الوسائل البديلة لفضّ المُنازعات العقاريَّة
عبدالله بن ثامر القديمي
مستشار قانوني
تُعاني المحاكم العامَّة من تدفُّق المنازعات الخاصَّة بالأنشطة العقاريَّة حتى تجاوزت نسبةُ المنازعات فيها العشرينَ بالمئة من إجمالي القضايا المرفوعة أمام المحاكم العامة، الأمر الذي يتطلَّب –وبإلحاح- البحث عن وسائل بديلة ناجعة تحُدّ من نشوء هذه المنازعات، بالإضافة إلى الحدِّ من بلوغها إلى المحاكم بعد نشوء النِّزاع العقاريّ، ويبدو أن دراسة الأحكام الصادرة من المحاكم العامَّة بشأن الأنشطة العقارية دراسة مستوفية ومستفيضة والخروجُ من ذلك بالأسباب الأصليَّة لهذه المنازعات، ومن ثمَّ اتِّخاذ الإجراءات اللازِمَة لقطع دابر هذه المنازعات من أصلها يقي المحاكم العامَّة من تدفُّق المنازعات العقاريَّة إليها .

ومن أبرزِ وسائل الوقاية من قيام هذه المُنازعات قيامُ أجهزة الإدارة الحكوميَّة بإنشاءِ عقودٍ نموذجيَّةٍ خاصَّةٍ بجميعِ الأنشطة العقارية تلتزمُ بها الأطراف المُتعاقدة، ومن ذلك عقود الإجارة السكنية أو التجاريَّة، أو عقود مقاولات إنشاء المباني، أو عقود الفندقة، أو عقود بيعِ العقارات ابتداءً بالأراضي الخام وحتى المباني السكنيّة، إذ لا شكَّ َّأن وجود مثل هذه العقود يُسهِّلُ على الأطراف المتعاقدة استيعاب ما لها من حقوق وما عليها من التزامات قبل التعاقد، ويُسرّعُ الفصل فيها عند قيام المنازعة بعد التعاقد .

أمَّا فيما يتعلَّقُ بالحدِّ من بلوغ القضايا المتعلقة بالأنشطة العقاريَّة إلى المحاكم العامَّة فيبدو من المهمِّ النصُّ في هذه العقود النموذجيَّة على شرط التَّحكيم الذي يحيل النزاعات إلى مركزٍ مُختصٍّ بالتَّحكيم العقاريّ كي يحل النزاعات التي قد تنشأ بينَ أطراف النّزاع، بحيث يحوزُ حكم التحكيم الصادر من المركز حُجيَّة الأمر المقضي به، ويكون واجب النفاذ أمام قضاء التَّنفيذ مالم يطعن أحد طرفي النزاع على الحكم وفق إجراءات الاستئناف المنصوص عليها في نظام التَّحكيم .

وبالنَّظر إلى ذلك، تتبين الحاجة الماسَّة لإنشاءِ مركز تحكيم يَعنَى بالأنشطة العقاريَّة يكون من ضمن اختصاصاته جميع الدَّعاوى المتعلقة بالعقود النموذجية الصادرة من أجهزة الإدارة الحكومية والمتعلقة بالأنشطة العقارية –ويُنَصُّ فيه على شرط التحكيم في العقد النموذجي- بحيث يُشكَّلُ المركز لكلِّ عقد نموذجي دائرة أو لجنة مختصَّة من ذوي الكفاءة بالعلوم الشرعيّة والنظامية بالإضافة إلى أهل الاختصاص من المهندسين والخبراء الفنيين والعقاريين، وتقوم اللجنة بإصدار حكم تحكيم يفض المنازعة بين أطراف النزاع . ويدخلُ من ضمن اختصاصاته كذلك جميع المنازعات العقديَّة المتعلقة بالعقار أو مقاولات إنشاء المباني التي تُنظَرُ أمام المحاكم العامَّة –إن تشارطَ أطرافُ العقدِ على ذلك-.

أخيراً؛ لا شكَّ أن قيام الهيئة العامَّة للعقار أو الهيئة السعودية للمقاولين في أخذِ زمام المبادرة والتنسيق مع أجهزة الإدارة الحكومية التي تُشرفُ على الأنشطة العقارية -ومن أهمها وزارة الإسكان ووزارة الشؤون البلدية والقروية ووزارة العدل- لإصدار هذه العقود، والسعيُ في إنشاءِ مركز تحكيمٍ مختصٍّ بجميع المنازعات المتعلقة بالعقار والأنشطة العقاريَّة، يُخففُ العبء على المحاكم العامَّة، ويُسرِّعُ الفصل في المنازعات العقارية، ويُشجِّعُ أطراف العقد على النصِّ على شرطِ التَّحكم لدى مركز التحكيم العقاري الذي يحوي كوادر وخبرات شرعية ونظامية وفنية وهندسية مما يزرعُ الثِقَة لديهم في كون حكم التحكيم وفق مقتضى العدل، خاصَّةً إذا اعتمدَ المركزُ إجراءاتٍ خاصَّة (بالصلح) بين المتنازعين والتسوية بينهم عن طريق طلبِ أحد الأطراف قبل قيد النزاع إذ من الممكن الفصلُ في المنازعة قبل قيدها للتحكيم –في حالِ وضوح المنازعة وعدم الحاجة لقيدها كمنازعة تحكيم- من خلال شرح بنودِ العقد للمتنازعين، وعرض الصلح عليهم، وتقريب وجهات النَّظر بينهم، وصولاً إلى قيد المنازعة لدى المركز للفصل فيها من المجلس أو اللجنة المختصة بالتحكيم .

إعادة نشر بواسطة محاماة نت