلال الصعوبات التي يعاني منها المقاولة ومدى قابليتها للاستمرار وليس من خلال تصرفات المدين، فمن خلال التشخيص الأولي لوضعية المقاولة ودرجة الصعوبات التي تعاني منها وأبعادها ومستوياتها، تقضي المحكمة بتحديد المسطرة العلاجية الواجبة التطبيق والمتمثلة أساسا في التسوية أو التصفية القضائية، وينبني هذا الاختيار على معطيات صلبة ومقنعة تبرر الدوافع المؤدية إلى اتخاذ قرار جوهري يعكس مدى أهمية الدور الاقتصادي الموكول للقضاء في عالم الأعمال والمقاولات.

الفقرة الأولى: المعايير المعتمدة في تبني المسطرة الملائمة

تلقي الإكراهات الاقتصادية بظلالها على القضاء باعتباره شريكا فعالا أساسيا في عملية التنمية، ومن تم فان الخيارات التي يعتمدها هذا الأخير تنبي على معطيات موضوعية تنسجم مع الظروف الاقتصادية والإمكانات المتوفرة لدى المقاولة . ومن هذا المنطلق يمكن الحكم بالتصفية القضائية مباشرة دون المرور عبر مرحلة التسوية إذا كانت وضعية المقاولة ميؤوس من علاجها أو مختلة بشكل لا رجعة فيها، فالحكم بالتسوية القضائية ليس حلا مثاليا في جميع الحالات ولا يتقيد القضاء بهذا الخصوص بأية تراتبية معينة في اللجوء إلى مسطرة دون أخرى.

فالمشرع المغربي خول للمحكمة التجارية صلاحية اختيار الحل المثالي الكفيل بإنقاذ وذلك وفق معطيات موضوعية تراعي الظروف الاقتصادية والاجتماعية والإمكانات التي تتوفر عليها المقاولة، فالمحكمة تملك الحق في الحكم بالتصفية القضائية مباشرة إذا تبين أن وضعية المقاولة مختلة بشكل لا رجعة فيه إلا أنه يجب التمييز بين الحالة التي يكون فيها طالب المعالجة هو رئيس المقاولة فيها أو أن الطلب صادر عن أحد الدائنين .

ففي الحالة الأولى يعتبر الملف جاهز بمجرد الاستماع إلى تصريحات رئيس المقاولة أمام غرفة المشورة حول أسباب التوقف عن الدفع والاطلاع على الوضعية المالية والاقتصادية والاجتماعية الحقيقة للمقاولة من خلال مرفقات المقال المنصوص عليها في المادة 577 من القانون 17.73، وتحكم المحكمة بفتح مسطرة المعالجة عن طريق التصفية القضائية مباشرة إذا تبين لها أو تم الإقرار بعدم وجود إمكانات جدية لتسوية وضعية المقاولة وسداد خصومه، ففي حكم صدر عن المحكمة التجارية بالرباط قضى بالتصفية القضائية بسبب اختلال الوضعية المالية للشركة بشكل لا رجعة فيه وما يؤكد الاختلال هو أن منقولاتها ومعداتها كانت محل بيع بالمزاد العلني إثر حجز تنفيذي من جراء الديون التي لم تستطيع سدادها[56].أما فيما يتعلق بالحالة الثانية فمبررات طلب الدائن بفتح مسطرة المعالجة لا تتعدى واقعة التوقف عن الدفع وهو الشرط الوحيد الذي قانون صعوبات المقاولة، أي أنه لا حاجة لا استنباط الوضعية المالية الاقتصادية والاجتماعية للمقاولة والتي لا تدخل ضمن شروط افتتاح مسطرة المعالجة حيث تعتبر بمثابة معيار لاختيار الحل النهائي على ضوء التقرير الذي يعده سنديك التسوية القضائية بمشاركة رئيس المقاولة وباللجوء المحتمل لخبير أو لعدة خبراء. ومن البديهي أن الدائن في غالب الأحيان لا يسيطر عليه هاجس إنقاذ المقاولة وتصحيح وضعيتها بل ما يهدف إليه هو استيفاء دينه بغض النظر عن الظروف المقاولة وإمكانياتها لذلك على القضاء استبعاد طلب فتح مسطرة المعالجة كلما ثبت سوء نية الدائن أو عدم توفر حالة التوقف عن الدفع بمعناها القانوني وليس المادي.

وتجدر الإشارة في هذا الباب إلى أن تطبيق القضاء لمسطرة التسوية أو التصفية القضائية لا يؤدي نفس الأهداف لكون مصلحة المقاولة ومصلحة الدائنين تحتل مراتب متباينة بحسب المسطرة المراد تطبيقها، و لتوضيح مدى التباين الموجود بين المسطرتين نعرض النقط التالية :

النقطة الأولى: لا يمكن النطق بالتصفية القضائية إلا إذا كانت المقاولة مختلة بشكل لا رجعة وليس فقط متوقفة عن الدفع، وفي هذا المعنى صدر عن محكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء مايلي : “… تبين بعد إجراء خبرة أن المقاولة تعرف خسارة كبيرة في ميزان أداءاتها وأن خصومها فاقت أصولها ولقد أكدت الخبرة أن الشركة في حالة توقف عن الدفع، ووضعها الحالي لا يساعدها على ممارسة نشاطها التجاري، كما أن ديونها اتجاه الأغيار بلغت رقما فاق رأسمالها ولا يمكن تغطيته لما لها من ديون على مدينيها، وهذه المعطيات توضح بشكل لا مراء فيه أن المستأنفة مختلة، وهذه الحالة تؤدي طبقا للمادة 658 من مدونة التجارة إلى الحكم بالتصفية القضائية”[57]

النقطة الثانية :بالنسبة للأجهزة المعينة في مسطرة التصفية القضائية وإن كانت هي نفسها مسطرة التسوية إلا أنها تلعب دورا مختلفا بحسب المسطرة المطبقة، فإذا كان دور هذه الأخيرة هو السهر على إعداد لاستمرارية المقاولة والحفاظ على مناصب الشغل فإن دورها في مرحلة التصفية يتعلق أساسا بتصفية أموال المقاولة وتحقيق الديون.

النقطة الثالثة: في مسطرة التصفية القضائية تحتل مصلحة الدائنين الأولوية على خلاف مسطرة التسوية القضائية حيث غالبا ما يتم التضحية بمصالحهم.

النقطة الرابعة: إن الإجراءات المشتركة بين مسطرة التصفية القضائية ومسطرة التسوية كالإجراءات التحفظية لا تحقق نفس الأهداف فهي تصب في مصلحة المقاولة إذا تعلق الأمر بنظام التسوية بينما ترتبط بحقوق الدائنين ومصالحهم في حالة التصفية .

في حالات كثيرة تفتح المحكمة مسطرة التسوية في مواجهة المقاولة التي تعاني من الصعوبات وتوضع هذه الأخيرة في محك الاختبار تمهيدا لتحديد الحل النهائي، إلا أنه يتبين بعد ذلك أن وضعية المقاولة تزداد سوءا وصعوباتها تزداد تدهورا واستفحالا مما تضطر معه المحكمة إلى تحويل التسوية إلى تصفية قضائية استنادا إلى قانون صعوبات المقاولة الذي جاء فيه ” يمكن للمحكمة في أي وقت أن تأمر بتوقيف المقاولة عن نشاطها جزئيا أو كليا والنطق بتصفيتها القضائية بناء على طلب معلل من السنديك أو من المراقب أو من رئيس المقاولة أو تلقائيا و بناء على تقرير القاضي المنتدب “[58].

ومن التطبيقات القضائية بهذا الخصوص ما قضت به المحكمة التجارية بالدار البيضاء بتحويل التسوية القضائية إلى تصفية قضائية في حق مقاولة بعلة أنه ثبت للمحكمة من خلال تقرير القاضي المنتدب المستند على تقرير سنديك التسوية القضائية وكذلك على تصريحات هذا الأخير المدلى بها خلال الاستماع إليه بغرفة المشورة أن التاجر لم يحترم التزاماته الواردة بمخطط الاستمرارية حيث لم يؤد سو ى 10 % من الديون الحالة كما أفاد أن المقاولة مغلقة وأنها متوقفة عن العمل وأنه فقد الاتصال بالتاجر، فأنه من الثابت من كل ما ذكر أن المقاولة توجد في وضعية مختلة بشكل لا رجعة فيه وأنه حفاظا على حقوق الدائنين وإيقافا لنزيف المقاولة يتعين إعمال الجزاء المنصوص عليه في المادة 602 من مدونة التجارة وذلك بالتصريح بفسخ مخطط الاستمرارية للتاجر المذكور وتقرير تحويل التسوية القضائية المفتوحة في حقه إلى تصفية قضائية “[59]. وفي حالات أخرى يشكل تقاعس المقاولة عن تنفيذ التزاماتها المحددة في مخطط الاستمرارية سببا كافيا للمحكمة لكي تقضي بفسخ المخطط والنطق بالتصفية القضائية كما هو الحال بالنسبة للحكم الصادر عن المحكمة التجارية بالدار البيضاء التي قضت فيه بفسخ مخطط الاستمرارية لشركة “ص” وفتح مسطرة التصفية القضائية في مواجهتها بعلة أن الشركة المذكورة لم تسدد الأقساط المحددة في المخطط لفائدة الدائنين[60].

وتجدر الإشارة إلى أنه وبمناسبة استئناف الحكم القاضي بفتح مسطرة التصفية القضائية تملك محكمة الاستئناف التجارية صلاحية إلغاء الحكم الابتدائي بناء على الأثر الناقل للاستئناف وبالتالي فتح المسطرة تلقائيا إما بالتسوية أو التصفية القضائية وبإرجاع الملف من جديد إلى المحكمة التجارية للسهر على تنفيذ قرار الاستئناف وكمثال تطبيقي على ذلك جاء في قرار محكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء” بأن هذه الأخيرة توحي بأن الطاعنة ليست مختلة بشكل لا رجعة فيه فإنه يلزم تبعا لذلك إلغاء الحكم المستأنف فيما قضى به من فتح مسطرة التصفية القضائية في حق الطاعنة والحكم من جديد بفتح مسطرة التسوية القضائية في حفها مع الإبقاء على القاضي المنتدب والسنديك وتكليف هذا الأخير بإعداد الحل الملائم لوضعية المقاولة على ضوء المعطيات المستجداة في الملف إن كان لها ما يبررها على أرض الواقع”[61] .

الفقرة الثانية : تعيين القضاء لأجهزة التسيير والمراقبة في المسطرة
خلال الحكم القاضي بفتح مسطرة المعالجة تقوم المحكمة التجارية بتعيين أجهزة التسيير والمراقبة لمساعدة المقاولة على تجاوز الصعوبات وتحديد الحل النهائي الكفيل بحلها ومواجهتها، وهو ما يعني أن هذه الأجهزة عليها أن تكون ذات كفاءة عالية وخبرة كافية مما يؤهلها للقيام بمهمتها خاصة أن مساطر صعوبات المقاولة مرتبطة بجوانب اقتصادية واجتماعية متداخلة فيما بينها تتجاوز المصلحة الفردية للأشخاص وتهدف إلى المصلحة العامة للمقاولة كجزء لا يتجزأ من الحياة الاقتصادية ومن النظام العام الاقتصادية .

و يتمثل أحد هذه الأجهزة في القاضي المنتدب، حيث تعمد المحكمة عند فتح مسطرة معالجة صعوبات المقاولة إلى تعيين أحد أعضائها قاضيا منتدبا في نفس الحكم القاضي بفتح المسطرة، وهذا التعيين تفرضه الحاجة الملحة لتسيير المسطرة ومراقبتها، فليس من المنطقي أن تتدخل المحكمة بتشكيلتها الجماعية للبت في كل عارض من عوارض المسطرة المختلة والمتشعبة لذلك تقرر تعيين قاض منفرد يتولى مهمة الإشراف والمراقبة في حدود الصلاحيات الممنوحة له[62].

ونشير في هذا الصدد أنه لضمان استقلالية و حياد جهاز القاضي المنتدب عمل المشرع على منع إسناد هذه المهمة إلى أقارب رئيس المقاولة أو مسيرها حتى الدرجة الرابعة بإدخال الغايةو كذا أصهارهم[63] كما أعطى قانون صعوبات المقاولة دورا كبيرا للقاضي المنتدب إذا يعتبر بمثابة قائد أوركسترا في تسيير المسطرة أو محور دورانها[64].ولم يتطرق المشرع لإمكانية استبدال القاضي المنتدب على غرار ما كان معمولا به في ظل قانون الإفلاس الملغى. لذلك فإن طلب استبداله لا يطرح أية فائدة عملية بل على العكس من ذلك قد يكون سببا في تعطيل سير المسطرة وفي تأخرها، لذلك فالملاحظ من خلال الاطلاع على مختلف الأحكام في مادة صعوبات المقاولة غياب المنازعات الخاصة باستبدال القاضي المنتدب وهو ما يفيد أن عدم إشارة المشرع إلى ذلك مرده اتجاه إرادته نحو تقوية مؤسسة القاضي المنتدب ودعم استقلاليته ليبقى بمنأى عن الاستبدال وذلك على خلاف نظيره الفرنسي حيث نص على إمكانية استبداله من طرف المحكمة نتيجة الوفاة أو المرض مثلا أو لوجود ظروف.

