حماية المستهلك وأعشاش الدبابير
عبدالعزيز محمد العبيد
باحث ومستشار قانوني
Alobid100 @

المشهد الذي يتكرر كثيراً في تغطيات وزارة التجارة والاستثمار لمنجزاتها المتتابعة في مداهمة مصنع أدوات كهربائية مغشوشة أو محل حلويات منتهية الصلاحية أو عمالة في استراحة تقوم بعرك عجينة السمبوسة بأياديها المتسخة وثيابها الملوثة وهكذا.. هو بلا شك يعبر عن منجزات مشكورة للوزارة ممثلة تحديداً بوكالة حماية المستهلك.

إلا أن ما تقوم به الوزارة في بعض الأحيان قد لا يعدو كونه نكثاً لأعشاش دبابير ضربتها يدٌ خاطفة فتطايرت في كل اتجاه ثم ما تلبث أن تعيد تشكيل أسرابها المشتتة في الفضاء الصغير الذي كانت تحوم فيه لتستوعب الصدمة وتمتص الضربة الخاطفة فتتجه ببساطة لمكان غير بعيد وتعيد بناء عشها بأسرع من الأول.

فهل يكفي أن تداهم الوزارة وكر عمالة سائبة تصنع المأكولات الملوثة، أو تغلف المنتجات المقلدة، لتعاقب محلاً واحداً مقابل هروب العشرات من العمالة التي ستعيد تشكيل سربها من جديد لتبحث عن أحواش أو استراحات أو مبانٍ مهجورة لتمارس اقتصادها الخفي الذي تجني منه ما يسيل له اللعاب الذي تطبب به جرحاً صغيراً نكأته ضربة خاطفة لرجال الوزارة؟!

سيما بعد صدور قرار مجلس الوزراء رقم 537 وتارخ 29 / 12 / 1436هـ إذ لم تعد مهام وكالة الوزارة لحماية المستهلك مقصورة على الرقابة فحسب، بل تمتد اختصاصاتها إلى أكثر من عشرة عناصر أساسية، من بينها ما يلي:

– اقتراح الأنظمة واللوائح التي تمكنها من تنفيذ أعمالها المتعلقة بحماية المستهلك.
– وإعداد برامج ومشاريع بناء الثقافة الإيجابية وتنمية المهارات الأساسية لدى أفراد المجتمع وتمكينهم من معرفة حقوقهم وواجباتهم كمستهلكين.
– وإعداد الدراسات عن حماية المستهلك بالتعاون مع جهات الاختصاص مثل الجامعات ومراكز البحث العلمي.

– وإنشاء قاعدة بيانات عن مجالات حماية المستهلك بالمملكة وتحديثها وإتاحتها للجهات الحكومية والخاصة ذات العلاقة بحماية المستهلك، بما يسهم في جودة قراراتها وممارساتها لحماية المستهلك.
– والعمل على نشر ثقافة المستهلك وعقد الندوات والمؤتمرات وإجراء الدراسات والبحوث وغيرها من النشاطات التثقيفية والعلمية في مجال حماية المستهلك.

إلى غير ذلك من المهام والاختصاصات المتنوعة التي تتمع بها وكالة حماية المستهلك، وهو ما يعني على أنه لا زال أمام الوزارة الكثير لمعالجة الممارسات المخلة بالأنظمة في الأسواق في مجال حماية المستهلك، خصوصاً تلك الممارسات التي تقف خلفها العمالة المخالفة أو غير المدربة تدريباً يرفع مستوى الجودة والخدمة بشكل صحي في المطاعم وغيرها.

إلا أن ما يلحظه المستهلك هو تركيز الوزارة على بعض الاختصاصات الرقابية المسندة إليها دون تفعيل الاختصاصات الأخرى بالمستوى المطلوب كتلك المهام المتعلقة بنشر الثقافة الإيجابية للمستهلك، وإنشاء قواعد البيانات وتحديثها، وإعداد الدراسات وإثراء المحتوى العلمي بالتعاون مع الجامعات ومراكز البحث.

إضافةً إلى ذلك؛ فإن من المهم أن تتضافر الجهود بين الوزارات والمؤسسات الحكومية بمختلف اختصاصاتها كوزارة الداخليةوالمصلحة العامة للجمارك ووزارة الصحة وزارة العمل والتنمية الاجتماعية وغيرها من الجهات (خاصة تلك الجهات التي نص قرار مجلس الوزارء -المشار إليه آنفاً- على تشكيل لجنة دائمة لحماية المستهلك يضم ممثلين منها).

من أجل أن تنجح جهود (حماية المستهلك) و(مكافحة التستر) التي تنطلق من وزارة التجارة والاستثمار للقضاء على أعشاش الدبابير السامة التي تعمل على امتصاص سيولة المستهلك من خلال المطاعم وبقالات الأحياء ومحلات البضائع المخفضة التي تحولت إلى رصيف بضائع يزج بالسلع الرديئة بشكل يومي إلى منازل الناس دون أن يلمس المراقبون حلولاً وقائية لا مجرد تفاعل مع بلاغات المستهلكين.

هذه البلاغات التي ربما لا يزال أثرها –رغم أهميته- دون مستوى الضخ الهائل للسلع المقلدة والمغشوشة والممارسات المتزايدة لخداع المستهلك وتضليله، ولا تزال كذلك أقل منالتنامي السريع لحجم السوق وبريق الإغراء الذي يمثله ذلك التنامي للعمالة الوافدة والمخالفة التي لا تدخر جهداً في حصد المال بأي طريق وتضخيم غلتها دون أدنى مراعاة لمستوى الخدمة وأصالة المنتج ومصلحة المستهلك والصحة الغذائية وضمان جودة الأدوات الكهربائية والمنزلية.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت