تجريم الإجهاض في القانون المغربي

أيوب المومني

طالب باحث بماستر أحكام الأسرة في الفقه والقانون

إذا كان تجريم واقعة الإجهاض متفق عليه مبدئيا في اغلب القوانين الجنائية المقارنة، فإن هناك استثناءات أباحته، فرضتها إما ضرورة إنقاذ حياة الأم من الخطر (المادة 453 ق ج قبل التعديل) وإما ضرورة المحافظة عليها فقط (القانون السويسري والقانون المغربي بعد تعديل الفصل 453 ق ج بمرسوم 1 يوليوز 1967) و إما ضرورة اتقاء العار الفضيحة، كأن تكون المرأة قد حملت بالجنين كرها إما من جراء اغتصاب أو نتيجة علاقة جنسية مع أحد المحارم الذي يحرم التزوج به (القانون الايطالي والباوني) لهذه الأسباب وغيرها حاولت أغلب القوانين معالجة الموقف الخطير وذلك بفرض قوانين صارمة بغية الحد من تفاقم هذه الظاهرة، وهذا ما سيظهر لنا جليا من خلال موقف المشرع المغربي([[1]]url:#_ftn1 )

ومن المعلوم أن جريمة الإجهاض قد استفحلت في عالمنا المعاصر بشكل مخيف بحيث صارت هذه الظاهرة أنجح الوسائل للتخلص من حمل غير مرغوب فيه، وقد أكد هذا الاتحاد الدولي للسكان أن حاولي 30 مليون حالة إجهاض تقع كل يوم.
إذا فماهو الأساس القانوني لهذه الجريمة؟ (مبحث أول) وما هي عناصرها (مبحث ثاني)

المبحث الأول: الأساس القانوني

لم يفت المشرع المغربي كغيره من التشريعات الحديثة تجريم الإجهاض والعقاب عليه وهكذا فقد نصت المادة 451 من القانون الجنائي على ما يلي : الأطباء والجراحون وملاحظو الصحة وأطباء الأسنان والقابلات والمولدات والصيادلة وكذلك طلبة الطب أو طب الأسنان أو الصيدلة وعمال الصيدليات والعشابون والمضمدون، وبائعو الأدوات والممرضون، والمدلكون، والمعالجون بالتسبب، والقابلات العرفية الذين يرشدون إلى وسائل تحدث الإجهاض أو ينصحون باستعمالها أو يباشرونها يعاقبون بالعقوبات المقررة في أحد الفصلين 449 و 450 حسب الأحوال.

وبحكم على مرتكب الجريمة علاوة على ذلك، بالحرمان من مزاولة المهنة المقررة في الفصل 87 إما بصفة نهائية أو لمدة محدودة.

وبالرجوع إلى أحكام المادتين 449 و 450 من القانون الجنائي نجدهما تنصان على ما يلي: المادة 449:” من أجهض أو حاول إجهاض امرأة حبلى أو يظن أنها كذلك برضاها أو بدونه سواء كان ذلك بوسيلة طعام أو شراب أو عقاقير أو تعاليل أو عنف أو أية وسيلة أخرى يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وغرامة من 120 درهم إلى 500 درهم، و إذا أدى ذلك إلى موتها بعقوبة السجن من 10 إلى 20 سنة”.
المادة 450: إذا ثبت أن مرتكب الجريمة يمارس الأفعال المشار إليها في الفصل السابق بصفة معتادة، ترفع عقوبة الحبس إلى الضعف في الحالة المشار إليها في الفقرة الأولى وتكون عقوبة السجن من عشرين إلى ثلاثين سنة في الحالة المشار إليها في الفقرة الثانية .

وفي الحالة التي تطبق فيها عقوبة جنحية فقط حسب هذا الفصل أو الفصل 449 فإنه يجوز علاوة على ذلك أن يحكم على الفاعل بالحرمان من واحد أو أكثر من الحقوق المشار إليها في الفصل 40 و بالمنع من الإقامة من خمس سنوات إلى عشر”

يتبين مما سبق أن الإجهاض الذي عاقب عليه المشرع المغربي هو الإجهاض الجنائي الذي يرتكب عن قصد. وهكذا فالمشرع عاقب كل من أجهض امرأة حبلى سواء برضاها أوبدونه كيفما كانت الوسيلة المتبعة للإجهاض، وكذا كل من يدلها عليه أو يجريه لها أو يعاونها عليه سواء أكان طبيبا أو غير طبيب، كما جعل من الإجهاض في بداية الأمر جنحة وجعل منه جناية إذا نتج عنه موت المجنى عليها أو كان الفاعل الطبيب ومن في حكمه قد تعود الإجهاض، كما عاقب المشرع المغربي على محاولة الإجهاض بنفس العقوبة المقررة للجريمة التامة، ويعرف الإجهاض بأنه إسقاط المرأة لولدها ناقص الخلق أو الخروج لمتحصلات الرحم قبل الوضع المعتاد.
ويذهب الأستاذ والخمليشي إلى القول: “أن الإجهاض يشكل خطرا كبيرا على حياة الأم،وعلى سلامتها “، و إن قام بها طبيب مختص وفي الأيام الأولى للحمل، ورضى الأم لا يغير شيئا من طبيعة هذه الخطورة لأن سلامة الأفراد حق اجتماعي، لا يملك الفرد التعامل فيه.

