مبآدئ المحكمة الدستورية في الطعون الإنتخآبية ( الكويت )

ن إجراءات الانتخاب التي اشتملها القانون قد وضعت للوصول إلى نتيجة واحدة ، هي تمكين الناخب من إبداء رأيه بحرية والإدلاء بصوته بشكل غير معلن وانتخاب من يشاء من المرشحين والخلوص في ذلك بعد فرز الأصوات إلى الإعلان عن إرادة الناخبين الحقة . وأن مرحلة الفرز لا يبدأ بها إلا بعد الانتهاء من مرحلة التصويت، وتعد كل من المرحلتين غير الأخرى، فإذا ما شاب مرحلة الفرز عيب فيها أو خطأ في إحصاء عدد الأصوات التي حصل عليها المرشـح، فإن ذلك لا يؤثر على عملية الانتخاب ، وإنما يكـون باطلاً فيما يختـص بهذا الإجـراء المعيـب أو الخاطئ، وللمحكمة أن تصححه، وأن تظهر نتيجة الانتخاب على الوجه الصحيح من أمرها ، نزولاً على إرادة الناخبين الحقة، وعليها تبعاً لذلك أن تُبطل انتخاب النائب الذي أُعلن انتخابه، وأن تعلن اسم المرشح الذي أسفر الانتخاب عن فوزه حقيقة ، رداً للأمور إلى نصابها، والتزاماً بإرادة الأمة وما يرتبـط بحقوقهـا في أن تُمثـل تمثيلاً صحيحاً، وأن ينوب عنها من يُمثل اختيارها وحريتها أصدق تمثيل.

ولا ينال من صحة النتيجة التي خلصت إليها المحكمة ـ على نحو ما سلف بيانه ـ ما لاحظته من الاطلاع على محاضر الفرز من خلو بعضها من توقيع مندوبي المرشحين ، أو أسماء من رافق منهم رئيس اللجنة في نقل صندوق الانتخاب إلى مقر اللجنة الأصلية ، أو إغفال تدوين بعض البيانات ، أو وجود أخطاء مادية في بعض الأرقام لا يغيب على أحد إدراكها ومعرفة صحتها ، إذ ليس من شأن ذلك جميعه أن يُبطل الانتخاب أو يُؤثر على صحته لا سيما أن ذلك لم يثبت أنه كان مقترناً بغش ، أو كان له تأثير على نتيجة الانتخاب .

أن الطعون الانتخابية هي طعون قضائية ذات طبيعة خاصة ، تخضع فيما يتعلق بإجراءاتها ورفعها واتصالها بالمحكمة الدستورية لأحكام وقواعد قانونية محددة ليست هي بالضرورة الأحكام والقواعد التي تخضع لها سائر الدعاوى القضائية الأخرى التي تختص بها المحاكم وفقاً لما تمليه طبيعة أوضاع الطعون أمام هذه المحكمة والإجراءات المتبعة أمامها ، لما كان ذلك ، وكان نطاق الخصومة في الطعن الانتخابي يتحدد بالمسألة المطروحة عليها دون أن يتعداها ، وذلك وفقاً لما تفرضه طبيعة هذه الطعون ، ومن ثم فإن قبول المحكمة لأي من الطلبات العارضة أو الطلبات المقابلة والتي تتميز عن مجرد الدفاع وتتضمن ادعاءً جديداً ضد الطاعن لإصدار حكم فيه ضده ، لا يجوز بأي حال إذ من شأن ذلك أن يؤدي إلى بسط نطاق الطعن وإفساحه عما كان عليه عند إقامته .

وإذ انتهت المحكمة إلى أن إعلان اللجنة الرئيسية للدائرة (الخامسة) لنتيجة الانتخاب بعدم فوز الطاعن ، قد جاء خاطئاً ، ومن ثم يتعين إبطالـه. ولما كان المطعون ضده العاشر قد اكتسب عضوية مجلس الأمة تبعاً لهذا الإعلان الخاطئ لنتيجة الانتخاب ، فإنه يتعين القضاء بعدم صحة عضويته ، وإعلان فوز الطاعن في انتخابات هذه الدائرة .

فإذا سُمح للمرشح بخوض الانتخابات وهو فاقد لشرط من شروط الترشيح سواء لأسباب سابقة أو معاصرة لعملية الانتخاب، فإن إرادة الناخبين في هذه الحالة تكون قد وردت على غير محل صالح للتصويت والاقتراع عليه حتماً، ولا يكون إعلان نتيجة الانتخابات بفوزه فيها متضمناً إعلاناً عن إرادة الناخبين، ولا وجه للقول والحال كذلك بتحصن قرار إدراج اسم المرشح في كشوف المرشحين بعدم الطعن عليه، أو باكتمال مركزه القانوني بإعلان فوزه في الانتخاب، أو التحدي بحق مكتسب يستعصي على التغيير.

وعلى ذلك فإن الطعن على الإجراءات التي تتعلق بانتخاب عضو مجلس الأمة ـ سواء كان الطعن منصباً على إجراءات الانتخاب أو على فقدان المرشح الذي قام بخوض الانتخابات وأُعلن فوزه فيها لشروط الترشيح ـ ينطوي ومن ثم على طعن في عملية الانتخاب، لأن الفصل في هذا الشأن يؤثر بالضرورة وبحكم اللزوم على صحة عضوية من أُعلن فوزه في هذه الانتخابات ، وغني عن البيان أيضاً أن الطعن على إعلان نتيجة الانتخاب ليس طعناً على قرار إداري مما يختص القضاء الإداري بطلب إلغائه ، إذ لا يُعد إعلان نتيجة الانتخاب إفصاحاً عن إرادة الجهة الإدارية،وإنما عن إرادة الناخبين. ومتى كان ذلك، وكان وجه النعي المثار في هذا الطعن ينصب في حقيقته على إجراءات عملية الانتخاب التي تمت بالدائرة (الرابعة)، وإعلان نتيجتها بفوز المطعون ضده الأول، بإدعاء بطلان خوضه هذه الانتخابات وإعلان فوزه وبطلان عضويته بمجلس الأمة ، على سند من أنه قد حكم عليه بعقوبة جناية، وأن هذا الحكم يستتبع حرمانه من حق الترشيح والانتخاب، فإن الطعن بهذه المثابة يكون مندرجاً ضمن الطعن الانتخابي الذي تختص هذه المحكمة بنظره .

أن الأحكام الصادرة بالغرامة ليست مانعة من الترشيح، ولا تعد من عقوبة الجنايات التي تستوجب حرمان المحكوم عليه من حق الترشيح والانتخاب، لما كان ذلك، وكان الثابت من الأوراق أن العقوبة المقضي بها على المطعون ضده الأول هي الغرامة المالية، ومن ثم يكون الطعن غير قائم على أساس سليم من القانون ويتعين رفضه.

ولا حجة فيما ذكره الطاعن من أن تشابه اسمه ولقب عائلته مع مرشحين آخرين أدى إلى حصولهما على أصوات تخصه، إذ جاء قوله في هذا الصدد محض افتراض لا تظاهره قرينة ولا يدعمه دليل، كما أن ما أثاره الطاعن من أنه قد جرى نقل صناديق اللجان الفرعية إلى اللجنة الأصلية بالمخالفة للمادة (36) من قانون الانتخاب، فيتعين الالتفات عنه، إذ أن الحفاظ على صندوق الانتخاب هو مسئولية رئيس اللجنة في المقام الأول، وله اتخاذ ما يراه لازماً لتوفير أقصى الضمانات تأميناً له ووقاية من العبث به، ولم يثبت بدليل أنه جرى العبث بصناديق الانتخاب، فيكون ما سيق من إدعاء في هذا الشأن محض تشكيك لا يُعتد به.

ولئن كان الأصل هو صحة ما جاء بمحاضر لجان الانتخاب وما دون فيها، وعدم جواز الإدعاء بمخالفتها للحقيقة إلا بسلوك الطعن عليها بالتزوير، إلا أن هذا الإدعاء لا يكون مقبولاً إلا إذا كان منتجاً للفصل في موضوع الطعن ومؤثراً في نتيجة الانتخاب، ولا يُقبل من الطاعن طلبه الخاص بإحالة الطعن إلى التحقيق لنفي ما ورد بهذه المحاضر كوجه من أوجه دفاعه الموضوعية ويصفها بأنها مزورة ويؤكد اعتراضه عليها بالإدعاء بالتزوير ما لم يقدم قرائن قوية محددة ومقنعة لإثبات عدم صحة البيانات الواردة بها، إذ لا يمكن اطراح هذه المحاضر في نطاق ما أُعدت لإثباته لمجرد المجادلة أو التشكيك في صحتها، كما لا إلزام على المحكمة بإحالة الطعن إلى التحقيق لإثبات الإدعاء بالتزوير، متى كان في وقائع الطعن وأوراقه ما يزيل الشبهة عنها، وكان ذلك كافياً لتكوين عقيدتها على صحتها.

وحيث إن المشرع في القانون رقم (35) لسنة 1962 في شأن انتخابات أعضاء مجلس الأمة بعد تعديله بموجب القانون رقم (19) لسنة 1995 عهد طبقاً للمادة (36) منه إلى اللجان الأصلية واللجان الفرعية على حد سواء إدارة الانتخاب وفق الإجراءات المقررة حتى ختام عملية الانتخاب ، وقيام كل لجنة بفرز صندوق الانتخاب بالنداء العلني، وذلك فور انتهاء عملية الانتخاب في جميع لجان الدائرة ، حيث أوردت المذكرة الإيضاحية للقانون سالف الذكر في هذا المقام أن هذا الاختصاص أصبح للجان الأصلية والفرعية معاً وليس للجان الأصلية فقط لمزيد من الدقة والإحكام بحيث لا تبدأ أي لجنة في فرز أصوات الناخبين إلا بعد انتهاء التصويت في جميع لجان الدائرة الانتخابية ، هذا وإنه وإن كان المشرع قد حدد ختام عملية الانتخاب في جميع اللجان في الساعة الثامنة مساءً إلا أنه أجاز استثناءً من ذلك استمرار عملية الانتخاب بعد هذا الوقت المحدد إذا تبين وجود ناخبين في مكان الانتخاب لم يدلوا بأصواتهم بعد ، على أن يقتصر التصويت على هؤلاء دون غيرهم ، بحيث تستمر عملية الانتخاب إلى ما بعد الإدلاء بأصواتهم ، بما مؤداه أن يتفاوت وقت انتهاء عملية الانتخاب في كل لجنة بحسب عدد الناخبين داخل جمعية الانتخاب ، ولما كان ذلك ، وكان البين من محاضر الانتخاب للدائرة المشار إليها أن بعض اللجان قد قامت بفرز الأصوات بعد ختام عملية الانتخاب فيها على الرغم من استمرار لجان أخرى في عملية الانتخاب، ولم يثبت من محاضر الانتخاب أن الطاعن قد احتج هو أو مندوبه أو غيره على هذا الإجراء ، وهو أمـر ما كان يسـوغ لهذه اللجان القيام به إلا بعد انتهاء عملية الانتخاب في جميع لجان الدائرة التزاماً بحكم القانون ونزولاً على مقتضاه ، إلا أنه قد لاحظت المحكمة أن الطاعن قد نال من الأصوات فيها ما يفوق عدد الأصوات التي حصل عليها المطعون في صحة انتخابه (د) ، وأنه بفرض إلغاء نتائج هذه اللجان وذلك باستبعاد الأصوات التي نالها كل من المرشحين في هذه اللجان من مجموع الأصوات التي نالها كل منهم ، فإنه بعد هذا الاستبعاد تظل الأغلبية لمن أعلن فوزهما ، لا سيما وأن الثابت أن معظم اللجان قد التزمت بالفترة الزمنية المقررة لإجراء الفرز حيث لم يتجاوز ذلك فيما بينها إلا دقائق معدودات ، كما أن الفائز الأول (م) قد حصل على (2788) صوتاً مـن مجمـوع أصـوات الناخبين ، كما حصل الفائز الثاني ( د) على (2056) صوتاً، بينما حصل الطاعن على (1646) صوتاً أي بفارق بينه وبين الفائز الأول (1142) صوتاً، وبفارق بينه وبين الفائز الثاني (410) صوتاً ، كما لا تفيد الأوراق بما يقطع بثبوت أن هذا الفارق كان مرجعه إلى مخالفة اللجان لهذا الإجراء ؛ وترتيباً على ما تقدم ، يتعين رفض الطعن .

