نظرة قانونية حول صراع الامتيازات الأجنبية بين الشركات السورية

مقال حول: نظرة قانونية حول صراع الامتيازات الأجنبية بين الشركات السورية

صراع الامتيازات الأجنبية بين الشركات السورية

إعادة نشر بواسطة محاماة نت

خلال الأشهر المنصرمة من هذا العام، صدرت عدة قرارات عن القضاء السوري ألغت بموجبه عدة امتيازات لماركات تجارية وصناعية معروفة عالمياً، وهذه القرارات أو الأحكام القضائية أصدرتها محكمة البداية في دمشق لصالح شركات إيطالية وفرنسية تحديداً.

والذي اتضح ـ كما تفيدنا مديرية حماية الملكية في وزارة الاقتصاد ـ أن هذه الشركات والكثير غيرها، قد سجّلوا ماركات وعلامات تجارية عالمية بأسمائهم مدّعين الحصول على امتياز أو ترخص وهمي، مستغلين تأخر انضمام سورية لاتفاقية الوايبو الدولية التي لم تسرِ مفاعيلها في سورية سوى خلال العامين الفائتين، حيث بدأت على أساسها الشركات العالمية التأكد من حماية اسمها وتراخيصها في أي بلد ترغب من العالم.

وايبو
لكن اللافت في المعلومات التي زوّدنا بها القسم المختص بتلقّي تعديلات منظمة الوايبو إلى سورية وبين المعلومات التي زوّدنا بها القسم المختص بتسجيل تراخيص الشركات الأجنبية في سورية، أن الطلبات الواردة من الوايبو الدولية كانت نحو ألفي طلب خلال فترة العامين بمعدّل ألف كل عام، بينما كان عدد طلبات التسجيل من ترخيص وامتياز في سورية هو 7 شركات.

وللتوضيح: فإن الشركات العالمية التي لديها اسم أو ماركة تخاف عليها وتريد حمايتها فإنها تختار بلداناً من العالم تشك بإمكانية اختراقهم لهذا الحق، والذي يتجلى غالباً بالسطو على امتيازات وهمية من الشركات الأجنبية عبر تسجيلها محلياً، عندها تدفع الشركة الأجنبية عبر منظمة الوايبو الدولية مبلغاً من المال باليورو يقدّر ـ بحسب ما أفادنا به القسم المختص في وزارة الاقتصاد ـ بـ 60 يورو عن كل اسم، ثم تقوم اليورو بدورها بإرسال طلب الشركة الأجنبية إلى الدولة المطلوبة.

إذاً، هذه النقطة أصبحت واضحة، أي أن ألف شركة عالمية تقريباً تطلب حماية ماركتها في سورية!

طبعاً هذا شيء يرفع الرأس، لكن هل تظنون أننا لم نكن محظوظين في هذه الاستفادة التي تذكرنا بها ألف شركة عالمية وترسل لنا 260 ألف يورو كل عام وهو الذي علقت الموظفة المسؤولة في الاقتصاد متندرة: “وهذا مصدر مهم للقطع الأجنبي”.

سبع شركات
إذاً، الصورة أصبحت واضحة: احتيالات بعض التجار والصناعيين المحليين الذين ينتحلون لمنتجاتهم وشركاتهم أسماء عالمية مهمة، ولأن مصائب قوم عند قوم فوائد، فإننا نستفيد من هذا المصدر المهم من القطع الأجنبي حين تطلب تلك الشركات العالمية حماية ماركاتها.

والطرافة كما قلت لكم إن ألف شركة تقريباً أرسلت مبالغ من المال بالعملة الصعبة لحماية اسمها في بلدنا، بينما تقبل سبع شركات عالمية فقط على منح شركات سورية تراخيص وامتيازات للتصنيع باسمها في بلدنا.

ومن الشركات التي منحت تراخيص رسمية لشركات محلية هي الشركة المنتجة للدهانات بيرموغليز الهولندية، منحتها لشركة أحمد البرغلي وشريكه ـ شركة صوفيا الفرنسية منحت شركة نوري ومريط السورية، امتيازاً لتصنيع مستحضرات التجميل من نوع (هليو ناتور) ـ شركة فلة الفرنسية Fulahالعائدة لشركة كامي فلور العالمية منحت امتيازاً رسمياً لصالح شركة عبد الباري شاكر المسموم لتصنيع مستحضرات التجميل أيضاً ـ شركة ديادورا الإيطالية منحت امتيازاً لشركة زرزور وشركاه لتصنيع المنتجات الرياضية ـ شركة easy colouryالعالمية الإسبانية / منحت ترخيصاً لشركة عظمة السورية لتصنيع الدهانات.

منذ عام 2000
ولكي نكمل ما بدأناه في توضيح “الطرافة” التي تكمن بتسجيل سبع شركات عالمية فقط تراخيص لها في سورية، بينما اشتكت ألف شركة أو اشتبهت أو طلبت حماية علاماتها في سورية خلال عام. لمزيد من التوضيح لهذه الفكرة ـ بحسب القسم المختص بتسجيل التراخيص والامتيازات في مديرية حماية الملكية ـ فإن عدد الشركات المسجلة لامتيازات تصنيعية في سورية بدأ ينخفض منذ العام 2000 (وسنوضح لاحقاً عبر الآراء المختصة لماذا؟).

عام 2000 وحده شهد تسجيل 42 ترخيصاً وامتيازاً أجنبياً من شركات عالمية لشركات سورية وفي مختلف اختصاصات التصنيع، لكن المفاجأة كانت في العام 2000 ذاته:

(نحو 20 شركة عالمية سحبت امتيازاتها من شركات سورية ونقلتها في الغالب إلى شركات عربية أهمها في (مصر والإمارات).

ومن هذه الامتيازات التي ألغت الشركات العالمية تصنيعها في سورية (صانسيلك، بوندس، كلوس آب، كمفورت، بالموليف، جونسون، لوكس، أجاكس، فازلين، سيجنال، إكس..).

سوء تصنيع
أحد أعضاء مجلس إدارة غرفة الصناعة في دمشق يرى أن “هنالك أيضاً عدة شركات محلية مهددة بإلغاء تراخيصها من قبل الشركات الأم الأجنبية، والسبب ـ برأيه ـ هو سوء التصنيع ومخالفة مواصفات المواد الأولية المستخدمة من قبل الشركة الرئيسة”، ويستشهد على رأيه أن إلغاء تراخيص هذه الشركات العالمية لم يكن بالضرورة بهدف نقلها إلى دول عربية أخرى، بل كان الهدف البحث عن شركات تتمتع بسمعة وقدرة تصنيعية تليق بالاسم الأجنبي الذي تحمله.

ومحل الشاهد لديه أن بعض هذه الشركات الأجنبية ألغت تراخيصها من شركات محلية لتمنحها لشركات محلية أخرى، ومنها الشركة البريطانية المالكة لماركة “سنوداين” لمعاجين الأسنان، حيث سحبتها الشركة من شركة محلية لتمنحها لشركة محلية أخرى هي شركة “صاصي”.

ويتساءل: هل صابون (كذا) المصنّع محلياً مثل صابون (كذا) هو المستورد نفسه؟ وهل ألبسة “كذا و..” ثم يضيف: “وسبب إهمال بعض شركاتنا الالتزام بتلك المواصفات التي تحددها الشركات العالمية، هو الرغبة بتقليل التكاليف فيما يتعلق بالالتزام بنوعية المواد الأولية وتطبيق متطلبات الجودة فيما يتعلق ببقية أركان العملية الإنتاجية.

تقي الدين
وفي لقاء جمعني بالصناعي عبد الرحمن تقي الدين إبّان سحب بعض التراخيص من شركته قال لي: “منذ أربعين عاماً وأنا أصنّع بامتياز من شركة يونيليفر العالمية، وفجأة جاءنا إنذار بوقف التصنيع، وخلال أقل من شهر كان الامتياز ملغى ومحوّلاً لدولة عربية.

وأضاف: عندما سألناهم عن مبرر ذلك، أجابوا أنهم يبحثون عن التسهيلات التي تمكنهم من إنشاء مصانع في إحدى الدول العربية بحيث تستطيع التوزيع لجميع الدول العربية، خاصة بعد ابتداء التخفيضات الجمركية بين الدول العربية عام 2000 في إطار اتفاقيات منطقة التجارة العربية.

ورأى تقي الدين في السياق ذاته أن الشركة الأجنبية طرحت عدة معوقات تواجهها في سورية، أهمها: عدم استقرار القوانين الاقتصادية والتعديلات المستمرة التي تطرأ عليها، ما يسبب قلقاً لتلك الشركات، إضافة إلى ارتفاع الرسوم الجمركية والتطورات التي تضاف إليها بين الحين والآخر كالضميمة التي تزداد وتتقلب بين (7 ـ 10 ـ 15) ل.س على كل كيلو من الزيت المستخدم في الصناعة، كل هذا في الوقت الذي كانت فيه الدول العربية تقدم تسهيلات كثيرة وإعفاءات غير موجودة في سورية.

