ملخص رسالة ماجيستير حول جريمة تهريب المهاجرين

سامر عبدالرضا عزيز
باحث دكتوراه عراقي

إعادة نشر بواسطة محاماة نت 

مقدمة

تُعد الهِجرة بمفهومها العام ظاهرةً موغِلةً بالقِدم , فقد عَرَفت المجتمعات البشرية وفي مراحِلها المبكرة هِجراتٍ كثيرةً وكبيرة تهدف أغلبها إلى البحث عن الرزق والأمان , ولا يزال العالم إلى اليوم يعرف هذه الظاهرة ولكن على وفق معطيات وتفاصيل جديدة , إذ أصبح الحق في التنقل مقيداً بالحدود السياسية للدول , وهذه الأخيرة دأبت على وضع ما تشاء من شروط لاستقبال الوافدين إليها أو المتنقلين على أراضيها أو المغادرين منها باتجاه دول أخرى , وعلى هذا الأساس تقسم خارطة العالم بالنظر لموضوع الهجرة على ثلاث مناطق هي دول المنشأ ودول العبور ودول المقصد , هذه الظاهرة أخذت حيزاً واسعاً من الإهتمام على الصعيدين الوطني والدولي على حد سواء وكذلك إهتمام الباحث الشخصي.

الأمر الذي دفعني للبحث واختيار عنوان ( جريمة تهريب المهاجرين ) موضوعاً لهذا البحث, هذا الإهتمام نابع من الخطورة التي تشكلها هذه الظاهرة خصوصاً بعد دخول عصابات الجريمة المنظمة بما تملكه من خبرة ودراية في هكذا ضرب من ضروب الأعمال غير القانونية , فانعدام التشريعات التي تجرّم هذا الفعل في بعض الدول وعجزها عند بعضها الآخر أدى إلى الفشل في كبح جماح هذه الجماعات مما أدى إلى زيادة انتشار نفوذها وبشكل متسارع جداً .

والمتتبع لأهتمام المجتمع الدولي المنادي بتجريم فعل تهريب المهاجرين يرى أنه قد إنطلق من رغبة الدول الكبرى التي لها ثقلها في المنظمة الدولية للأمم المتحدة في مكافحة هذا النشاط غير القانوني بسبب تفاقم مشكلة الهجرة غير الشرعية والازدياد الهائل في أعداد المهاجرين الذين دفعهم إلى سلوك هذا الطريق غير الشرعي جملة من الظروف تأتي في مقدمتها ظروف الحرب كما هو الحال في مهاجري سوريا والعراق وليبيا واليمن , أو الظروف الاقتصادية كما هو الحال في المهاجرين الأفارقة , والأمر الآخر الذي دفع الدول الكبرى إلى التحرك والضغط على الأمم المتحدة من أجل إصدار ما يجرّم هذه الظاهرة هو الأزمة الاقتصادية العالمية التي ألقت بظلالها وبشكل كبير على الاقتصاديات العالمية , ولا ننسى أيضاً تخوف هذه الدول من الاكتواء بنار الإرهاب ونظرتهم للدول الشرق أوسطية بعين من الشك والريبة .

إن الهجرة كانت في مراحلها الأولى خلال العصور القديمة تحدث من دون قيود أو شروط إلى أن تطورت القوانين المحلية والدولية , وعملها على فرض تأشيرات الدخول وجوازات السفر التي أفرزتها الثورة الصناعية والتقدم العلمي والتكنولوجي ورغبةً من الدول كذلك في بسط سيادتها على أقاليمها, هذه الأمور حدت نوعاً ما من حرية تنقل الأشخاص الأمر الذي أدى إلى نشوء مصطلح جديد موازي للهجرة القانونية أو النظامية ألا وهي الهجرة السرية أو غير الشرعية , وللأسف فإن كثيراً من الراغبين بالهجرة عن طريق سلوك هذا الطريق غير الشرعي قد وضعوا مصائرهم بين أيدي المهربين الذين ليس لهم هم سوى تحقيق المكاسب المادية من خلال رواج هذا النوع من الهجرة خلال المدة الأخيرة وبشكل ملفت للنظر.

أهمية موضوع البحث

تتجلى أهمية بحث موضوع ( جريمة تهريب المهاجرين ) من خلال الانتشار الواسع والسريع لشبكات التهريب الدولية والمنظمة التي اتخذت من ظروف ومعاناة المهاجرين في بلدانهم وسيلة مربحة تدر عليهم مبالغ طائلة غير مبالين بما يتعرض له هؤلاء من مخاطر حقيقية أثناء رحلة التهريب هذه , وكذلك من ناحية تضرر الدول المستقبلة لهؤلاء المهاجرين بسبب الأعداد الهائلة التي تدخل أراضيها بصورة غير شرعية مسببةً لها العديد من المشاكل وعلى كافة المستويات , الأمر الذي لم تعالجه أغلب التشريعات ومنها العراق على الرغم من كون البروتوكول الدولي الخاص بمكافحة تهريب المهاجرين قد ألزم الدول الأطراف الموقعة عليه بتشريع قانون لتجريم هذه الظاهرة ومن ثم أصبح لزاماً على هذه الدول من الإسراع بمكافحة هذه الجريمة بتشريع ما يناسبها من قوانين تتوافق مع التشريعات الدولية .

ومن الملاحظ بأن ظاهرة تهريب المهاجرين قد أخذت أبعاداً خطيرة خاصة بعد ظهور شبكات منظمة للجريمة وسط المهاجرين غير الشرعيين تهدف إلى تحقيق الكسب المادي غير آبهين بما سوف يتعرض له المهاجرين من رحلة محفوفة بالمخاطر الأمر الذي يؤدي إلى إذلال المهاجرين والحط من كرامتهم الإنسانية , كل هذه الأمور دفعت الأمم المتحدة إلى إصدار البروتوكول الدولي لمكافحة تهريب المهاجرين عن طريق البر والبحر والجو والذي يمثل صكاً دولياً مكملاً لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية والهدف المعلن منه هو حماية حقوق المهاجرين ومكافحة تهريبهم, فضلاً عن أن هذه الظاهرة تعد واحدة من المشكلات التي تتعاظم خطورتها بسبب ما يترتب عليها من آثار تفضي إلى ظهور العديد من الظواهر المعتلة التي إن استمرت من دون معالجة ستؤدي إلى تقويض دعائم المجتمع .

إشكاليات البحث
يُثير البحث في موضوع تهريب المهاجرين أكثر من إشكالية , الأولى إن المدونة العقابية في العراق تخلو من تشريع خاص بتجريم تهريب المهاجرين الأمر الذي سوف يؤدي إلى إفلات العديد من المرتكبين لهذا الفعل, على الرغم من وجود بعض النصوص العقابية التي قد عالجت و لو بشكل جزئي بعض الأفعال التي تدخل ضمن السلوك المادي المكون للركن المادي لهذه الجريمة متناثرة هنا وهناك في قانوني جوازات السفر والإقامة العراقيين , والإشكالية الثانية هي صعوبة تحديد الطبيعة القانونية لها لكونها من الجرائم المستحدثة التي يكتنفها اللبس والغموض خصوصاً في علاقتها مع جرائم تتشابه معها إلى حد كبير في الأفعال المادية ومن ذلك جريمة الإتجار بالبشر وكذلك الهجرة غير الشرعية وبعض الأفعال المادية المنصوص عليها في قانون جوازات السفر العراقي رقم (32) لسنة 2015 , والإشكالية الثالثة تتعلق بخصوص أي مِنَ المصالح المحمية تكون لها الأولوية بالحماية القانونية, فالتشريعات الدولية والوطنية المقارنة قد اختلفت بترتيب أولوية تلك المصالح المتعلقة بالدول والمجتمع الدولي أو المتعلقة بمصلحة الأفراد المهاجرين .

وقد اختلفت الدول في سبيل مكافحتها لظاهرة الهجرة غير الشرعية تبعاً لاختلاف موقعها بكونها دولة ( منشأً أو عبوراً أو مُستقبلِةً ) للمهاجرين , وكذلك لاختلاف الأهداف والإستراتيجيات المتبعة في مختلف الجوانب كالاقتصادية أو الاجتماعية أو الأمنية …..إلخ , فالدول التي تعد منشأ للهجرة غير الشرعية نتيجةً للظروف المختلفة التي تعانيها وبالأخص الظروف السياسية والاقتصادية والنزاعات التي تشهدها نجد أنَّ تشريعاتها في الغالب تهدف إلى الحد من هذه الظاهرة بمعاقبة فاعليها ومنظميها .

أمّا الدول المستقبلِة للمهاجرين فركزّت في النص في تشريعاتها على حماية أمنها واجتناب الآفات الاجتماعية والاقتصادية التي تسببها هذه الظاهرة عن طريق إعادة النظر في إجراءات دخول الأجانب وإقامتهم وطرد المهاجرين غير الشرعيين , ولهذه الأسباب جاءت هذه الدراسة لتسلط الضوء على التشريعات التي تناولت هذه الظاهرة بالتجريم والمتمثلة بالبروتوكول الدولي لمكافحة تهريب المهاجرين عن طريق البر والبحر والجو وكذلك التشريعات الوطنية المقارنة التي دأبتا على تجريم جميع الأفعال التي من الممكن أن تدخل ضمن مفهوم تهريب المهاجرين و مكافحة نشاط الجماعات الإجرامية المنظمة التي اتخذت من حاجة المهاجرين مشروعاً يدرّ عليهم الأرباح المغرية .

وبالنظر لكون النظام العقابي في العراق يفتقر إلى تشريع يعالج جريمة تهريب المهاجرين فقد ارتأينا في خاتمة بحثنا أن نحث المشرع العراقي بإصدار قانون خاص بمكافحة هذه الجريمة او دمج مكافحة هذه الجريمة مع جريمة الاتجار بالبشر في قانون واحد كما هو الحال في بعض الدول ومنها الكويت او بأدراجه ضمن قانون العقوبات العراقي المرقم (111) لسنة 1969 المعدل .