المبحث الثاني: عناصر الجريمة والأحوال التي تشدد فيها القانون

أولا: عناصر جريمة الإجهاض

عاقب المشرع عل الجريمة في الفصل 449 من ق ج كما سبقت الإشارة إليه آنفا لكننا نجده في الفصل 453 المعدل حلل مرتكب الإجهاض من أي عقاب إذا ما استوجبت هذا الأخير، أي الإجهاض، ضرورة المحافظة على صحة الأم متى قام به علانية طبيب أو جراح بإذن من الزوج ولا يطلب هذا الإذن إذا ارتأى أن حياة الأم في خطر غير أنه يجب عليه أن يشعر بذلك الطبيب الرئيس للعمالة أو الإقليم، وعند عدم وجود الزوج أو إذا امتنع من إعطاء موافقته أو عاقه من ذلك عائق فإنه لا يسوغ للطبيب أو الجراح أن يقوم بالعملية الجراحية أو يستعمل علاجا يمكن أن يترتب عنه الإجهاض إلا بشهادة مكتوبة من الطبيب الرئيسي للعمالة أو الإقليم يصرح فيها بأن صحة الأم لا تمكن المحافظة عليها إلا باستعمال مثل هذا العلاج (الفصل 453)([[2]]url:#_ftn2 ) مما سبق يتبين أن قيام هذه الجريمة يستلزم توافر العناصر التالية:

الفرع الأول: العنصر المادي

يفترض في الإجهاض وجود فعل مادي، والفعل المادي يتكون من فعل الإسقاط وقيام علاقة سببية وتحقيق النتيجة ففعل الإسقاط هو كل فعل يقوم به الطبيب أو الجراح من أجل إجهاض المرأة الحامل، أي من أجل طرد الجنين من رحم أمه وبعبارة أخرى كل فعل من شأنه أن يؤدي إلى القضاء على حياة الجنين أو إخراجه من رحم أمه قبل أوانه.

والمشرع المغربي كغيره من التشريعات الحديثة لم يحصر وسائل الإجهاض في حالات معينة، وعليه فالجريمة تتحقق كيفما كانت الوسيلة المتبعة من طرف الطبيب أو الجراح للإسقاط الجنين،فهي تشمل كل ما يمكن استعماله لإجهاض المرأة سواء وقع الفعل على أعضاء الجسم كلها أو بعضها كأعضاء التناسلية، ولا يشترط لتحقق الفعل الجرمي خروج الجنين حيا من رحم أمه قبل موعده الطبيعي بل أن الجريمة تتحقق سواء خرج الجنين حيا أو ميتا.
والجريمة تتحقق سواء كان الطبيب هو الذي تولى بنفسه عملية الإجهاض كأن يقدم الدواء للمرأة الحامل، كما يجب أنه تؤدي الوسيلة المستعملة إلى تحقيق الإجهاض بصورة فعلية.
كذلك تتحقق الجريمة إما برضا الحامل أو بدونه كأن تجهض عن طريق الاحتيال، كأن يوهمها الطبيب بإجراء كشف طبي على رحمها فيقوم بإجهاضها (الفصل 449)

الفرع الثاني: انتفاء ضرورة المحافظة على صحة الأم

بناء على الفصل 453 ق ج (المعدل بمرسوم 1 يوليوز 1967) فإن المشرع لا يعاقب على الإجهاض إذا تطلبته إما ضرورة المحافظة على صحة الأم، كأن كانت هذه الأخيرة مصابة باضطرابات هرمونية يصعب معه إيقاف النزيف بعد الولادة أو العادات الشهرية التالية لها، إلا بمخاطرة كبيرة، أو كانت الأم مصابة بسرطان في عنق الرحم أو في غشائه، أو كانت ضعيفة القلب لا تحتمل طول مدة الحمل بدون مخاطر عليها وعلى الجنين، أو مصابة بمرض السكري المتقدم، إلى غير ذلك من الأسباب التي تستوجب الإجهاض محافظة على صحة الحامل، و إما بالأحرى لضرورة إنقاذ حياتها الذي يستدعي إسقاط الجنيني فورا، و إلا أدى الأمر إلى وفاتها، ففي هاتين الحالتين يسمح بالإجهاض بالاعتماد على النص السابق، أما إذا كان الإجهاض لا تستدعيه لا ضرورة المحافظة على صحة الأم ولا إنقاذ حياتها، فإن الجريمة إذ ذاك تقوم إذا هو قام أي كان لإجهاضها فعلا أو حاول ذلك لأن من عناصر هذه الجريمة “وجود خطر يهدد الحامل” بحيث إذا انتفى فإن العقاب يكون واجبا على الفاعل مهما كانت النتيجة”([[3]]url:#_ftn3 )

