مقال قانوني هام عن بيع الشريك كل المال الشائع

2 مدني / 2 مدني أردني والمادة 826 / لقد رأينا في الفرع السابق أن المادة ( 1031 مصري) تعالجان صورة بيع الشريك جزأ مفرزا من المال الشائع، دون أن تتعرض لحالة بيع الشريك كل المال الشائع، مما يجعلنا نتساءل عن حكم بيع الشريك كل المال الشائع في ظل القانون المدني المقارن؟

يرى بعض الفقهاء أنه إن قام أحد الشركاء ببيع كل المال الشائع، فإن هذا البيع يصح في حصته فقط ولا يسري في حق باقي الشركاء، بل يكون لهم رفع دعوى الاستحقاق لتأكيد حقهم على الشيء المبيع وفي نفس الوقت يجوز لهم أن يقروا هذا البيع ليصبح نافذا في حقهم. وعلى هذا الرأي فإن بيع كل المال الشائع يعد بيعا صحيحا وينتج آثاره بين طرفيه ولا يجوز للمشتري طلب الإبطال إلا إذا كان يعتقد أن البائع يملك العين كلها ملكية مفرزة. 2/ 2 أردني والماد ة 826 / على ما يبدو أن هذا الرأي يبني حكمه على نص المادة ( 1031 مصري) اللتان تجيزا للشريك بيع جزأ مفرزا من ماله الشائع دون اشتراط مساواة هذا الجزء لحصة الشريك الشائعة، فربما تزيد عنها وبالتالي لا مانع من تطبيق هذه المادة على صورة بيع الشريك كل المال الشائع ولذا لا يجوز للمشتري طلب إبطال البيع لا قبل القسمة ولا بعدها إلا إذا كان يعتقد أن البائع يملك العين ملكية مفرزة لا شائعة.

ويذهب الفقه المصري إلى ضرورة صدور البيع من جميع الملاك حتى يكون بيع كل المال الشائع نافذا في حقهم جميعا. أما إن باع أحد الشركاء كل المال الشائع، فإنه يكون قد باع ملكه أي حصته الشائعة وباع ملك غيره أي حصص باقي الشركاء، وبالتالي فإن هذا البيع يكون صحيحا في حدود حصته وقابلا للإبطال فيما يعادل حصص باقي الشركاء ويحق لهؤلاء طلب إبطال البيع دون انتظار القسمة. أما المشتري فيكون من حقه طلب الإبطال فيما زاد على نصيب البائع بل وله أن يطلب الإبطال بالنسبة لكل المال الشائع في حال جهله بملكية البائع للمال على سبيل الشيوع بأن كان يعتقد أنه يملك ملكية مفرزة.

وما تقدم ذكره يعني أن الفقه القانوني يفرق بين حالتين:

الأولى: حالة علم المشتري بالشيوع.

والحكم في هذه الحالة – كما سبق أن رأينا عند البحث في بيع الشريك جزأ مفرزا من المال الشائع- هو أنه لا يجوز للمشتري أن يطلب الإبطال، لأن رادته اتجهت إلى إحداث هذا الأثر القانوني وهو على بصيرة من أمره. ذلك أنه قد اشترى وهو متوقع أن البائع قد يستطيع أن يستخلص كل المال لنفسه، وإلا فمن حق المشتري أن ينقص من الثمن بما يعادل ما وقع في نصيب البائع، ولكن ليس من حق المشتري أن يطلب الفسخ كما يرى بعض الفقهاء، لأن المشتري من بداية البيع يعلم بحالة الشيوع ومتوقع لكل النتائج.

الثانية: حالة جهل المشتري بالشيوع.

في هذه الحالة يكون من حق المشتري طلب إبطال البيع قبل القسمة للغلط، أما بعد القسمة فإذا وقع المال كله في نصيب البائع فمن حق المشتري أن يطلب إبطال البيع نظرا لتفريق الصفقة عليه.أما إن وقع المال كله في نصيب البائع فيكون قد استقر نهائيا وبالتالي تحقق ما أراد المشتري، فمن الطبيعي والحالة هذه أن لا يحق للمشتري طلب الإبطال طالما أن البائع استخلص المال كله لنفسه.

إذن بيع الشريك كل المال الشائع بيع صحيح بين طرفيه غير نافذ في حق باقي الشركاء، إذ يكون لهؤلاء الشركاء رفع دعوى الاستحقاق. ويكون لهم أيضا أن يقروا هذا البيع ليصبح نافذا بحقهم جميعا.

لاحظ أن الحديث كأنه يدور حول بيع ملك الغير، فهل صحيح كما يقول كثير من الفقهاء أن بيع الشريك كل المال الشائع هو بيع لملك الغير فيما يتجاوز حصة البائع؟ قد يقال بأن بيع الشريك كل المال الشائع لا يعدو أن يكون سوى بيعا لملك الغير، ذلك أنه إذا باع الشريك كل المال الشائع بينه وبين شريكه فإنه يكون قد باع بالإضافة إلى ملكه ملك غيره. نستطيع أن نقرر مبدئيا بأن الشريك البائع يكون بائعا لملك غيره فقط في نصيب شريكه في الشيوع وهذا القول من شأنه أن يمنح الشريك الآخر باعتباره” مالك ” استرداد نصيبه في الشيوع من المشتري.

إذا في هذه الحصة ” حصة الشريك الآخر” نكون أمام بيع لملك الغير . فهناك بائع ومشتري ومالك، والحكم في هذه الحالة – حسب أحكام بيع ملك الغير- أن البيع يسري في حق البائع والمشتري مع تقرير قابلية التصرف للإبطال لصالح المشتري، ويكون للمالك في هذه الحالة رفع دعوى الاسترداد.

ولكن هل الحكم السابق ينطبق على بيع الشريك كل المال الشائع؟ لقد رأينا أن أحدا من فقهاء القانون لم يقرر مثل هذا الحكم، بل فرقوا بين حالة علم وجهل المشتري بالشيوع، وحالة ما قبل وما بعد القسمة، ورتبوا على كل حالة حسب ظروفها حكم خاص بها. بل وفي بعض الأحيان استعانوا بالقواعد العامة لتسعفهم بالحل، كما حدث في حالة علم المشتري بالشيوع مع عدم استطاعة البائع استخلاص المال كله لنفسه، فمن الفقهاء من أعطى المشتري حق الفسخ، ومنهم من أعطاه حق إنقاص الثمن بقيمة الحصص غير الواقعة في نصيبه.

ولكن ما هو سر ابتعاد الفقهاء عن تطبيق أحكام بيع ملك الغير على هذه الحالة مع أنه من الممكن تطبيقها كما أوضحنا، فالعلاقة واضحة والأطراف والمحل بل والشروط متوافرة لحالة قيام بيع ملك الغير.

أعتقد بأن سر ابتعاد فقهاء وشراح القانون عن تطبيق أحكام بيع ملك الغير هو نص 2 مدني مصري) علما أن هذه المواد لم تتطرق لا من / 2 مدني أردني و 826 / المادة ( 1031 بعيد ولا من قريب إلى حالة بيع الشريك كل المال الشائع وإنما اجتزأت على بيع الشريك جزء مفرز من المال الشائع وقررت أحكاما للحالة الأخيرة فقط.

على ما يبدو أن شراح القانون بالقياس على هذه النصوص السابقة حكموا على بيع الشريك كل المال الشائع، لهذا جاءت أحكامهم قريبة كل القرب من حالة بيع الشريك جزء مفرز من المال الشائع. وما لم يجدوا له حكما من هذه المواد، ذهبوا فيه إلى القواعد العامة الغنية بالحلول. ولكن هل يصح مثل هذا القياس؟ بمعنى لماذا لم يقيسوا على أحكام تكاد تكون قد قررت لمثل هذه الحالة؟

في الحقيقة لا يسعني القول في الإجابة على هذا السؤال سوى أن أنضم إلى قافلة الفقهاء في تنظيم بيع الشريك كل المال الشائع على أساس القواعد العامة في الشيوع ومنها نص المادة 2 مدني مصري) والسبب في قولي هذا هو أن المشرع و إن / 2/1031 مدني أردني و 826 ) تحدث عن بيع الشريك جزء مفرز من المال الشائع إلا أن هذا لايعني استبعاده لحالة بيع الشريك كل المال الشائع لما بين البيعين من تشابه. إذ أنه إن كان بيع الشريك كل المال الشائع – كما قلنا – بيعا لملك الغير في الجزء غير الواقع في نصيب البائع، فإن بيع الشريك جزء مفرز من المال الشائع من باب أولى هو بيع لملك الغير عندما لا يقع هذا الجزء في نصيب البائع.

أما عن موقف الفقه الإسلامي من بيع الشريك كل المال الشائع، فإن هذا الفقه يفرق بين أمرين، الأمر الأول يتمثل في علاقة البائع بباقي الشركاء، والأمر الثاني يختص في علاقة البائع بالمشتري.
أما في العلاقة ما بين البائع بباقي الشركاء، فالبيع يكون صحيحا إذا ما تم بإذن باقي الشركاء، أما إن كان هذا البيع قد تم بغير إذن باقي الشركاء فإن الفقهاء يجعلون مثل هذا البيع صحيحا بمقدار حصة الشريك البائع ويفسد في نصيب باقي الشركاء، لأن كل من الملكين في نظر الفقهاء المسلمين حكم لو انفرد، أما إن جمع بينهما ثبت لكل واحد حكمه. أما إذا كان الشيء المشترك مما لا ينقسم كالدابة مثلا وباع الشريك نصيبه وهذا يعني تسليم المال كله للمشتري، فإن حكم هذه المسألة كما جاء في حاشية الدسوقي “إن كان البيع قد تم دون إذن الشريك الآخر فان البائع يضمن حصة شريكه إذا تلفت الدابة”.

أما علاقة البائع بالمشتري، ففي حالة علم المشتري بملكية البائع للعين على الشيوع، فإنه لا يجوز للمشتري أن يطلب الإبطال لأنه على بصيرة من أمره، أما إن كان المشتري جاهلا بحالة الشيوع، بل كان معتقدا أن البائع يملك المال ملكية مفرزة، ففي هذه الحالة يكون المشتري أمام خيارين، الإمساك أو الرد. أما بالنسبة للبائع فلا خيار له لأنه باع ما يريد من نصيبه وليس من حقه ذلك فهو قد رضي بزوال ملكه مما يجوز بيعه بقسط.

إذن مما تقدم يتضح أن الفقه الإسلامي يتفق مع القانون الوضعي في مسألة بيع الشريك كل المال الشائع في جعل مصير البيع في يد المشتري ليقرر فسخه أو إبطاله، ويتفقان من حيث المبدأ أيضا على عدم سريان هذا البيع في حق باقي الشركاء، إذ يكون لهم الحق في إبطاله حسب القانون، ويكون البيع غير نافذ في حق باقي الشركاء حسب الفقه الإسلامي.

ولكن لو نظرنا إلى أقوال الفقهاء السابقة في بيع الشريك كل المال الشائع إضافة إلى نص المادة ( 1075 ) من مجلة الأحكام العدلية( 2) لوجدنا أن الفقه الإسلامي يخص مسألة بيع الشريك كل المال الشائع بحكم خاص به على عكس القانون الوضعي الذي ترك هذا البيع لاجتهادات الفقهاء التي تعددت وتضاربت بين اعتباره بيعا لملك الغير أم بيعا صحيحا.