والملاحظ في هذا الإطار أن المادة 671 من القانون 17.37 لم تحدد نطاق اشتغال القاضي المنتدب ولا تضيف اختصاصا جديدا الاختصاصات الممنوحة له صراحة بموجب مواد أخرى، فصلاحية حماية المصالح المتواجدة تعني بأن القاضي المنتدب يساعد الأطراف المتنازعة في إطار مصالح متعارضة، أما مهمة السهر على السير للمسطرة تفيد أنه قاضي السرعة والعجلة، وفي هذه الحالة يمكن تشبيه القاضي المنتدب بقاضي المستعجلات[65]، كما أن المشرع قد عمل من خلال مستجدات القانون السالف الذكر على سرد نوع من الصلاحيات التي يستأثر بها القاضي المنتدب و يتعلق الأمر بالطلبات الاستعجالية و الوقتية ة الإجراءات التحفظية المرتبطة بالمسطرة[66].

إضافة إلى ذلك فالقاضي المنتدب يوفر نفس ضمانات السرعة في البت التي تمنحها عادة مسطرة الاستعجال ويشكل قيمة مضافة بفعل احتكاكه بتفاصيل المسطرة وبمختلف مراحلها، مما يساهم في توحيد الحل ومنع تشتت المنازعات المرتبطة بالمسطرة وذلك بعرضها على مختلف الجهات القضائية وهو ما تم الإشارة إليه في قرار صادر عن محكمة الاستئناف التجارية بفاس الذي جاء فيه :”… جرى قضاء هذه المحكمة على أن القاضي المنتدب لمسطرة معالجة صعوبات المقاولة يكون مختصا في حالة الاستعجال شأنه في ذلك قاضي الأمور المستعجلة استئناسا بقرار محكمة النقض الفرنسية التي خولته هذا الاختصاص… “[67]

وفي إطار حماية المصالح المتواجدة وخاصة مصلحة الدائنين، يعين القاضي المنتدب واحدا إلى ثلاثة مراقبين من بين الدائنين الذين يتقدمون إليه بطلب ويمكن أن يكون هؤلاء المراقبون أشخاصا طبيعيين أو معنويين ، ويمكن القول أن دور المراقبين يبقى هامشيا إلى حد كبير اللهم إذا استثنينا حقهم في المطالبة بتحويل مسطرة التسوية القضائية إلى مسطرة التصفية القضائية[68]، مما يطرح التساؤل حول جدوى تعيينهم أصلا مادام السنديك هو المتمثل الحقيقي للدائنين ؟ وتجدر الإشارة إلى أن القاضي المنتدب وهو بصدد النظر في المنازعات الداخلة في اختصاصه يتعين عليه احترام مبدأ الحضورية كإحدى المبادئ الأساسية في المنازعات القضائية بشكل عام وأن يصون حرية الدفاع ، ويكون الأمر الصادر عن القاضي المنتدب مكتوبا، وباعتباره أمرا قضائيا يجب أن يتضمن اسم مصدره وتاريخه ويوضع الأمر حالا بين يدي كتابة الضبط ويشكل هذا الإبداع في حد ذاته نوعا من الإشهار يمكن للأغيار والإحاطة بمختلف مراحل المسطرة.وبشكل عام فالقاضي المنتدب يصدر العديد من الأوامر يمكن تصنيفها في زمرتين ، تلك تعتبر تدابير للإدارة القضائية ولا تأخذ طابعا نزاعيا وإنما تتمحور حول إدارة المسطرة ومراقبتها مثل وضع الأختام أو الأذن بفتح حساب خاص للمقاولة أو الأمر بتسليم الرسائل الموجهة لرئيس المقاولة إلى السنديك تحديد الأجور المتعلقة بأعمال رئيس المقاولة أو مسير الشخص المعنوي، وتلك التي تعتبر أوامر قضائية بمناسبة البت في الطلبات والمنازعات والشكايات و اتخاذ التدابير و الإجراءات التحفظية.

أما الجهاز الثاني فيتجسد في السنديك باعتباره المحرك الأساسي لمختلف الإجراءات التي تقتضيها مسطر المعالجة وذلك تحت إشراف ومراقبة القاضي المنتدب وهو ما يفرض عليه أن يكون صاحب خبرة وكفاءة عاليتين في مختلف الميادين الاقتصادية والمالية والقانونية وذلك بالنظر إلى حجم الاختصاصات التي منها له قانون صعوبات المقاولة وطبيعتها المعقدة.

والملاحظ بهذا الخصوص أن السنديك الموظف لدى كتابة الضبط المغربية لا يتوفر على مؤهلات عملية كافية تسمح له بممارسة هذه المهمة على أكمل وجه[69]،مما يجعله في حاجة مستمرة إلى خبير أو عدة خبراء لمؤازرته خاصة عند عملية إعداد الموازنة الاقتصادية والمالية للمقاولة وعند تهيئ مشروع مخطط التسوية. وفي هذه المرحلة الراهنة يبقى السنديك بعيدا عن الكفاءة المهنية المطلوبة ،فمؤهلاته وتكوينه لا يسايران التطور الحاصل في النشاط التجاري خاصة مع ظهور أنظمة جديدة في قانون المقاولات، ومع الظهور المتزايد للشركات والمخاطر التي أصبحت تمثلها هذه التجمعات على الادخار العام وعلى الاستقرار الاقتصادي .

وعلى الرغم من كون السنديك يعمل تحت مراقبة وإشراف القاضي المنتدب ، إلا أنه يقوم بالعديد من الأعمال التي تستلزم نوعا من المبادرة وقدرا كبيرا من الحيطة والحذر وذلك لتجنب أي خطأ قد يمس بمصالح النزاع وفي هذا المجال يمكن للسنديك مراسلة الإدارات العمومية للحصول على المعلومات التي من شأنها أن تعطيه فكرة صحيحة عن الوضعية الاقتصادية والمالية للمقاولة ،كإدارة الضرائب والجمارك الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي… الخ، كما يمكن له في جميع الأحوال استعمال حسابات المقاولة البنكية أو البريدية من أجل خدمة المقاولة ويعتبر إعداد تقرير يبين فيه الموازنة المالية والاقتصادية والاجتماعية للمقاولة هو أهم اختيار لمدى كفاءة السنديك وذلك بمشاركة رئيس المقاولة .

كما يقع على كاهل السنديك القيام بعملية تحقيق فيما يتعلق بالديون، وهي عملية صعبة للغاية خاصة بالنظر إلى التكوين البسيط للسنديك فكيف يستطيع هذا الأخر التحقيق من الديون الضريبية وديون الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ؟ وكيف يمكن له الوصول إلى قرار بخصوص قيمة الديون الناتجة عن بعض العقود كالائتمان الإيجاري والعقود البنكية؟وكيف يمكن للسنديك التقرير بشأن الديون الناشئة عن الجرائم وأشباه الجرائم المقترفة من طرف المدين قبل فتح المسطرة ؟وبهذا الخصوص فمن المؤكد أن ما يقرره السنديك لا يقيد القاضي المنتدب، فهذا الأخير يملك الحق في رفض اقتراحات السنديك بهذا الشأن،ومع ذلك فالظروف التي تمر منها مساطر المعالجة والصعوبات التي تواجهها قد تجعل القاضي المنتدب يصادق على قرار السنديك بشكل آلي، لذلك فإن هذه الإشكاليات المطروحة والناجمة عن تحقيق الديون ومنها كفاءة السنديك وبالنظر إلى الآجال المرتبطة بطبيعة هذه العملية فإن ذلك كله شأنه المس بمصالح الدائنين سواء أثناء قبول الدين أو رفضه، على الرغم من أن الدائنين باستطاعتهم الطعن في القرار القاضي المنتدب بمناسبة تحقيق الديون وفق مسطرة خاصة إلا أنهم نادرا ما يحصلون على نتائج إيجابية فالمحكمة بدورها تتأثر بقرارات القاضي المنتدب التي هي حصيلة العمليات التي قام بها السنديك شخصيا .

دور النيابة لدى المحاكم التجارية في صعوبات المقاولة
خاتمة

أخيرا لا يسعنا أن نقول أن القضاء التجاري بمختلف الآيات القانونية التي خولها له المشرع سواء في مدونة التجارة أو من خلال القانون 17.73 فإنه لا يملك عصا سحرية تمكنه من تحقيق الأهداف المرجوة من وراء سن قانون صعوبات المقاولة، بل لا بد من تعاون مثمر من لدن جميع الفاعلين الاقتصاديين، و في مقدمة ذلك لابد من تغيير ثقافة المقاولة المغربية و دعم ثقتها في القضاء التجاري الذي أصبح بحق شريكا في عملية التنمية الاقتصادية، فلا ينبغي أن يكون لجوء رؤساء المقاولات إلى طلب فتح مساطر المعالجة مرده فقط إلى التهرب من الضرائب أو الديون العمومية أو ديون الأبناك أو كسب الوقت للتصرف في أصول المقاولة بطريق تضر بمصالح الدائنين و الأجراء، بل يجب أن يكون الهدف الاسمي من وراء اللجوء إلى طلب فتح هذه المساطر هو تسوية و إنقاذ المقاولة، كما أن موقف الدائنين مهم جدا لإنجاح الدور القضائي الجديد حيث يتعين أن يتحرر هؤلاء الدائنين من عقلياتهم المرتبطة بمصالحهم الخاصة فقط و لو على حساب فرص إنقاذ المقاولة، و أن يكون تدخلهم في إطار مساطر صعوبات المقاولة المتعثرة بصفتهم شركاء لا بصفتهم خصوما لها و ذلك كله من أجل تحقيق المصلحة العامة و الاقتصاد الوطني ككل.

[1]– قرار رقم 1328 بتاريخ 23 أكتوبر 2002،في الملفين المضمومين 304/3/201 و 201/3/1/02 ، منشور بمجلة القضاء و القانون، عدد 149، السنة الواحدة و الثلاثون، مطبعة الأمنية، الرباط.

[2]– عبد الحميد أخريف، الدور القضائي الجديد في القانون المغربي لصعوبات المقاولة، أطروحة لنيل شهادة دكتوراه الدولة في القانون الخاص، جامعة محمد الأول، كلية الحقوق بوجدة، السنة الجامعية 2000/2001، ص:456.

[3]– لقد قلص المشرع بمقتضى القانون 17.73 المدة المحددة لطب فتح المسطرة بالنسبة للمتوفى من سنة إلى ستة أشهر فقط.

[4]– من المستجدات التي جاء به القانون السالف الذكر، حيث ألزم المحكمة بالبث في المسطرة داخل أجل 15 يوما على الأكثر من تاريخ رفع الدعوى إليه، أنظر الفقرة الثالثة من المادة 582 من القانون 17.73.

[5]– أحمد شكري السباعي، الوسيط في صعوبات المقاولة، الجزء الثالث، ص: 190.

[6]– أحمد شكري السباعي، الوسيط في صعوبات المقاولة، الجزء الأول، مرجع سابق، ص:95.

[7]– قرار صادر عن محكمة الاستئناف التجارية بفاس تحت رقم 3 في الملف عدد55/2000 بتاريخ 24 أبريل 2002، غير منشور.

[8]– عبد الرحيم السليماني، القضاء التجاري بالمغرب و مساطر صعوبات المقاولة، دراسة نقدية و مقارنة، الطبعة الأولى 2008، ص:94.

[9]– عبد الحميد أخريف، مرجع سابق، ص:48 و ما يليها.

[10]– ادريس بنشقرون، خلية رصد المقاولات في وضعية صعبة، العدد 1 مايو 2004، مجلة المحاكم التجارية، منشورات جمعية نشر المعلومات القانونية و القضائية، ص: 67 و ما يليها,

[11]– أحمدعبادي، النيابة العامة و صعوبات المقاولة، مجلة القضاء و القانون، مطبعة الأمنية الرباط، عدد 150، ص :31.

[12]– المادتين 740 و 745 من القانون 17.73.

[13]– أنظر المادة 577 من نفس القانون.

