أركان عقد العمل – مصر

عقد العمل كسائر العقود الأخرى لا يقوم صحيحاً ألا إذا توافرت أركانه الأساسية وهي الرضى، المحل (الموضوع)، والسبب وهذه تسمى “أركان العقد”

فالرضى (Consent) يقصد به توافق إرادتين أي ارتباط الإيجاب بالقبول وتوافقهما على إحداث أثر قانوني.

والرضى الذي يمثل في حقيقته الإرادة ضروري لإنشاء العقد، بحيث يجب أن يكون كل من طرفي العقد قد أراد التعاقد، وارتضى بالتزامه فيه، ذلك لأن الإرادة هي مصدر القوة الإلزامية للعقد، فلا يصح أن يُلزم إنسان بالدخول في ارتباطات تعاقدية مع غيره، أو يتحمل أي التزام، إلا بمشيئته هو ولكي يكون للرضى كبان قانوني يجب أن يصدر عن إرادة حرة وعاقلة ودركة.

وهكذا يبدو لنا أنه لابد لقيام العقج من قبول كل من طرفيه الدخول في التعاقد وإعلان رضاهما بجميع بنوده رضاءاً لا يسوده خوف، أو إكراه، أو خداع، أو غلط.

أما موضوع العقد أو محل العقد فهو العملية القانونية التي ترمي طرفا العقد إلى تحقيقها منه كأداة عمل أو نقل ملكية أو غير ذلك.

بمعنى آخر هو ما يقصد المتعاقدان إجراءه بمقتضى العقد الذي ينشئانه.
فإذا نشأ العقد دون موضوع فإنه ينشأ باطلاً، إذ لابد للعقد كي يتخذ كياناً قانونياً أن يكون له موضوع، أو عدةمواضيع ييتفق عليها الطرفان.

يميز الكثير من رجال القانون بين موضوع العقد، وموضوع الالتزام.
فيرون أن موضوع العقد هو العملية القانونية التي يترتب عليها إنشاء الالتزام. ذلك أن العقج إنما هو اتفاق يترتب عليه إنشاء التزام أو عدة التزامات تعتبر أثراً للعقد.

أما محل الالزام فهو الشىء الذي يلتزم المتعاقد به. أو بتعريف آخر “هو الشىء الذي يلتزم المدين القيام به”.

فإما أن يكون هذا يكون هذا الالتزام التزاماً بأداء عمل، أو التزاماً بالامتناع عن عمل أو التزاماً بإعطاء.

ومن ثم يمكن تحديد الموضوع الالتزام الناشىء عن العقد فمثلاً في عقد العمل نجد أن موضوع التزام العامل عو العمل المتفق عليه لحساب صاحب العمل، وموضوع التزام صاحب العمل هو أداء الأجر المتفق عليه أيضاً للعامل.

وفي عقد البيع نجد أن موضوع التزام البائع هو نقل ملكية الشىء الباع للمشتري وموضوع التزام المشتري هو أداء ثمن الشىء المباع إلى البائع.
وقد يكون الالتزام التزاماً بالامتناع عن عمل كالتزام العامل بعدم منافسة صاحب العمل أو التزامه بعدم إفشاء الأسرار.

فإذا خلا العقد من موضوع استلزم ذلك انتفاء وجود العقد، إذ لا يمكن أن نتصور أن هناك عقد بين طرفين لا ينشى التزاماً بينهما.

ولكن لا يلزم أن يكون الالتزام موجوداً وقت إنشاء العقد، بل يكفي أن يكون ممكن الوجود مستقبلاً، إذ يجوز أن يكون محل الالتزام شيئاً مستقبلاً، كالاتفاق على بيع المحاصيل المستقبلية قبل أن تثمر بثمن مقدر جزافاً أو بسعر الوحدة. غير أنه من المهم أن يكون محل الالتزام ممكناً غير مستحيل، وأن يكون مشروعاً ومباحاً.

أما الركن الثالث وهو السبب فهو يمثل الدافع الشخصي الذي حمل المتعاقدين على إنشاء العقد، فلا يمكن أن نتصور أن شخصاً قد التزم بشىء إلا إذا كان له هدف أو غرض يسعى إلى تحقيقه، وألا اعتبر هذا الملتزم غير مميز أو فاقد لقواه العقلية.

وقد ميز الفقهاء أيضاً بين سبب الالتزام، وسبب العقد، فاعتبروا سبب الالتزام هو الدام المباشر لاجراء العقد الذي لا يتغير في العقود التي هي من نوع واحد.

ففي عقد البيع، نجد أن التزام البائع بنقل ملكية المبيع إلى المشتري سببه التزام المشتري ذاته بدفع الثمن.

وفي عقد العمل نرى أن التزام صاحب العمل بدفع الأجر للعامل سببه التام العامل بالعمل لحساب صاحب العمل بمعنى آخر أن سبب الالتزام هو الالتزام المقابل في العقد.

فهو أذن الدافع المباشر لأجراء العقد. أما سبب العقد فاعتبروه هو الباعث الشخصي الذي حمل المتعاقد على إنشاء العقد، وهو يتغير مع كل شخص، وبصدد كل عقد. فإذا كان سبب الالتزام لدى الشاري كائناً في نقل ملكية الشىء المباع وتسليمه إليه، فإن سبب العقد هو الباعث المؤثر الذي حدا بالبائع أن يبيع ملكه وبالمشتري أن يستخلص هذا الملك إليه مقابل دفع ثمنه.

ومن هنا نلاحظ أن سبب الالتزام معياره موضوعي داخل في العقد لا يتغير في كافة العقود التي هي من نوع واحد، كالعقد العمل مثلاً. أما سبب العقد فمعياره ذاتي وهو خارج عن العقد، ويتغير من عقد إلى آخر بتغير نوايا النتعاقدين ودوافعهم الشخصية.

فمثلاً إذا تعاقد رجل أن يشتري شقة من شخص آخر لكي يسكن فيها ابنه الغائب بعد دعوته من الخارخ، فإن الباعث المشتري هنا والذي يمكن أن نسميه بالباعث الشخصي هو إسكان ابنه بعد عودته فإن مات الابن قبل عودته أو منعه عائق من العودة أصبح العقد دون سبب مما يؤدي ذلك إلى سقوطه. وسواء اتخذنا مفهوم سبب العقد أو سبب الالتزام فإن انعدام السبب كفيل بانعدام محل الالتزام، زبالتالي إلى بطلان العقد.

وليس ذلك وحسب، بل أن العقد الذي يكون سببه غير مشروع أو السبب كفيل بانعدام محل الالتزام، وبالتلي إلى بطلان العقد.

وليس ذلك وحسب، بل أن العقد الذي يكون سببه غير مشروه أو غير مباح أو كان مخالفاً للقواعد الملزمة، يعتبر باطلاً بطلاناً مطلقاً.

وهكذا نجد أن العقد، أيا كان لا يقوم إلا بتوافر أركانه الثلاثة، وهي الرضى، المحل، والسبب فإذا خلا العقد من أحد تلك الأركان فأنه يفقد مقوماته الأساسية، ويمسى كأن لم يكن. فجزاء غياب أي من تلك الأركان هو بطلان العق بطلاناً مطلقا، فلا يكون له كيان من الناحية القانونية.

ولكن قد يقوم العقد صحيحاً مكتملاً بأركانه سالفة البيان إنما قد يكون ركن الرضى معيباً لأي عيب من عيوب الرضى كالخوف والإكراه والخداع أو الغلط.

ففي هذه الحالة نجد أن العقد قد نشأ وله كيان قانوني، ولكن لازمه خلل، وهو عيب الرضى، ألا أن هذا الخلل أو العيب لايهدم العقد أصلاً، وإنما يعرضه للزوال أي للبطلان، عندما يشكو الطرف المعاب رضاه سعياً منه إلى إبطال هذا العقد، فنكون في هذه الحالة إزاء بطلان نسبي.