نظام تعدد الزوجات في الفقه والقانون

نظام تعدد الزوجات في الفقه الإسلامي هو نظام يبيح للرجل أن يجمع في عصمته في وقت واحد أربع زوجات فأقل ، وبصفة عامة فإن تعدد الزوجات معروف منذ القدم ، فقد عدد سيدنا إبراهيم عليه السلام زوجاته كما عدد أزواجه كل من سيدنا يعقوب وداود وسليمان وغيرهم , بالإضافة إلى أن الديانة اليهودية عرفت نظام تعدد الزوجات ،

وقد كان العرب قبل الإسلام يعددون زوجاتهم بغير حد , وعندما جاء الإسلام أباح تعدد الزوجات وقيده بحدود وبقيود معينة , وبيان نظام تعدد الزوجات في الفقه الإسلامي يتضح لنا من خلال النقاط التالية :

أولا :- حكم تعدد الزوجات ودليله في الفقه الإسلامي

إن حكم تعدد الزوجات في الفقه الإسلامي ليس هو الوجوب أو الاستحباب أو التحريم أو الكراهية ، وإنما هو الإباحة ، بمعنى أن تعدد الزوجات لا يثاب الإنسان على فعله ولا يذم على تركه .

ولقد استدل على إباحة تعدد الزوجات في الفقه الإسلامي بأدلة ، منها قول الله تبارك وتعالى ” فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا ” سورة النساء الآية (3) .

ثانيا : حدود وقيود تعدد الزوجات في الفقه الإسلامي :

إذا كان الفقه الإسلامي قد أباح تعدد الزوجات بالنسبة للرجل ، إلا أنه نظمه ووضع له حدودا وقيودا حتى يصبح خيرا وضمانا للأسرة وحماية للأخلاق في المجتمع ، من يتعدى هذه الحدود والقيود فقد أثم وهي :

1- أن يكون التعدد في حدود أربع : يحرم على الرجل أن يجمع في عصمته أكثر من أربع زوجات .
2- العدل بين الزوجات : إذا كان الفقه الإسلامي قد أباح تعدد الزوجات على النحو السابق ، إلا أنه قيده بضرورة العدل بين الزوجات .

3- القدرة على القيام بواجبات التعدد : ويراد بها قدرة الرجل الذي يريد أن يعدد زوجاته على القيام بالواجبات الزوجية للزوجات جميعهن ، ومنها القدرة على الإنفاق عليهن جميعا كنفقة المأكل والمشرب والملبس والمسكن وما إلى ذلك .

ثالثا : الهجوم على نظام تعدد الزوجات في الفقه الإسلامي :

تعرض نظام تعدد الزوجات في الفقه الإسلامي للهجوم عليه ، وهذا الهجوم ليس بجديد وإنما قاده بعض الغربيين الذين لا يدينون بالإسلام وانساق ورائهم بعض المسلمين الذين يعتبرون – للأسف – عبيدا لأفكار الغربيين ، ومما قيل في هذا الشأن ما يلي :

1- إن نظام تعدد الزوجات سبب من أسباب تقويض وانهيار الأسرة لأنه يولد الشحناء بين الزوجات ويورث البغضاء بين الأبناء داخل الأسرة .

2- إن نظام تعدد الزوجات في الفقه الإسلامي فيه ظلما للمرأة وهضما لحقوقها , لأنه يؤدي إلى إباحة زواج الرجل بامرأة أخرى تكون مع الأولى بدون رضاها وتشاركها زوجها .