[14]– من بين التعديلات التي جاء بها القانون السالف الذكر هو أنه مدد من الأجل الذي يحق لرئيس المقاولة تقديم طلب فتح المسطرة حيث أصبح 30 يوما بدل 15 كما كان منصوص عليه في مدونة التجارة لسنة 1996.

[15]– حكم صادر عن المحكمة التجارية بالدار البيضاء رقم 6306 بتاريخ 15/11/99، غير منشور.

[16]– أحمد شكري السباعي، الوسيط في صعوبات المقاولة، الجزء الثالث، ص: 131.

[17]– حكم رقم 10 بتاريخ 26/04/2000 في الملف رقم 05/03/2000، غير منشور.

[18]– المادة 19 من قانون 53.95 المؤرخ في 12 فبراير 1997.

[19]– قرار رقم 101 بتاريخ 21 يناير 2003 في الملف رقم 1249/08/02، منشور بالمجلة المغربية لقانون الأعمال و المقاولات، عدد 13، أكتوبر 2007، ص: 164 و ما يليها.

[20] – قرار رقم 784 بتاريخ 12 يوليوز 2006 في الملف رقم 478/03/02، منشور بالمجلة المغربية لقانون الأعمال و المقاولات، عدد 13، أكتوبر 2007، ص: 169 و ما يليها.

[21]– الفقرة الثالثة من المادة 761 من القانون 17.73.

[22]– المادة 762 من القانون 17.73.

[23]– أحمد شكري السباعي، الوسيط في صعوبات المقاولة، الجزء الثاني، مرجع سابق، ص: 25.

[24]– أنظر الفصل 147 من قانون المسطرة المدنية.

[25]– المادة 761 من القانون 17.73.

[26]– عبد الرحيم السليماني، مرجع سابق، ص: 65.

[27]– الفصل 7 من قانون 25/01/1985 الفرنسي.

[28]– المرسوم رقم 614/87 بتاريخ 3/08/1987.

[29]– عبد الله درميش، الإشكالات التي يطرحها قانون المحاكم التجارية، مجلة المحاكم المغربية، عدد 81 مارس-ابريل، ص: 100.

[30]– حكم رقم 3/2003 بتاريخ 3/5/2000، ملف رقم 13/99، غير منشور.

[31]– ملف عدد 1/98 بتاريخ 07/04/1999 ، منشور بمجلة المحاكم المغربية، عدد 81، ص: 195.

[32]– الفقرة الثانية من المادة 581 من القانون 17.73.

[33]– حكم رقم 1634 بتاريخ 13/12/2001، ملف عدد 28/2001/4، غير منشور.

[34]– زهير برحو، النيابة العامة بالمحاكم التجارية تواجد هيكلي و غياب وظيفي، مكتبة دار السلام للطباعة، الرباط، الطبعة الأولى 2003، ص: 72 و ما بعدها.

[35]– ملف عدد 5/35/99 بتاريخ 05/01/2001، غير منشور.

[36]– المادة 582 من القانون 17.73.

[37]– DALLOZ, 1989, info rapides, P : 219.

[38]– أحمد شكري السباعي، الوسيط في صعوبات المقاولة، الجزء الثاني، مرجع سابق، ص: 223.

[39]– محمد لفروجي، صعوبات المقاولة، مرجع سابق، ص:198.

[40]– المادة 577 من القانون 17.73.

[41]– من المستجدات التي جاء بها القانون 17.37 في هذا الإطار هو ضرورة إنذار رئيس المقاولة الذي يتقاعس عن الإدلاء أو إتمام الوثائق الضرورية لفتح المسطرة، هذا بالإضافة إلى ما تضمنته الفقرة الخامسة من المادة 577 التي أعطت للمحكمة اتخاذ أي إجراء تراه مفيدا للتأكد من الوضعية الحقيقية للمقاولة.

[42] قرار رقم 1083/99 بتاريخ 20 يوليو 1999 في الملف عدد 956/99/10، منشور بمجلة المناهج، عدد مزدوج 3 و 4، 2003، ص: 223.

[43]– حضري عبد العزيز، التوقف عن الدفع في الإفلاس في القانون المغربي و المقارن، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص، جامعة محمد الخامس، الرباط 1985، ص: 11.

[44]– BULL Des Arrêts De La Cour De Cassation Française, Février- Mars 1978, 4ème Partie, P : 53-54,

[45]– الفصل 3 من قانون 25 يناير 1985 الفرنسي.

