شروط التحكيم في عقود حكومة الإمارات العربية المتحدة

إعادة نشر بواسطة محاماة نت 

لقد أصبح التحكيم بديلًا معترفًا به عالميًا لحل النزاعات التعاقدية خارج نطاق النظام القضائي التقليدي.

واليوم، فإن الأطراف في الاتفاقات التجارية، خاصة الاتفاقات المتعلقة بالبناء، عادة ما تضع شرط التحكيم في العقد حيث يتفق الطرفان بموجبه على أن أي نزاع ينشأ بينهما فيما يتعلق بتفسير العقد أو تنفيذه سيتم تسويته من خلال التحكيم.

في دولة الإمارات العربية المتحدة، تسمح المادة 203 (1) من القانون الاتحادي لدولة الإمارات العربية المتحدة رقم 11 لسنة 1992 بشأن الإجراءات المدنية، بصيغته المعدلة (قانون الإجراءات المدنية) للأطراف المتعاقدة بالموافقة على إحالة أي نزاع يتعلق بأداء وتنفيذ العقد إلى واحد أو أكثر من المحكمين؛ وتنفذ المحاكم عمومًا قرارات التحكيم هذه شريطة أن تكون صحيحة قانونيًا وتفي بالمتطلبات المنصوص عليها في القانون.

هذا ويعد الطعن القضائي للحكومة الإماراتية رقم 302/2015، والذي فصلت فيه المحكمة الاتحادية العليا في الإمارات العربية المتحدة، مثالًا على قضية فرضت فيها المحاكم الإماراتية شرطًا صحيحًا قانونًا للتحكيم في عقد حكومي في دولة الإمارات العربية المتحدة.

حيثيات الدعوى

في آذار/مارس 2002، أبرمت هيئة حكومية اتحادية في الإمارات العربية المتحدة (المدعي) عقدًا مع شركة استشارات هندسية (المدعى عليه الأول) لتقديم خدمات استشارية هندسية لمشروع بناء الطرق السريعة بين الإمارة (العقد).

ويتضمن العقد شرط تحكيم ينص على أن “أية نزاعات تنشأ عن تنفيذ أو تفسير (العقد) يتم تسوىتها من قبل لجنة التحكيم للتعويض (التابعة للجنة الدائمة للمشاريع التابعة للجهاز الحكومي).

وبعد ذلك أبرم المدعى عليه الأول عقدًا من الباطن مع شركة استشارات هندسية دولية المدعى عليه الثاني) لتقديم خدمات استشارات هندسية فيما يتعلق بالمشروع المذكور أعلاه.

وقد نشأ نزاع فيما بعد بين الأطراف والمدعي، ورفع المدعي دعوى ضد المدعى عليه الأول في المحكمة الابتدائية الاتحادية بدولة الإمارات العربية المتحدة (الدائرة الإدارية) في نيسان/أبريل 2013 بتهمة الإخلال بالعقد، وطالب بالتعويض عن الأضرار من المدعى عليه الأول والمدعى عليه الثاني (الذي انضم إلى الإجراءات كمدعى عليه)، وقد فعل المدعى ذلك دون النظر إلى شرط التحكيم الخاص بالعقد.

المحكمة الابتدائية

في الجلسة الأولى، دفع المدعى عليه الأول والمدعى عليه الثاني بالدفاع بأن المحكمة الابتدائية ليس لها اختصاص النظر في القضية، ومن ثم ينبغي رفض ادعاء المدعي عملًا بالمادة 203 (5) من قانون الإجراءات المدنية؛ كما أنه ينبغي حل النزاع عن طريق التحكيم وفقًا لشرط التحكيم في العقد. وتنص المادة 203 (5) من قانون الإجراءات المدنية على أنه “إذا اتفق الطرفان على التحكيم في النزاع فلا يجوز عرض الدعوى أمام المحاكم، ولكن في حال لجوء أحد الطرفين إلى التقاضي دون اعتبار لشرط التحكيم ولم يعترض الطرف الآخر في جلسة الاستماع الأولى، يجب عقد المحاكمة في الدعوى ويعتبر شرط التحكيم لاغيا”.

هذا وقضت المحكمة الابتدائية بأن الإجراء القانوني الذي قام به المدعي قد أعاقه شرط التحكيم الذي اتفق عليه المدعي والمدعي عليه الأول في العقد.