الفرع الثالث: القصد الجنائي

يمكن تعريف القصد الجنائي هو اتجاه الإرادة إلى تحقيق واقعة إجرامية مع العلم بتحقيقها وبأن القانون الجنائي يجرمها، بمعنى أن القصد الجنائي يتحقق في صورتي العلم والإرادة([[4]]url:#_ftn4 )
وبعبارة أخرى يتجلى القصد الجنائي في كون الجاني يعلم باتجاه إرادته نحو ارتكاب فعل أو الامتناع عن فعل بصورة تخالف مقتضيات القانون الجنائي.

إذن فالقصد الجنائي يكون كذلك إذا كان مؤتي الفعل المادي يعلم أنه يقوم بنشاط مخالف للقانون ويسعى في نفس الوقت بفعله إلى إجهاض امرأة جبلى أو يظن أنها كذلك من أجل القضاء على الجنين الذي بدأ في التكون، وبناء على ما سبق يكفى أن يقصد المرء بنشاطه إجهاض حبلى والقضاء على الجنين، ولا يشترط أن تكون المرأة حاملا فعلا، إذ يكفى أن يعتقد الجاني أنها كذلك حتى ولو كان هذا الاعتقاد على سبيل الظن، وعلة الحكم السابق تكمن في أن تجريم الإجهاض لغير ضرورة لم تكن الغاية منه حماية الجنين فقط، و إنما جرم من أجل حماية السلامة الجسدية للمرأة والذوذ عن حقها في الحياة ولذلك يعاقب الفاعل حتى ولو كان الإجهاض، مستحيلا ابتداء كما في حالة غياب الحمل لدى المرأة. ويتبين مما سبق أنه لا يكفي لقيام الجريمة أن يقترف الشخص السلوك المكون للركن المادي للجريمة.
ولكن يجب أن يتوافر إلى جانب ذلك صلة نفسية تربط هذا الشخص، وبين الفعل أو السلوك الذي قام به، وتتبلور الصلة النفسية في صورة إرادة مذنبة يعتد بها القانون.

وذلك بأن تكون تلك الإرادة خالية مما يعيبها فينفي عنها القدرة على الإدراك أو الاختيار، و أن تتجه تلك الإرادة اتجاها مخالفا للقانون بأن تكون غايتها تحقيق الجريمة التي يعاقب عليها القانون مع العلم بأركانها …. فإن تحقق ذلك أمكن القول بإسناد الجريمة معنويا لفاعلها، وبذلك يكون الركن المعنوي للجريمة هو تلك الصلة النفسية بين الفاعل والسلوك الذي قام به([[5]]url:#_ftn5 )

ثانيا: الأحوال التي يشد فيها عقاب الإجهاض

شدد المشرع عقوبة الإجهاض في ثلاث حالات وهي كالآتي:
الحالة الأولى: وهي التي ينجم فيها عن الإجهاض موت المرأة. وهذا عملا بالفقرة الأخيرة من الفصل 449 من ق ج التي قررت بأنه إذا نتج عن الإجهاض موت المرأة فإن العقوبة تكون السجن من 10 إلى 20 سنة، مع ملاحظة أن الفصل 451 من ق ج جوز للمحكمة، الحكم على الفاعل بالحرمان من واحد أو أكثر من الحقوق المشار إليها في الفصل 40 ق. ج. وبالمنع من الإقامة من خمس سنوات إلى عشر سنوات إذا كانت المحكمة قد عاقبت إحدى الجرائم المنصوص عليها في الفصلين 449 و 450 من ق ج بعقوبة جنحية فقط.

الحالة الثانية: وهي التي يتحقق فيها الاعتياد على الإجهاض والاعتياد هو تكرار قيام الجاني بالعملية المجرمة حتى صارت عادة له كالطبيب الذي اشتهر بالإجهاض للراغبات في ذلك بدون ضرورة، وبذلك كان المشرع موفقا حينما شدد العقاب على هذا الصنف من المجرمين المعتادين في الفصل 450 من ق ج، الذي جاء فيه: ” إذا ثبت أن مرتكب الجريمة يمارس الأفعال المشار إليها في الفصل السابق بصفة معتادة، ترفع عقوبة الحبس إلى الضعف في الحالة المشار إليها في الفقرة الأولى وتكون عقوبة السجن من عشرين إلى ثلاثين سنة في الحالة المشار إليها في الفقرة الثانية.