[46]– قرار عدد 1491 بتاريخ 10/04/ 2000 في الملف عدد 97/ 4046، غير منشور.

[47]– حكم رقم 12/ 99 بتاريخ 22/ 02/ 99 في الملف عدد 4/99، منشور بمجلة المحاكم المغربية، يوليو 2000، عدد 83، ص: 210.

[48]– قرار عدد 560 بتاريخ 16/03/ 2000 في الملف عدد 99/ 2545/11، غير منشور.

[49]– أنظر الفقرة الثانية من المادة 575 من القانون 17.73، حيث يلاحظ من خلال هذه المادة أن المشرع حصر حالة التوقف عن الدفع في الحالة التي تكون المقاولة مدينة أولا بدين مستحق الأداء و أن يتم المطالبة بهذا الدين ثانيا ثم لا تجد المقاولة من خلال الاصول المتوفرة لديها ما تستطيع به أداء هذه الديون المستحقة ثالثا.

[50]– مثال على ذلك أنظر: الحكم رقم 3246/ 99 بتاريخ 31.05.99 في الملف رقم 4056/99، غير منشور.

[51]– محمد لفروجي، مرجع سابق، ص: 207.

[52]– أنظر حكم المحكمة التجارية بالرباط، ملف رقم 98/677 بتاريخ 29 دجنبر1998، منشور بمجلة الإشعاع عدد 18، يناير 1999، ص: 256.

[53]– المادة 579 من القانون 17.73.

[54]– أحمد شكري السباعي، الوسيط في صعوبات المقاولة، الجزء الثاني، مرجع سابق، ص: 233.

[55]– أنظر المادة 360 من القانون التجاري لسنة 1913

[56]– ملف رقم 677/ 98 بتاريخ 29 دجنبر 1998، منشور بمجلة الإشعاع، عدد 18، ص: 256.

[57]– قرار رقم 990 بتاريخ 25 مارس 2005 في الملف عدد 3574/04 /11، غير منشور.

[58]– المادة 587 من القانون 17.73، مع الإشارة إلى أن المشرع من بين المستجدات التي جاء بها هذا القانون هو إضافة كل من السنديك و المراقب ورئيس المقاولة إلى الجهة المخول لها طلب تحويل مسطرة التسوية القضائية إلى مسطرة التصفية القضائية.

[59]– قرار رقم 173/2008 بتاريخ 7 يوليوز 2008 في الملف عدد 115/25/2008، غير منشور.

[60]– حكم صادر بتاريخ 4 فبراير 2009 في الملفين المضمومين عدد 31/20/2008 54/18/2008، غير منشور.

[61]– قرار رقم 3860/2009 صادر بتاريخ 26 يونيو 2009 رقم الملف بالمحكمة التجارية 202/20/2008 و رقمه بمحكمة الاستئناف التجارية 1648/09/2011، غير منشور.

[62]– لمزيد من الاطلاع، يراجع في هذا الصدد، المهدي شبو، مؤسسة القاضي المنتدب في مساطر معالجة صعوبات المقاولة، المرجع سابق.

[63]– من المستجدات التي جاء بها القانون 17.73 هو أنه أضاف أصهار رئيس المقاولة و مسيريها إلى قائمة الأشخاص الممنوعين قانونيا من تولي مهمة القاضي المنتدب مما يضفي أكثر حيادا و استقلالية في انجاز المهام و الصلاحيات المخولة له في إطار صعوبات المقاولة.

[64]– André ORTH, Le Rôle Du Juge Dans La Nouvelle Législation Des Entreprises En Difficultés, Rev-Juris.Com Numéro Spécial Février 87, P : 95.

[65]– عمر أزوكاغ، القاضي المنتدب في مساطر صعوبات المقاولة، جريدة الأحداث المغربة بتاريخ 01 شتنبر 2000.

[66]– أنظر المادة 672 من القانون 17.73.

[67]– قرار رقم 38 صادر بتاريخ 14 يونيو 2006، منشور بمجلة المعيار، عدد 37، ص:209.

[68]– من بين مستجدات القانون 17.73.

[69]– مع العلم أن بعض المحاكم التجارية المغربية تنيط هذه المهمة بأحد المنتدبين القضائيين العاملين لديها و إن كان هذا الإطار لا يختلف كثيرا عن باقي أطر كتابة الضبط .

شارك المقالة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر بريدك الالكتروني.