أهمية التوقيع الإلكتروني الآمن في حماية المتعاقدين عبر الأنترنيت.

د. المصطفى طايل أستاذ زائر بالكلية المتعددة التخصصات بالرشيدية ،جامعة مولاي إسماعيل مكناس – المغرب-

Résumé :

La recherche vise à étudier l’importance de la signature électronique sécurisée pour protéger les entrepreneurs et les consommateurs via Internet, et pour ce là on va traiter la signature électronique sécurisée et le mécanisme sécurisé pour sa création en premier lieu, et les organes chargés de la ratification électronique en deuxième lieu, selon une introduction, deux axes, et une conclusion.

مقدمة:

أصبح الانفتاح على السوق العالمية من خلال شبكة الأنترنيت أمرا ميسرا لرجال التجارة والمال لعرض سلعهم وخدماتهم، كما سمح للمستهلكين بحق الاختيار في اقتناء هذه السلعة والخدمات بأفضل الائتمان في ظل المنافسة التي تعرفها التجارة الإلكترونية.

غير أن الإقبال على هذه التجارة من طرف عدد مهمّ من المستهلكين بالنظر إلى التوسّع الكبير الذي عرفه مجال المعاملات التجارية، دفع إلى مواكبتها بترسانة قانونية فعّالة من لدن التشريعات الوطنية والدولية، حيث عمدت هذه التشريعات إلى وضع مجموعة من الضمانات والشروط القانونية بغية تعزيز الأمن القانوني وتحقيق الأمن الاقتصادي.

ولتحقيق مبدأ الثقة والأمان في المبادلات التجارية الإلكترونية تم في هذا الإطار الاهتمام بمؤسسة التوقيع الإلكتروني، حيث أحاطه المشرع بجملة من شروط الأمان، ووضع له آلية آمنة لإنشائه، ثم حدّد الجهات المكلفة بالمصادقة الإلكترونية، من أجل اعتباره توقيعا إلكترونيا مؤمنا وحجّة في إثبات التصرفات القانونية بين المتعاقدين في التجارة الإلكترونية.

إن التوقيع الإلكتروني الآمن يعطي للأطراف المتعاقدة وخاصة المستهلك الأمان والاطمئنان، مما ينعكس إيجابا على المبادلات التجارية بالنظر إلى الحجية القانونية القوية التي يوفرها هذا التوقيع المستند إلى آلية لإنشائه، والمضمون بشهادة المصادقة الإلكترونية التي توضح صحته وسلامته وتؤكّد حجيته القانونية.[1]

ولذلك فإن الإشكال الجوهري في دراستنا لهذا الموضوع ينصب على أهمية التوقيع الإلكتروني الآمن في حماية المتعاقدين عبر الأنترنيت.

وهذا ما يدفعنا إلى التساؤل عن ماهية التوقيع الإلكتروني وشروطه؟ وما هي الضمانات المحيطة بآلية إنشائه وكذا الجهات أو الهيئات المكلفة بالمصادقة الإلكترونية؟ وهل يمكن اعتبار الشخص الطبيعي أحد مقدمي المصادقة الإلكترونية؟

إن أهمية الموضوع الذي ندرسه يحتّم علينا البحث في التوقيع الإلكتروني الآمن، والآلية القانونية المخصصة لإنشائه (المطلب الأول)، ثم الحديث عن الهيئات المكلفة بالمصادقة الإلكترونية (المطلب الثاني)، وذلك من خلال تبنّي التصميم التالي:

المطلب الأول: التوقيع الإلكتروني الآمن وآلية إنشائه.

المطلب الثاني: الهيئات المكلفة بالمصادقة الإلكترونية.

المطلب الأول : التوقيع الإلكتروني الآمن وآلية إنشائه .

