جريمة الكراهية

أصل كلمة الكراهية جاءت من مفردة كراهة وهي نقيض الحب , فمن لم يستطع تحمل شخص أو أمر أو عمل معين يعني انه لا يطيق ذلك ويمقته وينفر منه فهو كاره له ويبغضه , ومن هنا يقال بأن الكراهة هي إشمئزاز من شخص أو شئ أو أمر ما , وفي ضوء ذلك تعني الكراهية : الشعور الشديد الذي يحولك عن شخص أو شئ ما ويدفعك الى إزدرائه , أي للنفور منه . ( المنجد في اللغة العربية ص 1228 ).

ويجري عادة تصنيف كلمة الكراهية والحب ضمن علم النفس , لأنها تدخل ضمن المشاعر الأنسانية وثقافة الأنسان والقيم التي يؤمن بها وقد ترجع أسباب الكراهية الى خوف من أمر ما سواء أكان حقيقيا أم مجرد رهاب او لموقف سلبي أو غرض معين أو يعود الى إجحاف أو حكم مسبق . وقد تصير هذه الكراهية نوع من أنواع الثقافة عند الأنسان وتدخل ضمن قناعات الشخص و تسمى بثقافة الكراهية والمعروفة في اللغة الأنجليزية بمصطلح ( The culture of hatred ), كما قد يكون لهذه الثقافة علاقة وطيدة بالتعصب والتطرف وبالأرهاب الذي هو عبارة عن تطرف يقترن بالعنف المادي الذي يسبب الأذى للأخرين في أرواحهم أو أجساهم أو أموالهم أو بها جميعا . وتجدر الاشارة هنا الى ان جرائم العنصرية التي ترتكب في كثير من البلدان تدخل ضمن إطار جرائم الكراهية .

واذا لم يظهر هذا النفور أو الأشمئزاز الى العالم الخارجي في شكل سلوك مادي إيجابي او موقف سلبي فلا يمكن إعتباره من ضمن الجرائم التي يحاسب عليها القانون بالنسبة للدول التي تعاقب على جريمة الكراهية وتجرمها في قوانينها العقابية كالسويد مثلا . لأن الجريمة هي فعل إيجابي أو سلبي يوجب له القانون العقاب بسبب مخالفة القواعد الآمرة كما يضع على الشخص العقوبة طبقا لنص قانوني يجرم ذلك لأن القاعدة القانونية تقضي ان ( لا جريمة ولا عقوبة الا بنص ) فأن لم يوجد نص يعد الفعل مباحا ولا مسؤولية على النوايا .

وطبقا للنظام القانوني العراقي فأن السلوك الناتج عن الازدراء والأحتقار والكراهية ضد الأخر أو ممارسة التمييز ضد جماعة معينة قومية أو دينية أو مذهبية لم يحظ بالأهتمام الكافي تشريعيا , ولم ينظر القضاء العراقي – حسب علمنا – الى قضايا من هذا النوع رغم وجود مثل هذه الجرائم في المجتمع العراقي , بينما يعد من أخطر الجرائم اذا وقع هذا السلوك أو الشعور الأنساني ضد النظام السياسي

ومما يتعلق بذلك ما نصت عليه الفقرة 2 من المادة 200 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل التي جاء فيها مايلي : (( 2- يعاقب بالسجن مدة لاتزيد على سبع سنوات او الحبس كل من حبذ او روج أيا من المذاهب التي ترمي الى تغيير مبادئ الدستور الاساسية او النظم الأساسية للهيئة الأجتماعية او لتسويد طبقة اجتماعية على غيرها من الطبقات او للقضاء على طبقة اجتماعية او لقلب نظم الدولة الأساسية الأجتماعية او الأقتصادية او لهدم أي نظام من النظم الأساسية للهيئة الأجتماعية متى كان استعمال القوة او الارهاب او اية وسيلة اخرى غير مشروعة ملحوظا في ذلك .

ويعاقب بالعقوبة ذاتها :- كل من حرض على قلب نظام الحكم المقرر في العراق او على كراهيته او على الازدراء به او حبذ او روج ما يثير النعرات المذهبية او الطائفية او حض على النزاع بين الطوائف او الاجناس او اثار شعور الكراهية والبغضاء بين سكان العراق)).

وهذا النص الذي وضع عام 1969 – بالاضافة الى صدور قرارات من مجلس قيادة الثورة المنحل تصب في ذات السياق – لم يكن الهدف منه ترسيخ السلم الاهلي واحترام حقوق الانسان في منع التمييز بين البشر وفقا للأعلان العالمي لحقوق الانسان وانما جاء بهدف حماية أركان النظام السياسي

ويتضح من ذلك ان تنظيم أحكام جريمة التحريض على الكراهية وممارستها في المجتمع العراقي لم تطبق إلا فيما يخص سلامة نظام الحكم , على العكس تماما من العديد من قوانين العقوبات في الدول الأوربية التي منعت بشكل صريح ممارسة الكراهية او التحريض عليها بين الناس داخل مجتمعاتها للمحافظة على السلم الاجتماعي وتنفيذ قواعد حقوق الانسان واحترامها.

ففي السويد مثلا قد يكون الحكم الصادر من المحكمة بالغرامة فقط او بالحبس لمدة اقصاها سنتين او بالحكم المشروط طبقا لقانون العقوبات السويدي لعام 1962 ( المادة 700 ) في حالات إرتكاب جريمة الكراهية ضد الاخر ومنها جريمة العنصرية وتكون العقوبة أشد اذا أدت الى إزهاق الروح .

وقد بين القانون السويدي هذه الجريمة في الفصل 29 واوضح جهاز النيابة العامة السويدية بان هذه الجريمة تحصل حين يكون هناك حالة التحريض على الكراهية والتمييز غير المشروع ، كما حدد أنواع جرائم الكراهية حين يكون الباعث عليها إنتهاك حقوق المجتمع أو أي شخص بسبب العرق او اللون او الميل الجنسي او العقيدة او الدين او المذهب او غير ذلك حيث نص القانون على وجوب الاحترام للاخر وعدم ممارسة أي شكل من اشكال العنف اللفظي او المادي .

ومن اسباب القصور التشريعي ( النقص ) في قانون العقوبات العراقي الحالي هو ان اصل هذا القانون يعود لقانون العقوبات الهندي الذي طبقه الاحتلال العثماني ومن ثم استمر العمل به من سلطات الاحتلال البريطاني ايضا حتى صدور قانون العقوبات البغدادي عام 1943 ابان الحكم الملكي حيث لم يكن قد صدر بعد الاعلان العالمي لحقوق الانسان ولم يكن هناك أي تسليط لدور كاف لاحترام اسس حقوق الانسان , وعند تحديث القانون المذكور عام 1969 لم يكن في ذهن لجنة اعداد قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل أية رؤية أو تقدير او معرفة بثقافة حقوق الانسان لذلك غاب عنها ان تذكر مثل هذه النصوص الانسانية الضرورية التي تؤمن السلم الاهلي في المجتمع فجاء القانون متضمنا مفاهيم قديمة لا تواكب التطورات الحديثة التي حصلت بعد اندحار النازية في الحرب العالمية الثانية عام 1945 إذ لم يكن هناك تغيرات كبيرة في قانون العقوبات العراقي عن الأصل الذي استمد منه , على العكس من قوانين البلدان الاوربية التي ذهبت الى تنظيم وتحديث الكثير من النظم والاسس القانونية بما يلائم تطورات العصر الحديث.

ومن هنا يقع على وزارة العدل العراقية مهام كبيرة جدا في القيام بعملية إصلاح وتحديث القوانين العراقية وهي مهمة شاقة جدا تتطلب مجاميع من الخبراء وربما يكون هذا عسيرا في المستقبل المنظور للعراق الذي يغرق في بحر من الهموم والمشكلات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والفساد المالي والاداري .

أما في الولايات المتحدة الامريكية فقد شهدت جهودا كبيرة وظهور حركات من دعاة الحقوق المدنية لمكافحة جرائم الكراهية المتفشية فيها ومنها حركة الداعية لحقوق الانسان مارتن لوثر الذي قال قبل اغتياله عام 1968 بخصوص ممارسة الكراهية (( إن الكراهية تشل الحياة… تشوش الحياة… وتعتّم الحياة )) . وطبقا للقانون الفيدرالي الامريكية فان تعريف جريمة الكراهية هو (( التحيز الذي ينفذ بطريقة مباشرة ومؤذية ضد شخص أو ممتلكات يختارها المعتدي عن قصد , بناء على العرق أو اللون أو العقيدة أو الأصل القومي أو العرقي أو الجنس (ذكر أم أنثى) أو الإعاقة أو التوجه الجنسي. )).

وفي 28 تشرين الأول/أكتوبر 2009 وقّع الرئيس أوباما على قانون ماثيو شبرد وجيمس بيرد الإبن لمنع جرائم الكراهية ، واسم القانون يُنسب جزئيا إلى جيمس بيرد الإبن ، وهو أميركي أفريقي تعرض في العام 1998 للسحل حتى الموت على مسافة ثلاثة أميال من طريق في ريف ولاية تكساس بسبب لونه الاسود .

ومع كل هذه الجهود المبذولة من السلطات الامريكية لمنع جرائم الكراهية الا انها ماتزال تشكل هاجسا كبيرا مقلقا في ميدان أنتهاك حقوق الانسان وتمارس يوميا خاصة بعد تعرض الولايات المتحدة الامريكية لسلسلة من الهجمات الارهابية عام 2001 التي غذت مشاعر الكراهية في المجتمع الامريكي خاصة ضد المسلمين .
ان جريمة الكراهية ترتكب بأشكال مختلفة من دولة الى اخرى رغم ان أركانها واحدة وهي:

1- الركن الشرعي ويراد به النص القانوني الذي يجرم هذا السلوك .

2- الركن المادي ويراد به الفعل الذي قد يقع اما بوسيلة ايجابية وهي ممارسة الجريمة مثل الاحتقار او الازدراء او العنف ضد مجموعة او شخص , او قد يكون الركن المادي بوسيلة سلبية ونقصد بذلك الامتناع عن القيام بعمل معين يوجبه القانون وذلك بدافع الكراهية مثل رفض معالجة او انقاذ شخص بسبب أصله او دينه او لونه او جنسه .

3- الركن المعنوي الذي يراد به القصد الجنائي حيث ان هذه الجريمة هي من الجرائم العمدية التي يجب ان يتوفر فيها هذا الركن.

ومن الطبيعي ان للأمم المتحدة دورا كبيرا في مكافحة كل اشكال التمييز العنصري او نشر الكراهية وفقا لقرار الجمعية العامة للامم المتحدة رقم 1904- د18 في 20 تشرين الثاني 1963 الذي هو عبارة عن اعلان من الامم المتحدة للقضاء على جميع اشكال التمييز العنصري وقد ورد في المادة 7 من الاعلان المذكور مايلي :
((المادة 7 :

1. لكل إنسان حق في المساواة أمام القانون وفي العدالة المتساوية في ظل القانون. ولكل إنسان، دون تمييز بسبب العرق أو اللون أو الأصل الاثني، حق في الأمن علي شخصه وفي حماية الدولة له من أي عنف أو أذى بدني يلحقه سواء من الموظفين الحكوميين أو من أي فرد أو أية جماعة أو مؤسسة.

2. لكل إنسان يتعرض في حقوقه وحرياته الأساسية لأي تمييز بسبب العرق أو اللون أو الأصل الاثني، حق التظلم من ذلك إلي المحاكم الوطنية المستقلة المختصة التماسا للإنصاف والحماية الفعليين. )).