أسباب الكذب في الشهادة

المؤلف : سلطان الشاوي
الكتاب أو المصدر : اصول التحقيق الاجرامي
إعادة نشر بواسطة محاماة نت

ترجع أسباب الكذب في الشهادة الى امرين اساسيين :

أولا : أسباب تتصل بشخص الشاهد وعلاقته بأطراف القضية ويمكن ان يصطلح على تسميتها بالأسباب الشخصية.

الثاني : أسباب تتصل بموضوع الجريمة وحوادثها وعلاقة الشاهد بها ويمكن ان يصطلح على تسميتها بالأسباب الموضوعية (1).

الأسباب الشخصية :

أ – حالة الشاهد النفسية والاخلاقية والاجتماعية :

ان لحالة الشاهد النفسية والاخلاقية والاجتماعية اثر كبير في تقدير قيمة أقوال، فالشاهد الذي يعاني من عقد نفسية قد يحاول ان يتهم آخر بتهمة معينة لكي يزكي نفسه بذلك الاتهام، والشخص الذي لم يسعفه الحظ بالحصول على تنشئه تربوية واجتماعية قيومة فمن السهولة بمكان ان يشترى ضميره بثمن بخس.

ب – صلة الشاهد بالمتهم او المجني عليه

قد تربط الشاهد بالمتهم او المجني عليه صداقة او قرابة ونتيجة لذلك فقد يحرف الشاهد في شهادته او يضيف اليها او ينقص منها لصالح من تربطه به هذه الصلة (2).

جـ – الحقد والكراهية :

قد يأتي الشاهد بأقوال ليس لها سند من الواقع لتأكيد التهمة ضد المتهم للإيقاع به مدفوعا بذلك بدافع الكراهية والحقد.

د – المغالاة :

يحاول بعض الشهود أحياناً ان يلبسوا الشهادة رداء هو ليس رداءها منسوجا بالمغالاة والتهويل لكي يعطوا انفسهم أهمية معينة.

هـ – الخوف :

يعتبر الخوف من أهم الأسباب الدافعة للكذب في الشهادة، ففي كثير الأحيان يخشى الشهود من المجرمين المعروفين بخطورتهم ونفوذهم ولهذا لا يدلون بالحقيقة ضدهم او ينكرون الشهادة خوفا على انفسهم وأموالهم وتبدو هذه الظاهرة بوضوح بين أفراد العشائر التي تسكن في مناطق بعيدة عن مراكز الحكومة والشرطة (3).

و – سوء الظن :

قد يشهد الشاهد بإدانة المتهم او براءته دون ان يستند على شيء سوى ظنه وإحساسه تاركا جانبا الاعتماد على حواسه، ومما لا شك فيه أنه لا يجوز للشاهد ان يبدي رأيا في المتهم الا اذا كان مستندا على وقائع معينة توصل اليها عن طريق حواسه.

الأسباب الموضوعية :

أ – الاهمال :

قد يكون الدافع للشاهد على تغيير الحقيقة خوفه من ان يتهم بالإهمال والتقصير، كحالة الحارس الليلي الذي يدعي بانه كان يقظا طوال الليل ولم ير أحدا يدخل في محل الحادثة الذي تحت حراسته في الوقت الذي كان وقت حصول الحادثة ينام نوما عميقا.

ب – المسؤولية الجنائية :

قد يكون الشاهد أحياناً شريكا للفاعل الأصلي فيضطر الى قول الزور ليدفع التهمة عن المتهم بشكل مباشر وعن نفسه بشكل غير مباشر.

جـ – المسؤولية الأدبية والمدنية :

قد يضطر الشاهد لقول الزور دفعا للمسؤولية الأدبية، كحالة المعلم الذي يشهد لمصلحة تلميذه في حادثة لها علاقة بالتربية والأدب حتى لا يوصل بالتقصير في تربية تلاميذه، وقد يضطر الشاهد في أحيان أخرى ان يدلي بشهادة كاذبة دفعا للمسؤولية المدنية، كحالة الشاهد الذي يشهد زورا لمصلحة خادمة في تهمة مسؤول عنها مدنيا.

د – سوء السمعة :

قد يضطر الشاهد أحياناً ان يدلي بمعلومات غير صحيحة خوفا من أن تساء سمعته، كان تكون الشهادة متعلقة بفعل يهتك الشرف او السقاط حمل، اذ من غير المستحب ان يكون إنسان شاهدا في مثل هذه الحوادث. يظهر مما تقدم بأن هناك من الأسباب التي تدفع الشاهد لأن يدلي بمعلومات بعيدة عن الحقيقة، ولا يمكن للمحقق ان يتوصل الى حقيقة أقوال الشاهد ويفرق بين الصحيحة منها والكاذبة الا اذا اتخذ مع كل شاهد موقفا يناسب عقليته وفهمه ومنزلته الاجتماعية بحيث يكون مع بعضهم مؤدبا غاية الأدب ومع بعضهم الآخر حازما شديدا، كما قد تدعوا الحالة الى معاملة قسم منهم معاملة جافة وهناك البعض من الشهود يجب على المحقق ان يكون معهم بشوشا مبتسما ليتمكن من إزالة أسباب التخوف من المحقق وبذلك يكسب ثقة الشاهد به. وخلاصة القول في هذا المجال ان على المحقق ان يكون ذا مرونة خاصة بحيث يتمكن معها من تكييف نفسه حسب الظروف والأحوال المختلفة وحالات الشهود النفسية، ان معاملة الشاهد كإنسان من حيث الاحترام الواجب له واستعمال الصبر والاناة تجاهه تعطي المحقق أحسن النتائج وأفضلها (4).

_____________________________

1-في أسباب الكذب في الشهادة – انظر محمد حسن، المرجع السابق، ص172 – 180 أحمد فؤاد عبد المجيد، المرجع السابق، ص259 – 262 فؤاد أبو الخير وإبراهيم غازي، المرجع السابق، ص3426.

2-فقد حدث مرة ان حملت فتاة تبلغ خمس عشر عاما سفاحا فاتهمت سائق سيارة والدها بأنه قد اعتدى عليها ثلاث مرات حتى تخفي العلاقة الجنسية التي كانت تمارسها مع والدها الذي حرضها على اتهام السائق ونتيجة لهذه التهمة حكم على السائق بالسجن، وبعد سنتين من هذا الحكم اكتشفت الحقيقة باعتراف الفتاة نفسها. انظر محمود التوني، المرجع السابق، ص327.

3-وخير مثال يوضح هذه الحالة (الخوف) هو عصابة (المافيا) في جنوب ايطاليا وفي صقلية بالذات، إذ ان هذه العصابة قد بلغت من القوة حدا بحيث تزيل من الوجود كل من يقف في سبيل تحقيق غاياتها الإجرامية ولهذا لا يستطيع احد ان يشهد ضد أفرادها خوفا من ان يحكم عليه بالموت من قبلها. هذا وتكاد الحكومة الايطالية تقضي على هذه العصابة في الوقت الحاضر بعد ان عاشت أكثر من قرن من الزمن.

4-انظر احسان الناصري، المرجع السابق، ص94 – 95.