توفر التجارة الإلكترونية للمستهلك الوقت والجهد من خلال الأسواق الإلكترونية المفتوحة، حيث يتفوق المنتوج الأجود بالسعر الأفضل،[2] وبذلك تجري المعاملات التجارية بصورة تلقائية وسريعة،[3] غير أن المشرع المغربي عمل على إحاطة هذه التجارة بجملة من الضمانات لتحقيق الثقة والأمان، لذلك نص قانون التبادل الإلكتروني[4] على ضرورة توفر التوقيع الإلكتروني على شروط محددة لإضفاء صفة الأمان لاعتباره حجة قانونية في مواجهة الغير (الفقرة الأولى)، ولمزيد من الاحتياط والضبط في التجارة الإلكترونية عمل المشرع كذلك على وضع آلية مؤمّنة لإنشاء التوقيع الإلكتروني تفاديا لكل احتيال أو تزوير محتمل يؤثر على عنصر الأمان والثقة المفترضة في التجارة عامة والإلكترونية خاصة ( الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: التوقيع الإلكتروني الآمن.

اتجه الفقه القانوني إلى تعريف التوقيع الإلكتروني، بتعريفات متباينة باختلاف الزاوية التي ينظر منها إليه، حيث هناك من عرفه بالنظر إلى الوسيلة المستعملة في وضعه، والبعض الآخر عرفه من خلال الوظائف التي يطلع بها في إضفاء صفة الحجية على العقود والمحررات الإلكترونية[5].

ولقد عرف بعض الفقه التوقيع الإلكتروني بأنه: “كل حروف أو أرقام أو رموز أو أصوات أو نظام معالجة ذي شكل إلكتروني أو غيرها، ويكون لها طابع متفرّد يسمح بتحديد شخص الموقّع ويميزه عن غيره، بحيث تعبر عن رضاء الموقع بمضمون التصرف وتضمن سلامته”.[6]

نص المشرع المغربي من خلال المادة السادسة من قانون التبادل الإلكتروني على مجموعة من الضوابط الواجب توافرها حتى يصبح التوقيع الإلكتروني الآمن حجية في مواجهة الغير، حيث تضمّن هذا القانون مجموعة من الشروط التي يتعين استجماعها في هذا التوقيع الإلكتروني الموصوف بالآمن، ذلك أنه ينبغي أن يكون خاصا بالموقّع وحده، وأن يتم إنشاؤه بوسائل وآليات تجعل الموقّع قادرا على الاحتفاظ به تحت مراقبته الخاصة وبصفة حصرية، مع ضرورة ضمان وجود ارتباط بالوثيقة المتصلة بالتوقيع الإلكتروني، بطريقة تجعل إمكانية كشف أي تغيير لاحق أدخل على هذه الوثيقة كيفما كان مصدره أو نوعه.

إضافة إلى ذلك يتعين أن يوضع التوقيع الإلكتروني بواسطة آلية لإنشائه، وأن تكون صلاحيتها مثبتة بشهادة المطابقة، مع ضرورة الإشارة إلى معطيات التحقّق من هذا التوقيع الآمن في الشهادة الإلكترونية الآمنة.

ويتضح مما سبق أن المشرع المغربي قد استعان ببعض المقتضيات الواردة في التوجيه الأوروبي،[7] بشأن التوقيع الإلكتروني وكذا قانون الأونسترال النموذجي،[8] للتجارة الإلكترونية، كما يوافق بعض التشريعات المقارنة، كالمشرع الأمريكي الذي سوى في الحجية بين التوقيع الإلكتروني والتوقيع التقليدي،[9] وهو ما سار عليه أيضا كل من المشرع البلجيكي والألماني والفرنسي، وكذا التونسي.[10]

من خلال الشروط المبينة أعلاه يتضح سعي المشرع المغربي من خلال اشتراط تلازم التوقيع الإلكتروني بالموقّع، ضمان التحديد الدقيق لهوية مصدر التوقيع والقدرة على تمييزه عن غيره، لكونه ملزما بتوقيعه، دون الحاجة إلى اشتراط الاتصال المادي بين التوقيع ومصدره، وفي ذلك ورد عن قضاء النقض الفرنسي بأنه: “لا يشترط أن يتم يدويا تدوين المبلغ والكمية بالأرقام وبالحروف من قبل الشخص الملتزم، وإنما يجب أن تنتج وفق طبيعة الدعامة المستعملة من آليات التعريف المنطبقة على القواعد التي تراعي التوقيع الإلكتروني، أو من أية آلية تسمح بتأكيد أن الموقّع هو الملتزم بهذه الأرقام والحروف”.[11]

فإنجاز التوقيع الإلكتروني يتطلب استخدام معطيات وبرمجيات مميزة عن التوقيع العادي، فهذا الأخير عبارة عن رسم يقوم به شخص معين مما يسهل معه تزويره أو تقليده عكس التوقيع الإلكتروني الذي هو في حقيقته علم يصعب تزويره.[12]

وفي هذا الإطار اعتبر بعض الفقه القانوني أن التأكد والوثوق من هوية الموقّع إلكترونيا عندما يتم استخدام القن السري، ودون الحاجة إلى حدوث نزاع بغية البحث في صحة التوقيع الإلكتروني، يجعل هذا الأخير متميزا ومتفوقا عن التوقيع العادي في منظومة الإثبات من جهة،[13] ومن جهة أخرى أكثر ضمانة وحماية للمستهلك في التجارة الإلكترونية.

الفقرة الثانية : آلية إنشاء التوقيع الإلكتروني الآمن.

تضمّن قانون التبادل الإلكتروني تعريفا مهمّا لآلية إنشاء التوقيع الإلكتروني، حيث ورد في المادة الثامنة منه على أنها: “تلك المعدّات أو البرمجيات أو هما معا، والتي يكون الغرض منها توظيف معطيات إنشاء التوقيع الإلكتروني التي تتضمن العناصر المميزة الخاصة بالموقّع، كمفتاح الشفرة الخاص المستخدم من لدنه لإنشاء التوقيع الإلكتروني.”

كما اتجه المشرع المغربي في المادة التاسعة من القانون نفسه إلى وضع مجموعة من الشروط اللازمة لإضفاء صفة الأمان على آلية إنشاء التوقيع الإلكتروني، حيث نص على وجوب توفر الضمان لهذه الآلية بواسطة وسائل تقنية وإجراءات ملائمة، كما ينبغي حماية المعطيات الخاصة بإنشاء التوقيع الإلكتروني من خلال عدم إمكانية إعدادها أكثر من مرة واحدة، وضمان سريتها التامة، مما يجعل الدخول إليها عن طريق الاستنباط مستحيلا، مما يوفّر للتوقيع الإلكتروني مناعة من كل تزوير[14] محتمل إضافة إلى إمكانية حماية معطيات إنشاء التوقيع الإلكتروني الآمن من لدن الموقّع بشكل كاف يجعل استعمالها من طرف الغير أمرا مستبعدا.

من خلال دراسة هذه الشروط الواردة في القانون المنظم للتبادل الإلكتروني، يتضح لنا مدى حرص المشرع المغربي على تحقيق الأمان التام للتوقيع الإلكتروني، ومن ثم تحقيق الأمن الاقتصادي من خلال حماية المستهلك المنفتح على التجارة الإلكترونية، فالمشرع المغربي سعى إلى وضع وسائل وآليات تحول دون إمكانية اختراق المعطيات الخاصة بإنشاء التوقيع الإلكتروني تحقيقا لأمنه وتفاديا لتزويره.

فإذا كان التحقّق من هوية الموقّع إلكترونيا يمنع كل تلاعب أو تزوير من قبل الأغيار، فإن استحضار إرادة الموقّع وعلمه بمضمون الوثيقة الإلكترونية يعد أحد الشروط المهمة الواجب توفرها في آلية إنشاء التوقيع الإلكتروني الآمن.

فدور آلية إنشاء التوقيع الإلكتروني ينصرف في جزء منه إلى عدم تغيير أو تبديل محتوى الوثيقة الإلكترونية المراد توقيعها، وألاّ تشكل هذه الآلية عائقا يحول دون اطّلاع وإلمام الموقع إلكترونيا قبل التوقيع بمضامين ومحتويات الوثيقة الإلكترونية.

