قراءة في حرية الفكر و التعبير في ضوء أحكام القانون الليبي

يتحقق دور الدولة في حماية الفكر من خلال التأكيد على عدة عناصر تبدأ بمساهمتها بطرق مختلفة فى حماية المبدعين وأعمالهم وتخصيص جزءاً من ميزانياتها للمحافظة على هذه الأعمال ولدعم المبدعين، وهو الدور الأخلاقي الذي يجب أن تضطلع به الدول تجاه مفكريها.

يتحقق دور الدولة في حماية الفكر من خلال التأكيد على عدة عناصر تبدأ بمساهمتها بطرق مختلفة فى حماية المبدعين وأعمالهم وتخصيص جزءاً من ميزانياتها للمحافظة على هذه الأعمال ولدعم المبدعين، وهو الدور الأخلاقي الذي يجب أن تضطلع به الدول تجاه مفكريها، ويكمله الدور التنظيمي الذي يتجسد فى سن القوانين الملائمة لحماية المبدعين وصيانة حقوقهم وضمان تمتعهم بالحرية اللازمة ووضع القواعد واللوائح التي تكفل للمفكر القيام بدوره الإبداعي.

ولقد أكد المجتمع الليبي عند وضعه للمبادئ التي تمثل القيم العليا للمجتمع الجماهيري على حق كل فرد فيه على حرية التفكير والابتكار والإبداع، وأنه يسعى دأباً إلى ازدهار العلوم والفنون والآداب وضمان انتشارها جماهيرياً منعاً لاحتكارها في البندان 19- 26 من الوثيقة الخضراء لحقوق الإنسان وقانون تعزيز الحرية رقم 20 لسنة 1991.
إلا أن القانون رقم 9 لسنة 1968 بشأن حماية حق المؤلف والذي جاء متفقًا مع اتفاقية برن 1967 قبل تعديلها لم يواكب التطور التشريعي الدولي فى مجال حماية حقوق المؤلف بإغفاله حماية أصحاب الحقوق المجاورة.

ولم تشمل الحماية المصنفات التي تتداخل فيها التكنولوجيا الحديثة والبيانات والمعلومات السرية المرتبطة بحق المؤلف، كما وأنه أفتئت على حق الورثة أو من يخلف المؤلف في المادة 23 حيث خول وزير الأعلام والثقافة لمقتضيات الصالح العام نشر المصنف إذا انقضى ستون يوماً على تاريخ طلب ذلك من المعنيين حتى دون أن يعرب الورثة عن استعدادهم للنشر أو امتنعوا عن التصريح بذلك.
ولازال قانون المطبوعات رقم 76 لسنة 1972 نافذاً.

ورغم أنه أكد فى مادته الأولى على حرية الصحافة والطباعة وحق كل شخص في التعبير عن رأيه وفى إذاعة الآراء والأنباء بمختلف الوسائل، إلا أنه اشترط على ألا يتعارض هذا مع قيم وأهداف المجتمع، وهو وصف عام قابل للتأويل، وجرّم طائفة من السلوكيات.

كما تناقض هذا القانون مع نفسه في المادة 21 التي تحظر فرض الرقابة على المطبوعات بما فى ذلك الرقابة على الصحف قبل نشرها بوجود إدارة المطبوعات التي تفرض قيوداً على ما ينشر بإخضاعها كل ما سيصدر للرقابة بما في ذلك أعمال المؤلفين والمبدعين الذين لا يسمح لهم بطباعتها إلا بعد الحصول على موافقة مسبقة وبعد ذلك لا يسمح بتداولها إلا بعد الحصول على موافقة التداول.

كما تتعارض سياسة المشرّع مع الواقع في الفقرة الأولى من المادة الرابعة التي خولت القطاع الخاص امتلاك مؤسسات للطباعة وإصدار المطبوعات، الأمر المحظور فعلياً بقصره على الجهات المخولة قانوناً التعبير عن آراء منتسبيها، وهى غالباً احتفالية، أو الصحف الصادرة عن الدولة بما فى ذلك المنظمات والجمعيات الرسمية.

وأضفي قانون العقوبات حمايته على الملكية الفكرية بنوعيها الأدبية والفنية بتجريم ما يقع من اعتداء عليها من جهة أو لتجاوز صاحب الحق حدوده بانتهاكه حقوق آخرين من جهة أخرى. ومن مظاهر حماية الملكية الأدبية والفنية والملكية الصناعية ما يعرف بجرائم المطبوعات التي تثير العديد من الإشكالات لدى المفكرين لما تفرضه من قيود قد تكون غير مبررة.

من الأفعال المجرّمة الترويج لنظريات أو مبادئ ضد نظم الدولة متى كانت غايتها تغيير النظام الجماهيري أو قلب نظم الدولة السياسية والاجتماعية والاقتصادية أو هدم نظام من النظم الأساسية للهيئة الاجتماعية التي تستلزم استخدام الجاني العنف أو أية وسيلة أخرى غير مشروعة [المادة 207 عقوبات]، ولهذا النشاط عقوبة جسيمة قد تصل إلى الإعدام أو السجن المؤبد.

وإذا كان هذا التجريم مبرراً لأن المشرع استلزم استخدام العنف لمساءلة الجاني عما ارتكبه، فإن عقوبة السجن التي تقررت لمن حاز كتب أو منشورات أو رسومات أو شعارات أو أي أشياء أخرى بقصد تحبيذ الأفعال المذكورة قد يتنافى مع الحرية الشخصية لان حيازتها لا تنبئ عن خطورة تتهدد الأمن الاجتماعي.

بالمثل فإن تجريم فعل إهانة رؤساء الدول الأجنبية علانية [المادة 220 عقوبات] وممثلي البعثات المعتمدين لدى الجماهيرية [المادة 221 عقوبات] يثير التساؤل عن ماهية ضوابط الإهانة، فهل المقصود منها السب والشتم الذي يخضع للمادة 438 التي جرمت خدش شرف الشخص أو اعتباره والمادة 439 التي جرمت فعل التشهير، أم إن الإهانة تتحقق لمجرد النقد اللاذع والموضوعي لسياساته؟ وكيف نقبل بخروج مسيرات لمناهضة بعض السياسات ولا نقبل ذلك إذا كان محله رئيس من منطقتنا؟

ختاماً يتعين القول أن المفكرين يواجهون تحديات كثيرة منها ما يرتبط بمحيطهم الصغير وخاصة بالنسبة لبعض الفئات المهمشة فى مجتمعاتنا كالنساء والأطفال وذوى الاحتياجات الخاصة، وأخرى مرتبطة بسياسات أوطانهم أو بالأوضاع الإقليمية و العالمية التي أصبحت مؤثرة بصوره مباشرة على الجميع، فما بالك بأصحاب الفكر الساعين لأحداث تغيير فى المستقبل. كما أن الدول تفرض شروطها على المبدعين بقصد تقييد نشاطهم بالحصول على تراخيص إذا أرادوا استخدام أي وسيلة للتعبير، ويظل ما هو مسموح به فى حدود مالا يمس السلطة.

ولقد باتت الحاجة ملحة إلى مفكرين متحررين من الخوف والرهبة والخشية للآخر أيا كان السلطة أو التقاليد والأعراف أو السلطة الدينية أو الأقوى الذي قد يتمثل فى الاقتصاد والمال وغيره.

فائزة الباشا هي خبيرة في القانون الجنائي و أستاذة القانون بجامعة الفاتح، ليبيا.