قراءة نقدية لأحكام قانون الإجراءات المدنية و الإدارية الجديد

شهد النظام القضائي الجزائري إصلاحين جوهريين : الأول كرس مبدأ ازدواجية القضاء ، و قد وقع هذا التغيير بموجب دستور 1996 الذي أنشأ مجلسا للدولة كهيئة مقومة لأعمال الجهات القضائية الإدارية ، و أما الإصلاح الثاني فإنه وقع بموجب القانون رقم 08/09 المؤرخ في 25/02/2008 المتضمن قانون الإجراءات المدنية و الإدارية.

إذا كان التخلي عن مبدأ وحدة القضاء و الرجوع إلى مبدأ ازدواجية الجهات القضائية لم يؤثر على الإجراءات المدنية ، فإن القانون الجديد المتضمن الإجراءات المدنية و الإدارية أدخل تعديلات جوهرية و ذات أهمية بمكان على كل جوانب الإجراءات. و من ميزات القانون الجديد أنه نزع الغموض الذي كان سائدا في بعض الإجراءات التي كان يتضمنها قانون الإجراءات المدنية القديم. و حرص المشرع على تدقيق إجراءات التداعي انعكس على حجم النصوص الواردة في القانون الجديد التي بلغت 799 مادة إذا نزعنا المواد االمخصصة للإجراءات المتبعة أمام الجهات القضائية الإدارية ، في حين أن قانون الإجراءات المدنية القديم لم يكن يتضمن سوى 479 مادة بما فيها المواد المخصصة للإجراءات أمام القضاء الإداري.

إلى جانب هذين الاصلاحين الهامين اللذان طرءا على النظام القضائي الجزائري ، فلقد صدرت قوانين أخرى لا تقل أهمية ، و نذكر منها القانون العضوي رقم 05-11 المؤرخ في 17/07/2005 المتعلق بالتنظيم القضائي ،و القانون العضوي رقم 04-11 المؤرخ في 06/09/2004 المتضمن القانون الأساسي للمجلس الأعلى للقضاء، و القانون العضوي رقم 11-12 بتاريخ 26/07/2011 المتعلق بصلاحيات المحكمة العليا و تنظيمها و سيرها.

قانون الإجراءات المدنية و الإدارية الجديد الذي هو موضوع هذه الدراسة و إن كان حقا قد نزع اللبس و الغموض عن بعض الإجراءات فإنه لم يخلو هو كذلك من بعض النقائص و الثغرات قد يكون لها تأثيرا على حسن سير الخصومات القضائية .إن هذا الفراغ ليس له مبرر خاصة و أن قانون الإجراءات المدنية و الإدارية صدر بعد تنصيب لجنة كلفت بإعداده مكونة من مختصين في القانون و كذا من قضاة سامين و بعد إثراء دام قرابة ثمانية سنوات. سنرى أن الإشكالات التي تثيرها بعض أحكام هذا القانون تستوجب تعديلات و تصحيحات في جوانب عدة.

دافع هذه الدراسة ليس فحص كل الأحكام ذات صلة بالإجراءات المدنية و لكن ستقتصر على معاينة الأخطاء و النقائص المتصلة بهذا القانون و صعوبات تطبيقه في أمل أن تعكف الجهات المختصة في معالجة هذه العيوب التي أظهرت الممارسة القضائية أثرها السلبي على حسن سير الخصومات القضائية.

سنتطرق للأحكام التي تثير إشكالات و صعوبات تطبيقية حسب ترتيب المواد في قانون الإجراءات المدنية و الإدارية ( ق.إ.م.إ.).

المادة 12 من ق.إ.م.إ. – سلطات القاضي في حالة الإخلال بالاحترام الواجب للعدالة

حسب المادة 12 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية :” يلتزم الأطراف بالهدوء أثناء الجلسة و أن يراعوا الوقار الواجب للعدالة “. و إما المادة 262 من نفس القانون فإنها تنص على أن: ” ضبط الجلسة منوط لرئيسها ، لضمان الهدوء و الرصانة و الوقار الواجب لهيئة المحكمة “. الملفت للانتباه أن قانون الإجراءات المدنية و الإدارية لم يكمل هذه المبادئ بأحكام تضمن تطبيقها كما كان عليه الحال في قانون الإجراءات المدنية القديم الذي منح القاضي ،في حالة الإخلال بالجلسة ، سلطة تسليط غرامات مدنية على المتسبب في هذا الإخلال ، أو إخراجه من قاعة الجلسات ، بل يمكنه حتى الحكم على الشخص بالحبس لمدة ثمانية أيام في حالة الإهانة ( المادة21 من قانون الإجراءات المدنية القديم).

في ظل القانون الجديد فإنه يمكن فقط للقاضي طرد المعني من الجلسة و لا يجوز له حبسه إلا في حالة الاهانة أو ارتكاب مخالفة بالجلسة و حتى في هذه الحالة الأخيرة فإن دور القاضي سيقتصر على تحرير محضر عن المخالفة و إحالة المخالف على النيابة العامة.

المادة 17 من ق.إ.م.إ. – حالات وجوب إشهار عريضة افتتاح الدعوى

إذا كان النزاع المطروح أمام المحكمة يتعلق بعقار أو حق عيني عقاري مشهر ،يجب حسب المادة 17-3 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية، إشهار عريضة افتتاح الدعوى لدى المحافظة العقارية ،و ذلك تحت طائلة عدم قبول الدعوى شكلا. هذا الإجراء كان معمول به كذلك في التشريع القديم.لا يكفي إشهار عريضة افتتاح الدعوى لدى المحافظة العقارية ( مصلحة الشهر العقاري) ،و لكن يجب إثبات استفاء هذا الإجراء ، و ذلك إما بتقديم نسخة من عريضة افتتاح الدعوى التي سبق إيداعها بأمانة الضبط تكون ممهورة ببيان الإشهار ، وإما بتقديم شهادة إدارية تثبت استفاء هذا الإجراء.وحسب المادة 17 المذكورة ،فإن العريضة المشهرة تقدم في أول جلسة ينادى فيها على القضية .

تطبيق المادة 17-3 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية يثير إشكالا نظرا للصيغة التي حررت بها هذه المادة. النص يلزم إشهار عريضة افتتاح الدعوى إذا تعلق الأمر بدعوى تخص ” عقار أو حق عيني عقاري مشهر”. فهل يتعلق الأمر بكل قضية يكون موضوعها عقار أو حق عيني عقاري مشهر، بغض النظر عن نوعها ؟ فمثلا هل تدخل في نطاق هذا النص الدعوى التي ترمي إلى استرداد عقار مشهر مغتصب،أو كذلك الدعوى الشخصية العقارية التي ترمي إلى طلب التعويض عن التعدي على عقار مشهر؟

في ظل التشريع القديم لا سيما المادة 85 من المرسوم رقم 76-63 المؤرخ في 25 مارس 1976 المتعلق بتأسيس السجل العقاري ، فإن المشرع أقر كذلك مبدأ إشهار عريضة افتتاح الدعوى ، و لكن فقط بالنسبة للدعاوى الرامية إلى النطق بفسخ أو إبطال أو إلغاء أو نقض حقوق ناتجة عن وثائق تم إشهارها مسبقا. فهل تخلى محرري قانون الإجراءات المدنية و الإدارية عن القاعدة القديمة الواردة في المادة 85 من المرسوم رقم 76-63 ،و عوضوها بقاعدة مماثلة مددت إلى كل الدعاوى العقارية والعينية العقارية دون تمييز؟ تقليديا و حتى في القانون المقارن فإن إجراء إشهار الدعاوى القضائية لا يخص كل القضايا العقارية أو العينية العقارية ، و لكن قرر فقط للدعاوى القضائية الرامية إلى فسخ أو إبطال أو إلغاء أو تعديل أو نقض حقوق قائمة على عقود تم شهرها.

في الواقع فإن موقف محرري قانون الإجراءات المدنية و الإدارية من هذه المسألة لم يظهر بوضوح بل هو موقف متردد لأن عند تطرق هذا القانون إلى الخصومة أمام القسم العقاري، المختص وحده في النظر في الدعاوى التي فرض القانون شهرها، فإن المادة 519 لم تكرر الصيغة التي وردت في المادة 17-3 بل تضمنت نصا مماثلا للمادة 85 من المرسوم رقم 76-63 ، التي فرضت إجراء الشهر فقط بالنسبة للدعاوى الرامية إلى النطق بفسخ أو إبطال أو إلغاء أو نقض حقوق ناتجة عن وثائق تم شهرها مسبقا إذ جاء فيها : ” ترفع الدعوى أمام القسم العقاري و ينظر فيها حسب الإجراءات الواردة في هذا القانون ، مع مراعاة الأحكام الخاصة بشهر دعاوى الفسخ أو الإبطال أو التعديل أو نقض حقوق قائمة على عقود تم شهرها “.

يتبين إذا أنه يوجد اختلاف بين المادة 17-3 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية التي تفرض إجراء الشهر بالنسبة لكل الدعاوى العقارية و العينية العقارية دون تمييز، و المادة 519 من نفس القانون التي تحصر هذا الإجراء في حدود الدعاوى العقارية الرامية إلى الفسخ أو الإبطال أو التعديل أو نقض حقوق قائمة على عقود تم شهرها. فأي من المادتين يجب تطبيقها ؟ نعتقد أن ما نصت عليه المادة 519 هو الصواب لأن الدعاوى المحددة في هذه المادة هي وحدها من طبيعتها التأثير على فحوى العقد المشهر بخلاف الدعاوى الأخرى.

المحكمة العليا و في ظل المادة 85 من المرسوم رقم 76-63 تطرقت إلى إشكالية نوع الدعاوى التي يجب شهرها و كذا المغزى من إجراء الإشهار. فبعد أن قضت بأن دعوى الشفعة لا تخضع لإجراء الإشهار فإنها حللت و شرحت موقفها كما يلي :” إن المشرع و في مجال المحافظة العقارية و السجل العقاري إنما اختار النظام العيني لا الشخصي ، و من هنا فإن حلول الشفيع محل المشتري في حالة تثبيت حق الشفعة ليس من طبيعته التأثير على فحوى العقد المشهر ذاته من حيث البيانات الخاصة بالعقار أو الحقوق العينية المترتبة عنه كما هو الشأن بالنسبة للدعاوى التــي حـصرتها بالذكر المادة 85 ( قرار بتاريخ 26 ابريل 2000، ملف رقم 194437، منشور بالمجلة القضائية لسنة 2000 العدد 2 صفحة 146 ).

هذا و يجب الإشارة إلى أن النص الفرنسي للمادة 17-3 حرر في صيغة خاطئة و مخالفة للنص الأصلي إذ يفرض إجراء الإشهار على كل الدعاوى المتعلقة بعقار أو حق عيني عقاري حتى و إن لم يكن مشهر إذ أسقط من النص الفرنسي عبارة ” مشهر طبقا للقانون” الوارد في النص العربي.

ما هي طبيعة عدم قبول عريضة افتتاح الدعوى بسبب عدم إشهارها ؟ هل هو عدم قبول من النظام العام يجوز للقاضي إثارته من تلقاء نفسه، أم أنه يجب على الأطراف التمسك به ؟الصيغة التي حررت بها المادة 17 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية توحي بأن الإجراء من النظام العام كون المشرع استعمل عبارة : ” يجب إشهار العريضة… تحت طائلة عدم قبولها شكلا “.و لكن المحكمة العليا قضت خلاف ذلك إذ اعتبرت أن إجراء إشهار العريضة ورد لحماية مصالح خاصة فهو ليس من النظام العام فلا يجوز للقاضي إثارته من تلقاء نفسه (قرار بتاريخ 21 نوفمبر 2008 ،ملف رقم 389338، منشور بمجلة المحكمة العليا لسنة 2008 العدد 2 صفحة 159) .حتى و إن صدر هذا القضاء قبل سريان قانون الإجراءات المدنية و الإدارية ، فإنه صدر في ظل المادة 85 من المرسوم رقم 76-63 المؤرخ في 13 ابريل 1976 المتعلق بتأسيس السجل العقاري و التي ما زالت سارية المفعول.

و إذا اعتبرنا عدم إشهار العريضة كعيب من حيث الشكل فقط كما قضت بذلك المحكمة العليا،فهذا يعني كذلك أنه يمكن تصحيح هذا الإجراء أثناء سير الخصومة أي يجوز للمدعي إشهار عريضته طوال سير الخصومة إلى وقت إقفال باب المناقشات.ارتكازا على نص المادة 62 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية التي تجيز القاضي منح أجلا للخصوم لتصحيح الإجراء المشوب بالبطلان نعتقد كذلك أنه يمكن للقاضي ، في الحالة التي يغفل فيها المدعي إشهار عريضة افتتاح دعواه،أن ينبه هذا الأخير بالقيام بهذا الإجراء.

و مع ذلك فقد لوحظ أن بعض المحاكم تقضي من تلقاء نفسها و في الجلسة الأولى بعدم قبول الدعوى لعدم إشهار عريضة افتتاح الدعوى بحجة أن المادة 17 حررت بصيغة الإلزام كونها استعملت مصطلح ” يجب ” . إن هذا التسبيب قد يكون مطابق لحرف النص و مع ذلك و لكون منح أجل للمدعي لتصحيح هذا الإجراء لا يضر بالخصم و لا يؤثر على حسن سير الخصومة فإن عدم التصريح بعدم القبول تلقائيا يكون اقرب من الصواب.

المادة 32 من ق.إ.م.إ. – نوع اختصاص أقسام المحكمة

إذا كانت المحكمة هي الجهة القضائية ذات الاختصاص العام و تتشكل من أقسام حسب المادة 32 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية ، فما هو نوع اختصاص هذه الأقسام ؟ هل هو كذلك اختصاص عام بمعنى أنه يجوز لأي قسم من أقسام المحكمة الفصل في دعوى مهما كان نوعها ، أو أنه يجب أن يبقي في حدود المواد التي أسندها له القانون ؟ فإذا افترضنا أن المدعي عوضا أن يرفع دعواه الرامية إلى إثبات ملكية عقارية إلى القسم العقاري ، فرفعها أمام القسم المدني أو أمام القسم التجاري ، فما هو مـﺁل هذه الدعوى إذا دفع المدعى عليه بعدم اختصاص القسم المطروح أمامه النزاع عن خطأ ؟ و ما هو الجزاء الذي يرتبه القانون على هذا الخطأ في توجيه الدعوى؟

في ظل قانون الإجراءات المدنية القديم ، فإن المحكمة العليا قطعت المسألة على مرحلتين . فقد استقر قضائها في مرحلة أولى على أن اختصاص أقسام المحكمة هو اختصاص نسبي ، وقد تضمن أحد قراراتها في هذا الشأن ما يلي : ” إن المحاكم المتمتعة بالصلاحيات القضائية ، فإن الدفع بعدم اختصاص فرع لصالح فرع ٱخر هو نسبي ويتعين التمسك بذلك قبل الإدلاء بأي وجه ٱخر(قرار بتاريخ 4 يونيو 1983، ملف رقم 28906، المنشور بمجلة الاجتهاد القضائي لسنة 1986 الصفحة 176) .ويفهم من عبارة ” قبل الإدلاء بأي وجه ٱخر” الواردة في قرار المحكمة العليا طريقة تقديم الدفع المنصوص عليها في المادة 93 الفقرة 2 من قانون الإجراءات المدنية القديم ، أي تقديم الدفع ” قبل أي دفع أو دفاع ٱخر”. المحكمة العليا تراجعت عن قضائها السابق ونهجت قضاء جديد إذ اعتبرت أقسام المحاكم بمثابة تنظيم إداري لا علاقة لها بالاختصاص النوعي ( قرار بتاريخ 19 ديسمبر 1989، ملف رقم 54288، المنشور بمجلة نشرة القضاة لسنة 1990 العدد 4 الصفحة 108).

قانون الإجراءات المدنية و الإدارية لم يغير القواعد التي تحكم اختصاص أقسام المحكمة الذي يبقى اختصاصا شاملا ، بمعنى أن الخطأ في تشخيص القسم المختص للفصل في الدعوى لا يترتب عليه التصريح بعدم الاختصاص ، و ذلك باستثناء القسم الاجتماعي الذي ورد بشأنه نصا صريحا يمنح له اختصاصا مانعا أي اختصاص من النظام العام (المادة 32 الفقرة 5 و 500 من ق.إ.م.إ.).

وانطلاقا من هذا المنطق الذي يعتبر أقسام المحكمة بمثابة تقسيم إداري بحت لا علاقة له بالاختصاص النوعي ، فإن المادة 32 الفقرة 6 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية أسندت لأمين الضبط تحت رقابة رئيس المحكمة ، سلطة إحالة الدعوى أمام القسم المختص إذا تم جدولتها أمام قسم غير القسم المعني بالنظر فيها.

إسناد أمين الضبط سلطة القرار في إحالة القضايا على الأقسام المختصة في حالة الخطأ في تشخيص القسم المختص أثناء رفعها من قبل المدعي يثير إشكالات قانونية عدة. مسألة تحديد القسم المختص للنظر في الدعوى قد تكون في حد ذاتها نقطة خلاف بين الطرفين ، و يمكن تصور دعوى رفعها المدعي عن قصد أمام القسم التجاري بالنظر إلى مرونة الإثبات في المجال التجاري ، فيما أنه قد يكون من مصلحة المدعى عليه أن تطرح الدعوى أمام القسم المدني لأسباب عكسية. فلو قرر أمين الضبط من تلقاء نفسه إحالة الملف من القسم التجاري إلى القسم المدني ، فإن ذلك يكون بمثابة إخلال بمبدأ حياد أمين الضبط و كذا بمبدأ ” الدعوى ملك الأطراف “.

من جهة أخرى فإن التشريع الجزائري ، لا سيما المادة 213 من قانون التسجيل ، يفرض رسوم على كل الدعاوى المرفوعة أمام القضاء و مبلغ هذه الرسوم يختلف حسب نوع القضية . فمبلغ الرسم بالنسبة للدعوى المرفوعة مثلا أمام قسم شؤون الأسرة هو 300 دينار ، و أمام القسم المدني 500 دينار ، و أمام القسم العقاري 1000 دينار ، و أمام القسم التجاري 2500 دينار. فإذا قرر أمين الضبط إحالة القضية المجدولة عن خطأ أمام القسم المدني إلى القسم التجاري فما هو مـﺁل الفارق من الرسم القضائي الذي لم يدفع ؟ هل يعفى المدعي من تسديده علما أن المادة 17 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية تمنع أمين الضبط تسجيل أي دعوى ما لم يدفع الرسم المحدد لها؟

الإجراء الذي نصت عليه المادة 32 الفقرة 6 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية يعقد مسألة تحديد نوع اختصاص أقسام المحكمة أكثر مما يحلها. يمكن كذلك تصور الحالة التي سجلت فيها الدعوى أمام قسم غير القسم المعني بالنظر فيها وأغفل أمين الضبط تصحيح الإجراء بإحالة الملف إلى القسم المختص طبقا للمادة 32-5 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية ، فهل يجوز للمدعى عليه في هذه الحالة الدفع بعدم اختصاص القسم المطروح أمامه الدعوى ؟ في ظل قانون الإجراءات المدنية القديم الذي أقر عموما نفس المبادئ بشأن اختصاص أقسام المحكمة فإن المحكمة العليا أعطت حلا لهذه الإشكالية إذ أجازت إثارة الدفع بعدم اختصاص قسم المحكمة على شرط أن يقدم هذا الدفع قبل الدفاع في الموضوع ، و أما طريقة الفصل في هذا الدفع فإنها قدمت حلا متميزا إذ قضت أن تسوية هذا العارض يتم بالإحالة أي بأن يحال الملف مباشرة إلى القسم المختص :” بما أن المحاكم يجوز لها الفصل في المسائل التجارية والمدنية على حد سواء،فإن عدم اختصاص قسم لابد أن يثار قبل الدخول في الموضوع ،وللمحكمة أن تسوي هذا بالإحالة ” (قرار بتاريخ 4 يونيو 1983، ملف رقم 28906، المنشور بمجلة الإجهاد القضائي لسنة 1986 الصفحة 176). نعتقد أن هذا الحل يتماشى مع الأحكام التي أقرها قانون الإجراءات المدنية و الإدارية و لا تتعارض معه.

المادتين 25 و 33 من ق.إ.م.إ. – تقدير قيمة النزاع و ﺁثار الطلبات العارضة على طبيعة الحكم الصادر

المبدأ هو أن الحكم الصادر عن المحكمة يكون حكم في أول درجة بمعنى أنه يكون قابلا للاستئناف و مع ذلك فإن المادة 33 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية تنص أنه في حالة ما إذا كانت قيمة الطلب المقدم من المدعي لا تتجاوز مائتي ألف دينار ، فإن المحكمة تفصل في الدعوى بحكم في أول و ٱخر درجة أي بحكم غير قابل للاستئناف ، حتى و لو كانت قيمة الطلبات المقابلة تتجاوز هذه القيمة. يفهم من هذا النص أنه ليس للطلبات المقابلة أي أثر على نصاب الاختصاص الابتدائي أو النهائي.

قانون الإجراءات المدنية و الإدارية ذكر الطلبات المقابلة دون تمييز ، مما يفهم منه أن الأمر يتعلق بكل الطلبات المقابلة. قانون الإجراءات المدنية القديم و قضاء المحكمة العليا كانا يميزان بشأن تحديد نصاب الاختصاص الابتدائي و النهائي بين نوعين من الطلبات المقابلة: فإذا تعلق الأمر بطلب مقابل خاص بالتعويضات المبني كلية على الطلب الأصلي و كانت قيمة الطلب الأصلي لا تتعدى نصاب اختصاص المحكمة الابتدائي النهائي ، فإنه يفصل في الطلب بحكم نهائي غير قابل للاستئناف ، حتى و لو كانت قيمة هذا الطلب المقابل يفوق هذا النصاب . و لكن إذا كان الطلب المقابل ليس طلبا مقابلا بالتعويضات المبني كلية على الطلب الأصلي ، و كانت قيمته تتعدى اختصاص المحكمة الابتدائي النهائي ، فإن الحكم يكون ابتدائيا فقط قابلا للاستئناف حتى و إن كان الطلب الأصلي في نطاق اختصاص المحكمة النهائي ، و هذه القاعدة نصت عليها المادة 4 من قانون الإجراءات المدنية القديم.

أمام عدم نشر الأشغال و المناقشات التي دارت أثناء عرض قانون الإجراءات المدنية و الإدارية أمام الهيئة التشريعية ، فإنه يصعب معرفة الدوافع التي أدت إلى إقرار القاعدة الجديدة للمادة 33 التي نزعت للطلبات العارضة التأثير على نصاب اختصاص.

لا شك أن إقرار مبدأ عدم تأثير الطلبات المقابلة و المقاصة على نصاب المحكمة قد يكون له أثر إيجابي ، من أنه سيحول دون تمكين بعض المتقاضين من التحايل على القانون عن طريق تقديم طلبات مقابلة مبالغ فيها و وهمية لسبب واحد و هو جعل الحكم الصادر قابلا للاستئناف ، فيما أن الطلب الأصلي الذي قدمه المدعي يدخل في الاختصاص الابتدائي النهائي . قد يكون هذا هو دافع المشرع حينما نزع لكل الطلبات المقابلة و للمقاصة أي أثر على نصاب اختصاص المحكمة.و مع ذلك فإن مساوئ القاعدة الجديدة للمادة 33 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية تفوق في نظرنا محاسنها إذا قدرت من زاوية احترام حقوق الدفاع و حق التقاضي على درجتين.

يجب التذكير أنه إذا فصل القاضي في طلب مقابل ، فإن هذا الطلب يحوز قوة المقضي فيه على غرار الطلب الأصلي. فإذا افترضنا أن المدعى عليه قدم طلبا مقابلا يلتمس فيه من المدعي تنفيذ الالتزامات الأخرى التي تضمنها نفس السند الذي احتج به هذا الأخير و رفض هذا الطلب المقابل ، و إذا كانت قيمة الطلب الأصلي لا يفوق نصاب الاختصاص الابتدائي النهائي ، فإن الفصل في الطلب المقابل يكون هو كذلك بحكم ابتدائي نهائي حتى و إن كانت قيمته تفوق مبلغ المائتان ألف دينار.ففي هذه الحالة فإنه لا يبقى للمدعى عليه الذي رفض طلبه المقابل سوى طريق الطعن بالنقض.

القاعدة التي كانت سارية في قانون الإجراءات المدنية القديم حتى و إن كانت هي الأخرى ناقصة فإنها أقرب من المبادئ العامة التي تحكم الخصومة كونها لا تستثني من القاعدة العامة التي تجيز الاستئناف في الحكم الفاصل في الطلب المقابل الذي يفوق نصاب الاختصاص النهائي ، سوى الطلب المقابل المتعلق بالتعويض المؤسس كلية على الطلب الأصلي.

ما يثير الانتباه كذلك في مجال تقدير النزاع و تحديد نصاب الاختصاص للمحكمة هو نص المادة 25 الفقرة 3 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية التي هذا نصها: ” تتحدد قيمة النزاع بالطلبات الأصلية و الإضافية و بالطلبات المقابلة أو المقاصة القضائية “.هذا النص يثير تساؤلات عن الهدف الذي قصده المشرع.إذا كانت المادة 33 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية واضحة رغم الانتقادات التي وجهت لها باعتبارها أقرت مبدأ الاختصاص الابتدائي النهائي للمحكمة حتى ولو كانت قيمة الطلبات المقابلة أو المقاصة القضائية تتجاوز مبلغ المائتان دينار ، فإن قاعدة المادة 25 من نفس القانون تبقى غامضة.ماذا قصد المشرع حينما أقر أن قيمة النزاع تتحدد بالطلبات الأصلية و الإضافية و بالطلبات المقابلة و المقاصة القضائية ؟ من الصعب التصور أن المشرع قصد من هذه القاعدة إقرار مبدأ الجمع بين الطلب الأصلي و الطلبات العارضة لتحديد قيمة النزاع . فلو كانت هذه هي نيته لما أقر القاعدة الواردة في المادة 33 التي بالعكس تبعد الطلب المقابل والمقاصة في حساب نصاب اختصاص المحكمة.لا شك أنه يوجد تناقض بين النصين السالفين الذكر الشيء الذي قد يترتب عليه إشكالات عند تطبيقهما من طرف الجهات القضائية.

المادة 40 من ق.إ.م.إ. – الاختصاص الإقليمي للمحكمة

الاختصاص الإقليمي للمحكمة حددتها المادتين 39 و 40 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية . نص المادة 40-1 من هذا القانون الذي يحدد الاختصاص الإقليمي للمحكمة في الدعاوى العقارية و دعاوى المتعلقة بالأشغال العمومية يثير بعض الإشكالات التطبيقية و ذلك بالنظر إلى الصيغة التي حرر بها هذا النص مقارنة مع النص المترجم للغة الفرنسية و المنشور في الطبعة الفرنسية للجريدة الرسمية.

النص الرسمي للمادة 40-1 ورد كما يلي : “ ترفع الدعوى في المواد العقارية،أو الأشغال المتعلقة بالعقار،أو دعاوى الإيجارات بما فيها التجارية المتعلقة بالعقارات،و الدعاوى المتعلقة بالأشغال العمومية، أمام المحكمة التي يقع في دائرة اختصاصها العقار،أو المحكمة التي يقع في دائرة اختصاصها مكان تنفيذ الأشغال”.ولكن النص باللغة الفرنسية تضمن كلــمة إضافية و هي Respectivement أي ” بالتوالي” .

الصيغة الفرنسية للمادة 40-1 جاءت كالتالي :

« En matière immobilière ou de travaux portant sur un immeuble et en matière de baux, même commerciaux, portant sur des immeubles, en matière de travaux publics, le tribunal compétent est respectivement celui du lieu de la situation de l’immeuble ou du lieu où les travaux ont été exécutés ».

النص الرسمي باللغة العربية للمادة 40-1 حسبما تم تحريره يقر مبدأ خيار الاختصاص الإقليمي بين المحكمة التي يقع في دائرة اختصاصها العقار و المحكمة التي يقع في دائرة اختصاصها مكان تنفيذ الأشغال. و أما النص الفرنسي فإنه استعمل كلمة ” على التوالي” respectivement بمعنى أن الاختصاصين المذكورين يطبقان بالتوالي حسب ترتيب الدعاوى المذكورة في نفس النص و من ثمة فإن المواد العقارية و الأشغال المتعلقة بالعقار و دعاوى الإيجارات ترفع أمام المحكمة التي يقع في دائرة اختصاصها العقار و أما الدعاوى المتعلقة بالأشغال العمومية فإنها ترفع أمام المحكمة التي يقع في دائرة اختصاصها مكان تنفيذ الأشغال.

اعتقادنا أن نية المشرع و محرري المادة 40-1 هو دون شك تكريس القاعدة الواردة في النص الفرنسي و التي تميز بين الاختصاصين ، و أما إغفال الإشارة في النص العربي لكلمة ” على التوالي” التي تضمنها النص الفرنسي فإنه يرجع إما لسهو و إما إلى خطأ مطبعي ، و حجة ذلك هو ما يلي : القاعدة في مواد الأشغال العمومية أن الاختصاص الإقليمي يرجع عادة إلى المحكمة التي يقع في دائرة اختصاصها مكان تنفيذ الأشغال العمومية و هذه القاعدة تتماشى مع طبيعة هذه الأشغال . من جهة أخرى فإن مضمون نص المادة 40-1 هو في الواقع نسخة مطابقة للأصل للمادة 8 الفقرة 2 المطتين 1 و 9 من قانون الإجراءات المدنية القديم اللتان جمعتا في نص المادة 40-1 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية . المادة 8 من قانون الإجراءات المدنية القديم ميزت بين الدعاوى العقارية و الأشغال المتعلقة بالعقار و دعاوى الإيجارات التي أسندتها إلى المحكمة التي يقع العقار في دائرة اختصاصها ( المطة 8 للمادة 8) و بين الدعاوى المتعلقة بالأشغال العمومية التي أسندتها إلى المحكمة التي يقع في دائرة اختصاصها مكان تنفيذ الأشغال ( المطة 9 للمادة 8). و أخيرا فإن باقي الفقرات التي أدرجت في المادة 40 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية و التي ورد فيها مصطلح ” Respectivement ” في النص الفرنسي فإن نصها الرسمي باللغة العربية تضمن هذا المصطلح إما باستعمال كلمة ” على التوالي” و إما باستعمال صيغة دقيقة تتضمن التمييز بين الاختصاصين.

المواد 40-6 ، 418 و 422 من ق.إ.م.إ. – المصاريف القضائية و أتعاب الخبير

عندما يفصل القاضي في الدعوى المطروحة أمامه فإنه يحدد الطرف الملزم بدفع المصاريف القضائية. هذه المصاريف تشمل الرسوم المستحقة للدولة، و مصاريف سير الدعوى لا سيما مصاريف إجراءات التبليغ الرسمي و الترجمة و الخبرة و إجراءات التحقيق و مصاريف التنفيذ كما تشمل أتعاب المحامي ( المادة 418 من ق.إ.م.إ). يحكم بالمصاريف القضائية مبدئيا لصالح الطرف الذي ربح الدعوى، وفي أغلب الأحيان يتضمنها الحكم الصادر في الدعوى الأصلية. و قد يقع نزاع حول تصفية هذه المصاريف القضائية و هذا النزاع قد ينشأ بين أطراف الخصومة أنفسهم أوبين المساعدين القضائيين و أطراف الدعوى بالنسبة لأجور هؤلاء المساعدين القضائيين كحالة منازعة أتعاب الخبير الذي عينته الجهة القضائية. و في كلتا الحالتين فإن الدعوى ترفع حسب المادة 40-6 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية أمام المحكمة التي فصلت في الدعوى الأصلية

الملاحظ أن النص الفرنسي للمادة 40-6 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية أشار إلـــى مــصــطلح ” مــصاريف الدعــوى” بمصــطلح “dépenses ” فيــما أن المــصطلح الــصحيــح هو ” dépens ” و قد يرجع هذا الخطأ في الترجمة إلى خطأ مطبعي .

عموما فإن أتعاب المساعدين القضائيين لا سيما أتعاب الخبراء المعينين في الخصومات تحدد من طرف رئيس الجهة القضائية بموجب أمر على عريضة. الإشكال الذي تثيره مسألة تحديد إتعاب الخبير يتعلق بإجراءات الطعن في الأمر المتضمن تحديد هذه الأتعاب. فمثلا إذا كانت الأتعاب النهائية التي حددها القاضي تفوق مبلغ التسبيق و شرع الخبير في تنفيذ الأمر الصادر عن القاضي ضد الخصم المكلف باستكمال المبالغ المستحقة ، فهل يمكن لهذا الأخير الطعن في هذا الأمر؟ و بالعكس هل يجوز للخبير الطعن في الأمر الذي حدد أتعابه إذا اعتبر أنها لا تعكس الأتعاب و المصاريف الحقيقية التي تحملها ؟

قانون الإجراءات المدنية القديم تضمن نصوصا صريحة تعالج هذه المسألة إذ أجاز الخبير الاعتراض في أمر تقدير أتعابه خلال ثلاثة أيام من تاريخ تبليغه به ويكون القرار الصادر عن هذا الاعتراض غير قابل لأي طعن (المادة 228). كما يجوز للأطراف رفع معارضة في أمر تحديد أتعاب ومصاريف الخبير خلال ثمانية أيام من تاريخ تبليغ الحكم أو الأمر الصادر بتحديدها، ويكون الأمر الصادر في هذه المعارضة غير قابل هو كذلك لأي طعن ( المادة 230).