وبذلك تسمح آلية إنشاء التوقيع الإلكتروني بحقّ الموقع في العلم بما تتضمّنه الوثيقة الإلكترونية من خلال قراءتها وتدبّرها قبل ختمها بتوقيعه الإلكتروني، مما يجعل إرادة الموقّع سليمة فيما اتجهت إليه ويتحقق بذلك مبدأ هام يتجلى في تطابق إرادة الموقع مع ما تمّ التوقيع عليه.[15]

فالتوقيع الإلكتروني له قدرة فعّالة على أداء المهام نفسها التي يضطلع بها التوقيع اليدوي، بل ويتفوّق عليه بالتقنيات المستخدمة لإنشائه، مما جعل المشرع المغربي يعمد إلى الأخذ به بوصفه أحد وسائل الإثبات المعتمدة في النظام القانوني المغربي لكونه يتّسم بالأمان، غير أن اختلال هذه الشروط الواجب توفرها يجعل منه توقيعا عاديا، وقرينة بسيطة على المدعي إثبات عكسها.[16]

المطلب الثاني: الهيئات المكلّفة بالمصادقة الإلكترونية.

يعدّ التوقيع الإلكتروني توثيقا للرسالة الإلكترونية الصادرة عن المرسل،[17] ولكي يتحقق ذلك عمد المشرع المغربي إلى تخصيص هيئات بعينها تتولى عملية المصادقة على التوقيع الإلكتروني من خلال منح شهادة المصادقة، والتي أسند أمر تسليمها إلى هيئة وطنية تعنى بتقنين المواصلات (الفقرة الأولى)، ولإضفاء مزيد من المصداقية والحجية على التوقيع الإلكتروني أوكل المشرع المغربي لمقدمي خدمات المصادقة الإلكترونية التأكد من صحة وسلامة المبادلات التجارية تحقيقا لمبدأ الثقة والأمان في التجارة الإلكترونية (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: الهيئة الوطنية للمصادقة الإلكترونية.

نص المشرع المغربي على الهيئة الوطنية للمصادقة الإلكترونية عند إصداره للقانون المتعلّق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية، حيث نصت المادة 15 من هذا القانون على إحداث هذه الهيئة، غير أنه لم يقم بإحداث هيئة جديدة، وإنما منحت المهمة الموكلة لهذه الأخيرة والمتمثلة في اعتماد مراقبة المصادقة الإلكترونية إلى الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات من خلال إدخال تعديلات على القانون المنظم للبريد والمواصلات،[18] حيث تم توسيع الاختصاصات[19] المنوطة بهذه الوكالة الوطنية.

وما تجدر الإشارة إليه هو أن المشرع المغربي لم يعط تعريفا لهذه الهيئة، وإنما حدد الاختصاصات الواجب القيام بها من لدنها، وذلك من خلال اقتراحها لمعايير نظام الاعتماد الخاص بالمصادقة الإلكترونية على الحكومة، مع اتخاذ التدابير الضرورية لتفعيلها،[20] إلى جانب اعتماد مقدمي خدمات المصادقة الإلكترونية ومراقبة نشاطها، وذلك للإشراف على عملهم والتأكّد من مدى التزامهم بقرار الترخيص والامتثال لبنوده.[21]

ما يستشف من خلال هذه الاختصاصات أن المشرع المغربي أراد من هذه الهيئة أن تكون لها مهمة اقتراحية واستشارية في ما أسند إليها من مهام، إضافة إلى نهجه أسلوب التحديد والحصر، مما جعل اختصاصاتها ضيقة جدا، وقد لا تواكب التطورات المتسارعة في ميدان المبادلات الإلكترونية بالرغم من التنصيص على دورها في اعتماد ومراقبة نشاط مقدمي الخدمات.

وإذا نظرنا إلى المقتضيات القانونية الواردة في التشريعات المقارنة، نجدها قد أحدثت هيئات مهمة تعنى بحماية ومنح الثقة للمعاملات الإلكترونية، فقد ذهب المشرع المصري إلى إنشاء هيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات، ومنحها اختصاصات مهمة تهدف في مجملها إلى تطوير تكنولوجيا المعلومات.[22]

رغم كل ذلك تبقى الهيئة الموكلة لها المصادقة الإلكترونية في القانون المغربي ذات أهمية بالغة بالنظر إلى كونها الجهة الوحيدة المخولة لها مراقبة إصدار شواهد المطابقة بمقتضى المادة السادسة من قانون التبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية.

كما ألزم المشرع المغربي أن يوضع التوقيع الإلكتروني الآمن بواسطة آلية لإنشاء التوقيع الإلكتروني تكون صلاحيتها مثبتة بشهادة المطابقة حتى يتحقق لهذا التوقيع الحجية في الإثبات.

وبذلك عمد المشرع المغربي إلى تحقيق حماية فعّالة للتوقيع الإلكتروني من خلال التأكيد على شهادة المطابقة لكي يصير المحرر الإلكتروني المذيل بالتوقيع الإلكتروني مؤمنا، ويحظى بمكانة في وسائل الإثبات المعتمدة بالنظر إلى ما توفره هذه الشهادة من ضمانات تحول دون أي تزوير أو محاكاة، مما يضمن سلامة التبادل الإلكتروني للمعلومات وبالتالي حصول الثقة والأمان بين أطراف العقد الإلكتروني.[23]

ذهب بعض الباحثين إلى القول بأفضلية إنشاء جهاز مستقلّ ومحايد تناط به مهمة تطوير الميدان الإلكتروني،[24] وهو رأي أراه سديدا بالنظر إلى ما يعرفه مجال تكنولوجيا المعلومات من تطور متسارع، يتطلب هيئة مستقلة ذات اختصاصات مهمة في مجال تشجيع المعاملات الإلكترونية والمساهمة في خلق اقتصاد رقمي.

الفقرة الثانية: مقدمو خدمات المصادقة الإلكترونية.

إن صدور الوثائق إلكترونيا والعمل على إخضاعها للتبادل الإلكتروني يجعلها معرّضة لشتى المخاطر أثناء تداولها، مما قد يسبب ضعفا في مصداقيتها ومدى صحتها وحجيتها، ولذلك عمدت كل التشريعات الوطنية إلى إخضاع كل المعاملات التجارية الإلكترونية لمراقبة مقدمي خدمات المصادقة الإلكترونية من أجل إضفاء المصداقية والحجية على التوقيع الإلكتروني من خلال الكشف عن مصدره، وما تحتويه الوثيقة الإلكترونية المضمنة لهذا التوقيع، إلى جانب التحقق من صدورها عن صاحبها بإرادة حرة،[25] وبذلك يعدّ مقدمو خدمات المصادقة الإلكترونية جهة محايدة ومستقلة عن العقد[26] الرابط بين أطراف العلاقة التعاقدية.

لم يعمد المشرع المغربي إلى تعريف مقدمي خدمات المصادقة الإلكترونية، وإنما أشار في المادة 22 من قانون التبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية إلى ضرورة أن تكون على شكل شركة.

أما المشرع التونسي فعرّفها بكونها كل شخص طبيعي أو معنوي يحدث ويسلم ويتصرف في شهادات ذات مصادقة، ويقدّم خدمات أخرى ذات علاقة بالتوقيع الإلكتروني، في حين عرّف التوجه الأوروبي هذه الجهات بكونها كل شخص قانوني سواء أ كان طبيعيا أم اعتباريا يقوم بتقديم شهادات إلكترونية للمتعاملين، أو إسداء خدمات لها علاقة بالإمضاء الإلكتروني.

لذلك فمهمة مقدمي خدمات المصادقة الإلكترونية متنوعة وتتوزع بين إثبات الهوية الكاملة للمتعاقدين في التجارة الإلكترونية وتحديد أهليتهم للتعاقد، وبين التحقق من محتوى الوثيقة الإلكترونية ومدى سلامتها من كل غش أو احتيال،[27] وبذلك فالوسيلة الوحيدة الآمنة والكفيلة بالقيام بكل هذا هي إصدار الشهادة الإلكترونية المسلمة من مقدمي خدمات المصادقة.[28]

ما يعاب على المشرع المغربي في هذا الإطار هو أنه أسند مهمة المصادقة الإلكترونية إلى الشخص المعنوي دون الطبيعي، رغم أن ممارسة هذا النشاط من قبل هذا الأخير لا يترتب عنها أي ضرر لطرفي العقد الإلكتروني، مادام المشرع قد أحاط هذه المصادقة بضمانات مهمة، ومنها إلزام مقدمي خدمات المصادقة الإلكترونية بضرورة أن تتوفر في هذه الخدمة شروط محددة تضمن وبشكل قاطع سرية المعطيات المتعلقة بالتوقيع الإلكتروني.

أعتقد أن ما اتجهت إليه بعض التشريعات الوطنية في مجال إسناد خدمة المصادقة الإلكترونية للشخص الطبيعي إلى جانب الشخص المعنوي، يعدّ أمرا إيجابيا ومحفزا للطاقات والمؤهلات البشرية للانفتاح على هذا النوع من الخدمات، مما يساهم في تنوع العرض المخصص لهذه الخدمة دون الاقتصار على الأشخاص المعنويين بعلّة أن هذه الخدمة تتطلب إمكانيات ضخمة وأجهزة متطورة ومؤهلات تقنية وبشرية معتبرة لا تتحقق إلا للأشخاص الاعتبارية.[29]

إن مباشرة مقدمي خدمات المصادقة الإلكترونية لمهمتهم المحددة قانونا تتم عن طريق الحصول على ترخيص من السلطة الوطنية المكلفة بالمصادقة الإلكترونية، مما يوضح أكثر حرص المشرع على ضمان تحقق الشروط الواجب توافرها في مقدمي هذه الخدمة من أجل ضمان سلامة المعاملات التعاقدية وتحقيق الأمن الاقتصادي في التجارة الإلكترونية.

خاتمة:

شكّل استعمال تكنولوجيا الاتصالات والمعلوميات رافعة للنمو الاقتصادي، وأداة ضرورية ترتبط ارتباطا وثيقا بتنافسية القطاع الخاص خصوصا، كما ساهم في تعدد المواقع الإلكترونية المتاجرة، وعزز ثقة الفاعلين الاقتصاديين والمستهلكين على السواء في نجاعة الاقتصاد الرقمي.

غير أن ذلك يبقى غير كاف، ويحتاج إلى المزيد من العمل من أجل إرساء استراتيجية جديدة لتسريع التحول الرقمي للمغرب، وتعزيز مكانته كمحور رقمي على الصعيد الإقليمي، مع ضرورة تبني مفهوم الحكامة وتأهيل الكفاءات الرقمية.

كما يتعين اتخاذ المزيد من الإجراءات القانونية والتنظيمية، إلى جانب الحملات التحسيسية للمساهمة بشكل فعال في النهوض بالتجارة الإلكترونية، مع مواكبة التطور الرقمي بترسانة قانونية تتخذ شكل مدونة رقمية تضمن حقوق الموردين والمستهلكين.

[1]- خالد سعد زغلول، الحماية القانونية للتجارة الإلكترونية مجلة الحقوق الكويتية، ملحق العدد 3 السنة 29 شتنبر 2005، ص:174.

[2]- محمد محبوبي وهشام لعبودي، التجارة الإلكترونية، البيئة الاقتصادية للمشروعات التجارية، مجلة الإشعاع، العدد 25، سنة 2005، ص: 09.

[3]- محمد الماحي، التجارية الإلكترونية وآليات حمايتها، دبلوم الدراسات العليا المعمقة، وحدة التكوين والبحث في قانون الأعمال والاستثمار، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية جامعة محمد الأول وجدة، السنة الجامعية: 2007/2008، ص: 14.

[4]- ظهير شريف رقم 1.07.129 صادر في 30 نونبر 2007 بتنفيذ القانون رقم 53.05 المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية، جريدة رسمية عدد 5584 بتاريخ 6 دجنبر 2007، ص: 3879.

[5]- لورنس محمد عبيدات، إثبات المحرر الإلكتروني، دار الثقافة للتوزيع والشركات، الطبعة الأولى 2005، ص: 125.

[6]- أسامة روبي عبد العزيز، حجية التوقيع الإلكتروني في الإثبات والادعاء مدنيا بتزويره، مؤتمر المعاملات الإلكترونية (التجارة الإلكترونية – الحكومة الإلكترونية)، أعمال المؤتمر السنوي السابع عشر، 19 – 20/5/2009، جامعة الإمارات العربية المتحدة، مركز الدراسات والبحوث الاستراتيجية أبو ظبي، ص: 509.

بخصوص التعريفات يراجع :

حسن عبد الباسط جميعي، إثبات التصرفات التي يتم إبرامها عن طريق الأنترنيت دار النهضة العربية، القاهرة 2000، ص: 35.
نجوى أبو هيبة: التوقيع الإلكتروني: تعريف – مدى حجيته في الإثبات، مؤتمر الأعمال المصرفية الإلكترونية بين الشريعة والقانون 10-12 ماي 2003، جامعة الإمارات العربية المتحدة، المجلد الأول، منشورات جامعة الإمارات العربية المتحدة، ص: 442.
أحمد شرف الدين، التوقيع الإلكتروني قواعد الإثبات ومقتضيات الأمان في التجارة الإلكترونية، الجديد في أعمال المعارف من الوجهتين القانونية والاقتصادية، أعمال المؤتمر العلمي السنوي لكلية الحقوق بجامعة بيروت العربية، الجزء الأول الجديد في التقنيات المصرفية، منشورات الحلبي الحقوقية، الطبعة الأولى 2002، ص: 324.
محمد المرسي زهرة، الدليل الكتابي وحجية مخرجات الكمبيوتري الإثبات في المواد المدنية والتجارية، مؤتمر القانون والكمبيوتر والأنترنت، 1-3 مايو 2000، كلية الشريعة والقانون، جامعة الإمارات العربية المتحدة، المجلد الثالث، منشورات جامعة الإمارات العربية المتحدة، الطبعة الثالثة 2004، ص: 814.
[7]- الحسين المالكي، التجارة الإلكترونية قراءة قانونية، مجلة المحاكم المغربية، العدد 84، السنة 2001، ص: 77.

[8]- عبد الكريم غالي، قانون المعلومات: الحماية القانونية للإنسان من مخاطر المعلوميات، أطروحة لنيل الدكتوراه في الحقوق، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال، جامعة محمد الخامس الرباط ،السنة الجامعية 2001 – 2002، ص: 66.

[9]- المادة الثانية في فقرتها الثانية من مقتضيات التوجيه الأوروبي.

[10]- المادة السادسة في فقرتها الثالثة من القانون النموذجي بشأن التوقيعات الإلكترونية الذي اعتمدته لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي بتاريخ 5 يونيو 2002.

[11]- محكمة النقض الفرنسية، الغرفة الأولى، قرار رقم 06 – 17534 صادر بتاريخ 13/01/2008، www.legifrance.gouv.fr à la date du 13/03/2016.

[12]- جابر الشحري، آفاق الإثبات والتوثيق في المغرب وسلطة عمان، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص ،كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية جامعة محمد الأول وجدة، السنة الجامعية 2008 – 2009، ص: 271.

– إبراهيم بن شايع الحقيل وسليمان بن محمد بن الشدي، التوقيع الإلكتروني وآثره في إثبات الحقوق والالتزامات بين الشريعة الإسلامية والنظم والقواعد القانونية، ورقة عمل مقدمة إلى ندوة التوقيع الإلكتروني، تطبيقاته فنيا وقضائيا، المقامة بالمعهد العالي للقضاء، الرباط، أيام 29 ماي 1 يونيو 2006 بشراكة مع جامعة الدول العربية، والمنظمة العربية للتنمية ووزارة العدل بالمملكة المغربية، ص: 53.

[13]- حسن عبد الباسط جميعي، إثبات التصرفات القانونية التي يتم إبرامها عن طريق الأنترنيت، دار النهضة العربية، الطبعة الأولى 2000، ص: 46.

[14]- العربي جنان، التبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية، المطبعة الوراقة الوطنية، الطبعة الأولى، 2008، ص: 53.

[15]- سامح عبد الواحد التهامي، التعاقد عبر الإنترنيت، دار الكتب القانونية، الطبعة الأولى 2008، ص: 471.