وفي حالة التي تطبق فيها عقوبة جنحية فقط حسب هذا الفصل أو الفصل 449، فإنه يجوز علاوة على ذلك أن يحكم على الفاعل بالحرمان من واحد أو أكثر من الحقوق المشار إليها في الفصل 40 وبالمنع من الإقامة من خمس سنوات إلى عشر.

الحالة الثانية: وهي التي تكون فيها المساعدة والتحريض على الإجهاض، فقد عاقب المشرع المساعدة على الإجهاض بالعقوبات المقررة في الفصلين 449 و 450 من المجموعة، وبحسب الأحوال الأطباء والجراحين وملاحظي الصحة…. إذا هم أرشدوا إلى وسائل تحدث الإجهاض أو نصحوا باستعمالها أو باشروها بالفعل (ف 450 ق ج).

كما يحكم على من قام بالمساعد طبقا للفصل السابق علاوة على تلك العقوبة بالحرمان من مزاولة المهنة إما بصفة نهائية و إما لمدة محدودة (ف 87 ق ج) بالمادة 541 ق ج وقد علق الدكتور أحمد الخمليشي على ذلك بقوله وبذلك يكون المشرع قد خرج في جريمة الإجهاض عن الأحكام المتعلقة بالمشاركة فأعمال المساعدة المعاقب عليها هنا، أعم بكثير في صور المشاركة المحددة في المادة 129 من ق ج، كما أن المساعدة في جريمة الإجهاض يعاقب ولو لم تنفذ الجريمة في حين لا يعاقب المشارك إلا إذا نفد الفاعل الأصلي الجريمة فعلا([[6]]url:#_ftn6 ) والممرض الذي يقدم للطبيب أداة الإجهاض مع علمه بذلك يعاقب بنفس العقوبة التي يعاقب بها الطبيب. والعقوبة المقررة هنا تطبق على من يشترك في عملية الإجهاض حتى ولو لم يكن هناك طبيبا أو جراحا، شريطة أن يكون عالما بقصد الفاعل الأصلي وبصفته الفنية.

وهذا ما ذهب إليه القضاء المغربي في قضية عرضت على أنظار ابتدائية ورززات([[7]]url:#_ftn7 )

المراجع المعتمدة
شرح القانون الجنائي المغربي الدكتور عبد الواحد العلمي، ط 2-2430-2003 مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء.
شرح القانون الجنائي الخاص: للدكتور أحمد الخمليشي، ط1 الجزء الأول مكتبة المعارف الرباط.

جريمة إجهاض الحوامل دراسة في موقف الشرائع السماوية والقوانين المعاصرة إعداد مصطفى عبد الفتاح لبنة- أصل هذا الكتاب رسالة دكتوراه- دار النهى للطباعة والنشر بيروت.
محاضرات في القانون الجنائي العام، للدكتور عبد العالي بنلياس، والدكتورة رشيدة بنسرغين، السنة الجامعية: 2010-2011.

الهوامش
[[1]]url:#_ftnref1 -شرح القانون الجنائي المغربي الدكتور عبد الواحد العلمي، ط 2-2430-2003-ص 295.
[[2]]url:#_ftnref2 -وقد كان قبل التعديل يقضي بأنه : لا عقاب على الإجهاض إذا استوجبته ضرورة إنقاذ حياة الأم من الخطر متى قام به طبيب أو جراح علانية وبعد إحطار السلطة الإدارية”.
[[3]]url:#_ftnref3 -شرح القانون الجنائي المغربي عبد الواحد العلمي، ص 298.
[[4]]url:#_ftnref4 -محاضرات في القانون الجنائي العام، للدكتور عبد العالي بنلياس، والدكتورة رشيدة بنسرغين، السنة الجامعية: 2010-2011.
[[5]]url:#_ftnref5 -جريمة إجهاض الحوامل (ص 576)، دراسة في موقف الشرائع السماوية والقوانين المعاصرة- رسالة دكتوراه
[[6]]url:#_ftnref6 -شرح القانون الجنائي الخاص: للدكتور أحمد الخمليشي، الجزء الأول، ص: 168.
[[7]]url:#_ftnref7 -غرفة الجنايات: قضية جنائية، عدد 300م/336/89 بتاريخ 13/12/1989، غير منشور موجود في كتاب الأستاذ محمد أغريس 102.