نظرة الفقه القانوني والقضائي لصفة الإلزام في قواعد الإسناد

المؤلف : ميثم فليح حسن
الكتاب أو المصدر : طبيعة قواعد الاسناد
إعادة نشر بواسطة محاماة نت

الاتجاه المناهض لصفة الإلزام في قواعد الإسناد
يذهب جانب من فقه القانون الدولي الخاص في فرنسا إلى إنكار الطابع الملزم لقواعد الإسناد، وهذا الرأي الذي يتزعمه الفقيه هنري باتيفول يرى أن أساس القوة الإلزامية لقاعدة الإسناد هو تَعلق القاعدة بالنظام العام، في وقت يرفض فيه اعتبار كافة قواعد الإسناد من النظام العام(1).

وأساس هذا النظر أن قواعد الإسناد تختلف عن عموم القواعد القانونية الأخرى وذلك من منظور أن القاعدة القانونية عموماً تستهدف إقامة النظام في المجتمع عن طريق وضع أحكام سلوكية يلتزم بها الأشخاص المخاطبون بتلك القاعدة في علاقاتهم الاجتماعية والاقتصادية، وهذه الغاية لا يمكن إدراكها إلا بوجود شعور عام لدى الأفراد المخاطبين بالقاعدة القانونية بضرورة احترامها، وبهذا تكتسب القاعدة صفة الإلزام التي ترتبط عادةً بفكرة الجزاء المرصود لمن يخالف تلك القاعدة. أما قواعد الإسناد، فانها، بحسب هذا الرأي، ليست كغيرها من القواعد القانونية، فموضوع هذه القواعد ليس تأكيد أو إنكار الحق المتنازع عليه، وإنما هو تحديد القاعدة القانونية الموضوعية التي تحكم النزاع على ذلك الحق، ولذلك فان قواعد الإسناد ليست قواعد قانونية حقيقية، فهي لا تُفرَض على القاضي في النزاعات الدولية بنفس القوة التي تُفرض بها القاعدة القانونية الموضوعية في النزاعات الداخلية، ولكي تكتسب قاعدة الإسناد القيمة القانونية الكاملة فإنها ينبغي أن ترتبط بالنظام العام(2).

ووفقاً لهذا الرأي فإن قاعدة الإسناد لا تتعلق بالنظام العام، على الأقل حين تشير باختصاص قانون أجنبي، وبذلك لا يلتزم القاضي، في هذه الحالة، بتطبيقها تلقائياً ما لم يتمسك الخصوم في الدعوى بتطبيق القانون الأجنبي الذي تشير إليه تلك القاعدة(3).غير ان القائلين بهذا النظر، ومنهم الأستاذ باتيفول، قد تنبهوا فيما بعد إلى الخطر الذي يترتب على إطلاق حرية القاضي في تطبيق قواعد الإسناد أو عدم تطبيقها في الحالات التي تشير فيها هذه القواعد إلى تطبيق قانون أجنبي، فمَنْح القاضي هذه الحرية يؤدي إلى تمكين الخصوم من التحايل، وذلك عن طريق فسح المجال أمامهم لتحديد القانون الذي سينطبق على النزاع من خلال اختيار المحكمة التي يعلمون مقدماً أنها ستطبق قاعدة الإسناد من تلقاء نفسها أو اختيار تلك التي لا تطبق هذه القاعدة وفقاً لما تمليه مصالحهم الخاصة.

فتَرَتب على ذلك أنْ عَدلَ الأستاذ باتيفول عن رأيه السابق مقرراً وجوب النظر إلى قاعدة الإسناد نفسها وليس إلى ما يؤدي إليه إعمال هذه القاعدة من تطبيق القانون الوطني أو الأجنبي(4)، واعتبر ان قاعدة الإسناد تعد من النظام العام إذا تعلقت بإحدى المسائل التي تأخذ طابع النظام العام في إطار القانون الداخلي والتي لا يجوز للأفراد استبعاد الأحكام المنظمة لها. وانتهى بذلك إلى إلزام القاضي بتطبيق القانون الأجنبي الذي أشارت إليه قاعدة الإسناد في هذه الحالات من تلقاء نفسه. وذلك ما لم تكن قاعدة الإسناد صادرة عن اتفاقية دولية، إذ يصار عندها إلى إعمال هذه القاعدة من دون النظر إلى تعلقها أو عدم تعلقها بالنظام العام. وقد لقي هذا الرأي تأييداً لدى جانب كبير من الفقه الفرنسي(5).

وزيادة على الحجة السابقة التي قوامها عدم تعلق قواعد الإسناد الوطنية بالنظام العام حين تشير باختصاص قانون أجنبي، فقد قدّم الفقه الرافض لقيام القاضي بإعمال قواعد الإسناد من تلقاء نفسه حجة أخرى يمكن وصفها بأنها حجة ذات طابع عملي، وقوام هذه الحجة أن عدم إلزام القاضي بإعمال قاعدة الإسناد يترتب عليه بالضرورة إعفاءه من البحث عن مضمون القانون الذي تشير إليه تلك القاعدة فيما لو كان قانوناً أجنبياً(6)، وذلك أن تطبيق القانون الأجنبي يبدو صعباً على القاضي بسبب جهله به في معظم الأحوال، وهو الأمر الذي يؤدي إلى تلافي النتائج غير المحمودة التي تترتب على عدم استطاعة القاضي الكشف عن مضمون القانون الأجنبي، زيادة على سرعة الفصل في النزاع المعروض على القضاء. وهذا الاتجاه المُنكر لصفة الإلزام في قواعد الإسناد هو ذاته الإتجاه السائد في أنظمة القانون غير المكتوب، وفي طليعتها النظام القانوني الانكليزي(7)، وهو ما يفسره موقف هذه الأنظمة من دور القاضي الوطني في الخصومة المدنية بشكل عام، وموقفها كذلك من مسألة إثبات القانون الأجنبي.

فالقاضي في النظام القانوني الانكليزي لا يتمتع بأي دور إيجابي في إدارة الخصومة المدنية فيما يتعلق بإثبات الوقائع، وينحصر دوره في مراقبة مدى احترام الأطراف للمبادئ التي تحكم الدعوى، وذلك في الوقت الذي يَعترف فيه هذا النظام لإرادة الخصوم بكامل الحرية في الإثبات، سيما فيما يتعلق بالوقائع. زيادة على ذلك فإن القانون الأجنبي، وفقاً لما هو سائد في القانون الانكليزي، يُعامل معاملة الواقع من حيث كيفية إثباته والتعرف عليه، ولذلك يتعين على أطراف النزاع إثباته والتمسك به(8). ونقطة البداية في موقف النظام القانوني الانكليزي من القانون الأجنبي هي التسليم بافتراض توافق القانون الأجنبي مع القانون الوطني في أحكامه الموضوعية، وأن من يدعي من الخصوم خلاف ذلك عليه أن يتكفل بإثبات ما يدعيه، فإنْ عَجز عن الإثبات حينها يتم اعتبار القانون الأجنبي مطابقاً للقانون الانكليزي ويجري الفصل في الدعوى بتطبيق أحكام القانون الأخير(9).

وهذا ما يجعل القاضي الوطني يقوم بتطبيق أحكام قانونه الموضوعية بشكل تلقائي على كل ما يعرض عليه من النزاعات ذات العنصر الأجنبي ما لم يقم الخصوم بتقديم الدليل على اختلاف أحكام القانون الأجنبي عن أحكام القانون الوطني. ولذلك فقد استقر القضاء الانكليزي على عدم الاعتداد بقواعد الإسناد من الناحية الفعلية واللجوء إلى تطبيق أحكام القانون الانكليزي في جميع النزاعات التي يعجز فيها الخصوم عن إثبات عدم تطابق القانون الأجنبي مع أحكام قانون القاضي(10).

أما القضاء في فرنسا فقد سلك بادئ الأمر ما أكده الفقه الفرنسي من عدم إلزام القاضي بتطبيق قاعدة الإسناد من تلقاء نفسه ما لم تتعلق هذه القاعدة بمسألة تُعد من النظام العام في النظام القانوني الداخلي، وهو المسلك الذي ظهر بشكل واضح في حكم محكمة النقض الفرنسية بتاريخ 12 أيار 1959 في قضية Bisbal الشهيرة، والذي جاء في حيثياته أن قواعد الإسناد الفرنسية لا تتعلق بالنظام العام، على الأقل حينما تشير باختصاص أحد القوانين الأجنبية، بمعنى ان على الخصوم أن يطلبوا تطبيق هذا القانون، ولا يمكن أن يعاب على قاضي الموضوع عدم تطبيقه القانون الأجنبي من تلقاء نفسه ورجوعه إلى القانون الداخلي الفرنسي الذي له قابلية حكم كافة علاقات القانون الخاص(11).

وهذه الصيغة قد وردت في عدة أحكام أخرى صادرة عن محكمة النقض(12). والواضح من موقف القضاء الفرنسي في هذه المرحلة ان قواعد الإسناد لا تتمتع بصفة الإلزام إلا إذا أشارت إلى قانون القاضي، وهو القانون الفرنسي، أما إذا أشارت القاعدة إلى قانون أجنبي، فان تلك الصفة تنفك عن قاعدة الإسناد، والإعمال التلقائي لهذه القاعدة لا يشكل عندئذٍ التزاماً على عاتق القاضي وإنما مجرد رخصة ممنوحة له، إنْ شاء استعملها وطبق أحكام القانون الأجنبي المختص، أو إن شاء تركها وأعمل أحكام قانونه الوطني. إلا أن مسلك القضاء الفرنسي هذا وفسْحِه المجال أمام قضاة الموضوع في تطبيق القانون الأجنبي من تلقاء أنفسهم أو عدم تطبيقه أثار انتقادات واسعة من الفقه الفرنسي، وذلك على اعتبار أن ترك أمر تطبيق قواعد الإسناد لتقدير قاضي الموضوع بناءً على مشيئته يؤدي إلى ازدواجية غير مبررة في حلول تنازع القوانين، زيادة على مناقضته للعدالة في ظل غياب رقابة المحكمة العليا على هذا المسلك، وهو ما من شأنه تشجيع الأفراد على التحايل على أحكام القانون المختص(13).

وأمام الانتقادات التي واجهت القضاء الفرنسي فقد عَدلت محكمة النقض عن مذهبها في مرحلة أخرى جديدة وذلك بأن حَدَّتْ من الإطلاق الذي كان عليه حكم Bisbal. فمع ان المحكمة قد تبنت في هذه المرحلة ذات المبدأ الذي وضعه الحكم المذكور بالإعمال الجوازي لقواعد الإسناد وذلك من خلال عدم إلزام القاضي بإعمال هذه القواعد من تلقاء نفسه مع عدم منعه من هذا الإعمال، إلا أن هذه المرحلة قد اتسمت بظهور استثناءين على هذا المبدأ يكرسان الإعمال الإلزامي والتلقائي لقواعد الإسناد حتى لو أشارت هذه القواعد إلى تطبيق قانون أجنبي، وذلك على ما يُستنبط من مفهوم المخالفة من بعض الأحكام الصادرة عن محكمة النفض، الاستثناء الأول إذا كان النزاع يتعلق بحقٍ من الحقوق التي لا يملك الأشخاص التصرف فيها، والثاني إذا كانت قاعدة الإسناد ذات مصدر اتفاقي(14).

وعلى الرغم من وجاهة الحجج التي استند إليها الاتجاه المُنكر لخصيصة الإلزام في قواعد الإسناد، ومصداقية الحجة ذات الطابع العملي في بعض الأحيان، إلا أن هذه الحجج لم تسلم من النقد من جانب الفقه الحديث، والذي رأى، خلافاً لأنصار الاتجاه الأول، أن قواعد الإسناد قواعد ملزمة ويتعين على القاضي إعمالها من تلقاء نفسه من دون حاجة إلى طلب الخصوم.
___________
1- د. هشام علي صادق. مركز القانون الأجنبي أمام القضاء الوطني، دراسة مقارنة. منشأة المعارف. الإسكندرية. 1968. فقرة 110 وما بعدها. ص128 وما بعدها.
2- د. احمد عبد الكريم سلامة. علم قاعدة التنازع والاختيار بين الشرائع أصولا ومنهجاً. ط1. مكتبة الجلاء الجديدة. المنصورة. 1996. فقرة 73. ص80.
3- إن مشكلة التزام القاضي أو عدم التزامه بإعمال قاعدة الإسناد الوطنية لا تثور على العموم إلا بتوافر شرطين، الأول أن تشير قاعدة الإسناد المعنية باختصاص قانون أجنبي، إذ لو أشارت باختصاص قانون القاضي لكان الأخير ملزماً بإعمال القاعدة وتطبيق القانون الوطني الذي أشارت إليه. أما الشرط الثاني فهو عدم تمسك الخصوم في الدعوى بإعمال قاعدة الإسناد، فلو تمسكوا بها لا يكون أمام القاضي مفر من تطبيق قاعدة الإسناد المناسبة في قانونه، أما لو لم يتمسكوا بتطبيق قاعدة الإسناد تجاهلاً منهم أو نسياناً للطابع الدولي للنزاع، فعند ذاك يثور التساؤل حول ما إذا كانت قاعدة الإسناد ملزمة للقاضي أم أن تطبيقها لا يعدوا أن يكون مجرد رخصة تخضع لمحض تقديره د. عكاشة محمد عبد العال. الإجراءات المدنية والتجارية الدولية. الدار الجامعية. بيروت. 1986. ص230.
4- د. سامية راشد. قاعدة الإسناد أمام القضاء، بحث في القانون الدولي الخاص المصري والمقارن. مجلة العلوم القانونية والاقتصادية. كلية الحقوق. جامعة عين شمس. العدد الثاني. السنة الرابعة عشر. 1972. ص398، وفي هامش 19 من ذات الصفحة تشير إلى H.Batiffol، Traite elementaire de droit international prive، 3eme ed.، Paris، 1959، p.391 et p.404.
5- من الفقهاء المؤيدين لهذا الرأي في فرنسا Goldman وMalaurie و Motulsky ذكرهم د. هشام علي صادق. مركز القانون الأجنبي أمام القضاء الوطني، دراسة مقارنة. منشأة المعارف. الإسكندرية. 1972. هامش 4. ص136.
6- D.Holleaux، J.Foyer et G.de la Pradelle، op. cit.، p.221.
7- د. حفيظة السيد الحداد. الموجز في القانون الدولي الخاص، الكتاب الأول، (المبادئ العامة في تنازع القوانين). ط1. منشورات الحلبي الحقوقية. بيروت. 2005. ص34-35، د. سامية راشد. قاعدة الإسناد أمام القضاء، بحث في القانون الدولي الخاص المصري والمقارن. مجلة العلوم القانونية والاقتصادية. كلية الحقوق. جامعة عين شمس. العدد الثاني. السنة الرابعة عشر. 1972. ص391-392.
8- انظر في ذلك A.V.Dicey and J.C.H.Morris، op.cit.،p.226.
وينبغي الإشارة إلى أن تشبيه القانون الأجنبي بالواقع في النظام القانوني الانكليزي ليس من حيث الطبيعة، (إذ لا يمكن تصور تطبيق الواقعة على وقائع)، وإنما هو لغرض التسوية بينهما في المعاملة من حيث الإثبات ومن حيث رقابة المحكمة العليا على تفسير القاضي لهما. د. شمس الدين الوكيل. دراسة مقارنة في إثبات القانون الأجنبي ورقابة المحكمة العليا على تفسيره. مجلة الحقوق للبحوث القانونية والاقتصادية. كلية الحقوق. جامعة الإسكندرية. العددان الأول والثاني. السنة الثانية عشرة. 1962-1963. ص79.
9- د. عكاشة محمد عبد العال. مصدر سابق. ص231.
10- د. حفيظة السيد الحداد. الموجز في القانون الدولي الخاص. الكتاب الأول (المبادئ العامة في تنازع القوانين). ط1. منشورات الحلبي الحقوقية. بيروت. 2005. ص35.
11- الحكم منشور في Rev. crit.، 1960، p.62، note Batiffol أشار إليه د. هشام على صادق. تنازع القوانين. مصدر سابق. هامش3. ص256 مع بيان مضمون الحكم.
12- ومن هذه الأحكام Cass. civ.، 2 mars 1960، affaire cie algerienne de credit et de Banque، Rev. crit.، 1960،p.97، note Batiffol. أشار إليه د. احمد عبد الكريم سلامة. علم قاعدة التنازع والاختيار بين الشرائع أصولا ومنهجاً. ط1. مكتبة الجلاء الجديدة. المنصورة. 1996. هامش7. ص77.
13- في الانتقادات الموجهة لمسلك القضاء الفرنسي راجع ما نذكره في الصفحات التالية.
14- انظر في بعض الأحكام الصادرة عن محكمة النقض في هذا الاتجاه، د. عكاشة محمد عبد العال. مصدر سابق. هامش3. ص235.

الاتجاه المؤيد لصفة الإلزام في قواعد الإسناد

أن الاتجاه الذي ظهر في القانون الدولي الخاص بإنكار صفة الإلزام على قواعد الإسناد قد تعرض لهجمات انتقادية واسعة من قبل الفقه أزالت هذا الاتجاه عن موقع الصدارة التي كان يحتلها في بعض الأنظمة القانونية ومنها النظام القانوني الفرنسي، وهو ما ظهر من خلال التطور النسبي الذي حصل في قضاء محكمة النقض الفرنسية باتجاه الحد من الإطلاق الذي كان عليه قضاء هذه المحكمة في اعتبار قواعد الإسناد غير مُلزمة عندما تشير باختصاص القانون الأجنبي. ويمكننا، ونحن في معرض الكلام عن الاتجاه الحديث في القانون الدولي الخاص، أن نجمل تلك الانتقادات التي تعرض لها الاتجاه السابق وذلك في النواحي التالية.

فمن ناحية أولى، ان القول بتعلق قواعد الإسناد بالنظام العام عند إشارتها بتطبيق القانون الوطني وعدم تعلقها بالنظام العام إذا أشارت بتطبيق أحد القوانين الأجنبية يضفي على قواعد الإسناد صبغة سياسية. فهذا القول يوحي بأن الهدف الذي يبتغيه المشرع من وراء سَنِّه لقواعد الإسناد لا يتعدى الاهتمام بمصالح الوطنيين، وهذا في حد ذاته مما يتعارض مع حكمة التشريع(1)، في حين ان المشرع الوطني، وإن كان يهدف من وراء تنظيمه لقواعد الإسناد تحقيق مصالحه الوطنية، إلا أن الأمر لا ينحصر بهذه المصالح، بل إن هناك أهدافا أخرى يبتغيها المشرع من وراء قواعد الإسناد، منها تحقيق العدالة وتحقيق مصالح معينة تُعد حيويةً للدولة، كتشجيع الهجرة من الإقليم أو إليه، أو التطلع لمعاملة الوطنيين في الخارج بالمثل، ولا شك أن التزام القاضي بإعمال قواعد الإسناد وتطبيق القوانين الأجنبية التي تشير إليها على العلاقات ذات العنصر الأجنبي يستجيب إلى مثل هذه المصالح، وهو أمر يدخل في صميم السياسة التشريعية(2).

ومن ناحية ثانية، انه ليس من المنطقي الربط بين التزام القاضي بإعمال قواعد الإسناد من تلقاء نفسه من جهة، وبين تعلق هذه القواعد بالنظام العام، أي اعتبارها من القواعد الآمرة من جهة أخرى. وليس من المنطقي كذلك تعليق اكتساب قواعد الإسناد كاملَ قيمتها القانونية على شرط ارتباطها بالنظام العام.

فهذا الموقف الذي اعتمده جانب من الفقه والقضاء مُنتقد من وجهين. فهو أولاً يتضمن خلطاً بين صفة الإلزام في القواعد القانونية بشكل عام وبين تعلق هذه القواعد بالنظام العام أو عدم تعلقها به. ذلك أن صفة الإلزام هي من الصفات الملازمة لجميع القواعد القانونية من دون فرق بين القواعد المتعلقة بالنظام العام، أي القواعد الآمرة، وبين القواعد الأخرى غير المتعلقة به، أي القواعد المكملة(3)، إذ لا تفاوت بين صفة الإلزام في كِلا النوعين من القواعد، ذلك (لأن الإلزام عنصر أساسي في القاعدة القانونية بصفة عامة سواء كانت قاعدة قانونية آمرة أو مكملة) وإنَّ توقف تطبيق القواعد المكملة على عدم اتفاق الأشخاص على ما يخالف أحكامها لا يعني أنها (ليست قواعد قانونية ملزمة، ولكن لأن شرطاً من شروط تطبيقها قد تخلف) (4).

وقد لا يكون من المغالاة القول أن القاعدة الغير ملزمة ليست قاعدة قانونية بالمرة، إذ لا يمكن للقاعدة أن تؤدي وظيفتها في توفير الأمان والاستقرار للعلاقات القانونية في الوقت الذي يكون فيه القاضي والأفراد في حِلٍّ من احترامها. وثانياً إنَّ هذا الاتجاه قد قسم قواعد الإسناد إلى طائفتين، إحداهما تتعلق بالنظام العام والأخرى لا تتعلق به، خصوصاً القواعد التي تشير باختصاص قانون أجنبي، ويؤخذ على هذا التقسيم أنه، وعلى فرض التلازم ما بين تعلق القاعدة القانونية بالنظام العام وبين كونها ملزمة، وهو الفرض الذي ثبت خطؤه آنفاً، فانه لا يصح القول بأن هناك من قواعد الإسناد ما يتعلق بالنظام العام ومنها ما لا يتعلق به، إذ أن الحقيقة، كما يقرره فقه القانون الدولي الخاص، ان كافة قواعد الإسناد تتعلق بالنظام العام من دون استثناء(5)، لأن هذه القواعد تَصدر عن جملة اعتبارات خاصة ترتبط بسياسة التشريع.

فإخضاع المشرع مسألة معينة من مسائل القانون الخاص لقانون معين إنما يكون بناءً على اعتقادٍ منه بأن هذا القانون هو أصلح القوانين لحكم تلك المسألة في الوضع الذي تكون فيه منطوية على عنصر أجنبي. فقد ينظر المشرع إلى القانون الواجب التطبيق بوصفه أكثر القوانين إيفاءً بمقتضيات العدالة، أو أقدرها على تحقيق إحدى المصالح الحيوية للدولة، أو أن يكون في تطبيق هذا القانون توفير للأمان القانوني المتمثل في الحفاظ على توقعات الأفراد في علاقاتهم الدولية، ومن ثم تحقيق الاستقرار لتلك العلاقات ونموها عبر الحدود(6). وبوجه عام يمكن القول ان جميع الاعتبارات التي يَعتد بها المشرع عند سنِّه لقواعد الإسناد تتصل بسياسة التشريع، وهذا أمر يدخل في صميم فكرة النظام العام(7).

والناحية الثالثة من نواحي الانتقادات التي تَعرّض لها الاتجاه محل البحث هي ما أكده الفقه من أن هذا الاتجاه ينكر على قواعد الإسناد طبيعتها القانونية، وهو ما لا يُسَلم به أحد(8). فهذه القواعد هي قواعد قانونية بالمعنى السليم، وهي لا تختلف عن القواعد القانونية الأخرى من ناحية التحليل الهيكلي ولا من ناحية الغاية التي تهدف إلى تحقيقها، ولا من ناحية تمتعها بالإلزام. فقواعد الإسناد، وكما سيأتي، تتحلل شأنها شأن سائر القواعد القانونية إلى عنصري الفرض والحكم.

كما إن قواعد الإسناد لا تختلف في غايتها العامة عن أية قاعدة من قواعد القانون الوطني، فإذا كانت القواعد الاعتيادية تفصل في النزاع من الناحية الموضوعية وتؤكد استقرار العلاقات بين الأفراد(9)، فان قواعد الإسناد هي الأخرى ذات هدف محدد هو اختيار القانون الملائم لحكم العلاقات ذات الطابع الدولي، وهي ترمي في النهاية إلى تحقيق الاستقرار القانوني لعلاقات الأفراد عبر الحدود(10).

وتبعاً لذلك فان قواعد الإسناد لا تختلف عن القواعد القانونية الاعتيادية من ناحية قوتها الملزمة. فالقواعد القانونية عموماً توصف بأنها قواعد ملزمة للأفراد وواجبة الإتباع من قبلهم، أي ان لتلك القواعد جزاء مادي توقعه السلطة العامة جبراً على من يخالفها، وهذا أمر تقتضيه وظيفة القاعدة القانونية وما يهدف إليه القانون عموماً من إقامة النظام في المجتمع وكفالة الأمن فيه(11)، إذ لا يمكن ضمان تحقيق هذه الأغراض ما لم تقترن القاعدة القانونية بجزاء مادي رادع توقعه السلطة العامة على المخالف، بما لها من قوة القهر والإجبار. وكذلك حال قواعد الإسناد، فهذه القواعد، وبصفتها قواعد قانونية، ينبغي فيها أن تكون قواعد ملزمة. ومعنى ذلك أنها إذ توَجِّه خطابها إلى القاضي بالدرجة الأولى، فان القاضي يكون ملزماً بإعمالها بمجرد أن يَستظهر توفر الطابع الدولي في العلاقة محل النزاع، وفي حالة مخالفته لهذا الالتزام يكون من الممكن الطعن فيما يتخذه من قرار في النزاع المعروض(12). وكذلك فان قواعد الإسناد، إذ توَجِّه خطابها بالدرجة الثانية إلى الأفراد أطراف العلاقة ذات الطابع الدولي، فينبغي على هؤلاء ان يتقيدوا بأحكام هذه القواعد، وما تفرضه عليهم في نزاعاتهم ذات العنصر الأجنبي(13).

وبناءً على ذلك، وباعتبار ان قواعد الإسناد جزء من القانون الداخلي للقاضي فانه ينبغي عدم قبول إعفاء القاضي من إعمالها من تلقاء نفسه، مثلما هو ثابت من عدم إعفائه من الالتزام بتطبيق سائر قواعد القانون، ولا مُسوِّغ لتعليق التزامه هذا بتمسك الخصوم بإعمال قاعدة الإسناد أو بإثباتهم اختلاف مضمون القانون الأجنبي الذي تشير إليه عن مضمون القانون الوطني. ومن ناحية رابعة يرى بعض الفقهاء ان هذا الاتجاه فيه خروج واضح على واحد من المبادئ الهامة التي يجب التأكيد عليها في إعمال قواعد الإسناد، وهو مبدأ المساواة أمام هذه القواعد بين كافة القوانين التي لديها القابلية للتطبيق على النزاع، وخصوصاً القوانين الأجنبية، فضلاً عن القانون الوطني، على الأقل من الناحية الموضوعية من دون الإجرائية، كما ان فيه إهدار لغايات ذلك المبدأ الذي يتمشى مع طابع التجريد والحياد في قواعد الإسناد(14). ومن ناحية أخيرة فان تعليق التزام القاضي بإعمال قاعدة الإسناد الوطنية وتطبيق القانون الأجنبي الذي تشير إليه على شرط تمسك الخصوم بهذه القاعدة هو أمر يتعارض مع إحدى الصفات الذاتية التي تتصف بها قواعد الإسناد، وهي الصفة المزدوجة أو الثنائية(15).

فالقول ان قواعد الإسناد تتعلق بالنظام العام إذا أفضت إلى ثبوت الاختصاص للقانون الوطني من دون القانون الأجنبي لا يمكنه ان يتسق إلا مع صياغة قواعد الإسناد صياغة منفردة الجانب، ومؤدى هذه الصياغة أن تقتصر قواعد الإسناد على تحديد حالات اختصاص القانون الوطني، في حين إن قواعد الإسناد في أغلب القوانين الوضعية، إنْ لم تكن جميعها، تعتبر قواعد مزدوجة أو ثنائية الجانب وظيفتها تحديد القانون المختص بحكم النزاع على نحوٍ مجرد بناءً على معيار معين، بغض النظر عما يفضي إليه هذا المعيار من ثبوت الاختصاص للقانون الوطني أو لقانون أجنبي(16).

وبالتالي فان اعتبار قاعدة الإسناد متعلقة بالنظام العام، وبوصفها قاعدة مزدوجة، فان ما يتعلق بالنظام العام، واقعاً، هو مضمون القاعدة بما اشتملت عليه من معيار لتحديد القانون المختص أيا كانت نتيجة تطبيقها. ويترتب على ذلك ان إلزام القاضي بإعمال قواعد الإسناد من تلقاء نفسه، والحال انها، بحسب الأصل، قواعد مزدوجة الجانب إنما يقود إلى تفادي العديد من النتائج السلبية التي يؤدي إليها تبني النظر الذي يجعل من قيام القاضي بإعمال قواعد الإسناد مجرد رخصة متاحة له وليس التزاماً واقعاً عليه. وإحدى تلك النتائج هي تشجيع القاضي في أحيانٍ كثيرة على الإلتجاء إلى قانونه الوطني وتطبيقه على نزاعات العلاقات الخاصة الدولية من دون الالتفات إلى مدى ملاءمة هذا القانون لتنظيم تلك النزاعات وتسويتها، خاصة وان هناك الكثير من المسائل مما رأى المشرع الوطني ذاته أن قانوناً أجنبياً ربما يكون أكثر ملاءمة من القانون الوطني لحكمها(17).

وهذا الاتجاه بتعميم تطبيق قانون القاضي يتضمن في ثناياه مساساً بذاتية العلاقات الخاصة الدولية التي قد لا يصلح قانون القاضي لحكمها في الحالات التي تشير فيها قواعد الإسناد باختصاص قانون أجنبي، وبالتالي فانه يعوق نمو العلاقات المشار إليها، خصوصاً مع تزايد أوجه وذرائع تدخل القانون الوطني بصددها، وهو ما يبدو جلياً في تعاظم عدد القوانين ذات التطبيق الضروري في ميدان هذه العلاقات(18).

ومن النتائج السلبية الأخرى لاعتبار قواعد الإسناد غير ملزمة للقاضي هي فتح الباب أمام الخصوم في النزاع للغش نحو القانون، وذلك عن طريق تواطئهم وإحجامهم عن التمسك بإعمال قاعدة الإسناد في قانون القاضي التي تنطق على النزاع متى كان ذلك في صالحهم، أو عن طريق لجوئهم إلى محكمة دولة معينة لا يلتزم قضاتها بتطبيق قواعد الإسناد من تلقاء أنفسهم، فيضمنون بذلك تطبيق القانون الموضوعي الوطني لتلك المحكمة، وذلك حين يعلمون ان هذا القانون هو أصلح لهم(19).

وبناءً على جميع ما تقدم يكون من واجب القاضي إعمال قاعدة الإسناد من تلقاء نفسه فيما لو أشارت باختصاص أحد القوانين الأجنبية، فضلاً عن إشارتها باختصاص القانون الوطني، كما ان من واجبه ان يطبق أحكام القانون الأجنبي المختص من دون حاجة لتمسك الخصوم بأحكام هذا القانون، وهو ما أكدته الاتجاهات الحديثة في فقه القانون الدولي الخاص في العراق ومصر وفرنسا(20). والتزام القاضي بإعمال قاعدة الإسناد من تلقاء نفسه يبقى قائماً حتى لو اتفق الخصوم صراحة على استبعاد القاعدة التي تشير باختصاص القانون الأجنبي وتمسكوا بأحكام القانون الوطني، ذلك ان قواعد الإسناد، كما سبق بيانه، تتعلق بالنظام العام في جميع الأحوال لكونها تهدف إلى تطبيق انسب القوانين لحكم المسألة المعروضة وفقاً للسياسة التشريعية التي يرمي المشرع الوطني إلى تحقيقها، وهو اعتبار يمس بالضرورة صميم النظام العام(21).

وبالمقابل لا يجوز للأفراد في علاقاتهم الدولية ان يخرجوا على قواعد الإسناد أو يتفقوا على خلاف أحكامها، كأن يتفقوا على إخضاع الأهلية لقانون موطنهم في الوقت الذي تنص فيه القاعدة على خضوع الأهلية لقانون الجنسية(22). ولكن مع ذلك فان من حق الخصوم أن يستبعدوا القاعدة القانونية في القانون الأجنبي الواجب التطبيق في الأحوال التي لا تتعلق فيها هذه القاعدة بالنظام العام وفقاً للمبادئ السائدة في القانون الأجنبي ذاته.

ولئن كان صحيحاً أن الإعمال التلقائي لقواعد الإسناد الوطنية قد تصادفه عقبة صعوبة تطبيق القاضي للقانون الأجنبي، لعدم معرفته بذلك القانون أو صعوبة إثبات مضمونه في بعض الحالات، فإن هذا الأمر يمكن التغلب عليه بأنْ يَطلب القاضي من الخصوم إثبات القانون الأجنبي الذي أشارت إليه قاعدة الإسناد، أو أن يلجأ إلى الخبرة، أو يستعين بالوثائق الرسمية التي تعطيها ممثليات قنصلية أو سياسية، وغير ذلك من وسائل إثبات القانون الأجنبي(23).

وهذا الاتجاه الذي اعتمده الفقه الحديث بإضفاء الصفة الملزمة على قواعد الإسناد تبنته العديد من التقنينات الحديثة في القانون الدولي الخاص، كما أوصى به مجمع القانون الدولي في دورته المنعقدة بمدينة سان جاك دو كومبوستيل عام 1989(24)، وهو ما يبدوا أيضا من موقف القانون المصري من هذه المسألة(25). ويظهر من موقف القانون العراقي انه قد تبنى ذات الاتجاه الذي أخذ به القانون الدولي الخاص المقارن في شأن الإقرار بالقوة الملزمة لقواعد الإسناد وإلزام القاضي بتطبيق القانون الأجنبي الذي تشير تلك القواعد باختصاصه، وإنْ كان ذلك على نحوٍ غير مباشر.

فرغم أن المشرع العراقي لم يتصدَّ بشكل مباشر وصريح لمسألة إلزام القاضي بإعمال قاعدة الإسناد من تلقاء نفسه، إلا إنه يمكن استشفاف موقف المشرع بصورة غير مباشرة، وذلك من خلال دراسة الطريقة التي صيغت بها قواعد الإسناد في التشريع العراقي. فقد ذكر جانب من الفقه العراقي أن صياغة نصوص قواعد الإسناد في القوانين العراقية تؤكد بأن المشرع قد ألزم القاضي بتطبيق قواعد الإسناد من تلقاء نفسه(26)، فقد استعمل المشرع في قواعد الإسناد عبارات مثل “يسري، يرجع، تُطبق، تخضع، تُتبع، تُعين المحكمة”، وهي عبارات تفيد صيغة الإلزام(27)، كما ان المشرع قد استعمل كلمة “يسري” في القانون المدني لغرض فرض نصوص هذا القانون بصورة عامة، بما فيها تلك النصوص التي تحوي قواعد الإسناد، وذلك في المادة الأولى من القانون بقولها (تسري النصوص التشريعية على جميع المسائل التي تتناولها هذه النصوص في لفظها أو في معناها)، وقد أقر الفقه مع هذا النص بأنه (.. لا يمكن أن يُستفاد من صيغة القانون المدني ما يميز القانون الوطني وما يُشعر بأن القاضي لا يُلزَم بتطبيق القانون الأجنبي من تلقاء نفسه) (28). فهذه العبارات الصريحة تلزم القاضي العراقي بأن يُعمل قاعدة الإسناد وان يطبق القانون الأجنبي الذي تشير باختصاصه بصورة تلقائية ولو لم يطلب منه الخصوم القيام بذلك، إذ ان تطبيق القانون الأجنبي هو امتثال من قِبَل القاضي لحكم القانون.

وأمام تبني الاتجاه التشريعي الذي يقضي باعتبار قواعد الإسناد قواعد قانونية ملزمة، والذي اعتنقته القوانين في دول متعددة، وتحت وطأة الانتقادات الفقهية لموقف القضاء الفرنسي الرافض للإعمال التلقائي لهذه القواعد، فقد عدل هذا القضاء عن مسلكه السابق واعتنق وجوب التسليم بالطابع الملزم لقواعد الإسناد والتزام القاضي بتطبيق هذه القواعد من تلقاء نفسه حتى ولو لم يتمسك بذلك الخصوم وبغض النظر عن القانون الذي تشير قاعدة الإسناد باختصاصه. وهو ما يظهر جلياً في حكمين صادرين عن الدائرة الأولى المدنية بمحكمة النقض بتاريخ 11و18 تشرين أول عام 1988(29)، إذ قررت المحكمة نقض الحكمين المطعون فيهما لتطبيقهما القانون الفرنسي على النزاع بينما كان يتعين تطبيق القانون الأجنبي الذي أشارت إليه قاعدة الإسناد بشأن كل واحدة من الدعوتين المنظورتين. وقررت المحكمة أن سكوت الخصوم عن التمسك بتطبيق القانون الأجنبي واجب التطبيق وفقاً لقاعدة الإسناد ليس من شأنه قيام القاضي بتطبيق القانون الفرنسي في الدعوى، بل يتعين على القاضي من تلقاء نفسه البحث عن العنصر الأجنبي في العلاقة وتطبيق القانون الأجنبي الذي تشير إليه قاعدة الإسناد في النزاع.

وقد أكدت محكمة النقض هذا الاتجاه بقرارها الصادر بتاريخ 18 تشرين ثاني عام 1992(30)، والذي تمسكت فيه بذات المبادئ التي أوردها القراران السابقان من وجوب تنبه القاضي، بمجرد ظهور العنصر الأجنبي في الدعوى، إلى الالتزام بإعمال قاعدة الإسناد الوطنية من تلقاء نفسه ومن دون حاجة لتمسك المدعية بذلك، ومن ثم تطبيق القانون الذي تشير إليه تلك القاعدة، وهو القانون الجزائري(31). وهذا الوضوح في الموقف الأخير لمحكمة النقض الفرنسية والذي أظهرته بعض الأحكام الصادرة عنها لم يكن له نظير في القضاء المصري بشأن موقفه من مبدأي إلزام القاضي أو عدم إلزامه بإعمال قواعد الإسناد من تلقاء نفسه، فلم يكن بالإمكان إدراج القضاء المصري بصورة مؤكدة ضمن أحد هذين الاتجاهين في القانون الدولي الخاص المقارن(31)، ذلك أن هذا القضاء لم يتصدَّ بشكل صريح أو بصورة عامة لبحث مدى التزام القاضي بتطبيق قواعد الإسناد الوطنية. ولكن مع ذلك فقد تعرضت محكمة النقض المصرية في أحد قراراتها لبحث مدى القوة الإلزامية لإحدى قواعد الإسناد، وذلك في نزاع يتعلق بتطبيق المادة 14 من القانون المدني المصري رقم 131 لعام 1984، إذ أقرت المحكمة في قرارها المؤرخ 17 تشرين الثاني 1960 مبدءاً قوامه ان (نص المادة 14 من القانون المدني نصٌّ آمر متعلق بالنظام العام يسري بأثر فوري) (32)، وقد تساءل الفقه المصري عما إذا كانت محكمة النقض تتجه إلى اعتبار جميع قواعد الإسناد قواعد آمرة تتعلق بالنظام العام، بصفة عامة وفي جميع الفروض، ومن ثم يتعين على القاضي تطبيق هذه القواعد من تلقاء نفسه، أم ان المحكمة قصَرت هذا الوصف على قاعدة الإسناد التي تتضمنها المادة 14 محل البحث.

ويظهر أن الفقه قد انتهى إلى صعوبة استخلاص أن المحكمة قد اتجهت في هذا القرار إلى تعلق جميع قواعد الإسناد بالنظام العام، وذلك لعدة أسباب منها عدم عمومية صياغة القرار واقتصار هذه الصياغة على مواجهة المادة المذكورة من دون غيرها، وكذلك عدم بيان الأساس الذي بنت عليه المحكمة اعتبار نص هذه المادة نصاً آمراً متعلقاً بالنظام العام، وأسباب أخرى عديدة(33).

إلا أن محكمة النقض المصرية قد خطت فيما بعد خطوة كبيرة نحو إلزام القاضي بإعمال قواعد الإسناد من تلقاء نفسه وتطبيق القانون الأجنبي الذي تشير إليه هذه القواعد، وذلك في قرارها الصادر بتاريخ 6 شباط 1984(34)، وهذا القرار ألزمت فيه القاضي بتطبيق القانون الأجنبي في حالة ما إذا كان عالماً بمضمون ذلك القانون أو كان علمه به مُفترضاً، وهو ما يعني ان القاضي ملزم بتطبيق قاعدة الإسناد من تلقاء نفسه وإن أشارت هذه القاعدة باختصاص أحد القوانين الأجنبية، ما لم يكن القاضي يجهل أحكام القانون الأجنبي المشار إليه(35). أما عن موقف القضاء العراقي من مسألة التزام القاضي بإعمال قواعد الإسناد من تلقاء نفسه، فان هذا القضاء، على ما يبدو، لم يحدد هذه المسألة بصورة صريحة، بل انه أشار على نحوٍ غير مباشر إلى التزام القاضي بتطبيق القانون الأجنبي الذي تحدده قاعدة الإسناد الوطنية من تلقاء نفسه ومن دون أن يتوقف هذا التطبيق على طلب من الخصوم، وذلك بمجرد ان يظهر للمحكمة وجود العنصر الأجنبي في النزاع المعروض. وهذا ما يتبين لنا في جملة من القرارات التي أصدرتها محكمة التمييز في هذا الخصوص.

ففي قرارٍ صادر عن محكمة التمييز بتاريخ 14/ 4/ 1948(36)، نقضت فيه قرار محكمة المواد الشخصية في كربلاء المؤرخ 10/3/1948 قائلة فيه (…ان الطرفين يتصادقان على أنهما من تبعية الحكومة الإيرانية ولما كان للحكومة الموما إليها قانون مدني كان على المحكمة أن تبت في الدعوى وفق أحكامه مع مراعاة ما جاء في المادة الثالثة من قانون الأحوال الشخصية للأجانب/ 931، فذهابها إلى تطبيق الفقه الجعفري غير صحيح …). كما جاء في قرار آخر لذات المحكمة بتاريخ 28/5/1958(37)، قولها (… أما عن القانون الواجب التطبيق فانه من الواضح ان يكون قانون المحل الذي تم فيه العقد هو الواجب التطبيق، وقد تأكدت هذه الحقيقة بالفقرة الأولى من المادة 25 من القانون المدني، وحيث ان العقد قد تم بين الطرفين فيكون القانون الانكليزي هو المنطبق في هذه القضية …).

وهذا أيضاً ما أكدته محكمة التمييز بقرارها المؤرخ 29/9/1969(38)، من وجوب تطبيق القانون الذي تشير إليه قاعدة الإسناد الوطنية، وذلك بقولها (… لما كان النص القانوني في المادة 25 مدني أوجب تطبيق القانون الانكليزي على هذه الدعوى، فانه يُطبق طالما لا يتعارض مع نص من النصوص الخاصة بالنظام العام …) وكذلك قرار المحكمة الصادر بتاريخ 21/9/1975(39)، والذي عدلت فيه عن تطبيق القانون العراقي إلى تطبيق القانون الأجنبي لمجرد أن أطراف الدعوى كانوا من غير العراقيين، إذ جاء في القرار (… إن طلب المدعية التفريق من زوجها المدعى عليه لا يطبق عليه القانون العراقي لأن أطراف الدعوى من الرعايا الفلسطينيين، ويسري بشأن التفريق بين الزوجين قانون الزوج وقت وقوع الطلاق أو وقت رفع الدعوى، وهو قانون العائلة الأردني رقم 92 لسنة 1951 …). وهذا الاتجاه الذي سارت عليه محكمة التمييز نحو إلزام القاضي بإعمال قواعد الإسناد من تلقاء نفسه وعدم توقف ذلك على طلب الخصوم يبدو أكثر وضوحاً في قرار لهذه المحكمة ذهبت فيه إلى إلزام القاضي بالتحقق من وجود العنصر الأجنبي في النزاع المعروض عليه ليصار في حال ثبوته إلى إعمال قاعدة الإسناد وتطبيق القانون الذي تشير إليه هذه القاعدة، إذ جاء في قرار المحكمة المؤرخ 29/4/1972(40)، (… إن طالب التصحيح قد ذكر في عريضته المؤرخة 26/3/1972 أن المصحح عليه (ح) هو سوري الجنسية، فكان على المحكمة الشرعية ان تتحقق من جنسية أطراف الدعوى هم عراقيو الجنسية أم سوريو الجنسية أم ان احدهم عراقي الجنسية والآخر سوري الجنسية، وذلك بتكليفه بإبراز شهادات الجنسية لأجل معرفة القانون الواجب التطبيق على موضوع الدعوى …) إلى أن وصلت المحكمة في قرارها إلى القول أن (… مؤدى ذلك أن قانون الأحوال الشخصية السوري هو الواجب التطبيق في هذه الدعوى عند ثبوت كون أطراف الدعوى من أتباع الجمهورية السورية، لأنه قانون الدولة التي ينتمون إليها …)

وذلك عملاً بقاعدة الإسناد الواردة بنص المادة 20 من القانون المدني. هكذا يتضح لنا تأكيد القضاء العراقي على صفة الإلزام في عموم قواعد الإسناد ووجوب إعمال القاضي لهذه القواعد وتطبيق القانون الأجنبي الذي تشير إليه من دون حاجة لطلب الخصوم، وبمجرد توافر العنصر الأجنبي في العلاقة مثار النزاع، مسايراً بذلك الاتجاهات الحديثة السائدة في القانون الدولي الخاص المقارن.
______________________
1- د. هشام علي صادق.تنازع القوانين (دراسة مقارنة في المبادئ العامة والحلول الوضعية المقررة في التشريع المصري). ط3. منشأة المعارف. الإسكندرية. 1974. فقرة 68. ص257.
2- د. هشام علي صادق. مركز القانون الأجنبي أمام القضاء الوطني، دراسة مقارنة. منشأة المعارف. الإسكندرية. 1972. فقرة 112. ص132-133.
3- د. توفيق حسن فرج. المدخل للعلوم القانونية. ط1. الدار الجامعية. بيروت. 1988 ص13.
4- د. مصطفى مصباح شليبك. المدخل للعلوم القانونية. ط1. الجامعة المفتوحة. طرابلس – ليبيا. 2002. ص72. وفي المعنى ذاته د. منذر الشاوي. فلسفة القانون. المجمع العلمي العراقي. بغداد. 1994. ص170-171.
5- د. مصطفى مصباح شليبك. المدخل للعلوم القانونية. ط1. الجامعة المفتوحة. طرابلس – ليبيا. 2002. ص55.
6- في بعض الاعتبارات التي يأخذها المشرع بنظره عند سَنِّه لقواعد الإسناد، راجع ما يأتي ص101-102 .
7- د. محمد كمال فهمي. مصدر سابق. فقرة379. ص493. ويُجري بعض الفقهاء مقارنة بين قواعد الإسناد وقواعد الاختصاص القضائي النوعي، باعتبار أن قواعد الاختصاص تُعد من النظام العام رغم أنها قواعد شكلية لا تسري على موضوع النزاعات، فيكون من باب أولى أن ينطبق نفس الحكم على قواعد الإسناد وهي قواعد يتقرر بناءً عليها مصير النزاعات من الناحية الموضوعية. د. هشام علي صادق. مركز القانون الأجنبي أمام القضاء الوطني. مصدر سابق. فقرة120. ص141-142.
8- د. احمد عبد الكريم سلامة. السياحة والعقود الدولية الجديدة (عقد المشاركة الزمنية او اقتسام الوقت في القانون الدولي الخاص). مجلة الحقوق. كلية الحقوق. جامعة البحرين. المجلد الثالث. العدد الثاني. 2006. فقرة 72. ص79.
9- د. مصطفى مصباح شليبك. مصدر سابق. ص24.
10- د. حفيظة السيد الحداد. الموجز في القانون الدولي الخاص. الكتاب الأول (المبادئ العامة في تنازع القوانين). ط1. منشورات الحلبي الحقوقية. بيروت. 2005. ص38-39.
11- د. منذر الشاوي. فلسفة القانون. المجمع العلمي العراقي. بغداد. 1994. ص187 وما بعدها.
12- د. سعيد يوسف البستاني. القانون الدولي الخاص (تطور وتعدد طرق حل النزاعات الخاصة الدولية). ط1. منشورات الحلبي الحقوقية. بيروت. 2004. ص193 .
13- د. عكاشة محمد عبد العال. أحكام القانون الدولي الخاص اللبناني، دراسة مقارنة. الجزء الأول (تنازع القوانين). الدار الجامعية. بيروت. 1998. ص245.
14- انظر في هذا الانتقاد د. احمد عبد الكريم سلامة. علم قاعدة التنازع والاختيار بين الشرائع أصولا ومنهجاً. ط1. مكتبة الجلاء الجديدة. المنصورة. 1996. فقرة 74. ص81-82.
15- د. هشام علي صادق. تنازع القوانين. مصدر سابق. فقرة 4. ص13.
16- راجع في الصفة الثنائية أو المزدوجة لقواعد الإسناد ما يأتي بحثه ص92 وما بعدها.
17- د. حفيظة السيد الحداد. الموجز في القانون الدولي الخاص. الكتاب الأول (المبادئ العامة في تنازع القوانين). ط1. منشورات الحلبي الحقوقية. بيروت. 2005. ص39-40.
18- في القوانين ذات التطبيق الضروري راجع ما يأتي ص160 وما بعدها.
19- انظر في هذه الفكرة بالذات، احمد محمود الفضلي. التحايل على القانون في القانون الدولي الخاص، دراسة مقارنة. ط1. دار المناهج. عمان. الأردن. ص23.
20- قال بهذا الاتجاه في الفقه العراقي د.عباس العبودي. مدى التزام القاضي في إثبات القانون الأجنبي. مجلة القانون المقارن العراقية. جمعية القانون المقارن العراقية. العدد 48. السنة 2000. ص70، د. مصطفى كامل ياسين. كيف يطبق القانون الأجنبي، بحث مقارن. مجلة القضاء. نقابة المحامين في العراق. العدد الثاني. السنة الخامسة عشرة. 1957. ص169-170، ويبدو أن هذين الأستاذين يقيدان قاعدة الإسناد الملزمة بأن تكون من القواعد الآمرة. وأيضاً في الفقه العراقي د. ممدوح عبد الكريم حافظ. القانون الدولي الخاص وفق القانونين العراقي والمقارن. ط2. دار الحرية. بغداد. 1977. ص346-347، د. جابر إبراهيم الراوي. أحكام تنازع القوانين في القانون العراقي. مديرية مطبعة الحكم المحلي. بغداد. 1980. ص64. ، وقال به في الفقه المصري د. شمس الدين الوكيل. دراسة مقارنة في إثبات القانون الأجنبي ورقابة المحكمة العليا على تفسيره. مجلة الحقوق للبحوث القانونية والاقتصادية. كلية الحقوق. جامعة الإسكندرية. العددان الأول والثاني. السنة الثانية عشرة. 1962 – 1963. ص124، د. عز الدين عبد الله. القانون الدولي الخاص. الجزء الثاني (في تنازع القوانين وتنازع الاختصاص القضائي الدوليين). ط7. دار النهضة العربية. القاهرة. 1972.. فقرة 155. ص586، د. محمد كمال فهمي. أصول القانون الدولي الخاص. ط2. مؤسسة الثقافة الجامعية. الإسكندرية. 1978. فقرة 376. ص486-487، د. حامد زكي. أصول القانون الدولي الخاص المصري. ط3. مكتبة عبد الله وهبه بمصر. 1944. فقرة 108. ص99-100، د. محمد عبد المنعم رياض. مبادئ القانون الدولي الخاص. ط3. مكتبة النهضة المصرية. القاهرة. 1943. فقرة 433. ص388، د. فؤاد عبد المنعم رياض و د. سامية راشد. تنازع القوانين والاختصاص القضائي الدولي وآثار الأحكام الأجنبية. دار النهضة العربية. القاهرة. 1994. 69. ص258. وفي الفقه الفرنسي H.Motulsky، J.Maury، A.Weiss، R.Savatier، J.Valery ذكرهم د. هشام علي صادق. المصدر ذاته. هامش1. ص258. وهنا لما كان تطبيق القاضي للقانون الأجنبي يجري بناءً على أمر من المشرع بمقتضى قاعد الإسناد الوطنية، والتي منحت هذا القانون قوته الملزمة أمام القضاء الوطني، لذا تبدو مشكلة التزام القاضي بتطبيق القانون الأجنبي كمشكلة مرتبطة أساساً بالتزامه بتطبيق القواعد القانونية الوطنية.
21- د. هشام علي صادق. تنازع القوانين. المصدر السابق. فقرة 69. ص259.
22- د. ممدوح عبد الكريم حافظ. القانون الدولي الخاص الأردني والمقارن. الجزء الأول (تنازع القوانين. الاختصاص القضائي الدولي. تنفيذ الأحكام الأجنبية). ط1. مكتبة دار الثقافة. عمان – الأردن. 1998. ص55.
23- في إشارة إلى بعض وسائل إثبات القانون الأجنبي. د. عباس العبودي. مدى التزام القاضي في إثبات القانون الأجنبي. مجلة القانون المقارن العراقية. جمعية القانون المقارن العراقية. العدد 48. 2000. ص67.
24- انظر في جانب من التشريعات التي أخذت صراحة بهذا الاتجاه وفي توصيات مجمع القانون الدولي د. احمد عبد الكريم سلامة. علم قاعدة التنازع. مصدر سابق. فقرة 76. ص83-84.
25- في موقف القانون المصري د. جابر جاد عبد الرحمن. القانون الدولي الخاص العربي، الجزء الثالث (تنازع القوانين). معهد الدراسات العربية العالية، جامعة الدٍول العربية. 1962.هامش3. ص127.
26- د. ممدوح عبد الكريم حافظ. القانون الدولي الخاص وفق القانونين العراقي والمقارن. مصدر سابق. ص347، وفيما يتعلق بإلزام القاضي بإثبات القانون الأجنبي د. عباس العبودي. مدى التزام القاضي في إثبات القانون الأجنبي. المصدر السابق. ص67.
27- راجع المواد 17-33 والمادة 49 من القانون المدني رقم 40 لعام 1951 والمادة 13/1، 2 من قانون الإثبات رقم 107 لعام 1979 والمادة 48 من قانون التجارة رقم 30 لعام 1984.
28- د. مصطفى كامل ياسين. كيف يطبق القانون الأجنبي، بحث مقارن. مجلة القضاء. نقابة المحامين في العراق. العدد الثاني. السنة الخامسة عشرة. 1957. هامش1. ص170.
29-Cass. 1er ch. civ. 11oct. 1988، affaire Rebouch C. Bennour ; Cass. 1er ch. civ. 18 oct. 1988، affaire Schule C. Philippe.، والقراران منشوران في Rev. crit.، 1989، p. 368-369أشارت إليهما مع الترجمة د. حفيظة السيد الحداد. الموجز في القانون الدولي الخاص. ص46-47.
30- انظر القرار Cass. civ. 18 nov. 1992، affaire Makhlouf C. Benali، Rev. crit.، 1993، p.276، note Ancel. أشار إليه مع الترجمة د. احمد عبد الكريم سلامة. علم قاعدة التنازع. مصدر سابق. فقرة 77. ص87-88.
31- وقد صدرت بعض القرارات عن محكمة النقض الفرنسية في الفترة بين عامي 1988و1992 يظهر وكأنها تحد من قيمة المبدأ الذي أكدته هذه المحكمة من وجوب الإعمال التلقائي لقواعد الإسناد، وهو ما فسره بعض الفقهاء بأن هذا التردد في موقف المحكمة يرجع إلى ظروف الدعوى المقامة أمام القاضي الفرنسي، وما إذا كان القانون الذي تشير إليه قاعدة الإسناد معلوماً لدى القاضي من عدمه، فترى المحكمة أن على القاضي أن يلتزم بتطبيق القانون الأجنبي من تلقاء نفسه في الحالة الأولى من دون الثانية. انظر في هذا الرأي وفي بعض القرارات الصادرة في الفترة المشار إليها د. إبراهيم احمد إبراهيم. القانون الدولي الخاص (تنازع القوانين) من دون نشر. 1997. ص60-61 مع هوامش ص60.
32- د. سامية راشد. قاعدة الإسناد أمام القضاء، بحث في القانون الدولي الخاص المصري والمقارن. مجلة العلوم القانونية والاقتصادية. كلية الحقوق. جامعة عين شمس. العدد الثاني. السنة الرابعة عشر. 1972. ص395، د. هشام علي صادق. مركز القانون الأجنبي أمام القضاء الوطني، دراسة مقارنة. منشأة المعارف. الإسكندرية. 1972. فقرة 126. ص147-148.
33- طعن رقم 17 لسنة 28 القضائية/ أحوال شخصية. القرار أورده قمر محمد موسى. الموسوعة الجامعة في التعليق على القانون المدني، معلقاً عليها بالمذكرة الإيضاحية والمذكرة التفسيرية وأحكام النقض حتى عام 2002 مقارنة بالتشريعات العربية المقارنة. الجزء الأول. من دون نشر. ص407.
34- انظر في تلك الأسباب د. سامية راشد. قاعدة الإسناد أمام القضاء. المصدر السابق. ص396، د.هشام علي صادق. مركز القانون الأجنبي أمام القضاء الوطني. المصدر السابق. فقرة 127. ص148-149.
35- طعن رقم 83 لسنة 49 القضائية. غير منشور. أشار إليه د. إبراهيم أحمد إبراهيم. القانون الدولي الخاص (تنازع القوانين). من دون نشر. 1997.. ص64-65.
36- ولعل مضمون الحكم المذكور يقترب مما ذهب إليه جانب من الفقه المصري من أن القاضي، وإن كان ملزماً بإعمال قاعدة الإسناد من تلقاء نفسه، إلا انه لا يلتزم بتطبيق القانون الأجنبي الذي تشير إليه القاعدة. فقاعدة الإسناد تُلزم القاضي فقط بأن يطلب من الخصوم إثبات القانون الأجنبي الذي يتضح انه هو القانون المختص من دون أن تلزمه بالبحث عن أحكامه. قال بهذا الرأي د. منصور مصطفى منصور. مذكرات في القانون الدولي الخاص (تنازع القوانين). دار المعارف بمصر. 1957. فقرة 46. ص160-161. ولا يخفى ما في هذا النظر من ابتعاد عن الحكمة التي ابتغاها المشرع من وراء سنِّه لقواعد الإسناد والتي لا تتحقق إلا بتطبيق القانون الذي تشير هذه القواعد باختصاصه ولو كان قانوناً أجنبياً، وهو ما يقتضي أن يتصدى القاضي بنفسه للبحث عن مضمون القانون الأجنبي وتطبيقه.
37- قرار رقم 38/ش/1948. مجلة القضاء. نقابة المحامين في الجمهورية العراقية. العدد الثالث. السنة الخامسة والعشرون. 1973. ص171-172.
38- عدد الإضبارة 1045/ حقوقية/ 58، ذكره عبد العزيز السهيل. أحكام القضاء العراقي على مواد القانون المدني. الجزء الأول. دار التضامن. بغداد. 1962. ص36-37.
39- قرار رقم 32/أ/1969.مجلة القضاء. نقابة المحامين في الجمهورية العراقية. العدد الرابع. 1969. ص223.
40- قرار رقم 1027/ شخصية/75. مجلة الأحكام العدلية. العدد3. 1975. ص77. أشار إليه د. عباس العبودي. مدى التزام القاضي في إثبات القانون الأجنبي. مصدر سابق. ص70.
41- قرار رقم 22/ عامة/ 1972. مجلة القضاء. العدد الثاني. السنة الثامنة والعشرون. 1973. ص121-122.