[16]- محمد مزوزي، الضمانات القانونية في العقود الإلكترونية، رسالة لنيل دبلوم الماستر في قانون العقود والعقار، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية جامعة محمد الأول وجدة، السنة الجامعية 2010-2011، ص: 67.

[17]- عبد الفتاح بيومي حجاري، النظام القانوني للتجارة الإلكترونية في دولة الإمارات العربية المتحدة، دار الفكر الجامعي، طبعة 2003، ص: 215.

[18]- ظهير شريف رقم 162-97-1 صادر في 2 ربيع الآخر 1418 بتنفيذ القانون رقم 96-24 المتعلق بالبريد والمواصلات كما تم تغييره وتتميمه بمقتضى الظهير الشريف رقم 123-01-1 بتاريخ 29 ربيع الأول 1422 (22 يونيو 2001) الصادر بتنفيذ القانون رقم 99-79 وبمقتضى القانون رقم 01-55 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 154-04-1 بتاريخ 21 رمضان 1425 (4 نوفمبر 2004) وكذا القانون رقم 06-29 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 43-07-1 بتاريخ

28 ربيع الأول 1428 (17 أبريل 2007)، جريدة رسمية عدد 5520 بتاريخ 26 أبريل 2007، ص: 1319.

[19]- البندين 12 و13 من المادة 29 من قانون المتعلق بالبريد والمواصلات كما تم تغييره وتتميمه.

[20]- المادة 29 من قانون البري والمواصلات.

المادة 15 من قانون التبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية.

[21]- طارق كميل، حجية شهادات المصادقة الإلكترونية الأجنبية، دراسة مقارنة، (التجارة الإلكترونية – الحكومة الإلكترونية)، أعمال المؤتمر العلمي السنوي السابع عشر، يومي 19-20 ماي 2009، مركز الدراسات والبحوث الاستراتيجية، جامعة الإمارات العربية المتحدة أبو ظبي، ص: 583.

[22]- سليمان مقداد. حجية المحررات الإلكترونية في الإثبات – دراسة مقارنة – رسالة لنيل دبلوم الماستر في قانون العقود والعقار، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية جامعة محمد الأول وجدة، السنة الجامعية 2008-2009، ص: 69.

[23]- عبد القادر العرعاري الوجيز في النظرية العامة للعقود المسماة الكتاب الأول عقد البيع، مطبعة الكرامة الرباط- الطبعة الثانية 2009ص: 62.

[24]- الميلود بوطريكي، ملاحظات حول قانون 53.05 المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية، أشغال اليوم الدراسي المنظم من طرف الكلية المتعددة التخصصات بالناظور حول موضوع الثورة المعلوماتية وانعكاساتها على القانون يوم 28/05/2014، ص: 11.

[25]- سليمان المقداد م.س، ص: 70.

[26]- Valérie sedallian : ‘’preuve et signature électronique ‘’,revue du droit des technologies de l’information, mai 2000 N° :38 P : 05 .

– أورده سعيد السيد قنديل، التوقيع الإلكتروني: ماهيته، صوره، حجيته في الإثبات، دار الجامعة الجديدة للنشر، الطبعة الثانية 2006، ص: 75.

[27]- إبراهيم الدسوقي أبو الليل، توثيق المعاملات الإلكترونية ومسؤولية جهة التوثيق تجاه الغير المتضرر، مؤتمر الأعمال المصرفية الإلكترونية بين الشريعة والقانون 10-11 ماي 2003 جامعة الإمارات العربية المتحدة، المجلد الخامس منشورات جامعة الإمارات العربية المتحدة ص: 186.

[28]- أيمن علي حسن الحوتي، التوقيع الإلكتروني بين النظرية والتطبيق، دبلوم الدراسات العليا المعمقة، وحدة التكوين والبحث في قانون الأعمال والاستثمار، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية جامعة محمد الأول وجدة، السنة الجامعية: 2007/2008، ص: 34.

[29]- طارق كميل، مقدمو خدمات المصادقة الإلكترونية: التنظيم القانوني واجباتهم ومسؤولياتهم ، مجلة جامعة الشارقة للعلوم الشرعية والقانونية، المجلد الخامس، العدد 3، أكتوبر 2008 ص: 214.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت