توضيح قانوني لمساطر صعوبة المقاولة في المغرب

يعرف العالم تطورات متعددة على المستوى الاقتصادي كان لها الدور في الانفتاح الذي تعرفه معظم الدول لبناء اقتصاد عالمي جديد. والمغرب عرف أيضا هذه التحولات وسار نحو تحديث نصوصه التشريعية حتى تكون ملائمة لهذه التطورات التي يعرفها العالم في الوقت الحاضر.
ومن هذه التحديثات إصدار مدونة التجارة الصادرة بمقتضى الظهير الشريف رقم 83-96-1 بتاريخ 15 ربيع الأول 1417 الموافق لفاتح غشت لسنة 1996 م.

والملاحظ من خلال الرصد التاريخي أن المغرب انتقل في إطار تحديثه لهذه النصوص القانونية من نظام الإفلاس المعتمد سابقا إلى نظام أكثر فعالية وهو نظام صعوبات المقاولة مع إنشاء مدونة التجارة في إطار القسم الخامس المتعلق بصعوبات المقاولة.

ولم تعرف مدونة التجارة الجديدة مفهوم صعوبات المقاولة التي حلت محل نظام الإفلاس الذي كان معتمدا في السابق. لكن الفقه تدخل وعرفها بأنها تلك الوقائع التي من شأنها أن تخل باستمرارية الاستغلال أو الاستثمار، غير أن هذه الوقائع لا تكون على درجة جسامتها. وهذه الوقائع تستلزم تدخل القضاء عبر تفعيل مسطرة المعالجة من صعوبات المقاولة وتختلف أهداف هذه المساطر من النظام المعتمد سابقا وهو نظام الإفلاس بحيث أن مساطر الوقاية ومساطر المعالجة تهدف بالأساس إلى حماية النظام العام الاقتصادي والاجتماعي من خلال حماية المقاولة وبالتالي حماية دائنيها وعمالها.

لكي تعتبر مقاولة ما في حالة تصفية أو تسوية قضائية وجب إصدار حكم قضائي تتبع فيه المحكمة المختصة محليا ونوعيا في إصداره إجراءات تروم حماية حقوق الدفاع، ويتضمن هذا الحكم مجموعة من البيانات الأساسية ويتم إشهاره وفق المقتضيات القانونية ويترتب عن صدور الحكم مجموعة من الآثار ويحق لكل ذي مصلحة الطعن فيه.

وسيكون هدا العرض عبارة عن مبحثين أساسيين علي الشكل التالي :
المبحث 1: اختصاص ومضمون حكم فتح مسطرة المعالجة
المبحث 2: آثار الحكم القاضي بفتح مسطرة المعالجة والطعن فيه.

المبحث 1: اختصاص ومضمون حكم فتح مسطرة المعالجة

سنتناول في هذا المبحث دراسة الاختصاص النوعي والمحلي في إصدار حكم فتح مسطرة المعالجة (مطلب 1) والإجراءات السابقة لإصدار الحكم (مطلب 2) ثم سندرس مضمون حكم فتح مسطرة المعالجة (مطلب 3).

المطلب 1: المحكمة المختصة في إصدار حكم فتح مسطرة المعالجة

لكي يتم تحديد المحكمة المختصة في إصدار حكم فتح المسطرة يتعين التمييز بين كل من الاختصاص المحلي والاختصاص النوعي.

الفقرة الأولى: الاختصاص النوعي

تنص مدونة التجارة على أنه ” تطبق مساطر معالجة صعوبات المقاولة على كل تاجر وكل حرفي وكل شركة تجارية ليس بمقدورهم سداد الديون المستحقة عليها عند الحلول بما في ذلك الديون الناجمة عن الالتزامات المبرمة في إطار الاتفاق الودي المنصوص عليه في المادة 556 أعلاه”1.
ومما يستفاد من المادة 560 أعلاه أن غير التجار لا يخضعون لهذه المساطر في المغرب مهما وصلت حدة الصعوبات التي قد يتعرضون إليها. كما أن الدعوى الداعية إلى فتح مسطرة التسوية القضائية ترفع أمام المحكمة التجارية. وليس أمام المحكمة المدنية لأن المدعى عليه يكون دائما تاجرا وأن الديون الرئيسية المترتبة على هذا الأخير تكون في أغلبيتها تجارية2.