الرد على هذا الهجوم :

يمكن الرد على من هاجم نظام تعدد الزوجات في الفقه الإسلامي ما يلي :
1- الناظر في الآيات التي نظمت تعدد الزوجات يجدها لم توجبه بحيث يكون لازما لكل شخص ، كما لم تبحه إباحة مطلقة بل مقيدة , وهذه الآيات لم تأت بإباحة أمر غير موجود وإنما جاءت لتقييد تعدد الزوجات الذي كان موجودا بصورة تصل إلى حد الفوضى ولرفع الظلم الواقع على المرأة .
2- القول بأن تعدد الزوجات يؤدي إلى ظلم المرأة وينقص من حقوقها وأن المطالبة بإلغائه جزء من حقوق المرأة ، يمكن الرد عليه بالقول بأن المرأة هي التي تقبل التعدد وهي التي تصنعه بقبولها الزواج من رجل متزوج ، فالإسلام لا يجبر أي امرأة على قبول الزواج من رجل متزوج ، بل لها مطلق الحرية في القبول أو الرفض .

3- وضع الشارع للمرأة وسيلة تحميها مما قد يرتبه التعدد لها من ضيق فأباح لها أن تشترط في عقد زواجها ألا يتزوج عليها زوجها ، فيكون لها بمقتضى هذا الشرط إذا ما تزوج عليها زوجها أن تطلب فسخ عقد الزواج ، لأن الزوج قد أخل بشرط من شروطه .

4- ليس بصحيح أن تعدد الزوجات يؤدي إلى الشقاق والنزاع بين أفراد الأسرة ، لأن الأمر يتوقف على حزم الزوج وعدله ومراقبته لأفراد أسرته .

5- إن التشريعات والأمم التي منعت تعدد الزوجات لم تقفل الباب أمام تعدد الخليلات بل ساعدت عليه وعلى البغاء والفجور وعلى كثرة الأولاد غير الشرعيين .

6- أضف إلى ما تقدم ما نقله بعض الكتاب المسلمون من أقوال لبعض الفلاسفة والكتاب في البلاد الغربية ، عن إباحة تعدد الزوجات وأهدافه في الإسلام ، وتمنوا أن تعرف بلادهم مثل هذا التعدد المباح بدلا من تعدد الخليلات المعروف في بلادهم .

يقول أحد هؤلاء الفلاسفة ( جوستاف لوبون ) : إن تعدد الزوجات المشروع عند الشرقيين أحسن من عدم تعدد الزوجات الريائي عند الأوروبيين وما يتبعه من مواكب أولاد غير شرعيين .

( موقف قوانين الأحوال الشخصية من تعدد الزوجات )

إذا كان الفقه الإسلامي قد أباح تعدد الزوجات بالحدود والقيود السابق بيانها ، إلا أن قوانين الأحوال الشخصية في البلاد الإسلامية والعربية قد اتجهت اتجاهات مختلفة من نظام تعدد الزوجات في الفقه الإسلامي ، فبعضها منع تعدد الزوجات والبعض قيده بقيود والبعض الأخر لم يمنعه ولم يقيده وإنما جعله كما أتى به الفقه الإسلامي ، ويرجع اختلاف هذه الاتجاهات إلى عدة أمور منها الحملات الهجومية الغربية على نظام تعدد الزوجات السابق الإشارة إليها وتبني البعض من البلاد الإسلامية والعربية لها ، أضف إلى ذلك تبني الحركات والتنظيمات النسائية والتي تزايدت ونشطت في هذه البلاد لتلك الحملات الهجومية على نظام تعدد الزوجات .

ومن البلاد التي تدخلت بنص تشريعي ومنعت تعدد الزوجات فيها تونس ، فقد منع القانون التونسي تعدد الزوجات مطلقا ، ولا يجوز للرجل في تونس أن يعدد زوجاته ، وفرض القانون على من يخالف هذا المنع عقوبة السجن والغرامة أو إحداهما فضلا عن فساد عقد زواج المرأة الثانية ، ولا شك أن في هذا المنع مخالفة لإباحة تعدد الزوجات في الفقه الإسلامي ، وتجاهلا للحكمة التي من أجلها شرع الإسلام هذا النظام ، ولا ريب أنه تجاهل غير محمود .

ومن البلاد التي قيدته وجعلته بيد القاضي التشريع العراقي ، فلا يجوز تعدد الزوجات في العراق إلا بأذن من القاضي ، وهذا الاتجاه وأن أيده البعض ، فإن البعض الأخر لم يؤيده بحجة أنه قد يؤدي إلى كشف أسرار البيوت أو الأسر فقد يكون بالمرأة مرض أو أمر من الأمور التي تمنع من الاختلاط بها والسابق الإشارة إليها ونظرا للحرج والعنت الذي يصيب الزوج من جراء ذلك فقد يضطر الزوج إلى كشف هذا السر والذي قد يؤدي إلى الحرج بالمرأة لكي يحصل على أذن القاضي بالتعدد .

ومن البلاد التي لم تمنعه ولم تقيده وإنما جعلته كما أتى به الفقه الإسلامي لبنان ، بالنسبة لطائفتي أهل السنة والشيعة الجعفرية ، حيث ترك نظام تعدد الزوجات بالنسبة لطائفة أهل السنة إلى مذهب الحنفي وبالنسبة لطائفة الشيعة الجعفرية إلى المذهب الجعفري ، أما بالنسبة للطائفة الدرزية فقد منع قانون الأحوال الشخصية للطائفة الدرزية تعدد الزوجات في المادة العاشرة والتي تنص على أنه ” ممنوع تعدد الزوجات فلا يجوز للرجل أن يجمع بين زوجتين وإن فعل فزواجه من الثانية باطل ” .

أما في مصر فقد جرت عدة محاولات لتقييد تعدد الزوجات بالقضاء ويرجع هذا التقييد إلى الدعوة التي أطلقها فضيلة الشيخ محمد عبده ، واقترح فيها على الحكومة وقتذاك أن تضع نظاما تشرف به على تعدد الزوجات حتى لا يقدم عليه من ليس له استطاعة ، وقد استغل البعض هذه الدعوة بطريقة أو أخرى فوضعوا في عام 1926م ، مقترحات تتضمن تقييد تعدد الزوجات تقييدا قضائيا بالإضافة إلى قيدي العدل بين الزوجات والقدرة على الإنفاق ، لتضاف هذه المقترحات إلى قانون الأحوال الشخصية ، ولكن عورضت هذه المقترحات من رجال الفقه ورأى أولي الأمر العدول عن ذلك ، وظل الأمر كذلك عندما صدر القانون رقم 25 لسنة 1929م حيث حرص رجال الفقه وأولي الأمر على أن يصدر هذا القانون خاليا من المقترحات الخاصة بتقييد تعدد الزوجات .

وقد تعددت هذه المحاولات بعد ذلك أكثر من مرة ولكنها في كل مرة تخمد ، وظل الأمر على هذا الحال حتى أواخر السبعينات من القرن الماضي حيث تم فتح الموضوع مرة أخرى من جديد ودار نقاش حاد وعنيف حول نظام تعدد الزوجات ، وانتهى بإصدار القانون رقم 44 لسنة 1979م بتعديل بعض أحكام قانون الأحوال الشخصية ، وقد تضمن هذا التعديل إضافة مادة سادسة مكررة إلى القانون رقم 25 لسنة 1929م .

ونص هذه المادة هو ” على الزوج أن يقدم للموثق إقرارا كتابيا يتضمن حالته الاجتماعية ، فإذا كان متزوجا فعليه أن يبين في الإقرار أسم الزوجة أو الزوجات اللاتي في عصمته وقت العقد الجديد ومحال إقامتهن ، وعلى الموثق إخطارهن بالزواج الجديد بكتاب موصى عليه .

ويعتبر إضرارا بالزوجة اقتران زوجها بأخرى بغير رضاها , ولو لم تكن قد اشترطت عليه في عقد زواجها عدم الزواج عليها , وكذلك إخفاء الزوج على زوجته الجديدة أنه متزوج بسواها .

