مقال قانوني مميز حول مشروعية القسامة و السبب الموجب لها

اتفق الأئمة على أن القسامة(1) مشروعة في القتيل /ب إذا وجد ، ولم يعلم قاتله(2).
1- القسامة لغة : بمعنى القسم ، وهو اليمين مطلقاً ، أقيم مقام المصدر من قولهم : أقسم إقساماً وقسامة ، ويقال : أقسم الرجل إذا حلف .
ينظر:{معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية} الدكتورمحمود عبد الرحمن عبد المنعم 3/87/دار الفضيلة ،مصر ،القاهرة .

والقسامة اصطلاحاً :

أ. الحنفية : تقال للأيمان تقسم على أهل المحلة إذا وجد قتيل فيها لم يدر قاتله حلف خمسون رجلاً منهم يتخيرهم ولي المقتول ، فيقسم كل واحد منهم بأن يقول : ما قتلته ، وما علمت له قتيلاً ، فإن حلفوا فعلى أهل المحلة الدية ، ولا يحلف الولي ، ويحبس من أبى الحلف حتى يحلف ، وإن لم يتم العدد كرر الحلف عليهم ليتم العدد خمسين ، ولا قسامة على صبي ومجنون وامرأة وعبد .
{الفتاوى الهندية} 6/77/- {اللباب في شرح الكتاب} 3/172/.

ب. المالكية : أن يحلف الوارثون المكلفون في الخطأ واحداً كان أو جماعة ذكراً أو أنثى خمسين يميناً متوالية على البتِّ ولو كان أعمى أو غائباً ، وتوزع الأيمان على الميراث ، ويجبر كسر اليمين ، فإن نكل حبس حتى يحلف خمسين يمينا ، ولا مدخل للنساء في العمد ، فإن كانوا أقل من خمسين وزعت ، وإن كان أكثر اجتزي بالخمسين .
{جامع الأمهات }ص 509-510/- {الكافي} لابن عبد البر ص 601/.

ج. الشافعية : هي الأيمان في الدماء ، وصورتها : أن يوجد قتيل بموضع لا يعرف من قتله ، ولا بيّنة ، ويدعي وليُّهُ قتلَهُ على شخصٍ أو جماعةٍ ، وتُوجَد قرينة تشعر بصدقه . ويقال له: اللوث ، فيحلف على ما يدعيه ، ويحكم له بما
سنذكره إن شاء الله تعالى .
{روضة الطالبين} 10/9/- {كفاية الأخيار في حل غاية الاختصار} ص470.

د. الحنبلية : هي الأيمان المكررة في دعوى قتل المعصوم ، وإن كان عبداً أو امرأة أو كافراً ، وسواء كان القتل عمداً أو خطأ . نص عليه في رواية حنبل وابن منصور ، وقيل لا قسامة في الخطأ ، ولا قسامة في الأطراف بحال ، ومن شرط القسامة اللوث ، وهو العداوة الظاهرة .
{المحرر في الفقه }للشيخ محي الدين أبي البركات عبد السلام بن عبد الله بن الخضر، 2/298-299/ط1،دار الكتب العلمية ،بيروت ،1419هـ1999م. {الإنصاف} 10/139/- {المبدع شرح المقنع} 9/32/.
دليل القسامة : الأصل في القسامة ؛ ماروى سهل بن أبي خيثمة قال : انطلق عبد الله بن سهل ومحيصة بن مسعود إلى خيبر ، وهي يومئذٍ صلح فتفرقا ، فأتى محيصة إلى عبد الله بن سهل ، وهو يتشحط في دمه قتيلاً فدفنه ثم قدم المدينة ، فانطلق عبد الرحمن بن سهل وحويصة ومحيصة ابنا مسعود إلى النبيr فذهب عبد الرحمن يتكلم، فقال: (كبِّركبِّر، وهو أحدث القوم فسكت فتكلما ، فقال : أتحلفون وتستحقون دم قاتلكم ، أو صاحبكم ؟ فقالوا : كيف نحلف ، ولم نشهد ولم نرَ ؟ قال : فتبرئكم يهود بخمسين يميناً منهم ، فقالوا : كيف نأخذ بأيمان قوم كفار ؟ فعقله النبي r من عنده ) ” ” وهذا الحديث مخصص لعموم قول النبي r
( البينة على المدّعي ، واليمين على المُدَّعى عليه) ” ” وفي رواية : ( البينة على من ادعى واليمين على من أنكر ..) إلا في القسامة ” “.
2- أ. الحنفية : { الاختيار} 5/53/- {اللباب في شرح الكتاب }3/172/.
ب. المالكية : {جامع الأمهات} ص508/.
ج. الشافعية : {حاشيتا قليوبي وعميرة على منهاج الطالبين} 4/288/.
د. الحنبلية : {الكافي} لابن قدامة 4/128/- {الإفصاح عن معاني الصحاح} 2/180/- {العدة شرح العمدة }ص529.

ثم اختلفوا في السبب الموجب للقسامة ، فقال أبو حنيفة : الموجب للقسامة وجود القتيل/أ في موضع هو في حفظ قوم ، أو حمايتهم ، كالمحلة والدار ، ومسجد المحلة والقرية ، فإنه يوجب القسامة على أهلها ، لكن القتيل الذي تشرع فيه القسامة اسم لميت به أثر من جراحة ، أو ضرب ، أو خنق ، ولو كان الدم يخرج من أنفه أو دبره فليس بقتيل ، ولو خرج من أذنه أو عينيه فهو قتيل ، فيه /ب القسامة (1).
وقال مالك : السبب المعتبر في القسامة أن يقول المقتول : دمي عند فلان عمداً ، ويكون المقتول بالغاً مسلماً حراً ، سواء كان فاسقاً ، أو عدلاً، ذكراً ، أو أنثى ، أو يقوم لأولياء المقتول شاهد واحد ، واختلف أصحابه في اشتراط عدالة الشاهد وذكورته، فشرطها ابن القاسم” “، واكتفى أشهب” “بالفاسق والمرأة (2) .
___________________________________

1ـ{الاختيار}5/53/-{اللباب}3/172-173/-{مختصر اختلاف العلماء}5/177.
2ـ {جامع الأمهات} ص 508/- {الإشراف على نكت مسائل الخلاف} 2/841-842/- {الكافي} لابن عبد البر ص600-601/.

ومن الأسباب الموجبة للقسامة عند مالك من غير خلاف عنه : أن يوجد المقتول في مكان خال من الناس ، وعلى رأسه رجل ، ومعه سلاح مخضب بالدماء(1) .
وقال [ الشافعي ]/أ : السبب الموجب للقسامة اللَّوثُ (2): وهو عنده قرينة لصدق المدعي ، بأن يُرَى قتيل في محلة ، أو قرية صغيرة ، وبينهم وبينه عداوة ظاهرة ، أو يتفرق جمع عن قتيل ، وإن لم يكن بينهم /ب عداوة ، وشهادة العدل عنده لَوْث ، وكذا عبيد أو نساء ، أو صبيان ، وكذا فسقة وكُفَّارٌ على الراجح من مذهبه ، لا امرأة واحدة ، ومن أقسام اللَّوث عنده لهج ألسنة العام والخاص بأن فلاناً قتل فلاناً، ومن اللوث وجود مُلَطَّخٍ بالدمِ بيده سلاح عند القتيل ، ومنه أن يزدحم الناس بموضع أو في باب فيوجد فيهم قتيل(3) . .

1ـ {جامع الأمهات} ص 508/- {الكافي} لابن عبد البر ص601/.
2ـ اللَّوث : بفتح اللام وإسكان الواو : وهو قرينة تقوِّي جانب المدَّعي وتغلب على الظن صدقه ، مأخوذ من اللوث : وهو القوة .
{تحرير ألفاظ التنبيه} ص339/- وقال ابن منظور : اللوث عند الشافعي شبه الدلالة ولا يكون بينة تامة ، وفي حديث القسامة ذكر اللوث ، وهو أن يشهد شاهد واحد على إقرار المقتول قبل أن يموت أن فلاناً قتلني . وهناك أمثلة غيرها وهو من التلوث : التلطخ .
مادة لوث .{ لسان العرب }2/185/.
3ـ {حاشيتا قليوبي وعميرة على منهاج الطالبين} 4/164/.
وقال أحمد : لا يحكم بالقسامة إلا أن يكون بين المقتول ، وبين المدَّعَى عليه لَوْث (1) ، واختلفت الرواية عنه [ في اللَّوث : فروي عنه أن اللَّوْثَ ]/أ هو العداوة الظاهرة ، والعصبية خاصة كما بين القبائل من المطالبة بالدماء، وكما بين أهل البغي ، وأهل العدل، وهذا قول عامة أصحابه(2) ،وأما دعوى المقتول أن فلاناً قتلني ، فلا يكون لوثاً إلا عند مالك (3) .
__________________________________

1- {الكافي} لابن قدامة 4/129/- {الإفصاح عن معاني الصحاح}2/181/- {العدة شرح العمدة} ص529/.
2- {الإفصاح عن معاني الصحاح} 2/181/- {الإنصاف }10/139/.
3- أ. الحنفية : قال أبو جعفر الطحاوي : وقول مالك : إذا قال المقتول : دمي عند فلان أن تجب القسامة ، فلا أصل له في السنة ولا دليل عليه.
{ مختصر اختلاف العلماء} 5/184/.
ب. المالكية : إذا قال المقتول دمي عند فلان عمداً ، فذلك لَوْث يوجب القسامة .
{الإشراف على نكت مسائل الخلاف} 2/841/- {الكافي} لابن عبد البر ص601. {جامع الأمهات }ص508.
ج. الشافعية : لو قال المجروح : جرحني فلان ، أو قتلني ، أو دمي عنده فليس بلوث ولا قسامة ، لأنه مدعٍ .
{روضة الطالبين وعمدة المفتين }10/11/.
د. الحنبلية : أما دعوى المقتول بأن فلاناً قتلني فلا يكون لوثاً .
{الإفصاح عن معاني الصحاح} 2/182/- {الإنصاف }10/140/- {التوضيح في الجمع بين المقنع والتنقيح} 3/1193/.

– فصل
[أيمان المدعين في القسامة]
وإذا وجد المقتضي للقسامة عند كل واحد من الأئمة حلف المدَّعون على قاتله خمسين يميناً واستحقوا دمه إذا كان القتل عمداً عند مالك وأحمد، وعلى القديم من قولي الشافعي(1) ، وقال الشافعي في الجديد : يستحقون دية مغلظة(2) .
_________________________________
1- أ. الحنفية : لم يذكر المصنف الحكم عند الحنفية وهو : إذا وجد القتيل في محلة ولا يعلم من قتله استحلف خمسون رجلاً منهم ، ويتخيرهم الولي يحلفون بالله ما قتلناه ، ولا علمنا له قاتلاً ، فإذا حلفوا قضي على أهل المحلة بالدية في مالهم إن كانت الدعوى بالعمد ، وعلى عواقلهم إن كانت بالخطأ .
{اللباب في شرح الكتاب} 3/172/- {تحفة الفقهاء} 3/131/.
ب. المالكية : {جامع الأمهات }ص 510/.
ج. الشافعية في القديم : {نهاية المحتاج }7/396/- {حاشيتا قليوبي وعميرة على منهاج الطالبين} 4/167/- {حواشي الشرواني وابن قاسم العبادي على تحفة المحتاج} 9/58/.
د. الحنبلية : {الكافي }لابن قدامة 4/129/- {الإفصاح عن معاني الصحاح} 2/182/ {العدة شرح العمدة} ص530/.
2- {حاشيتا قليوبي وعميرة على منهاج الطالبين} 4/167/- {حواشي الشرواني وابن قاسم العبادي على تحفة المحتاج }9/58/.

– فصل
[من يبدأ بأيمان القسامة المدَّعون أم المُدَّعىٰ عليهن ؟]
واختلفوا : هل يبدأ بأيمان المدَّعين في القسامة ، أم بأيمان المدَّعَىٰ عليهم؟ قال الشافعي وأحمد: يبدأ بأيمان المدَّعين ، فإن نكل المدعون ، ولا بينة [حلف المُدَّعىٰ عليه خمسين يميناً وبرئ (1) ، وقال مالك : يُبدأُ بأيمان المُدَّعِينَ]/أ (2) ، واختلفت الرواية عنه مالحكم /ب إن نكلوا ففي رواية : يبطل الدم ، ولا قسامة (3)، وفي رواية : يحلف المُدَعَىٰ عليه ، إن كان رجلاً بعينه حلف وبرئ ، وإن نكل لزمه الدية في ماله ، ولم يكن على /ج العاقلة منها شيء ، لأن /د النكول عنده كالاعتراف ، والعاقلة لا تحمل الاعتراف(4) ، وفي رواية : تحمل العاقلة قلت أو كثُرت ، فمن حلف منهم برئ ، ومن لم يحلف فعليه بقسطه من الدية (5) ،
_____________________________________

1- أ. الشافعية : {حاشيتا قليوبي وعميرة على منهاج الطالبين }4/165/- {حواشي الشرواني وابن قاسم العبادي على تحفة المحتاج }9/53/.
ب. الحنبلية :{الكافي} لابن قدامة 4/129/- {العدة شرح العمدة} ص529/.
2- {جامع الأمهات} ص 509/- {الإشراف على نكت مسائل الخلاف}2/841/.
3- {تبيين المسالك}4/467-468/{الإشراف على نكت مسائل الخلاف}2/843/.
4- {التفريع} 2/213/- {الكافي} لابن عبد البر ص602/.
5ـ {التفريع} 2/210/-{ الكافي} لابن عبد البر ص602-603/.

وقال أبو حنيفة : لا تشرع اليمين في القسامة ، إلا على المدَّعىٰ عليهم. والمدَّعون إذا لم يُعَينوا شخصاً بعينه يدَّعُون [ عليه ]/أ فيحلف من المدَّعىٰ عليهم خمسون رجلاً خمسين يميناً ممن يختارهم المُدَّعُون ، فيحلفون بالله ما قتلنا ، ولا علمنا له قاتلاً ، فإن لم يكونوا خمسين كُرِّرَتِ اليمينُ ، فإذا اكتملت الأيمان ، وجبت الدية على عاقلة أهل المحلة (1). وإن عَيَّنَ المدعون قاتلاً فلا قسامة ، ويكون تعيينُهم القاتلَ /ب تبرئةً لباقي أهلِ المحلة(2)، ويلزم المُدَّعَىٰ عليهِ اليمين/ج بالله – U- أنه ما قتل، ويترك(3).

____________________________________
1ـ {الفتاوى الهندية} 6/77/.
2ـ {الفتاوى الهندية} 6/78/.
3ـ {الفتاوى الهندية} 6/78/.
– فصل
[فيما لو كان الأولياء في القسامة جماعة ، وهل تثبت
القسامة في العبيد ؟]

واختلفوا فيما إذا كان الأولياء جماعة ، قال مالك وأحمد : تقسم الأيمان بينهم بالحساب ، وهذا هو المشهور من مذهب الشافعي(1) ، وقال أبو حنيفة: تكرر الأيمان عليهم بالإدارة بعد أن يبدأ أحدهم بالقرعة(2) .
واختلفوا : هل تثبت القسامة في العبيد ؟ فقال أبو حنيفة وأحمد : تثبت (3) ، [ وقال مالك : لا تثبت ]/أ (4) ، وللشافعي قولان: [ أصحهما تثبت ]/ب (5).
_____________________________________
.
1- أ. المالكية : {تبيين المسالك} 4/466/- {جامع الأمهات} ص509-510/.
ب. الشافعية : هذا هو المشهور ، وفي قول : يحلف كل واحد منهم خمسين يميناً .
{حاشيتا قليوبي وعميرة على منهاج الطالبين }4/166/.
ج. الحنبلية : {الكافي} لابن قدامة 4/130/.
2- {اللباب في شرح الكتاب} 3/173/- {الاختيار} 5/55/.
3- أ. الحنفية : {اللباب في شرح الكتاب} 3/173/- {الاختيار} 5/56/.
ب. الحنبلية : {الكافي} لابن قدامة 4/132/.
4- {جامع الأمهات} ص508/- {الكافي} لابن عبد البر ص600/.
5- {نهاية المحتاج} 7/393/-{حاشيتا قليوبي وعميرة على منهاج الطالبين}4/165.

– فصل/أ
[أيمان النساء في القسامة]
وهل تسمع أيمان النساء في القسامة ؟ قال [ أبو حنيفة ]/ب وأحمد: لا تسمع مطلقاً ، لا في عمدٍ ولا في خطأ(1) ، وقال الشافعي: تسمع مطلقاً في العمد والخطأ، وهُنَّ في القسامة كالرجال(2)، وقال مالك : تسمع أيمانُهُنَّ في الخطأ دونَ العمدِ (3).
_____________________________________

1- أ. الحنفية : {اللباب في شرح الكتاب} 3/173/- {الاختيار} 5/56/.
ب. الحنبلية : {الكافي} لابن قدامة 4/135/- {التوضيح في الجمع بين المقنع والتنقيح} 3/1195/.
2- {حاشيتا قليوبي وعميرةعلىٰ منهاج الطالبين} 4/166/- {نهاية المحتاج} 7/395/.
3- {تبيين المسالك} 4/466/- {جامع الأمهات} ص509-510/- {الكافي }لابن عبد البر ص601/.