الحوالة.. نظام شرف مشفر لتمرير الأموال المشبوهة
سعود بن عبدالعزيز المريشد
تعتبر الحوالة إحدى وسائل تحويل الأموال من مكان إلى آخر دون الحاجة إلى نقل هذه الأموال مادياً من مكان التحويل الأصلي إلى المكان الآخر المحولة إليه تلك الأموال؛ فالحوالة غالبا لا تخضع لأي تنظيم وتمارس من أي شخص سواء في بيته أو محل تجارته، ولا تستلزم سوى مكالمة هاتفية لشخص آخر في البلد الثاني وتحمل أمراً شفهياً بصرف قيمة الحوالة بالعملة المحلية وبسعر يزيد عن سعر الصرف في البنوك الوطنية، وبالتالي أمر التحويل والصرف لا يستغرق سوى ساعات معدودة، ولهذا تعتبر الحوالة وسيلة سهلة ومريحة وبسيطة لاختصارها الكثير من الإجراءات المصرفية المعقدة التي تتطلب عددا من الوثائق والأوراق الرسمية كما هو الحال في البنوك التقليدية.

وجود الشبهات حول نظام الحوالة يعود إلى أنها غير مرخصة من سلطة البنك المركزي كما في بعض الدول الآسيوية التي تتم فيها، ولذلك تسمى عادة بالبنوك الخفية؛ لكنها – أي الحوالة –قد تكون ممنوعة في بعض الدول التي تحظر أنظمتها مزاولة الأعمال البنكية والمصرفية على غير البنوك التقليدية، لأن تحويل الأموال في البنوك الخفية يتم عادة دون الحاجة لتفعيل الضوابط والمعايير الرسمية المستخدمة في الأنظمة البنكية العادية، كالتحقق من وثائق هوية العميل، وإثبات مصادر الدخل، أوراق لتوثيق مبلغ وعملية الحوالة وأطرافها ونحو ذلك، وهذا ما يسير عليه النظام في المملكة والذي يقصر مزاولة تحويل الأموال على شركات تابعة للبنوك والمرخص لها دون غيرها بالعمل وممارسة الأعمال المصرفية من قبل مؤسسة النقد العربي السعودي؛ لكن في المقابل قد تمارس مكاتب الحوالة هذه عملها بتحويل الأموال في وضح النهار وبصورة نظامية ورسمية، وذلك في الدول التي يسمح لها بذلك وفق نظام خاص، وبالتالي لا تعد في هذه الحالة بنوكا خفية بقدر ما هي وسيلة من وسائل تحويل الأموال المتاحة بجانب القنوات المالية الرسمية، كما هو معمول به في دولة الإمارات الشقيقة تحت مسمى (حوالادار).

بجانب السهولة والسرعة والرخص هناك عدد من العوامل التي تساهم بلا شك في الإقبال على استخدام الحوالة كوسيلة لتحويل الأموال، يأتي على قائمتها كثرة تكتل العمالة المنتمية إلى جنسية معينة في بلد ما، لأن عامل الثقة والعلاقات الاجتماعية والعرقية من الأسس المهمة التي تقوم عليها الحوالة، خصوصا في الدول التي يكثر اعتمادها اللامحدود على العمالة الأجنبية من جنسية معينة إلى حد ربما يؤثر سلبياً حتى على منظومة عمل المؤسسات المالية، بحيث تصبح معه إمكانية اللجوء إلى الحوالة من تلك الفئات واردة خروجا على النظام الرسمي المؤطر بمعايير فنية وأمنية، وهذا يزيد من صعوبة كشف خيوط تتبع الأموال إذا ما أسيء استغلال نظام الحوالة لتمرير الأموال المشبوهة، لأن الحوالة تقوم على عنصر الثقة بين المحول والقائم بالتحويل كالانتماء لجنسية معينة.

حيث قدر البنك الدولي حجم أموال التحويلات المالية عبر المؤسسات المالية على المستوى العالمي بما يقارب (600) مليار دولار للعام الماضي، وتوقع نمو ذلك المبلغ بنسبة تصل إلى (4.1) في العام (2016م)؛ ولا يوجد هناك تقديرات لحجم الأموال التي تتم وتنقل عبر نظام الحوالة، والتي تقوم على شرف التعامل السري لتحويل مليارات الدولارات دون وجود لأي ضوابط مصرفية أو مراقبة رسمية لها، مما يصعب معه تقدير حجمها.

ولهذا نقول إن الحوالة بسبب سريتها وانعدام أو قلة التوثيق فيها يجعل منها عرضة لأن يساء استخدامها من قبل المنظمات الإجرامية كقناة لتمرير وتهريب أموالهم (كالأموال الناتجة عن تجارة المخدرات والتستر ونحو ذلك)، وبالتالي تحويلها إلى بلد آخر تمهيداً لغسلها، أو وهو الأسوأ لتمويل العمليات الإرهابية، فتقديم هذه الأموال فيما بعد للنظام المصرفي بوسيلة نظامية يكسبها صفة المشروعية كما في حالة لو قام القائم بالتحويل بتقديم المستند الذي يثبت نظامية هذه الأموال للبنك تحت غطاء عمل تجاري مشروع لأن الأموال أصبحت في حكم المملوكة له، مما بالتالي يساهم في تمويه أو إخفاء مصدر هذه الأموال غير المشروع وعزلها تماما عن مصدرها الأصلي؛ ولكن ذلك يظل محكوما ومرتبطا بمدى فعالية دور الجهاز المالي الرقابي، وقدرة قوة المكافحة الأمنية على تتبع المصادر الأصلية لهذه الأموال.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت