ظاهرة العبث بقيودات الأحوال المدنية بجمهورية ليبيا

بموجب احكام قضائية ( تعديل تواريخ الميلاد )

اين هو الخلل هل هو في التشريع ام في التطبيق ام في الدفاع عن هذه الوثائق او انعدام التوعية ؟؟ موضوع هام يحتاج الى نقاش

مواطن من مواليد 1906 وقد التحق بالجهاد في الجبل الاخضر سنة 1923 ثم انضم مجندا في الجيش الايطالي ثم جيش التحرير وبعد الاستقلال تحصل على عمل وسجل في احصاء عام 1954 انه من مواليد 1925 ولما اقترب من سن التقاعد رفع دعوى احوال مدنية فاصبح من مواليد 1935 ثم قررت الدولة معاشا للمجاهدين ولايصح ان يكون مجاهدا سنة 1923 وهو من مواليد 1935 فرفع دعوى طلب فيها تعديل تاريخ ميلاده ليكون من مواليد 1906 وتم ذلك وظلت شهادة ميلاده الاولى في ملفه الوظيفي ، ولما اقترب من سن التقاعد قام برفع دعوى اخرى ليكون من مواليد 1940 وتم ذلك علما ان اكبر اولاده من مواليد 1944 لم تلفت هذه ا لتعديلات امين السجل المدني فيدافع عن هذه الوثائق التي يحمل امانتها ولم تلفت نظر النيابة العامة الممثلة في دعوى الاحوال المدنية ولم تلف نظر القاضي الذي كان عليه ان يطلب صورة من ملف قيودات الاحوال المدنية الخاصة بالمدعي او يكلف خبيرا بذلك ..هذه ليست القضية الوحيدة بل توجد آلاف مثلها وهذه نموذج للدراسة فقط .

ولنحليل اسباب الخلل يجب ان نرجع الى نصوص قانون الأحول المدنية التي تعالج هذه الاشكاليات نصت المادة 9 على عدم جواز نقل هذه الوثائق ولو كانت محل تحقيق جنائي فإنه على المحقق او القاضي ان ينتقل ليطلع عليها في مكانها ، ونص المادة (11) على أن ((

تعتبر السجلات والصور الرسمية المستخرجة منها حجة بصحة ما تحويه من بيانات ويجب على الجهات الحكومية وغير الحكومية الاعتماد في مسائل الأحوال المدنية على هذه البيانات وذلك ما لم يثبت بحكم قضائي عكسها أو بطلانها أو تزويرها. )) ونصت ا لمادة 46 على أنه لا يجوز إجراء أي تصحيح أو تغير في قيود واقعات الأحوال المدنية المتعلقة بالاسم أو تاريخ الميلاد ومكانه أو تاريخ الوفاة، أو إثبات الزواج أو الطلاق، إلا بحكم قضائي ونصت المادة 47 على ان تقام دعوى التصحيح أو التغير من ذوي الشأن ضد البلدية المختصة، وتجوز إقامتها من أمين السجل المدني ضد صاحب الشأن، وتمثل النيابة العامة في الدعوى في جميع الأحوال. ويقوم المدعي بإعلان ملخص للدعوى في الصحف المحلية ثلاث مرات في أيام مختلفة وعلى لوحة الإعلانات بالبلدية المختصة ولا تنظر الدعوى إلا بعد شهر من تاريخ أخر إعلان في الصحف.

فالخصومة تكون ضد البلدية وامين السجل ا لمدني وتمثل النيابة العامة وهم جميعا من و اجبهم ا لدفاع عن سجلات الاحوال المدنية ثم يتم الاعلان عن التعديل ثلاث مرات وفي ايام مختلفة ف الصحف المحلية ثم يلصق ملخص الدعوى في لوحة الاعلانات بالبلدية وفي هذه النصوص ضمانات قوية لحماية قيودات الاحوال المدنية .. رقابة من النيابة العامة ومن السجل المدني نفسه ومن المجتمع … ومع ذلك يتم العبث بهذه القيودات وتزور دون ان يقوم هؤلاء بالدفاع عنها ، وقد اضطر المشرع للتدخل تدخلات تلفيقية منها التعديل رقم 7 لسة 1428 الذي عدل المادة 46 بأن نص على انه (( لايجوز اجراء اي تصحيح او تغيير في قيود واقعات الاحوال المدنية المتعلقة بتاريخ الميلاد او مكانه ما لم يثبت بحكم نهائي تزويرها .. )) فمنع التعديل تهائيا في واقعات تعديل تاريخ الميلاد لما لاحظه من ظواهر عبثية منها على سبيل المثال :

1) قيام عدد كبير من الذين تنطبق عليهم قوانين التجنيد فقاموا بتعديل اعمارهم بحيث تجاوزوا سن الاربعين بهدف الخروج انطباق القانون عليهم .

2) صدر القانون رقم 9 لسنة 1986 بشأن إنهاء خدمة بعض العاملين الوطنيين في الوحدات الإدارية. وقد نصت المادة (2) منه على أن (( تتولى اللجان الشعبية للبلديات إقامة دورات قصيرة الأجل للتدريب على حرف البناء وقيادة الشاحنات والآلات الثقيلة وغيرها للعاملين غير المؤهلين الذين تقل أعمارهم عن أربعين سنة, على أن تعد خدمة المتدرب منتهية بإنهائه مرحلة التدريب وفقا للبرامج التي توضع لهذا الغرض ))

وفي الحالتين تحول عدد كبير الى اعمار تجاوزت الاربعين لكي يبقوا في وظائفهم .

3) قام عدد كبير من الموظفين عندما اقتربت اعمارهم من سن التقاعد برفع دعاوى وصدرت احكام بتعديل اعمارهم بحيث اصبحت المسافة بينهم وبين التقاعد طويلة وهناك من عدل عدة مرات مما اضطر المشرع على ان يشترط ان يعتد بسن التقاعد المبينة فيشهادة الميلاد المقدمة عند التعيين في عدة قوانين وهو مايخالف نص صريح في قانون الاحوال المدنية الذي اشرنا اليه .

4) قيام آخرين بتعديل اعمارهم لكي يصبحوا احداثا عند ارتكابهم للجرائم فيستفيدوا من تخفيض العقوبات المنصوص عليها بالنسبة للاحداث .

5) قيام آخرين بتعديل اعمارهم لكي يتم قبولهم في المراحل ا لدراسية او الوظائف التي تشترط سنا معينة .

لعل السبب هو عدم التوعية فالنظرة العامة لتعديل هذه القيودات انه لايوجد منها ضرر ، ومنها اعطاء فرص لهؤلاء الموطنين في العمل او اصلاح اوضاعهم وهي نظرة خاطئة لما يترتب على ذلك من ضرر بالثقة العامة في الوثائق الرسمية وحرمان مواطنين آخرين من حقوقهم واكساب هؤلاء المدعيين مزايا لايستحقونها قانونا .

والملاحظ انه في دعاوى الاحوال المدنية ان المدعى عليه سواء امين السجل ا لمدني او عميد البلدية يستلمون صحائف الدعاوى ولا يحضرون جلسات المحاكمة ولايدافعون عن قيودات الاحوال المدنية ولا يحيلونها على ادارة القضايا لكي تحضر وتمثلهم .. اما النيابة العامة في الغالب لاتحضر ويثبت اسم العضو المكلف حتى لايبطل ا لحكم واذا حضر لايقدم اي دفاع ويكون حضوره شكليا … والمحكمة لاتتوسع في استيفاء الدليل تتحقق فقط من النشر والالصاق ثم تكتفي بتقرير طبي شكلي يقدمه اي طبيب بان سن فلان كذا سنة بناء على طلبه او باحضار شاهدين واحيانا تكون شهادة مكتوبة .. ونادرا ما ترفض دعوى الاحوال المدنية حيث يصدر الحكم بطلبات المدعي .

فاذا عدنا الى توثيق وقائع الاحوال ا لمدنية فإنها لم تات عبثا بل جاءت بعد سنة 1968 بموجب وثائق رسمية قدمها المدعي نفسه او والده ، وقبل ذلك كانت تتم باقرار المدعي نفسه واقراره حجة عليه .

فلو طبق قانون الاحوال المدنية كما اراده المشرع لكانت اغلب قضايا تعديل تاريخ الميلاد ترفض ، فلو حضر امين السجل المدني او عضو ادارة القضايا امام ا لمحكمة وقدم صورة من اقرار المدعي بالتاريخ او قدم الوثيقة التي تم القيد بموجبها او قدم للقاضي مايفيد ان سبق وان صدر حكم بالتعديل لأصدر حكما برفض الدعوى ، لو قام عضو النيابة المختص بالاطلاع على السجلات وتحقق من سلامتها لدافع عنها ولرفضت الدعوى ولكفى المشرع اجراء مثل التعديلات المشار اليها .

الملاحظ في دول العالم الاخرى بما فيها دول الجوار انه دائما تعقد ورش عمل للمطبقين للقوانين بهدف عرض المشاكل والصعوبات والتوعية وهو ماتفقده في بلادنا .

إعادة نشر بواسطة محاماة نت