محكمة الاستئناف

استأنف المدعي أمام محكمة الاستئناف الاتحادية الإماراتية (الدائرة الإدارية) في أبو ظبي، ومع ذلك، رفضت محكمة الاستئناف الطعن وأيدت الحكم الصادر عن المحكمة الابتدائية.

المحكمة الاتحادية العليا

استأنف المدعي مرة أخرى، ولكن هذه المرة أمام المحكمة الاتحادية العليا لدولة الإمارات العربية المتحدة (الدائرة الإدارية) في أبو ظبي، دافعًا بأن شرط التحكيم أصبح غير قابل للتنفيذ مع حل لجنة التحكيم عملًا بقرار رئيس وزراء دولة الإمارات العربية الصادر في 20 شباط/فبراير 2006. وقررت المحكمة العليا أن الطعن المقدم من المدعي لا أساس له، ولذلك رفضت الطعن؛ وكان تعليل المحكمة على النحو التالي:

يعد التحكيم وسيلة استثنائية لتسوية المنازعات خارج وسائل التقاضي العادية أمام المحاكم؛ ويقتصر التحكيم على النزاع الذي يختار الطرفان تقديمه إلى هيئة التحكيم. ويغطي اتفاق التحكيم كافة المنازعات والعواقب التي قد تنشأ عن انعقاد العقد أو إنهائه أو بعد ذلك. هذا وقد حل القرار السابق لرئيس الوزراء محل اللجنة الدائمة للمشاريع مع لجنة أخرى، هي لجنة مطالبات التعويض، التي تتمثل مسؤوليتها في استعراض مطالبات التعويض والتحكيم.

وقد غيَّر قرار رئيس الوزراء أساسًا اسم اللجنة دون تغيير محدداتها الذي تم الاحتفاظ به تحت اسم مختلف؛ وقد ساعدت هذه الخطوة على منع حدوث ثغرة في هذا التشريع الفرعي حتى يتم وضع إطار لدعم تنفيذ وتطبيق قرارات التحكيم. ومن ثم، لا يمكن القول بأن شرط التحكيم أصبح باطلًا مع حل اللجنة المسئولة عن التحكيم شريطة استمرار اللجنة في الوجود، وإن كان ذلك تحت مسمى مختلف؛ وعليه، يظل شرط التحكيم نافذًا ولا يجوز تجاهله بحجة أن إطار التحكيم ذي الصلة قد ألغي.

أهمية القضية

ترجع أهمية هذه القضية لعدد من الأسباب؛ أولاً، اعترفت المحكمة العليا بأن التحكيم وسيلة استثنائية لتسوية المنازعات خارج المحفل المعتاد (أي المحاكم المحلية)، وأنه إذا وافقت الأطراف على إحالة جميع المنازعات إلى التحكيم، فإن ذلك يشمل المنازعات المتعلقة بانعقاد أو إنهاء العقد.

ثانيا، لكي يكون شرط التحكيم فعالًا من الناحية القانونية، يجب أن يستوفي الشروط المنصوص عليها في المادة 302 من قانون الإجراءات المدنية.

ثالثا، يشير بند التحكيم في العقد إلى لجنة تحكيم خاصة أنشأتها هيئة حكومية؛ ورأت المحكمة العليا أنه لا يمكن للطرف أن يثير الحجة بأن شرط التحكيم أصبح باطلًا إذا استمرت لجنة التحكيم في العمل، وإن كان ذلك باسم مختلف. وعلاوة على ذلك، رأت المحكمة أن شرط التحكيم الوارد في العقد لا يزال صحيحًا ونافذًا ولا يجوز تجاهله على أساس إلغاء إطار التحكيم ذي الصلة. وينبغي ألا يلجأ الطاعن إلى المحاكم مباشرة دون التوجه أولًا إلى لجنة التحكيم.

وأخيرًا، عندما يبدأ طرف، في عقد قانوني يتضمن شرط تحكيم، في الخوض في الإجراءات القانونية في المحاكم التي تنتهك شرط التحكيم، يتعين على الطرف الآخر الدفع باعتراض قضائي في الجلسة الأولى، وفقًا للمادة 302 (5) من قانون الإجراءات المدنية. وإلا، فإنه بذلك يعتبر قد تنازل عن حقوقه بموجب شرط التحكيم.