“لعبة الأسعار” متى تنتهك قواعد المنافسة ؟!
عبدالعزيز محمد العبيد
باحث ومستشار قانوني
Alobid100 @

منذ الأشهر الأخيرة للعام 2017 وقبل حلول الأول من يناير الجاري وحاسبات التجار والمتاجر والموردين والموزعين لم تتوقف عن حساب التكاليف والأرباح واستشراف السلوك الشرائي للمستهلك مع بدء تطبيق ضريبة القيمة المضافة والإصلاحات الاقتصادية وتغيرات تكاليف المعيشة خصوصاً لأسواق السلع الاستهلاكية، ومع بدء صرف المستحقات المخصصة لحساب المواطن، وصدور الأوامر الملكية الكريمة قبل يومين والتي تسهم في نمو القدرة الإنفاقية لشريحة كبيرة من المواطنين؛ عاودت أصابع التجار الضغط على أزرار حاسباتهم وحواسيبهم وربما أزرار الهواتف للاتصال بأصدقاء السوق المنافسين والمحتملين لإعادة رسم لعبة الأسعار من جديد!.

ومن هنا: قد يثور التساؤل حول اختصاص الجهات الرقابية بمراقبة صراع الأسعار، فمن الناحية القانونية يعد تحديد الاختصاص أولى خطوات الاتجاه الصحيح الذي تضبطه بوصلة النصوص والقواعد النظامية، ويقلص الأعباء على المحاكم والمؤسسات الرقابية لينصبَّ تركيزها على الأعمال المنوطة بها أصالةً، وهو ما لا يتأتَّى إلا بفهم جوهر الواقعة وتحديد أوصافها المؤثرة وفرزها عن الأوصاف العارضة، وتنزيل النص على الواقعة بأداة فنية تُمكّن القانوني من فهم مغازي الأنظمة ومناطاتها على وجهها الذي عناه المنظم.

أما “لعبة الأسعار” فيمكن أن تشمل الكثير من الانتهاكات لعدة أنظمة وقواعد متفاوتة في مساراتها القضائية ونوع المسؤولية القانونية التي تنشؤها، فمنها ما يعد مخالفة لنظام مكافحة الغش التجاري الذي تعنى بتطبيقه وزارة التجارة والاستثمار، ومنها ما يؤول إلى المحاكم التجارية كحقوق خاصة في الخلافات التعاقدية بين التجار B to B ، ومنها ما قد يتداخل تداخلاً متوازياً أو متقاطعاً كما في كون الحالة الواحدة تُنشئ حقاً عاماً وخاصاً في الآن ذاته، أو إخلالاً مباشراً بنظامين فأكثر لدى جهتين فأكثر، ويبقى على المحامي توجيه عملائه للوجهة الصحيحة التي تمكنهم من الحصول على حقوقهم وإسناد الجهات الرقابية والقضائية بالأدلة والوقائع التي تخولها من مباشرة أدوارها لحماية المجتمع والحق العام.

وما يهمنا هنا هو متى تكون “لعبة الأسعار” حالة مجرَّمة في نظام المنافسة الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/25 وتاريخ 4/5/1425هـ والمعدل في العام 1435هـ وبالتالي تمثل انتهاكاً لقواعد المنافسة المشروعة؟ وبالمعنى العملي: متى تتجه للهيئة العامة للمنافسة المختصة بتطبيق نظام المنافسة إذا شعرت بلعبة أسعار تتهادى من حولك كضباب كثيف يحجب رؤيتك عن معرفة سبب اختفاء منتجك المفضل إذا كنت مستهلكاً أو تراجع حصصك السوقية وخسارة عملائك إذا كنت تاجراً؟!

ولتفصيل الموضوع فإن نظام المنافسة تضمن ثلاثة أنواع رئيسية من الممارسات السوقية بين المتنافسين، هناك نوعان منها بوسعها أن تخلق عدداً لا متناهياً من “لعبة الأسعار” اللاقانونية حيث إن نظام المنافسة ولغرض تمكين ضبط أصول الممارسات الاحتكارية المخلة بالمنافسة المشروعة تناول في النوع الأول: حالة الاتفاق على الممارسة الاحتكارية بين اثنين فأكثر، وهو ما بينته المادة الرابعة من النظام وأكدته المادة الرابعة من اللائحة التنفيذية، حيث أوردت عدة صور وحالات على سبيل التأكيد والتمثيل لا على سبيل الحصر، فقد نصت المادة الرابعة من نظام المنافسة على التالي: “تحظر الممارسات أو الاتفاقيات أو العقود بين المنشآت المتنافسة أو تلك التي من المحتمل أن تكون متنافسة، سواء أكانت العقود مكتوبة أو شفهية، وصريحة كانت أم ضمنية، إذا كان الهدف من هذه الممارسات أو الاتفاقيات أو العقود أو الأثر المترتب عليها تقييد التجارة أو الإخلال بالمنافسة بين المنشآت. كذلك يحظر على المنشأة أو المنشآت التي تتمتع بوضع مهيمن، أي ممارسة تحد من المنافسة بين المنشآت، وفقاً للشروط والضوابط المبينة في اللائحة، وبخاصة ما يأتي:”.