ويسقط حق الزوجة في طلب التفريق بمضي سنة من تاريخ علمها بقيام السبب الموجب للضرر ما لم تكن قد رضيت بذلك صراحة أو ضمنا ” .

معنى ذلك أن هذا القانون لا يبقي على تعدد الزوجات إلا برضاء الزوجات أنفسهن بهذا التعدد , فإن رضين به فبها ، وإلا فلا , وبهذا يكون هذا القانون قد أضاف قيدا جديدا إلى القيود التي أتى بها الشرع والسابق بيانها .

وبعد إصدار هذا القانون ظل بعض العلماء يطالبون بإلغاء تلك القيود لمخالفتها للنصوص الشرعية إلى أن صدر حكم المحكمة الدستورية العليا في 4/5/1985م ، بعدم دستورية القانون رقم 44 لسنة 1979م ، وبعد ذلك أصدر المشرع القانون رقم 100لسنة 1985م ، بتعديل بعض أحكام قوانين الأحوال الشخصية ، ليحل محل القانون الذي حكم بعدم دستورية ، وقد أضاف هذا القانون المادة 11 مكررا إلى القانون رقم 25لسنة 1929م .

ونص هذه المادة هو ” على الزوج أن يقر في وثيقة الزواج بحالته الاجتماعية ، فإذا كان متزوجا فعليه أن يبين في الإقرار اسم الزوجة أو الزوجات اللاتي في عصمته ومحال إقامتهن ، وعلى الموثق إخطارهن بالزواج الجديد بكتاب مسجل مقرون بعلم الوصول .

ويجوز للزوجة التي تزوج عليها زوجها أن تطلب الطلاق منه إذا لحقها ضرر مادي أو معنوي يتعذر معه دوام العشرة بين أمثالها ، ولو لم تكن قد اشترطت عليه في العقد ألا يتزوج عليها .

فإذا عجز القاضي عن الإصلاح بينهما طلقها عليه طلقة بائنة ، ويسقط حق الزوجة في طلب التطليق لهذا السبب بمضي سنة من تاريخ علمها بالزواج بأخرى ، إلا إذا كانت قد رضيت بذلك صراحة أو ضمنا ، ويتجدد حقها في طلب التطليق كلما تزوج بأخرى .

وإذا كانت الزوجة الجديدة لم تعلم أنه متزوج بسواها ثم ظهر أنه متزوج فلها أن تطلب التطليق كذلك ” .

فهذا القانون أيضا أوجب على الزوج أن يقر في وثيقة الزواج بحالته الاجتماعية ، وإذا كان متزوجا فعليه أن يبين زوجاته اللاتي في عصمته ومحال إقامتهن ، وعلى الموثق إخطارهن بهذا الزواج , كما أن هذا القانون أجاز للزوجة التي تزوج عليها زوجها الحق في طلب الطلاق منه إذا لحقها ضرر مادي أو معنوي بسبب التعدد يتعذر معه دوام العشرة بين أمثالها ، حتى ولو تكن قد اشترطت عليه في عقد زواجها ألا يتزوج عليها 

وعلى القاضي أن يوفق بينهما ويحاول الإصلاح بينهما ما أمكن ، فإذا عجز القاضي عن الإصلاح بينهما طلقها عليه طلقة بائنة ، وقد أباح القانون لها حق طلب التفريق خلال سنة من تاريخ علمها بالزواج بأخرى ، وإلا إذا كانت قد رضيت بذلك صراحة أو ضمنا ، ويتجدد حقها في طلب التطليق كلما تزوج بأخرى ، وكذلك الحكم بالنسبة للزوجة الجديدة إذا كانت لم تعلم أن زوجها متزوج بسواها ثم ظهر أنه متزوج ، فلها أن تطلب التطليق كذلك .

معنى ذلك أن القانون لا يجعل من مجرد التعدد في ذاته ضررا موجبا للتطليق ، وبهذا يكون هذا القانون قد تلافى بعض المخالفات التي أتى بها القانون الذي حكم بعدم دستوريته .