مركز الفرد في القانون الدولي

انقسم الفقه الدولي فيما يتعلق بمركز الفرد في القانون الدولي إلى عدة آراء:
أولاً- المدرسة الوضعية:
ترى هذه المدرسة أن الدول هي أشخاص القانون الدولي نظراً لما تتمتع به من سيادة في حين لا يعتبر الفرد من أشخاص القانون الدولي لأنه لا يتمتع بميزة خلق القواعد الدولية من جهة وعدم قدرته على أن يكون طرفاً في العلاقات الدولية من جهة ثانية وعدم انطباق قواعد القانون الدولي عليه بصورة مباشرة من جهة ثالثة.
وينتهي أنصار هذه المدرسة إلى القول بأن الفرد يمكن اعتباره محلاً للحقوق التي يقررها القانون الدولي ولكنه لا يعتبر من أشخاص القانون الدولي.

ثانياً- المدرسة الواقعية:
يقرر أنصارها أن الفرد هو الشخص الوحيد في القانون الدولي والداخلي، في حين ينكرون شخصية الدولة ويرفضون نظرية السيادة الوطنية باعتبار أن الدولة ما هي إلا وسيلة قانونية لإدارة مصالح الجماعة التي تتكون من أفراد هم في والواقع الأشخاص الوحيدون المنصور وجودهم في أي نظام قانوني.

وينطلق أنصار هذه النظرية في بناء تصورهم من إنكارهم لحقيقة الشخصية المعنوية واعتبارها ضرباً من ضروب الخيال القانوني، والدولة بهذا المفهوم لا تعد شخصاً من أشخاص القانون الدولي وهي ليست المخاطب الحقيقي بقواعد القانون الدولي، ولكنها وسيلة فنية يتم من خلالها إدارة مصالح جماعة الأفراد، ومن ثم فإنهم يقصرون وصف الشخص القانوني على الأفراد باعتبارهم المخاطبين الحقيقيين بقواعد الدولي العام.
ثالثاً- المدرسة الحديثة:
وهي وسط بين المدرستين، حيث لا تعتبر الفرد موضوعاً للقانون الدولي ولا شخصاً من أشخاصه ولكنها تعتبره المستفيد النهائي من أحكامه.

ويفرق أنصار هذه المدرسة وعلى رأسهم شارل روسو وبول رتير بين أمرين أساسيين فيما يتعلق بعلاقة الفرد بالقانون الدولي:
الأول: اهتمام القانون الدولي بالأفراد باعتبارهم الهدف البعيد له حيث أنه يحتوي قواعد قانونية هدفها النهائي رفاهية الفرد وسعادته.
الثاني: مخاطبة القانون الدولي للأفراد في بعض قواعده خطاباً مباشراً فيكون الأفراد موضوعاً لها وذلك بأن يكون لهم حقوق أو عليهم أو عليهم التزامات يترتب على مخالفتهم لها التعرض للجزاء.

وانتهى أنصار المدرسة الحديثة إلى أن للفرد وضع الشخص الدولي على أن أهليته لاكتساب الحقوق محدودة كما أنه لا يمارس هذه الحقوق بنفسه إلا في بعض الأحوال الاستثنائية فالفرد في بعض الحالات النادرة التي تخاطبه فيها قواعد القانون الدولي مباشرة يصبح شخصاً قانونياً دولياً بالمعنى الصحيح، ولكن هذه الحالات الاستثنائية لا تؤثر في الأصل العام، وهو أن الفرد ليس من أشخاص القانون الدولي المعتادين.

ويفرق الأستاذ طلعت الغنيمي بين الشخصية والذاتية والأهلية القانونية الدولية ويرى سيادته أنه لكي تتوافر للوحدة الشخصية القانونية الدولية لا بد أن تجمع وصفين:
1- أن تتمتع بالأهلية القانونية لاكتساب الحقوق وتحمل الالتزامات الدولية.
2- أن تكون لدى الوحدة القدرة على خلق قواعد القانون الدولي.
وإن الوحدة التي تتمتع بالحقوق وتتحمل الالتزامات الدولية ولا تتمتع بالقدرة على خلق قواعد القانون الدولي تتمتع بالذاتية الدولية والتي يمكن تعريفها بأنها “مركز قانوني يتوسط بين انعدام الشخصية القانونية وما بين توافرها وهي خاصة بالوحدة التي تملك الأهلية القانونية دون الإرادة الشارعة”.

وبالتالي يكون للفرد ذاتية دولية حيث يتمتع بالحقوق وبتحمل الالتزامات الدولية دون أن يكون له شخصية قانونية دولية.
وأخيراً على الرغم من أن لكل من النظريات السابقة وجاهته فإنه لا يمكن الأخذ بأي منها على إطلاقها في ظل المعطيات الجديدة للقانون الدولي المعاصر الذي أصبح الفرد في ظله يتمتع بمركز متميز في ميدان العلاقات الدولية، فقد أصبح الفرد الآن طرفاًً أصيلاً في كثير من الحالات التي تقوم فيها علاقات مباشرة بين الأفراد وبين أشخاص القانون الدولي، يضاف إلى ذلك الدور الذي يلعبه الفرد في المجال الدولي سواء في وقت السلم أو في زمن الحرب، وتأثيره المباشر وغير المباشر على علاقات الدول من ناحية وعلى حقوقه ومصالحه من ناحية أخرى، وهو ما جعل الفرد محل اهتمام متزايد من جانب القانون الدولي.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت