بيع العقار بالتقسيط

تحدثت في أكثر من مقال عما عبرت عنه بتمرير أحكام موضوعية في أنظمة إجرائية, وكنت قد أشرت إلى أن هذه الأنظمة ليست محلا لها, كما أن النص على بعض القواعد مع إغفال القواعد والأحكام الأخرى والتي تمثل بمجموعها النظرية المتكاملة الصالحة للتطبيق: يعد خللا إلا أن الضرورة برأيي تحتم مثل هذا التوجه للحاجة إليه ولا سيما في الكثير من العقود التي لا تحتمل جهالة المآل في حال اختلاف الطرفين واحتمال إبطالها من قبل القضاء نظرا لمخالفتها لاجتهاد ناظر القضية, وإلى حين صدور المدونة الفقهية المتكاملة الجامعة لنظريتي العقد والحق وغيرها من الأحكام الموضوعية فسوف يتم تمرير هذه النصوص الموضوعية في الأنظمة الإجرائية بوضع استثنائي.

من الأنظمة المهمة في هذا الإطار ولها اتصال وثيق بالسوق العقاري نظام البيع بالتقسيط، الصادر بالمرسوم الملكي الكريم رقم م/13 وتاريخ 4/3/1426هـ, وصدرت لائحته التنفيذية بقـرار وزير التجارة والصناعة رقم 319/11 وتاريخ 1/12/1426هـ, كما نشر في الجريدة الرسمية في حينه, ولن أتحدث عن هذا النظام ومدى كفاءته وجودة صياغته وشموليته للأحكام التي كان يفترض أن يعالجها فيما يتعلق بالبيع بالتقسيط, لأن الحديث عن ذلك يخرج عن إطار هذه الزاوية ولا يتسع له المقال, وسأكتفي بالإشارة إلى أهم ما ورد فيه من أحكام موضوعية لها أثر في الترافع وصياغة العقود وتقديم الاستشارات في العقود العقارية وغيرها.

فمن أهم ما ورد في النظام: بيان كيفية تسليم المبيع, والنص -كما في المادة الثالثة- على أنه يراعي في التسليم طبيعة المبيع, وهو ما يعبر عنه الفقهاء بـ ” تسليم المثل “, فتسليم العقار يختلف عن تسليم المنقول وهكذا, كما حددت المادة ما يلزم تسليمه للمشتري ونصت على أنه يلزم البائع تسليم المبيع للمشتري بالحالة التي كان عليها وقت البيع، ويشمل التسليم ملحقات الشيء المبيع، وكل ما أعد بصفة دائمة لاستعماله، وذلك طبقا لما تقضي به طبيعة الشيء والعرف وقصد المتعاقدين, ومثل هذه النصوص مهمة في حال حصل الاختلاف والمنازعة, وأجازت المادة الرابعة أخذ ضمان للمديونية إما الرهن وإما الكفيل الغارم, وقررت المادة الخامسة أن المخالصة عن القسط تعتبر مخالصة عن الأقساط السابقة له ما لم يتفق على غير ذلك.

ومن الأحكام المهمة في هذا النظام: ما ورد في المادة السابعة من أنه لا يجوز لأحد من طرفي العقد المطالبة بفسخ عقد البيع إذا لم يؤد المشتري قسطاً واحداً من أقساط الثمن المتفق عليه متى تبين أنه قام بتنفيذ الجزء الأكبر من التزاماته, وكنت قد تحدثت عن هذه المسألة في مقال: “صيانة المديونيات ” وأوردت كلام شيخ الإسلام ابن تيمية:”إذا كان المشتري مماطلا فللبائع الفسخ ذكره الأكثر, لأن المشتري أحدث عليه ضررا في تأخير الثمن فكان له الفسخ ” فللقضاء حسب هذه المادة في حال تخلف المشتري عن أكثر من قسط أو لم يقم بتنفيذ الجزء الأكبر من التزاماته أن يفسخ العقد استنادا للنصوص الفقهية والنص النظامي.

ونصت المادة الثامنة على أنه لا يجوز الاتفاق على حلول باقي الثمن نافذاً، إلا إذا تخلف المشتري عن دفع قسطين متتالين على الأقل, وقد فصلت هذه المادة في مسألة مهمة وكثيرة الوقوع وفيها خلاف كبير, وكما يظهر من المادة فقد اختارت حلا وسطا – نوعا ما – حيث لم تبطل الشرط بالكلية كما لم تجزه على إطلاقه بل ربطت جواز الحلول بالتخلف عن سداد قسطين على الأقل ومتتاليين, وهذا الشرط تحدث عنه ابن عابدين فقال: ” في رجل عليه ألف ثمن جعله ربه نجوماً، قائلاً: إن أخل بنجم حل الباقي، فالأمر كما شرطاً، وهي كثيرة الوقوع”.
وقد أجاز مجمع الفقه الإسلامي هذا الشرط فورد في قراره:”يجوز شرعاً أن يشترط البائع بالآجل حلول الأقساط قبل مواعيدها، عند تأخر المدين عن أداء بعضها، ما دام المدين قد رضي بهذا الشرط عند التعاقد”.