قانون الإجراءات المدنية و الإدارية لم يتضمن نصا مماثلا لنص المادة 228 من قانون الإجراءات المدنية القديم ، و اقتصر على النص على أن القاضي يفصل في أتعاب الخبير بأمر تسلم نسخة منه لهذا الأخير للتنفيذ ( المادة 143) ، دون تحديد طريقة الطعن في هذا الأمر عند الضرورة. و لكن في الباب المتعلق بالمصاريف القضائية ، فإن المادة 422 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية تطرقت إلى إجراءات الاعتراض على تصفية المصاريف القضائية .فحسب المادة 422 المذكورة فإنه يجوز للخصوم الاعتراض على تصفية المصاريف أمام رئيس الجهة القضائية التي أصدرت الحكم في أجل عشرة أيام من تاريخ التبليغ الرسمي إذا كان صادرا في آخر درجة ، و يكون الأمر الفاصل في هذا الاعتراض غير قابل لأي طعن.

المادة 422 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية تتعلق بالخصوص بتصفية كل المصاريف القضائية و كذا مصاريف سير الخصومة ، علما أن هذه المصاريف تشمل لا فقط مصاريف الخبرة و أتعاب الخبير ، ولكن تشمل كذلك الرسوم و مصاريف سير الدعوى كمصاريف التبليغ الرسمي و الترجمة و مصاريف التنفيذ و أتعاب المحامي .هل يطبق هذا النص على الأمر المتضمن تحديد أتعاب الخبير و بالتالي إخضاعه هو كذلك للاعتراض من طرف الخبير باعتباره نصا عاما ؟ لا نعتقد ذلك لأنه من جهة ، فإن المادة 422 تتكلم عن ” الخصوم ” فيما أن الخبير ليس خصما. و من جهة أخرى فإن هذه المادة تخص تصفية المصاريف القضائية أو مصاريف سير الخصومة التي يتضمنها القرار أو الحكم أو الأمر ” الفاصل في النزاع ” (المادة 421 من ق.إ.م.إ.) فيما أن الأمر المحدد لأتعاب الخبير يصدره القاضي عند إيداع التقرير بأمانة الضبط ، أي قبل الفصل في النزاع .هذا و أنه لا يجوز الاعتراض في هذه المواد إلا إذا صدر الحكم في آخر الدرجة علما أن الأمر بتحديد أتعاب الخبير قد يصدر في نزاع يفصل فيه ابتدائيا فقط.

هل أراد محرري قانون الإجراءات المدنية و الإدارية إخضاع الأوامر المتضمنة تحديد أتعاب الخبراء إلى القواعد العامة المطبقة على الأوامر على العرائض ،و المنصوص عليها في المادة 310 و ما يليها من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية ؟ هنا كذلك فإن موقف المشرع غامض لأن الأوامر التي تحكمها هذه النصوص هي الأوامر التي تصدر إثر العرائض التي تقدم للقاضي، فيما أن الأوامر المحددة لأتعاب الخبير يتخذها القاضي تلقائيا دون تدخل الخبير أو الخصوم (المادة 143 من ق.إ.م.إ.).

الخلاصة أن إلغاء القاعدة التي تضمنها المادة 228 من قانون الإجراءات المدنية القديم التي دققت إجراءات الطعن في أمر تقدير أتعاب الخبير دون تعويضها بنص صريح يعالج هذه المسألة،خلق فراغا قانونيا يجب تداركه.

المادة 59 من ق.إ.م.إ. – الدفع التسويفي و الدفع بإرجاء الفصل في الدعوى

الدفع التسويفي الذي يقابله المصطلح الفرنسي exception dilatoire كما ورد في الترجمة الفرنسية لقانون الإجراءات المدنية و الإدارية ،هو ذلك الدفع الذي يرمي إلى الحصول على أجل أو على تعطيل النظر في الدعوى. لم يعرف قانون الإجراءات المدنية و الإدارية الدفع التسويفي و لكن أشار إليه في عنوان القسم الثالث الذي أدرجت فيه المادة 59 و التي هذا نصها: ” يجب على القاضي إرجاء الفصل في الخصومة إذا نص القانون على منح أجل للخصم الذي يطلبه “.

قانون الإجراءات المدنية و الإدارية أشار في المادة 59 و في طبعته الأصلية باللغة العربية إلى الدفع التسويفي بمصطلح ” الدفع بإرجاء الفصل” ، و أما الطبعة المترجمة إلى اللغة الفرنسية فإنها استعملت مصطلح exception dilatoire أي بالترجمة الصحيحة “الدفع التسويفي”. الظاهر أنه وقع خلط بيــن الدفع التــسويفي exception dilatoire و إرجاء الفــصل sursis à statuer . مــصطلـح ” الدفع بإرجاء الفصل” sursis à statuer لا يؤدي في اعتقادنا معنى الدفع الذي نحن يصدده بل يشكل سبب من أسباب وقف الخصومة الذي ورد في باب عوارض الخصومة ( المادة 213 من ق.إ.م.إ.).

و إذا كان الدفع التسويفي يرمي فعلا إلى إرجاء الفصل في الخصومة ، فإنه يختلف عن هذا الأخير من أنه يبقى دفعا إجرائيا يجب مبدئيا إثارته ككل الدفوع قبل أي دفاع، و يفصل فيه حسب الإجراءات المطبقة على الدفوع، فيما أن الأمر المتضمن إرجاء الفصل يخضع لنظام خاص حدد في المادة 213 و ما يليها من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية .

المواد من 90 إلى 92 من ق.إ.م.إ. – الدفع بوحدة الموضوع و الارتباط

نظام الدفع بوحدة الموضوع و الارتباط الذي كان سائدا في ضوء قانون الإجراءات المدنية القديم لم يكن دقيقا و واضحا إذ أفرغ في ثلاث مواد فقط ( المواد من 90 إلى 92).محررو قانون الإجراءات المدنية و الإدارية الجديد أرادوا دون شك من خلال إدراج الدفع بوحدة المــوضوع و الارتــباط في قــسم خاص( القسم الثاني من الفصل المتعلق بالدفوع الشكلية) أن يمنحوا الخصومة نوع من الليونة و التبسيط.

الإجراءات الجديدة عرفت من جهة كلا من وحدة الموضوع و حالة الارتباط ، و من جهة أخرى و هذا هو الأهم، فإنها حددت ما هي الجهة القضائية التي تصبح مختصة إثر تقديم أحد هذين الدفعين. عند الدفع بوحدة الموضوع، فإن الجهة القضائية الأخيرة التي رفع إليها النزاع هي التي يجب أن تتخلى لصالح الجهة الأخرى.و كذلك في حالة الارتباط، فإن ٱخر جهة قضائية أو ٱخر تشكيلة طرح عليها النزاع هي التي يجب عليها أن تتخلى عن الدعوى لصالح جهة قضائية أو تشكيلة أخرى ،و ذلك بموجب حكم مسبب بناء على طلب الخصوم أو تلقائيا.و أما الأحكام الصادرة بالتخلي بسبب وحدة الموضوع أو الارتباط فإنها تكون ملزمة لجهة القضائية أو التشكيلة المحال إليها و هي غير قابلة لأي طعن.

الحلول التي أتى بها قانون الإجراءات المدنية و الإدارية في مجال نظام الدفع بوحدة الموضوع و الارتباط، و إن جعلت حدا للإشكال الذي كان قائما حول الجهة القضائية الملزمة بالتخلي، و كذا حول نوع الحكم الفاصل في هذا الدفع الذي أصبح غير قابل لأي طعن، مما يجعل حد لاستعمال هذا الدفع لربح الوقت و إطالة الخصومات ، فإنها من جهة أخرى أبقت على الإشكال الذي يطرأ في حالة تنازل كلا الجهتين القضائيتين عن الفصل في النزاع رغم أحكام المادة 57 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية التي تلزم الجهة القضائية الأولى الفصل في الدعوى المحال لها من طرف ٱخر جهة قضائية.

إذا قررت كلتا الجهتين القضائيتين التخلي عن النزاع بسبب وحدة الموضوع أو الارتباط فكيف يسوى هذا الإشكال ليتسنى مواصلة الخصومة ؟ لا يمكن طبعا رفع استئناف في حكم التخلي كون هذا الحكم غير قابل لأي طعن طبقا للمادة 57 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية . أمام هذه الفرضية فإنه ينشأ تنازع في الاختصاص بين القضاة يحل عن طريق تطبيق الإجراءات التي تحكم هذا النوع من التنازع و الواردة في المادة 398 و ما يليها من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية .

هذه الإجراءات هي طبعا إجراءات ثقيلة و معقدة و تتناقض مع روح النصوص التي أقرها المشرع في مجال تسوية الدفع بوحدة الموضوع و الارتباط. كان بإمكان محرري قانون الإجراءات المدنية و الإدارية إتمام النصوص التي تحكم هذا الدفع بنصوص إضافية لحل هذه الإشكالية ، كالنص مثلا على أن الحكم القاضي بالتخلي و الصادر عن الجهة القضائية الأولى التي رفع إليها النزاع يعتبر كأن لم يكن أو كذلك إسناد رئيس المحكمة سلطة الفصل بقرار غير قابل لأي طعن في نزاع حول الارتباط بين تشكيلات مختلفة لنفس المحكمة .

المادة 91 من ق.إ.م.إ. – تسوية عوارض التنفيذ

أثناء الخصومة يمكن للقاضي الأمر بإجراء من إجراءات التحقيق المنصوص عليها في المادة 98 و ما يليها من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية لا سيما الأمر بالانتقال للمعاينة أو تعيين خبير أو سماع الشهود.

تنفيذ إجراءات التحقيق قد يثير إشكالات و عوارض عديدة و متنوعة. القاضي المختص لتسوية الإشكالات التي قد تعترض تنفيذ إجراء التحقيق ، هو القاضي الذي أمر بهذا الإجراء . و إذا صدر الحكم القاضي بإجراء تحقيق من تشكيلة جماعية لا سيما من المجلس القضائي ، فإن تسوية الإشكال يرجع للقاضي أو للمستشار المقرر ، و هذا الاختصاص هو في اعتقادنا اختصاصا مانعا.

يتولى القاضي تسوية الإشكال الذي قد يعترض تنفيذ إجراء التحقيق إما تلقائيا ، و إما بطلب من أحد الخصوم،وإما بطلب من الخبير المعين(المادة 91 من ق.إ.م.إ.).و إشكالات التنفيذ قد تتعلق بتعديل إجراء التحقيق المأمور به، أو بتسوية شروط سير الخصومة ( تمديد أجل ، تبديل خبير…).

المادة 91 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية حررت في صيغة غير دقيقة إذ أنها تتكلم عن تسوية الإشكالات التي قد تعترض تنفيذ ” التحقيق ” المأمور به. فلو أخذ بعين الاعتبار المعنى الدقيق لمصطلح ” تحقيق ” فإن الأمر يصبح يتعلق بسماع الشهود فقط.النص أراد في الواقع الإشارة إلى ” إجراء من إجراءات التحقيق ” أي كل إجراءات التحقيق المنصوص عليها في قانون الإجراءات المدنية و الإدارية.النص الفرنسي لنفس المادة ورد في الصيغة الصحيحة إذ استعمل مصطلح mesure d’instruction التي تشمل كل إجراءات التحقيق، علما أنه حتى النص الفرنسي يحتوي على خطأ مطبعي إذ يشير إلى mesure l’instruction بدلا من mesure d’instruction.
المادة 151 – سماع الشهود

تنص المادة 151 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية أنه : ” يحدد القاضي في الحكم الٱمر بسماع الشهود،الوقائع التي يسمعون حولها،و يوم و ساعة الجلسة المحددة لذلك،مع مراعاة الظروف الخاصة بكل قضية. و يتضمن هذا الحكم دعوة الخصوم للحضور و إحضار شهودهم في اليوم و الساعة المحددين للجلسة “.

المادة 151 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية تنص أن الوقائع و يوم و ساعة الجلسة تحدد بموجب ” حكم ” ، فهل يعني ذلك أن الأمر بسماع الشهود يجب أن يتم بموجب حكم كتابي و ليس بموجب أمر شفهي ؟ لا نعتقد ذلك لأن إجراء سماع الشهود باعتباره إجراء من إجراءات التحقيق يخضع لمقتضيات المادة 75 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية التي تجيز القاضي الأمر بها إما شفاهة و إما كتابة.هذا و أن النص باللغة الفرنسية استعمل كلمة décision و ليس كلمة jugement فالمصطلح الأول يشمل على حد سواء القرار المتخذ شفاهة أو كتابة.

الملاحظة الثانية هي أن الصيغة التي حررت بها الفقرة الأولى من المادة 151 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية تختلف عن الصيغة التي حررت بها نفس المادة المترجمة إلى اللغة الفرنسية. و الاختلاف في الصيغة بالشكل الذي ورد في النصين ينتج عنه اختلاف في المعنى. النص الأصلي للفقرة الأولى من المادة 151 حرر في جملة فريدة فيما أن النص الفرنسي ورد في جملتين تفصل بينهما نقطة الشيء الذي يغير جذريا معنى النص.فقد يفهم من النص الأصلي أن القاضي يحدد في الحكم الٱمر بسماع الشهود الوقائع التي سيسمعون الشهود حولها و يوم و ساعة الجلسة المحددة لذلك. النص الفرنسي يشير في الجملة الأولى أن الحكم يحدد الوقائع التي سيسمعون الشهود حولها ثم في جملة ثانية ينص أن يوم و ساعة الجلسة التي سيتم فيها سماع الشهود يحدد من طرف القاضي حسب ظروف كل قضية.

النص الأصلي يوحي بأن الحكم الٱمر بسماع الشهود يتضمن في نفس الوقت الوقائع التي سيسمعون الشهود حولها و ساعة و يوم الجلسة المحددة لذلك.و لكن تطبيق هذا النص بهذه الصيغة سيخلق إشكالا لأنه قد تقع الحالة التي لا يمكن للطرف الذي يطلب سماع الشهود الحصول على أسماء و عناوين الأشخاص الذين يريد استدعائهم للإدلاء بشهادتهم ، أو كذلك في الحالة التي يأمر فيها القاضي بسماع الشهود من تلقاء نفسه. هنا تظهر فائدة الصيغة الفرنسية لنص المادة 151.النص الفرنسي يمكن القاضي من تحديد ساعة و تاريخ سماع الشهود و كذا دعوة الخصوم للحضور و إحضار شهودهم ، في مرحلة لاحقة للحكم المتضمن الوقائع التي سيسمعون الشهود حولها.

المادة 154- تكليف الشهود بالحضور

طبقا للمادة 154 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية فإنه : ” يتم تكليف الشهود بالحضور بسعي من الخصم الراغب في ذلك و على نفقته “. كيف يتم هذا التكليف ،هل عن الطريق العادي أم عن طريق محضر قضائي؟هنا كذلك يوجد اختلاف بين الصيغة التي حرر بها النص الأصلي و الصيغة التي حرر بها النص المترجم إلى الفرنسية.النص الفرنسي استعمل مصطلح assigner الذي يؤدي معنى التبليغ الرسمي بواسطة محضر قضائي، خلافا للنص العربي الذي لم يتضمن المصطلح الذي يؤدي هذا المعنى أي ” التبليغ الرسمي ” إذ نص فقط عن ” تكليف ” الشهود بالحضور (م.406 ف.1 ق.إ.م.إ.).

لا يمكن تصور تكليف شاهد للحضور للجلسة المحددة لسماع شهادته عن طريق رسالة و لو كانت مضمنة مع الإشعار بالاستلام كون هذا الطريق لا يقدم ضمانات كافية لوقوع التبليغ ، كما أنه طريق بطيء وغير مؤمن.هذا وأنه في مجال الخبرات فإن المشرع ألزم الخبير باستدعاء الأطراف و كل من يريد سماعهم عن طريق محضر قضائي.لذلك فإن تكليف الشهود من طرف الخصم يجب أن يتم بتبليغ رسمي أي عن طريق محضر قضائي. و مع ذلك، إذا حضر الأطراف الجلسة مرفقين بشهودهم و أمر القاضي شفويا بسماعهم ، فلا يكون ثمة مجالا للتكليف إذ يشرع القاضي في هذه الحالة إما بتلقي شهادة الشهود في نفس الجلسة، و إما في الجلسة التي يحددها دون حاجة لتكليف جديد.

هل يلزم الشهود بالحضور؟ قانون الإجراءات المدنية القديم عالج هذه المسألة بدقة ، فمن جهة أقر مبدأ إلزامية الإدلاء بالشهادة تحت طائلة الحكم على الشاهد المتخلف بغرامة مدنية ، و من جهة أخرى حمل الشاهد المتخلف مصاريف الاستدعاء الجديدة في حالة ما قرر القاضي أعادة استدعائه ( المادة 67 ). قانون الإجراءات المدنية و الإدارية لم يمدد هذه الأحكام رغم أهميتها و ٱثارها الايجابية على حسن سير الخصومات القضائية .إلغاء الأحكام القديمة و عدم تعويضها بنصوص مماثلة تلزم الشاهد بالإدلاء بشهادته لا يوجد ما يبرره، خاصة و أن إجراء شهادة الشهود من أهم إجراءات التحقيق التي يلجأ إليها في الخصومات القضائية .

إذا كان تكليف الشهود بالحضور يتم بسعي من الخصم الراغب في ذلك و على نفقته حسب المادة 154 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية ، فإن نفس المادة تربط هذا التكليف بإيداع المبالغ اللازمة لتغطية التعويضات المستحقة للشهود. ما هو جزاء عدم إيداع مبلغ تغطية تعويض الشهود في الحالة التي قرر فيها القاضي إلزام الخصم بهذا الإيداع ؟ هل هو نفس الجزاء المقرر في المادة 129 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية عند عدم إيداع التسبيق المستحق للخبير، أي اعتبار إجراء سماع الشهود المأمور به لاغيا ؟.

لا شك أنه لو تضمن قرار القاضي بسماع الشهود أمر الخصم بإيداع مبلغ تعويض الشهود ، فإن عدم إيداع هذا المبلغ سيترتب عليه اعتبار إجراء سماع الشهود لاغيا ، مع إمكانية رفع هذا الإلغاء إذا ثبت هذا الخصم حسن نيته و هذا بالقياس مع ما أقره المشرع في المادة 154 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية بالنسبة لأتعاب الخبير .هذا و يجب التذكير أن قانون الإجراءات المدنية و الإدارية أقر نصا عاما يطبق على كل إجراءات التحقيق ، مفاده أنه في حالة عدم إيداع مصاريف إجراءات التحقيق أو التسبيقات المالية بعد تحديدها ، فإنه يستغنى عن الإجراء الذي أمر به و يحكم في القضية على الحالة التي هي عليها (م.79 ف.2 ق.إ.م.إ.).

قلنا أنه إذا حضر الأطراف الجلسة مرفقين بشهودهم ، فإنه يمكن للقاضي سماع هؤلاء الشهود فورا. ففي هذه الحالة ، هل ينفذ هذا الإجراء دون إيداع مبلغ تعويض الشهود المقرر في المادة 154 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية ؟ نعتقد أنه يجوز ذلك إلا إذا طلب الشهود الاستفادة بالتعويضات المقررة لهم بموجب المادة 154 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية ، فعندئذ يجب على القاضي تأجيل إجراء سماعهم مع صرف الخصم إلى إيداع المبلغ الذي يحدده بأمانة الضبط.و أما إجراءات تسديد التعويضات للشهود فلقد حددها المرسوم التنفيذي رقم 95-294 المؤرخ في 30 سبتمبر 1995 المحدد لتعريفات بعض المصاريف الناتجة عن تطبيق الإجراءات القضائية و كيفيات دفعها.

المادة 180 – الادعاء الفرعي بالتزوير أمام المحكمة العليا

قانون الإجراءات المدنية و الإدارية أدخل تعديلات هامة على نظام الادعاء الفرعي بالتزوير ، جعلت حد للإشكالات و الصعوبات التي حالت دون تشجيع المتقاضين على اللجوء إلى هذه الإجراءات مفضلين الطريق الجزائي و مع ذلك فإن التشريع الجديد ترك بعض المسائل الهامة المتصلة بنظام الادعاء بالتزوير عالقة و دون جواب.

إذا كان الأصل أن الادعاء بالتزوير ، فرعيا كان أم أصليا ، يثار أمام قاضي الموضوع ( محكمة أو مجلس قضائي)، فقد يحدث أن تقدم لأول مرة أمام المحكمة العليا أوراق أو مستندات يدعي الخصم أنها مزورة. قد يكون المستند المدعى تزويره هو الحكم أو القرار المطعون فيه نفسه ، أو عمل من الأعمال الإجرائية التي تمت ابتداء من الحكم المطعون فيه ، كمحضر التبليغ الرسمي لهذا الحكم ، أو محضر تبليغ عريضة الطعن بالنقض ، أو كذلك مستخرج الجلسات المحتج به من قبل المدعى عليه بغرض طلب الاستفادة من أحكام المادة 283 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية.في هذه الحالات لا شك أنه يجوز لمن تضرر من هذا المستند المشتبه في صحته أن يدعي بالتزوير أمام المحكمة العليا. ففي هذه الحالة ما هي الإجراءات التي يجب إتباعها إذا أراد الخصم الادعاء بالتزوير أمام هذه الجهة القضائية ؟

قانون الإجراءات المدنية القديم تطرق إلى مسألة الادعاء الفرعي بالتزوير أمام المحكمة العليا بنوع من التدقيق في قسم خاص و في المواد من 291 إلى 293.أجازت المادة 291 القديمة الادعاء بالتزوير في مستند مقدم أمام المحكمة العليا ، إذا كان هذا المستند لم يسبق عرضه على الجهة القضائية التي أصدرت الحكم المطعون فيه. تعرض عريضة الادعاء بالتزوير على الرئيس الأول للمحكمة العليا ، و يرجع لهذا الأخير إما ترخيص المدعي بالادعاء بالتزوير أو رفضه. إذا رفض الادعاء بالتزوير ، فإن الرئيس الأول للمحكمة العليا يصدر أمرا بذلك ، و حينئذ تتواصل الخصومة المتعلقة بالطعن بالنقض. و أما إذا قرر الرئيس الأول للمحكمة العليا الترخيص بالادعاء بالتزوير ، فإنه يبلغ قرار الترخيص إلى المدعى عليه بالتزوير مع إعذاره بالتصريح إذا كان متمسكا باستعمال المستند المدعى تزويره. فإذا لم يرد المدعى عليه في أجل خمسة عشر يوما أو إذا كان رده سلبيا ، فإن المستند يستبعد من إجراءات الدعوى. و أما إذا كان رد المدعي عليه إيجابيا ، فإن الرئيس يحيل الخصوم إلى الجهة القضائية التي يعينها للفصل في التزوير (م.293 ق.إ.م.).

قانون الإجراءات المدنية و الإدارية لم يتضمن نصوصا مماثلة للمواد من 291 إلى 293 من قانون الإجراءات المدنية القديم و لم يعوضها بنصوص جديدة. فهل يعني ذلك أن المشرع منع الادعاء الفرعي بالتزوير أمام المحكمة العليا ؟ لا يمكن تصور ذلك طبعا . فما الذي جعل المشرع إذا يصرف نظره عن هذا الجانب الهام من إجراءات التداعي؟ هل اعتبر أن إدراج الادعاء بالتزوير في الكتاب الأول المتعلق بالأحكام المشتركة لجميع الجهات القضائية كاف لمعالجة هذه المسألة ، و يجب فقط تطبيق هذه القواعد المشتركة؟.

حتى و إن كانت إجراءات الادعاء بالتزوير قد وردت فعلا في الباب المتعلق بالأحكام المشتركة لجميع الجهات القضائية ، و من ثمة يمكن مبدئيا تطبيقها أمام المحكمة العليا ، فإن خصوصية و صلاحيات هذه الجهة القضائية العليا التي لا تفصل في الوقائع تستوجب إقرار قواعد متميزة ، على غرار القواعد التي وردت في قانون الإجراءات المدنية القديم. لا يمكن مثلا تطبيق المادة 180 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية التي تمنح اختصاص الفصل في الادعاء الفرعي بالتزوير للقاضي الذي ينظر في الدعوى الأصلية ، لأن ذلك يستوجب ، في حالة قبول الادعاء بالتزوير ، الشروع في أعمال و إجراءات ( مضاهاة الخطوط ، الأمر بالحضور الشخصي للأطراف. سماع شهود، ، تعيين خبير …) ، فيما أن ذلك لا يدخل في صلاحيات المحكمة العليا بل هي من صلاحيات قاضي الموضوع. أمام هذا الفراغ القانوني الناتج عن غياب نصوص صريحة و دقيقة ، فإن المحكمة العليا ستجد صعوبة لتكريس قضاء مرضي يسوي مسألة الادعاء بالتزوير المثار أمامها . و هذا الفراغ سيؤثر حتى على الادعاء بالتزوير في المواد الجزائية ، باعتبار أن المادة 537 من قانون الإجراءات الجزائية تحيل إلى قانون الإجراءات المدنية و الإدارية فيما يخص الإجراءات التي يجب اتباعها في حالة الادعاء بالتزوير أمام الغرفة الجزائية للمحكمة العليا.

يبقى أن الحل الذي قد تنهجه المحكمة العليا لإملاء هذا الفراغ القانوني هو كما قلنا تطبيق إجراءات الادعاء الفرعي المقررة أمام قضاة الموضوع ، و لكن مع الأخذ بعين الاعتبار خصوصيات المحكمة العليا التي ليست محكمة موضوع ، فلا يمكنها التحقيق و الفصل في الادعاء الفرعي بالتزوير. فإذا رخصت المحكمة العليا بالادعاء بالتزوير ، و تمسك المدعى عليه بالتزوير بالمستند المدعى تزويره ، فإنها تحيل الأطراف أمام الجهة القضائية من نفس درجة الجهة القضائية التي أصدرت الحكم أو القرار المطعون فيه ، و ذلك للتحقيق و الفصل في قضية التزوير.في هذه الحالة تتوقف طبعا الخصومة أمام المحكمة العليا ، و لا تستأنف إلا بعد الفصل النهائي في الادعاء الفرعي بالتزوير.

المادة 296 – الأحكام المختلطة

لم يعرف قانون الإجراءات المدنية و الإدارية الحكم المختلط أو ما يسمى كذلك بالحكم ذو الطابع المزدوج . الحكم المختلط هو الحكم الذي يتضمن في منطوقة مسألة فصل فيها نهائيا في الموضوع ، و يأمر في نفس الوقت بإجراء من إجراءات التحقيق . إنه في نفس الوقت حكم فاصل في الموضوع و حكم قبل الفصل في الموضوع. و مثال ذلك الحكم الذي يثبت ملكية المدعي في العقار المتنازع عليه و يعين خبيرا لتحديد التعويض عن الحرمان من استغلال هذا العقار. هذا الحكم هو حكم فاصل في الموضوع بالنسبة لمسألة الملكية ، و حكم قبل الفصل في الموضوع بالنسبة لمقدار التعويض عن الحرمان من استغلال العقار.

هذا النوع من الأحكام لا تفصل النزاع بكامله إذ تبقي بعض المسائل عالقة ، و لذلك فإنها تختلف عن الأحكام القطعية أو الفاصلة في الموضوع ، كما تختلف عن الأحكام قبل الفصل في الموضوع لأنها لا تكتفي بالأمر بإجراء من إجراءات التحقيق و لكنها تفصل كذلك في مسائل تمس بالموضوع. هذا الطابع المميز للأحكام المختلطة تجعلها تخضع لنظام خاص.

الحكم المختلط لا يحوز حجية الشيء المقضي فيه إلا فيما فصل فيه من موضوع النزاع. لا يجوز للقاضي أن يعيد النظر في المسائل من الموضوع التي فصل فيها. ففي المثال الذي سبق عرضه فإنه بعد تنفيذ الجانب من الحكم الذي أمر بتعيين خبير، فإنه لا يمكن للقاضي إثر رجوع الدعوى بعد الخبرة التراجع عن مسألة الملكية التي ثبتت للمدعي. و نفس القاعدة تطبق على التخلي أو خروج الخصومة من ولاية القاضي إذ أنه لا يمس إلا ما فصل فيه القاضي نهائيا . و منع قانون الإجراءات المدنية و الإدارية الطعن الفوري في الأحكام المختلطة ، إذ لا يجوز استئنافها أو الطعن فيها بالنقض إلا مع الحكم الفاصل في أصل الدعوى برمتها (م. 334 و 351ق.إ.م.إ.).

أخذ قانون الإجراءات المدنية و الإدارية بالقواعد التقليدية التي سبق عرضها و التي تسري على الأحكام المختلطة ،و لكن المادة 296 من هذا القانون التي تنص أن الحكم الفاصل في جزء من الموضوع يعتبر كحكم في الموضوع يثير بعض الملاحظات.المادة 296 أدرجت ” الحكم الفاصل جزئيا في موضوع النزاع ” في الفصل الرابع المتعلق بالأحكام الفاصلة في الموضوع. الحكم الفاصل جزئيا في موضوع النزاع هو نفسه الحكم المختلط كما قلنا. الفقرة 2 من المادة 296 تنص أن الحكم في الموضوع و كذا الحكم الفاصل جزئيا في موضوع النزاع يكون بمجرد النطق به حائزا لقوة الشيء المقضي فيه في النزاع المفصول فيه. فما هو المقصود ب ” النزاع المفصول فيه ” ؟ هل أن النزاع برمته يحوز حجية الشيء المقضي فيه أم أن هذا الأثر يمس فقط المسألة من الموضوع التي فصل فيها دون المسائل الأخرى التي بقيت عالقة ؟ لا شك أن نية المشرع هي مسايرة القواعد التقليدية التي تطبق على الأحكام المختلطة و التي سبق شرحها ، لذلك يجب فهم عبارة ” النزاع المفصول فيه ” على أنها تؤدي معنى الجانب من الحكم الذي فصل فيه في الموضوع ، دون الجانب الٱخر الذي أمر بإجراء من إجراءات التحقيق.و هذا الطرح تدعمه الصيغة المترجمة للفرنسية لنفس المادة و التي تؤدي بدون لبس المعنى الصحيح إذ استعملت مصطلح ” منازعة “contestation عوضا من ” نزاع ” .

المادة 297 من جانبها تنص أنه ” يتخلى القاضي عن النزاع الذي فصل فيه بمجرد النطق بالحكم “.لا شك أن هنا كذلك فإن نية المشرع هي عدم التراجع عن القاعدة التقليدية التي تميز في مجال التخلي أو خروج الخصومة من ولاية القاضي بين الجانب من النزاع الذي فصل فيه القاضي نهائيا ، و الجانب الذي تركه معلقا إلى حين تنفيذ إجراء التحقيق الذي أمر به في نفس الحكم .فإذا كانت المسألة المفصول فيها نهائيا تخرج من ولاية القاضي فلا يمكنه حينئذ إلغائها أو تعديلها فيما بعد ، فإنه عكس ذلك يبقى القاضي مختصا لإفراغ إجراء التحقيق الذي أمر به في نفس الحكم.لذلك نعتقد أن المادة 297 لا تطبق على الأحكام المختلطة إلا في إطار هذا التمييز.

إشكالية معرفة ما إذا كان الحكم الصادر هو حكم قبل الفصل في الموضوع أم هو حكم مختلط قد تتعقد عند تفحص بعض الأحكام القضائية ، إذ كثيرا ما يلاحظ أنها تتضمن في أسبابها مسائل فصل فيها رغم أنها تمس بالموضوع دون إخراجها في المنطوق. و مثال ذلك الحكم الذي يتضمن في منطوقه تعيين خبير لوضع معالم الحدود على قطعة أرضية اشتراها المدعي من المدعى عليه ،و في أسبابه ثبت مسؤولية المدعى عليه البائع في تغيير هذه الحدود بعد إبرام عقد البيع. فهل ترقى المسائل من الموضوع التي فصل فيها في مثل هذه الأسباب إلى رتبة المسائل من الموضوع التي فصل فيها في المنطوق؟ الجواب على هذا السؤال له أثر أولا على تكييف هذا الحكم ، و ثانيا له أثر على مستوى حجية الشيء المقضي فيه. ففي المثال الذي قدمناه ، ما هي طبيعة هذا الحكم ؟ هل هو حكم قبل الفصل في الموضوع أم أنه حكم مختلط باعتبار أنه فصل في أسبابه مسألة تمس بالموضوع ؟

استقر الفقه و القضاء القديمين أن أسباب الحكم تكتسي سلطة الشيء المقضي فيه إذا اتصلت بالمنطوق اتصالا حتميا و ضروريا. حتى و إن كانت المادة 277 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية تنص بأن الحكم يتضمن ما قضى به في شكل ” منطوق ” ، فإن القاعدة المذكورة تبقى في اعتقادنا سارية. ففي المثال الذي قدمناه فإن الحكم هو حكم مختلط ، و مسألة مسؤولية المدعى عليه البائع في تغيير حدود العقار المباع تحوز حجية الشيء المقضي فيه كونها لها اتصالا حتميا و ضروريا بالمنطوق المتضمن تعيين خبير.

بالنسبة لطرق الطعن ، فإن المادة 334 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية صريحة و لا تترك مجالا لأي تأويل . إنها تمنع الاستئناف الفوري في الأحكام الفاصلة في جزء من موضوع النزاع أي الأحكام المختلطة ، فلا يجوز استئنافها إلا مع الحكم الفاصل في أصل الدعوى برمتها.و نفس القاعدة بالنسبة للطعن بالنقض (م. 351ق.إ.م.إ.).

قانون الإجراءات المدنية و الإدارية سوى إشكالية أخرى تتعلق بتعريف مفهوم ” الحكم الفاصل جزئيا في موضوع النزاع “. في ظل التشريع القديم كان الجدل يدور حول مضمون عبارة ” موضوع النزاع ” هل تشمل كذلك شروط قبول الدعوى و الدفوع التي يثيرها الأطراف أم لا.المادة 296 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية أنهت هذا الجدل إذ اعتبرت كحكم فاصل في الموضوع الحكم الذي يفصل في دفع شكلي أو في دفع بعدم القبول أو في أي طلب عارض.