وقد منعت هذه المادة أي عمليات تقييدية يتفق عليها التجار المتنافسون سواء كانوا في مستوى تنافسي حقيقي من خلال نوع تجارتهم ونشاطهم، أو كان من المحتمل أن يكونوا متنافسين من خلال النشاط الذي يمهد بعضهم أو كلهم لدخوله بعد الاستفادة من هذه الممارسة، إذ نصت الفقرة الأولى على ما يلي: ” ‌١- التحكم في أسعار السلع والخدمات المعدة للبيع بالزيادة أو الخفض، أو التثبيت، أو بأي صورة أخرى تضر المنافسة المشروعة”.

ونلحظ هنا أن هذه الفقرة جعلت في دائرة “لعبة الأسعار” الممنوعة جميع صور التحكم بالأسعار حتى ولو كانت في صالح المستهلك مؤقتاً كالاتفاق على خفض السعر، أو تثبيته، فضلاً عن الاتفاق على زيادته؛ لذا فقد جاء نص هذه الفقرة صريحاً وجازماً على كون الاتفاق على أي مستوى سعري بين المتنافسين يعد مخالفة نظامية تستوجب العقوبة التي قد تصل إلى إيقاع غرامة مالية بنسبة 10% من إجمالي قيمة المبيعات السنوية مع استرداد جميع المكاسب المحققة نتيجة المخالفة والتشهير بالمخالف.

ومن الصور التي جعلها النظام في دائرة “لعبة الأسعار” الممنوعة: افتعالُ وفرة وهمية تؤدي إلى سعر غير حقيقي في السلع أو الخدمات ، إذ نصت الفقرة الثالثة من المادة الرابعة على ما يلي:

“٣- افتعال وفرة مفاجئة في السلع والخدمات بحيث يؤدي تداولها إلى سعر غير حقيقي، يؤثر في باقي المتعاملين في السوق”.
كما ذهبت الفقرة السابعة من ذات المادة إلى نطاق مختلف من صور “لعبة الأسعار” التي تتم بالاتفاق بين المتنافسين، وهو التأثير في السعر الحقيقي لعروض البيع أو الشراء في المنافسات والمزايدات الحكومية والأهلية أيضاً، إذ نصت تلك الفقرة على أن من الممارسات المحظورة: “٧- التأثير في السعر الطبيعي لعروض بيع السلع والخدمات أو شرائها أو توريدها سواء في المنافسات أو المزايدات الحكومية أو غير الحكومية”.

أما النوع الثاني الذي بينته المادة الخامسة من النظام وأكدته المادة السابعة من اللائحة التنفيذية فقد تناول حالة الممارسات الاحتكارية التي تصدر من المهيمن على السوق إما بنسبة 40% فأكثر أو بالقدرة على التأثير في السعر السائد في السوق الذي يمارس نشاطه فيه، إذ تنص المادة الخامسة من نظام المنافسة على ما يلي: “يحظر على المنشأة التي تتمتع بوضع مهيمن أي ممارسة تحد من المنافسة، وفقاً لما تحدده اللائحة ، ومن ذلك:

‌١– بيع السلعة أو الخدمة بسعر أقل من التكلفة، بهدف إخراج منافسين من السوق.
‌٢- فرض قيود على توريد السلعة أو الخدمة بهدف إيجاد نقص مصطنع في توافر المنتج لزيادة الأسعار”. إلى غير ذلك من الصور والممارسات التي تضمنها النظام ولائحته التنفيذية.

وبغض النظر عن جانب من التفسيرات المعتبرة التي توسع دائرة التحريم القانوني بالنسبة للاعبي الأسعار حتى وإن لم يستوفوا شروط الاتفاق أو الهيمنة، إلا أنه يمكننا القول على أضيق نطاق لتقريب الصورة وتأصيلها أنَّ “لعبة الأسعار” التي تشكل انتهاكاً لقواعد المنافسة إما أن تصدر بالاتفاق بين اثنين فأكثر من التجار المتنافسين تنافساً فعلياً أو محتملاً، وإما أن تصدر من التاجر بإرادته وحده دون بقية اللاعبين وهنا لا بد من توافر شرط جوهري حتى نقول عن “لعبة الأسعار” أنها مخلة بقواعد المنافسة وهو أن يكون ذلك التاجر متمعاً بحصة سوقية مهيمنة تمثل 40% فأكثر من السوق، أو أن يكون قادراً على التأثير على السعر السائد في السوق أو تغيير القوى التنافسية بالنسبة للاعبين الآخرين حتى ولو لم يستحوذ على تلك النسبة المحددة.

إذاً، ما ذا لو تلاعب بالأسعار متجر التموينات الصغير الذي يقع في طرف الشارع المجاور لمنزلك والذي لا تتجاوز حصته السوقية ربما 1% ولم يكن ذلك بالاتفاق مع غيره من المنافسين؟ هنا تتفرع اختصاصات أخرى بهذا التلاعب السعري من أهمها نظام مكافحة الغش التجاري الذي جرَّم حالات الخداع والتضليل، ولذلك تشكلت غرفة العمليات المشتركة من 18 جهة حكومية لحماية المستهلك من بينها وزارة التجارة والاستثمار وهيئة الاتصالات وتقنية المعلومات والهيئة العامة للمنافسة والهيئة العامة للغذاء والدواء والهيئة العامة للزكاة والدخل وغيرها، والتي بدأت بممارسة أعمالها قبيل مطلع العام الجديد الذي نأمل أن يكون عاماً مفعماً بحيوية المؤسسات التنظيمية لتؤدي دورها المهم في توزان الأسواق ونموها وازدهارها.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت