الصياغة التشريعية فن قانوني وصنعة الفقهاء
القاضي حاتم جبار الغريري
إعادة نشر بواسطة محاماة نت

توصف الصياغة التشريعية بانها إفراغ إرادة المشرع وقصده في ألفاظ النص القانوني بصورة القصر والشمول بمعنى ألا يتجاوز النص القانوني مراد المشرع ولا يقصر عنه ويتطلب القصر والشمول أن تكون الألفاظ على درجة عالية من الوضوح بما يمنع عنه التأويل والتفسير خارج مقتضاه أو خلاف القصد.

ويطلق الشراح مصطلح الفن التشريعي أو الصياغة القانونية على وضع قواعد سهلة الفهم ميسورة التطبيق تكون متفقة مع مقتضيات العصر الاجتماعية وهو مايعبر عنه بالسياسة التشريعية والتي مآلها وفحواها استقراء واقع المجتمع واحتياجه الفعلي الى النص القانوني لمعالجة نقص تشريعي او لحاجة استجدت لم تكن قد قدحت في خلد المشرع حين وضعه للنص القانوني.

وهناك أسباب عدة تؤدي بالمشرع إلى وضع نصوص ركيكة بل وأحيانا مشوهة تثقل كاهل المتعاملين معها للوصول إلى الفهم الصحيح لها ولسنا بصدد سردها جميعا لضيق المقام ولكن لعل من أظهرها وابرزها في الوقت الحاضر وعلى ضوء ما نتج من تشريعات أفرزتها السلطة التشريعية متمثلة بالبرلمان العراقي وفي مراحل عمله كافة ومنذ عام ٢٠٠٣ ولحد الآن هو، عدم الاستعانة بالمشتغلين بموضوع القانون أو بالخبراء المتخصصين في كيفية صياغة النص القانوني (الجامع المانع) كما يصفه فقهاء القانون وشراحه.

فمن طبيعة الأشياء بل والمنطق السليم ان يتم اشراك أهل الصنعة ان صح القول ومن المعنيين بالتصدي والاشتغال على تطبيق القوانين للعمل على صياغة نصوصها لأنهم الأقرب الى الواقع الفعلي للمجتمع بتفاصيله كافة وهم الأدرى بخبايا هذه النصوص وصلاحيتها للتطبيق، وهل هناك أجدر من المؤسسة القضائية للقول الفصل في هذا المجال؟ الم تكن هذه المؤسسة هي الضابط الحقيقي وصمام الأمان للمجتمع العراقي وبالأخص بعد عام ٢٠٠٣ ؟ الم تكن هذه المؤسسة ومازالت مرجعاً للمؤسسة التشريعية متمثلة بالبرلمان العراقي للفصل فيما شكلٓ عليها من فهم للقوانين ونصوصها عندما يحتدم النزاع تحت قبة البرلمان حول تفسير نص قانوني ؟ بل أليس من الغريب ان يترجم القضاء ويفسر لهم النصوص التي وضعوها هم بأنفسهم ولم يشركوا من يحكم بينهم بهذه الصياغة ابتداءً؟

وختام القول، ان من يتصدى للصياغة التشريعية هم أهل الاختصاص بما يمتلكون من مهارات ومميزات لا يمتلكها غيرهم، مهارات تراكمت لديهم لطول اشتغالهم على النص القانوني وتطويعه للوقائع، مهارات في اللغة نحوها وتصريفها، مهارات في استحضار الفروض المختلفة للوقائع التي يستهدف النص حكمها.