المادة 337 .- التنازل عن الاستئناف

كما يجوز للمدعي التنازل عن الخصومة أمام المحكمة فإنه يمكن للمستأنف التنازل عن استئنافه أمام المجلس القضائي . التنازل عن الاستئناف نظمته المزاد الآتية :

المادة 337 الفقرة 3 : ” يترتب على التنازل في الاستئناف الأصلي عدم قبول الاستئناف الفرعي إذا وقع بعد التنازل “

المادة 232 : ” يكون تنازل المدعي معلقا على قبول المدعى عليه إذا قدم هذا الأخير ، عند التنازل، طلبا مقابلا أو استئنافا فرعيا أو دفوعا بعدم القبول أو دفوعا في الموضوع “،

المادة 221 الفقرة 1 : ” تنقضي الخصومة أصلا، بسبب سقوطها أو التنازل عنها “.

من هذه النصوص الثلاثة مجتمعة يستنتج ما يلي : يمكن للمستأنف الأصلي التنازل عن استئنافه بصفة منفردة ما دام المستأنف عليه لم يرفع استئنافا فرعيا أو لم يقدم طلبا فرعيا. إذا لم يرفع استئناف فرعي في الوقت الذي وقع التنازل عن الاستئناف الأصلي ، فإن هذا التنازل لا يحتاج إلى قبول المستأنف عليه.و بالعكس إذا قدم المستأنف عليه استئنافا فرعيا قبل وقوع التنازل عن الاستئناف الأصلي ، فإن هذا التنازل لا ينتج أثره إلا بموافقة المستأنف الفرعي.وأما إذا وقع الاستئناف الفرعي بعد التنازل عن الاستئناف الأصلي ، فإن الاستئناف الفرعي يكون غير مقبولا.

هنا كذلك يجب قراءة نص المادة المادة 337 الفقرة 3 في صيغتها الصحيحة إذ أن هذا النص يشوبه خطأ قد يكون مطبعي إذ أنه يتكلم عن ” التنازل في الاستئناف الأصلي ” فيما أن الصحيح هو ” التنازل عن الاستئناف الأصلي ” أو ” تنازل المستأنف الأصلي “.النص المترجم إلى الفرنسية ورد في الصيغة الصحيحة إذ يشير إلى ” تنازل المستأنف الأصلي ” désistement de l’appelant principal.

المادة 346 – سلطات المجلس القضائي

حينما يرفع استئناف فإن المجلس القضائي يصبح مختصا لإنهاء النزاع حتى إذا قدمت أمامه مسائل لم يسبق عرضها أمام قاضي الدرجة الأولى و هذا هو ” التصدي “. مباشرة حق التصدي يدخل في السلطة التقديرية لقضاة الاستئناف ، و من ثمة حتى و إن توفرت شروط التصدي ، فإنه يجوز للمجلس إرجاع القضية إلى قاضي الدرجة الأولى عوضا من التصدي .و من نتائج هذا المبدأ كذلك أن المجلس غير ملزم بتسبيب قراره بالتصدي فالعبارات الآتية تكفي : ” و حيث يجب طبقا للمادة 346 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية و لحسن سير العدالة التصدي لموضوع الدعوى لإعطائها حلا نهائيا ” أو: ” و حيث يجب طبقا للمادة 346 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية التصدي للمسائل غير المفصول فيها في الدرجة الأولى و ذلك لإعطاء النزاع حلا نهائيا لحسن سير العدالة ” . و إذا قدم الأطراف أمام جهة الاستئناف طلب التصدي و اعتبر المجلس أن هذا الطلب غير مبرر فيكفي أن يجيب ” و حيث أنه لا مجال للتصدي “.

لا شك أن سلطات المجلس القضائي عند التصدي للدعوى هي سلطات جد واسعة ، لذا يمكنه قبل الفصل في الاستئناف الأمر بأي إجراء من إجراءات التحقيق و هذا ما نصت عليه المادة 346 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية. هنا كذلك وقع ارتباك عند تحرير هذه المادة إذ أنها تتكلم عن ” إجراء تحقيق ” الذي في مفهومه الضيق و القانوني يؤدي معنى سماع الشهود enquête فيما أن النص المترجم للفرنسية يشير إلى “إجراء من إجراءات التحقيق “une mesure d’instruction . و الصحيح هو ما ورد في النص الفرنسي لأن المقصود هو كل إجراءات التحقيق التي نص عليها قانون الإجراءات المدنية و الإدارية دون استثناء.

المادتان 349 و 350 – الأحكام القابلة للطعن بالنقض

الطعن بالنقض يكون مقبولا فقط ضد الأحكام أو القرارات الفاصلة في موضوع النزاع ، أو التي تنهي الخصومة بالفصل في أحد الدفوع الشكلية أو بعدم القبول أو أي دفع عارض ٱخر (م.349 و 350 ق.إ.م.إ. ). الأحكام و القرارات قبل الفصل في الموضوع لا تدخل في تعريف المادتين 349 و 350 كونها لا تفصل في موضوع النزاع بل تأمر فقط بإجراء من إجراءات التحقيق ،و من ثمة فإنها تكون غير قابلة للطعن بالنقض بصفة مستقلة ، و لكن يجب حسب المادتين 81 و 351 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية أن يطعن فيها مع الحكم أو القرار الفاصل في الموضوع. الطعن في آن واحد في القرار النهائي و في القرار قبل الفصل في الموضوع له أهمية بمكان كون السهو عن الطعن في القرار قبل الفصل في الموضوع لا سيما إن قضى بتعيين خبير قد يفهم بأنه تنازل عما قضى به هذا القرار و قد يترتب عليه رفض الطعن بالنقض. لذلك يجب الحرص على توجيه الطعن بالنقض في نفس الوقت و طبعا بموجب نفس العريضة ضد كل القرارات قبل الفصل في الموضوع التي صدرت قبل صدور القرار الفاصل نهائيا في موضوع النزاع.

إذا فصل الحكم أو القرار في دفع شكلي أو في دفع بعدم القبول أو في أي دفع ٱخر، فإن الطعن بالنقض لا يكون مقبولا إلا إذا أنهى هذا الحكم أو القرار الخصومة. و هذا هو حال مثلا الحكم الذي قضي بعدم قبول الدعوى شكلا لبطلان التكليف بالحضور ، أو القاضي بعدم الاختصاص ، أو بعم قبول الدعوى لانعدام الصفة .كل هذه الأحكام أنهت الخصومة رغم أنها لم تفصل في موضوع النزاع . طبق المشرع هنا نفس القاعدة التي أقرها للاستئناف.

تكون الأحكام الصادرة في ٱخر درجة قابلة للطعن بالنقض مهما كانت قيمة النزاع و سواء أكانت حضورية أو غيابية.و لكن بالنسبة للحكم الغيابي، فإنه لا يكون قابلا للطعن بالنقض إلا إذا انقضى الأجل المقرر للمعارضة (م.355 ق.إ.م.إ. ).هل يجب تبليغ القرار الغيابي ثم انتظار فوات أجل المعارضة ليكون الطعن بالنقص مقبولا؟ قانون الإجراءات المدنية و الإدارية لم يتضمن نصا صريحا حول هذه المسألة و لكن الرأي الغالب في الفقه أنه لا يمكن الطعن بالنقض في قرار صدر غيابيا ما لم يتم تبليغه لمن صدر ضده ، و هذا ما أقرته كذلك المحكمة العليا ( قرار بتاريخ 7 ماي 2008،ملف رقم 439495، المنشور بمجلة المحكمة العليا لسنة 2008 العدد 1 الصفحة 159 – لا يجوز الطعن بالنقض في قرار غيابي غير مستوف إجراءات التبليغ) . و إذا رفعت معارضة ضد قرار غيابي ، فإنه يجب طبعا توجيه الطعن بالنقض ضد القرار الصادر بعد المعارضة و ليس ضد القرار المعارض فيه (قرار بتاريخ 7 جانفي 2010،ملف رقم 592701، المنشور بمجلة المحكمة العليا لسنة 2010 العدد 1 صفحة 177 – لا يمكن الطعن في نفس القرار الغيابي بالمعارضة و الطعن بالنقض).

الأحكام و القرارات التي تكون قابلة للطعن بالنقض هي حسب المادة 349 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية الأحكام و القرارات التي فصلت ” في موضوع النزاع “، و هذه الأحكام و القرارات تحوز بمجرد النطق بها حجية الشيء المقضي فيه (م.296 ق.إ.م.إ.). الأوامر الاستعجالية لا تدخل مبدئيا في هذا التصنيف لأنها أوامر مؤقتة لا تفصل في أصل الموضوع فليس لها حجية الشيء المقضي فيه ، إلا في الحالات التي منح فيها القانون لقاضي الأمور المستعجلة سلطة الفصل في الموضوع (م.300 ق.إ.م.إ. ).تطرح حينئذ مسألة قابلية الأوامر الاستعجالية للطعن بالنقض.

كون الأمر الاستعجالي لا يفصل في موضوع النزاع بل يقتصر على الأمر بتدبير مؤقت و تحفظي يجوز تعديله أو إلغائه إذا طرأت وقائع جديدة ،فإنه يصعب إدراجه في مقتضيات المادة 349 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية المحددة للأحكام و القرارات القابلة للطعن بالنقض. فهل يعني ذلك أن المشرع أراد إقصاء الأوامر الاستعجالية من قائمة الأحكام القابلة للطعن بالنقض ؟ الإجابة عن هذا السؤال يتعقد عند الرجوع إلى النص الفرنسي للمادة349 إذ أنه لا يتكلم على “موضوع النزاع “le fond du litige و لكن على ” محل النزاع ” l’objet du litige . فلو أخذ بعين الاعتبار النص الفرنسي ، فإن كل الأحكام أو القرارات الصادرة في ٱخر درجة تكون قابلة للطعن بالنقض بما فيها الأوامر الاستعجالية كونها لها كلها محل تم الفصل فيه. استعمال النص الفرنسي لمصطلح ” محل ” objet عوضا من ” موضوع ” fond راجع دون شك إلى خطأ ، علما أن المشرع حرص على تعريف الحكم في الموضوع أي الحكم الذي يفصل كليا أو جزئيا في موضوع النزاع و الذي يحوز قوة الشيء المقضي فيه ، و ذلك لتمييزه عن الحكم المؤقت أو الحكم قبل الفصل في الموضوع (م.296 ق.إ.م.إ.).

باعتبار أن النص العربي هو النص الرسمي ، و الصيغة التي وردت في المادة 347 الأصلية هي الصحيحة ، فإننا نعتقد أن المشرع اعتبر أن الطابع المؤقت للأوامر الاستعجالية يجعلها قابلة لمراجعتها بالرجوع إلى نفس القاضي دون اللجوء إلى طريق الطعن بالنقض. لقد سبق للمحكمة العليا في ظل التشريع القديم أن أقرت في أحد قراراتها هذا الطرح قبل تغيير اجتهادها، إذ قضت بأن الأوامر الاستعجالية غير قابلة للطعن بالنقض .و في هذا القرار المنعزل ، فإنها سببت موقفها على الطابع المؤقت للأوامر الاستعجالية و إمكانية العدول عنها باللجوء من جديد إلى قاضـي الاستعجال ( قرار بتاريخ 20 يونيو 1982،ملف رقم 25028، المنشور بمجلة الاجتهاد القضائي لسنة 1986 صفحة 185) . و لكن إذا فصل الأمر الاستعجالي في موضوع النزاع و حاز هذا الأمر حجية الشيء المقضي فيه (م.300 ق.إ.م.إ.) ، فإنه يكون قابلا للطعن بالنقض ككل الأحكام الفاصلة في الموضوع.

كما هو الشأن بالنسبة للأوامر الاستعجالية ، و رغم عدم وجود نص صريح في قانون الإجراءات المدنية و الإدارية فإن الأوامر على العرائض لا تفصل في الموضوع و هي مؤقتة يجوز التراجع عنها أو تعديلها (م.312 ق.إ.م.إ.)، و لذلك فإنها لا تكون قابلة للطعن بالنقض.و نفس الشيء بالنسبة للقرارات الولائية التي لا تفصل في نزاع و لا تعتبر كأحكام حقيقية.

المادة 358/17 – أوجه الطعن بالنقض

من ضمن أوجه الطعن بالنقض المقررة في المادة 358 قانون الإجراءات المدنية و الإدارية ، الوجه المأخوذ من السهو عن الفصل في احد الطلبات الأصلية. هذا الوجه كان منصوص عليه في المادة 194/2 قانون الإجراءات المدنية القديم كوجه من أوجه التماس إعادة النظر . المادة 194/2 القديمة كانت تشير إلى ” السهو عن الفصل في أحد الطلبات ” الذي كان يقابله في النص الفرنسي s’il a été omis de statuer sur un chef de demande .المادة 358/17 الجديدة من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية تتكلم عن ” السهو في الفصل في أحد الطلبات الأصلية “. و إذا كان النص الأصلي بالعربية يتكلم عن “أحد الطلبات الأصلية ” ، فإن النص الفرنسي استعمل العبارة التي كانت تتضمنها المادة 194/2 من قانون الإجراءات المدنية القديم أي ” أحد الطلبات” ” chef de demande التي يقابلها في ترجمتها الصحيحة “جزء من الطلب “.

فما الذي قصده المشرع من استعماله لعبارة ” الطلبات الأصلية ” ؟ يجب التذكير أنه توجد عدة أنواع من الطلبات التي قد يقدمها الخصوم أمام الجهة القضائية .فإلي جانب الطلب الأصلي الذي يعبر عن الطلب الذي يقدمه المدعي في عريضة افتتاح دعواه ، فإنه توجد أنواع أخرى من الطلبات تقدم أثناء سير الخصومة ، كالطلبات العارضة لا سيما الطلبات الإضافية و الطلبات المقابلة. و قانون الإجراءات المدنية و الإدارية استعمل مصطلح ” طلب أصلي” لتمييزه عن الطلب الإضافي و المقابل في عدة نصوص ( مثلا المادتين 25 و 343).

كون المادة 358/17 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية استعملت عبارة ” أحد الطلبات الأصلية “ ، فهل يعني ذلك أن الوجه المأخوذ من السهو عن الفصل يخص فقط هذا النوع من الطلبات دون الطلبات الأخرى لاسيما الإضافية و المقابلة؟ فمثلا إذا قدم المدعى عليه طلبا مقابلا و لم يجب عليه القاضي ، أو أنه في الاستئناف سهي المجلس عــن الإجابة و الفــصل في طــلب جديد ( في الحالات التي يجيز القانون ذلك) ، فهل يمنع تأسيس الطعن بالنقض على السبب المأخوذ من السهو عن الفصل باعتبار أن هذا السهو لا يتعلق بطلب أصلي و لكن بطلب عارض؟ المادة 358/17 توحي بذلك كونها أشارت صراحة إلى ” أحد الطلبات الأصلية “. و لكن في هذه الحالة كيف يتم تصحيح الخطأ علما أن السهو عن الفصل في أحد الطلبات حتى و لو تعلق الأمر بطلب إضافي أو مقابل يشكل عيب من العيوب الأساسية التي يرتب القانون عليها البطلان . قد يتداخل عيب السهو عن الفصل مع عيب انعدام الأسباب أو مخالفة القانون و حينئذ يمكن تأسيس الطعن بالنقض على هذين الوجهين الأخيرين ، و لكن يحدث أن يكون الحكم مشوبا فقط بعيب السهو عن الفصل في طلب. المشرع حينما أشار إلى عيب السهو عن الفصل في طلب كوجه مستقل ، فإنه اعتبره وجها يختلف من حيث الطبيعة عن باقي أوجه الطعن بالنقض. فكيف يسوى إذا هذا الإشكال؟

نعتقد أن الأمر يتعلق فقط بارتباك في المفاهيم القانونية و أن ما قصده المشرع هو تطبيق القاعدة على كل الطلبات التي سهي الفصل فيها ، سواء تعلق الأمر بالطلبات الأصلية بمفهومها القانوني الضيق أي الطلبات المقدمة في عريضة افتتاح دعوى المدعي ، أو الطلبات الأخرى التي تقدم أثناء سير الخصومة من طرف الخصوم. و ما يدعم هذا الطرح هو موقف رئيس اللجنة التي أشرفت على إعداد قانون الإجراءات المدنية و الإدارية إذ اعتبر أن الطلبات المقصودة في نص المادة 358/17 هي ” تلك التي تتجلى من منطوق العرائض و المذكرات النهائية للخصوم ” ، أي كل الطلبات المقدمة أثناء سير الدعوى سواء الصادرة من المدعي ( طلبات أصلية أو إضافية) أو المدعى عليه (طلبات مقابلة).هذا و أن النص المترجم إلى الفرنسية و الذي شمل كل الطلبات دون تمييز على غرار ما كان عليه الحال في المادة 194/2 القديمة ، يؤكد هو كذلك ما استنتجتاه في هذه المسألة.

المادة 393 – أشكال رفع التماس إعادة النظر في الأحكام و إجراءاته

الطعن عن طريق التماس إعادة النظر في الأحكام يكون دوما طريقا للمراجعة Voie de rétractation ، و لذلك فإنه يرفع أمام الجهة القضائية التي أصدرت الحكم المطعون فيه. يرفع التماس إعادة النظر أمام الجهة القضائية التي أصدرت الحكم أو القرار أو الأمر الملتمس فيه وفقا للأشكال المقررة لرفع الدعوى بعد استدعاء كل الخصوم قانونا (م.394 ق.إ.م.إ.). و لا يقبل التماس إعادة النظر إلا إذا كانت العريضة مرفقة بوصل يثبت إيداع كفالة بأمانة ضبط الجهة القضائية (م.393 ف.2 ق.إ.م.إ ).

المادة 393 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية تنص على أن الكفالة يجب ألا تقل عن الحد الأقصى للغرامة المنصوص عليها في المادة 397 من نفس القانون ، و هذه المادة الأخيرة حددت الحد الأقصى للغرامة بمبلغ عشرين ألف دينار. يفهم من الصيغة التي حررت بها المادة 393 الفقرة 2 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية أن مبلغ العشرين ألف دينار المقرر للكفالة هو الحد الأدنى و من ثمة فإنه يمكن أن تحدد الكفالة بمبلغ يفوق عشرون ألف دينار. و لكن في هذه الحالة كيف يتم تحديدها و من طرف أي جهة ؟ لا يمكن طبعا إسناد إجراء تحديد الكفالة لأمين الضبط و لكن يجب أن يكون ذلك من اختصاص القاضي. في الواقع فإن ما أقرته المادة 393 بالنسبة لمبلغ الكفالة هو غير منطقي و ليس له أي فائدة ، بل بالعكس فإنه يعقد إجراءات التداعي ، فيما أن المعتاد في مثل هذه المواد أن يحدد المشرع مبلغا ثابتا على غرار ما هو مقرر بالنسبة لرسم رفع الدعوى أو مباشرة طرق الطعن.

نعتقد أن الصيغة التي حررت بها المادة 393 الفقرة 2 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية لا تعكس نية المشرع و أنها مشوبة بخطأ غير عمدي ، لأنه لو كان مراد المشرع النص على إخضاع تحديد الكفالة للسلطة التقديري للجهة القضائية في حدود مبلغ أدنى لا يقل عن عشرين ألف دينار ، لقرر قواعد إضافية توضح الجهة المختصة لتحديد نصاب الكفالة و إجراءاته. و ما يدعم هذا الطرح أن النص الفرنسي لنفس المادة ورد في الصيغة الصحيحة إذ حدد مبلغ الكفالة بمبلغ “يساوي ” الحد الأقصى équivalent للغرامة المنصوص عليها في المادة 397 أي مبلغ عشرون ألف دينار. هذا و أنه بالنسبة لمبلغ الكفالة المقرر للطعن باعتراض الغير الخارج عن الخصومة ، فإن المادة 385 الفقرة 2 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية وردت في الصيغة الصحيحة إذ حــددت مبــلغ الكفالة بــمبلغ ” يساوي ” مبلغ الغرامة المحددة في حالة رفض هذا الطعن أي عشرون ألف دينار . لا يوجد أي سبب أو مبرر من شأنه حمل المشرع على إقرار مبلغ للكفالة لمباشرة الطعن بالتماس إعادة النظر يختلف عن المبلغ المقرر للطعن باعتراض الغير الخارج عن الخصومة .

قد تقع الحالة التي يكشف فيها المدعي سبب ٱخر من أسباب التماس إعادة النظر بعد صدور الحكم الأول الفاصل في الالتماس ، فهل يجوز رفع التماس إعادة النظر ثانية ضد الحكم الذي سبق و أن طعن فيه بالتماس إعادة النظر؟ قانون الإجراءات المدنية و الإدارية لم ينص عن هذه الحالة و المادة 396 منعت فقط تقديم طعن جديد ضد الحكم الفاصل في الالتماس . لذلك نعتقد أنه لا يوجد مانع قانوني لجواز طعن ثان بالتماس إعادة النظر ضد نفس الحكم الذي سبق أن مر على طريق الالتماس إذا كان السبب المحتج به لم يكشفه المدعي إلا بعد صدور الحكم الأول الفاصل في الالتماس.

بالنسبة للطرق الطعن الجائزة في الأحكام الصادر في دعوى التماس إعادة النظر ، لا سيما الاستئناف ، فإن قانون الإجراءات المدنية و الإدارية لم يمدد القاعدة التي أقرها لاعتراض الغير الخارج عن الخصومة ، و التي مفادها أنه يجوز الطعن في الحكم الصادر في اعتراض الغير الخارج عن الخصومة بنفس طرق الطعن المقررة للأحكام (م.389 ق.إ.م.إ.).فهل أن هذا الإغفال يفسر على أن المشرع أراد منع طرق الطعن في الحكم الفاصل في التماس إعادة النظر؟ لا نعتقد ذلك. كما قلنا فإن الحكم الصادر في دعوى التماس إعادة النظر يرمي إلى مراجعة الحكم المطعون فيه و ذلك للفصل فيه من جديد من حيث الوقائع و القانون (م.390 ق.إ.م.إ.)، و من ثمة فلا يمكن تصور عدم إخضاعه لطرق الطعن مثله مثل الحكم الفاصل في اعتراض الغير الخارج عن الخصومة.

محامي لدى المجلس

الأستاذ براهيمي محمد

محامي لدى المجلس