وتعرض الاوراق على سعادة المفتى

عندما قامت بعض الدول العربية بنيل استقلالها فى منتصف القرن الماضى , قامت باصدار قوانينها الجنائية , ونظرا للمناداة

من قبل الأكثرية بان يكون الأسلام دين الدولة الرسمى , فقد تم النص فى تلك القوانين الجنائية ( لبعض الدول ومنها مصر وليبيا )

بان تعرض على سعادة الشيخ مفتى الديار القضايا الجنائية والتى تتظمن جرائم جنائية وتتجه قناعة المحكمة لاصدار حكم الاعدام

بها . وهدا الأجراء يعتبر جوهرى ووجوبى ويترتب على عدم القيام به بطلان الحكم الجنائى .

وعند احالة القضية لمفتى الديار يقوم بالاطلاع عليها ويدون مدكرة برأيه فيها وما يراه مناسبا من عقوبة , وتعاد القضية الى

محكمة الجنايات ليتولى المستشارين الفصل فى القضية حسب القناعة التى تولدت فى وجدانهم .

ويتضح من دلك ان احالة الأوراق الى مفتى الديار يعتبر كاجراء روتينى وشكلى , وان الرأى الدى ينتهى اليه المفتى غير ملزم

للمحكمة , بل لها وحدها صلاحية النطق بالعقوبة التى تراها مناسبة وفق قناعتها .

ونتيجة لدلك فانه كانت الاوراق تحال الى المفتى وتبقى لفترة ثم تعاد للمحكمة دون ان يقوم المفتى بكتابة رايه فى القضية , ودلك

امعانا فى الاحتجاج منه ودلك بعد ان اتضح له ان العرض عليه مجرد اجراء شكلى وروتينى وغير ملزم للمحكمة . وهدا ماكان

يقوم به المفتى الليبي فى سبعينيات القرن الماضى . وبناء على دلك ونتيجة لما اتضح بان عرض الاوراق على المفتى لا يقدم

للعدالة اى منفعة , لدلك تم تعديل قانون الاجراءات الجنائية الليبي ودلك بالغاء المادة التى كانت تستوجب عرض الاوراق على

مفتى الديار , وخصوصا بعد ان تم الغاء منصب المفتى لأسباب سياسية ( ليس هنا مكانها ) .

ان المتتبع للافلام والمسلسلات المصرية القديمة يلاحظ انه فى المشاهد التى تتضمن قاعة المحكمة , ان المستشار يقرر احالة

الاوراق للمفتى , وتميل القاعة للهيجان لان دلك ايضاح من المحكمة عن عقيدتها بانها تتجه للنطق بعقوبة الأعدام .

ولكن الدى لا يعلمه اغلب الناس ان العرض على المفتى اجراء شكلى , وان رايه غير ملزم للمحكمة , وبل يصل الامر بالمحكمة

لعدم مناقشة راى المفتى فى اسبابها ادا دهبت لخلاف رايه , الدى يعتبر كانه من سقط المتاع فى نظرها , وانه والعدم سواء .

كل دلك بسبب محاولة الحكومات العربية عند الاستقلال بالضحك على الناس ,

وايهامهم بان الدولة تسلك المنهج الاسلامى فى شؤنها .

ولعل هدا ما تفتق عنه دهن وعقلية العلمانيين العرب عند رجوعهم عقب انتهاء دراستهم للقانون باروبا فى بدايات القرن الماضى .