وحيث إن ثبوت حق الناخب في الإدلاء بصوته في الانتخاب رهين في الأساس بوجود اسمه مقيداً بجدول الانتخاب وفقاً لصريح نص القانون سالف الإشارة إليه ، ومن المعلوم أن جداول الانتخاب لا تشمل إلا على أسماء الأشخاص الذين توافرت فيهم الصفات المطلوبة لتولي الحقوق الانتخابية ، واشتراط القانون في الناخب أن يكون اسمه مقيداً بأحد جداول الانتخاب يستتبع بحكم ذلك أن يكون له حق الانتخاب أي له صفة الناخب ، كما أن الشروط التي يتعين توافرها في الناخب عديدة بحيث لا يمكن التحقق من توفرها جميعاً في كل ناخب على حدة أثناء عملية الانتخاب لأن ذلك قد يستغرق وقتاً طويلاً كما يستدعي تحريات وبحثاً للتأكد من توافرها ولهذا السبب نشأ نظام جداول الانتخاب ، كما أنه نظراً للضمانات التي تحيط بتحرير هذه الجداول فقد اعتبر القانون القيد في الجدول دليلاً على أن للشخص المقيد به حق الانتخاب ، وعلى العكس لم يجز للشخص الاشتراك في الانتخابات إلا إذا كان اسمه مقيداً في الجدول المشار إليه .

لما كان ذلك ، وكان البين من الطعن الماثل أنه وإن انصب على إعلان نتيجة الانتخاب بمقولة حدوث بطلان في عملية التصويت لاستعمال بعض الناخبين حقوقهم الانتخابية وهم محرومون منها ، وتدَّخل هذه الأصوات الباطلة في التصويت لصالح المرشحين ، إلا أنه وعلى الرغم من أن الطعن ـ في واقع الأمر ـ ينصرف إلى تحرير جداول الانتخاب ، والطعن على تحريرها له مواعيده وإجراءاته ، وقد فوتها الطاعن على نفسه ولم يعترض على ذلك وقت عرض الجداول ونشرها ، لا سيما أن حالات فقد الصفات المتطلبة قانوناً في الأشخاص المدعى بفقدهم لها ـ بفرض صحتها ـ لم تطـرأ عليهم بعد آخر مراجعة للجداول ، وذلك وفقاً للبيانات المقدمـة من الطاعن في هـذا الشأن ، فإنه فضلاً عن ذلك لم يثبت للمحكمة أن أحداً من هؤلاء قد شارك في هذا الانتخاب فعلاً ، كما خلت محاضر لجان الانتخاب من الإشارة إلى أي اعتـراض أو احتجاج بهذا الخصوص ، بما يضحى ادعاء الطاعن في الطعن الماثل على غير أساس، لا ترى معه هذه المحكمة أن يكون محلاً للتحقيق ، كما لم تر في الاستجابة إلى طلب الطاعن لإثبات فقد إحدى الناخبات للأهلية لإعاقتها ذهنياً أمراً منتجاً .

إن المستفـاد مـن استعـراض نصـوص المـواد التي تضمنها القانـون رقم (35) لسنة 1962 في شأن انتخابات أعضاء مجلس الأمة وتعديلاته أن المشرع ألقى على الناخب والجهة الإدارية معاً الالتزام بمعايير ضبط تحرير جداول الانتخاب، ووضع لها الضوابط والإجراءات الكفيلة بسلامتها وصحتها ، وأحاطها بسياج مُحكم من الضمانات التي تكمل بعضها بعضاً ويشد كل منها أزر سواها حتى لا يتسرب إلى هذه الجداول الخلل والاضطراب، بحيث تكون عند الشروع المفاجئ في إجراء الانتخابات مستوفاة، مشتملة على أسماء جميع المستحقين لمباشرة حقهم الانتخابي ، بحسبان أن سلامة العملية الانتخابية منوطة بسلامة عملية التصويت التي تعتمد في المقام الأول على مدى صحة وانضباط القيد بالجداول الانتخابية ، وعهد المشرع إلى الجهة الإدارية دوراً بالغ الأهمية باعتبارها الأمينة على سلامة القيد في هذه الجداول ، فأخضع الجداول للمراجعة ومن ثم للتعديل السنوي خلال ميعاد معين من كل عام (مادة 8) ، سواء لإضافة من توفرت فيهم الصفات المتطلبة قانوناً لتولي الحقوق الانتخابية ، أو حذف أسماء من فقدوا هذه الصفات منذ آخر مراجعة ، أو لمعالجة إهمال القيد دون وجه حق ، أو حذف أسماء من تم قيدهم بغير وجه حق ، أو حذف من توفى من المقيدين بها ، أو حذف وإضافة الناخبين بسبب تغير موطنهم ، وحتى تستكمل هذه الجداول وضعها النهائي ، ألقى المشرع على عاتق الجهة الإدارية التزاماً يظل قائماً عليها بعدم إدخال أي تعديل من جانبها في هذه الجداول بعد فوات الميعاد المضروب ، كما لم يجز إجراء أي تعديل فيها بعد صدور مرسوم دعوة الناخبين للانتخاب ، ووضع المشرع السبل لتوفير علم ذوي الشأن بمحتوى هذه الجداول وتمكين المواطنين من الاطلاع عليها والوقوف على مضمونها (مادة 9) ، وأفسح المجال لكل ذي شأن ولكل ناخب مقيد بجدول انتخاب الدائرة الطعن في مسائل القيد وفقاً لإجراءات محددة ومواعيد معينة (مادة 13) ، واعتبر المشرع جداول الانتخاب النهائية حجة قاطعة وقت الانتخاب ، ولم يجز لأحد الاشتراك فيه ما لم يكن اسمه مقيداً بها (مادة 17) ، هذا وقد نصت المادة (16) من القانون وذلك قبل تعديلها بموجب القانون رقم (1) لسنة 2006 على إعطاء كل من قيد اسمه في جدول الانتخاب وأصبح قيده فيه نهائياً شهادة بذلك يذكر فيها اسمه وتاريخ ميلاده ورقم قيده بالجدول وتاريخ القيد وبيان الدائـرة الانتخابية المقيـد بها حتى يتمكن من الإدلاء برأيه فـي الانتخابات بموجبها (مادة 32) ، والتي استعيض عن هذه الشهادة ببطاقة الانتخاب وذلك بموجب التعديل الذي طرأ على تلك المادة ، إلا أنه بالنظر لصدور المرسوم رقم (147) لسنة 2006 بدعوة الناخبين لانتخاب أعضاء مجلس الأمة ، محدداً يوم 29/6/2006 موعداً للانتخاب ، وتعذر التصويت بموجب بطاقة الانتخاب المشار إليها لعدم استخراجها أصلاً ، وما يستغرقه ذلك من وقت ، فقد صدر المرسوم بقانون رقم (27) لسنة 2006 مشتملاً على حكم وقتي ، متضمناً ـ استثناء من الحكم الوارد بالقانون السالف الإشارة إليه ـ عدم سريانه على هذه الانتخابات ، بحيث يكون على الناخب أن يقدم للجنة عند إبدائه رأيه شهادة قيده في جداول الانتخاب ، وعلى اللجنة أن تطلع على شهادة جنسيته وأن تختمها بختم خاص ، وفي حالة ضياع شهادة القيد تقبل اللجنة رأي الناخب بناء على شهادة الجنسية الخاصة به ، ووجود اسمه بجدول الانتخاب، هذا وقد تناول القانون رقم (35) لسنة 1962 المشار إليه في الباب الخامس منه جرائم الانتخاب ونص على معاقبة كل من يدلي برأيه في الانتخاب وهو يعلم أن اسمه أُدرج في الجدول بغير حق ، أو أنه فقد الصفات المطلوبة لاستعمال الحق ، أو أن حقه موقوف ، وذلك بالحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر وبغرامة لا تجاوز مائة دينار ، أو بإحدى هاتين العقوبتين (مادة 43) .

المشرع اختص هذه المحكمة دون غيرها بالفصل في الطعون الخاصة بانتخاب أعضاء مجلس الأمة أو بصحة عضويتهم طبقاً لصريح نص المادة الأولى من القانون رقم (14) لسنة 1973 بإنشاء المحكمة الدستورية ، وذلك استجابة للرخصة المقررة بموجب المادة (95) من الدستور التي أجازت بقانون أن يعهد بهذا الاختصاص إلى جهة قضائية، وقد كان هذا الاختصاص مقرراً من قبل لمجلس الأمة ، إلا أنه بعد أن استحدثت المحكمة الدستورية كجهة قضائية لمراقبة دستورية القوانين واللوائح وتفسير أحكام الدستور آثر المشرع أن يعهد إليها بهذا الاختصاص في قانون إنشائها، تقديراً بأن الفصل في شـأن هذه الطعون ـ في أصل طبيعته ـ هو اختصاص قضائي ، شأنه شأن سائر الاختصاصات المقررة للمحاكم ، كما أنه غنى عن البيان أن مفاد نص المادة الأولى من قانون إنشاء هذه المحكمة بإسناد الفصل في هذه الطعون إليها، مفاده أن اختصاصها في هذا الشأن هو اختصاص شامل ، وأن عبارة “الطعون الخاصة بانتخاب أعضاء مجلس الأمة أو بصحة عضويتهم ” الواردة بالنص المشار إليه ، تفيد الشمول والاستغـراق لجميع مراحـل العملية الانتخابيـة ، بحسبانها عمليـة مركبة لا يجوز فصلها عن بعضها ، مما يفرض التـزاماً تمليه مقتضيات حسن سير العدالة وأداء رسالتها بعدم تقطيع أوصال المنازعة الواحـدة في صحة العضوية وفي مـدى صحة العملية الانتخابية ، والمحكمة وهي تفصل في هذه الطعون بوصفها محكمة موضوع ملتزمة بإنزال حكم القانون على واقع النزاع المطروح عليها مقيدة في ذلك بضوابط العمل القضائي وضماناته ، بعيداً عن العمل السياسي بحساباته وتقديراته ، فإنها تبسط رقابتها وحسبما جرى به قضاءها على عملية الانتخاب برمتها أياً كان وجه النعي عليها أو وصف القرار الصادر في شأنها وبما يشمل مراحلها المتتابعة والمتعددة من تصويت وفرز وإعلان للنتيجة وينعكس أثره على صحة العضوية لمن فاز في الانتخابات، وذلك للتأكد من سلامتها وصحتها ، ومن الجلي أن القرار بإعلان نتيجة الانتخاب الصادر بعد الانتهاء من التصويت والفرز تتويجـاً لعملية الانتخاب هو ـ في واقع الأمر ـ قرار بالكشف عن إرادة الناخبين وإعلانها على الكافـة ، وأن العضويـة في مجلس الأمـة إنمـا مرجعهـا ـ أصـلاً ـ إلى عملية الانتخاب بحسبانها الوسيلة التي يتم من خلالها التعبير عن إرادة الناخبين التي هي أساس صحة العضوية، فإذا لحقت شائبة بعملية الانتخاب من شأنها أن تفضي إلى إبطالها انعكس ذلك بحكم التداعي على صحة العضوية لمن أعلن فوزه في الانتخاب.

وحيث إنه عن طلب الطاعن إعادة فرز الأصوات لجميع صناديق لجان الدائرة ، فإنه لم يعزز طلبه بدلائل أو قرائن توفر للمحكمة قناعتها لتحقيق ما طلبه رغم ما أتاحته له من فرصة ومجال لتقديم ما لديه من إثبات ، كما لم تر المحكمة فيما استخلصته من واقع الأوراق في ضوء ادعاء الطاعن بوجود مخالفات شابت عملية الفرز ما يبرر الإقدام على هذا الإجراء ، فالطاعن أرسل طعنه إرسالاً فلا هو قيده بأصوات معينة محددة جرى إهدارها من قبل اللجنة ، ولا هو ذكر السبب الذي منعـه من إثبات اعتراضه في المحضر على ما زعمه من مخالفات ، فضلاً عن ذلك فإن محاضر الفرز والتي اطلعت عليها المحكمة جاءت خلواً مما يعيبها وليس بها ما يشير إلى وقوع أية مخالفة للقانون .

اعادة نشر بواسطة محاماة نت