ويستطرد تقي الدين: كان من المعوقات التي لم نستطع إقناع الشركة الأجنبية معها بالاستمرار في سورية هي التقلبات المتعلقة بعدم توحيد سعر صرف الدولار مع الروتين شديد التعقيد ولا سيما الجمركي منه، وكذلك ضعف الاتصالات وضعف القدرة الشرائية للمواطن السوري.

غطاء عبوة
رضوان قشلان مدير الشركة الأهلية للصابون والكيماويات بعد إلغاء امتياز (بالموليف) من شركته قال: منذ أن بدأت الدول العربية بتطبيق الإعفاءات الجمركية فيما بينها وحرية انتقال السلع دون إجازات تصدير أو استيراد، بدأت الشركات العالمية البحث عن مواقع لمعامل إقليمية توزع لكل الدول العربية وبأقل التكاليف، وقد وجدت الشركة الأم أن التزامنا بتطبيق مواصفات الجودة لمنتجاتها في بلدنا مكلف جداً مقارنة مع الدول العربية الأخرى خاصة مع التعقيدات الإدارية والمصرفية، فقد كانت مساعينا للحصول على إجازات الاستيراد تستمر بين (5 ـ 6) أشهر ويضيف: والقشة التي قصمت ظهر البعير هي أن الشركة الأم اشترطت أن تكون أغطية العبوات من تصنيعها هي: وبالفعل صنّعت الشركة الكمية المطلوبة من الأغطية لعلب المنظفات وغيرها، ولدى محاولتنا استيرادها فقد واجهنا روتيناً معقّداً جعلنا نستغرق ستة أشهر تقريباً، عندها فوجئنا بقرار الشركة الأجنبية بسحب ترخيصها من شركتنا وتمنحه لشركة مصرية، بعد أن قدمت لهم الحكومة المصرية الأرض وخدمات أخرى مجاناً لإنشاء المصنع وهذا ما تم، ولذلك أصبحت سورية تستورد (بالموليف وغيره) من مصر وكأنها تستورده من حلب بسبب إزالة الرسوم بين الدول العربية.

بلا عمل
وهكذا خسرت سورية “القيمة المضافة” التي كانت تكسبها من المعامل الضخمة التي كانت تتبع لتلك الشركات العالمية (بالاسم طبعاً)، الأمر الذي أدى ـ كما قال لنا تقي الدين ـ إلى وقوع الشركات السورية في أزمة حقيقية ومنها شركته التي كانت مكتفية طوال أربعين عاماً بتصنيع تلك الماركات العالمية، وعندما تم سحب الترخيص فجأة وجد نفسه (بلا عمل)، ما اضطره لتسريح عدد كبير من عمّاله، وبدأ لتوّه العمل على تصنيع ماركة محلية مستفيداً من الاسم العريق لشركته، وبناء هذا الاسم المحلي الجديد يحتاج ـ بحسب محدثنا ـ إلى جهد لا يقل عن أربع سنوات.

وهذا الارتباك الذي أشار إليه تقي الدين والسحب الفجائي للترخيص استمر منذ عام 2000 وحتى أيامنا هذه، إذ تخبرنا مديرية حماية الملكية أن دعوى قضائية رفعتها شركة تقي الدين ضد الشركة العالمية نيوليفر ما زالت عالقة حتى الآن، غير أن آخر الأخبار بحسب علم المديرية هو توقيع اتفاق مصالحة بين الطرفين، لم تردها نسخة عنه حتى تاريخه.

فوضى
ومن نتائج هذا الارتباك الذي ترتب على سحب الشركات الأجنبية لتراخيصها من سورية هو انتشار ما يمكن تسميته “فوضى” في حصول بعض الشركات المحلية على تراخيص أجنبية، تحت ضغط المقولة التي يصرّ على تبنيها المستهلك المحلي “الفرنجي برنجي”.

ومن هذه التداعيات، كان بعض من القضايا التي ذكرناها أول الحديث والعديد مما لم يحسم بعد قضائياً.

كذلك ظهور حالات جديدة حدثنا عن بعضها رجل الأعمال صفوان عرفة وهي: أن بعض الشركات المحلية لجأت بدافع التعقيدات الروتينية إلى تأسيس شركات في بلدان أجنبية (كالصين مثلاً) بحيث يجد الراغب في التصنيع هناك تسهيلات كبيرة لإنشاء المعامل والمنشآت بعكس ما يواجهه هنا، ومن ثم يلجأ الصناعي السوري إلى الاستيراد من شركته “كتاجر” لا يتحمل أعباء التصنيع المحلي وتعقيداته.

وهذا مؤسف ـ بحسب عرفه ـ لكنه أمر اضطر إليه رجال الأعمال السوريون، في الوقت الذي كانت فيه بلدنا كما يقول، الأحق بإنشاء هذه المعامل والاستفادة من القيمة المضافة وتشغيل العمال.

أفكار سورية بامتياز
وإلى جانب هذه الفكرة التي ربما لن تخطر على بال غير السوريين، فإن الفكرة الأخرى التي حصلت كانت أدهى وأمرّ، ومنها أن صناعيين سوريين، ـ وهذا الذي نذكره لكم لدينا ما يؤكده ـ أسّسوا شركات في فرنسا مثلاً، والقانون هناك يسمح بتأسيس شركة صناعية تكون مجرد مكتب يصنّع منتجاته لدى شركات أخرى، والمهم في الأمر أن بعض الشركات السورية ومنها (متخصصة بالتجميل) أسّست شركات عبارة عن مكاتب بالاسم فقط في فرنسا ثم منحت لنفسها ترخيصاً للتصنيع في سورية.

ـ أدهى من ذلك وأمرّ، يخبرنا أحد مصنّعي الألبسة أنه اضطر تحت ضغط رغبة المستهلك بالأجنبي إلغاء الاسم المحلّي لشركته ومنتجاته والحصول على ترخيص (مكلف) من شركة إيطالية.

ـ وأيضاً: بعد سحب امتيازات تلك الشركات الأجنبية، ظهرت حالات حاولت فيها بعض الشركات المحلية تقليد المنتج الذي كانت حاصلة على ترخيص بتصنيعه، ليس ذلك فقط، بل حاولت اللعب على الاسم لإيهام المستهلك أنها ما زالت تصنّع ذلك المنتج الأجنبي ذاته، ومنها القضية التي رفعت إلى المحاكم بين العاجين (سنسيتول) و(سنسوداين).

ـ شركة محلية رفعت قضية ضد شركة محلية أخرى متخصصة بصنع معطرات الجو تتهمها فيها أن امتيازها “مزوّر”.

ـ شركة محلية كانت قد حصلت على امتياز بتصنيع نوع من المدافئ من شركة أمريكية، وبعد توقف تلك الشركة عن العمل لا تزال شركتنا المحلية تعمل بامتيازها‍‍‍!

صراع المشروبات الغازية
وهكذا انتقل صراع الامتيازات من الشركات المحلية والأجنبية إلى الشركات المحلية فيما بينها، وآخرها ما تناقلته الأنباء عن صراع الرؤوس الثلاثة الكبرى المنتجة للمشروبات الغازية في سورية (سلسبيل، مندرين، أوغاريت)، للحصول على تراخيص كوكا كولا وبيبسي في سورية، والذي ذكر أن مبالغ وصلت إلى (25 مليون دولار) طرحت بين الشركة الأم وبعض هذه الشركات للحصول على الترخيص.

وهذه الشروط المالية التي تفرضها الشركات الأجنبية مقابل منح التراخيص أو الامتيازات إضافة إلى شروطها باستخدام المادة الأولية الأجنبية وليست المحلية وكذلك الشروط الدقيقة التي تصل إلى حد (غطاء العبوة) كما حدث مع الشركة الأهلية، كل ذلك يعتبر من السلبيات التي تجعل وزارة الصناعة لا تشجّع كل أنواع التراخيص والامتيازات كما أخبرنا مدير القطاع الخاص مطانيوس النور، لكنه أضاف: نحن لسنا ضد الحصول على الامتيازات من شركات أجنبية لأخرى محلية، لكننا نهدف إلى تحقيق “قيمة مضافة” حقيقية تعتمد على مواد أولية محلية وأيدٍ عاملة محلية، كما أننا ضد بعض الشروط التي تفرضها بعض الشركات الأجنبية على مصنّعي الامتياز بمنعهم من التصدير، فنحن نريد تحقيق هذه الدورة المتكاملة، لكننا بالأساس وبعد التأكد من عدم إدراج اسم الشركة الأجنبية ضمن الشركات المقاطعة ـ في هذه الحالة فنحن لا نتدخل في علاقات الشركات الخاصة مع الشركات الأم.

ويضيف: وفي الوقت ذاته فنحن نعتقد أن تبنّي وزارة الصناعة وغرف الصناعة لشعار “صنع في سورية” ينبغي أن يترجم إلى حملة وطنية كبرى للبدء بتوعية المستهلك والمصنّع على حدّ سواء بضرورة اعتماد هذا المبدأ والخروج من حالة الحصول على امتياز أجنبي لمجرد أنه أجنبي.

شارك المقالة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر بريدك الالكتروني.