واعتبارا لذلك فإن المحاكم الابتدائية لا تكون مختصة بالبث في طلبات فتح مسطرة التسوية أو التصفية القضائية حتى ولو كان مقدم الطلب دائنا غير تاجر بمعنى آخر حتى لو كان العمل المستند إليه الطلب عملا مختلطا مدنيا بالنسبة للدائن وتجاريا بالنسبة للمدين3.
وينص قانون المحاكم التجارية على أنه “استنادا من أحكام الفصل 28 من قانون المسطرة المدنية ترفع الدعاوي فيما يتعلق بصعوبات المقاولة إلى المحكمة التجاري التابعة لها مؤسسة التاجر أو المقر الاجتماعي”4 مما يدل صراحة أن المشرع أسند الاختصاص للمحاكم التجارية وحدها للبث في هذه القضايا.

وتعتبر المحكمة التجارية المفتوحــة أمامهـا مسطرة معالجة صعوبات المقـاولة أو مسطرة التصفية القضائية مختصة بالنظر في جميع الدعاوى المرتبطة بالمسطرة وذلك بصرف النظر عن موضوع الدعوى أو صفة الأطراف استنادا لمدونة التجارة التي نصت على أنه “…تكون المحكمة المفتوحة مسطرة المعالجة أمامها. مختصة للنظر في جميع الدعاوى المتصلة بها، تدخل في إطار اختصاص المحكمة بصفة خاصة، الدعوى المتعلقة بتسيير المسطرة أو التي يقتضي حلها تطبيق مقتضيات هذا القسم”5
ويتعلق هذا القسم بالقسم الثاني من الكتاب الخامس من مدونة التجارة المتعلقة بافتتاح مساطر معالجة صعوبات المقاولة.
فالاختصاص النوعي للمحاكم التجارية يعتبر اختصاصا مطلقا، أي أنه ولو تعلق الأمر بأعمال مختلطة يبقى الاختصاص قائما لهذه المحاكم بالنظر إلى الطابع التجاري لهذا النوع من القضايا، علما أن الاختصاص المنوط للمحاكم التجارية قد يمتد إلى مجالات مدنية كالتعامل بالشيك مثلا:
ولا يخرج من اختصاص المحاكم التجارية سوى جريمة التفالس والجرائم الواردة في المادة 724 من مدونة التجارة6.

الفقرة الثانية: الاختصاص المحلي

يتجسد الاختصاص المحلي للنظر في قضايا صعوبات المقاولة في نصين أساسيين أشار إليهما المشرع المغربي وأولهما يتجسد في القانون المحدث للمحاكم التجارية الذي ينص على أنه:” استثناء من أحكام الفصل 28 من ق.م.م ترفع الدعاوى فيما يتعلق بصعوبات المقاولة إلى المحكمة التجارية التابعة لها مؤسسة التاجر الرئيسية أو المقر الاجتماعي للشركة”7 ويتمثل النص الثاني في مدونة التجارة التي نصت على أنه “يكون الاختصاص للمحكمة الموجودة في مكان مؤسسة التاجر الرئيسية أو المقر الاجتماعي للشركة”8.
وعليه فلا يجوز المطالبة بفتح مسطرة التسوية القضائية. إلا أمام المحكمة التجارية التي يوجد في دائرتها المقر الاجتماعي للشركة أو المؤسسة الرئيسية للتاجر. أي المحل الذي يمارس فيه التاجر أو الشركة نشاطها التجاري بصفة أساسية، ويتم تحديد هذا المقر بناء على ما هو مدون في السجل التجاري من معلومات بهذا الخصوص، وهذا راجع لطبيعة هذه المسطرة التي تستلزم وجود المحكمة في موقع يسمح لها مباشرة بتشخيص الوضعية المالية والاقتصادية الحقيقية للمقاولة9.
إذا كان الاختصاص النوعي في قضايا صعوبات المقاولة من متعلقات النظام العام فإن مسألة تعلق الاختصاص المحلي بالنظام العام كان مثار خلاف على ضوء المادة 12 من القانون المحدث للمحاكم التجارية التي تجيز للأطراف الاتفاق كتابة على اختيار المحكمة التجارية المختصة، فهل يطبق هذا الاختصاص أو هذا المقتضى التشريعي على قضايا صعوبات المقاولة بمعنى هل يجوز مثلا للدائن والمدين الاتفاق كتابة على اختيار محكمة تجارية أخرى غير المحكمة التي تتواجد بدائرة نفودها مؤسسة التاجر الرئيسية أو المقر الإجتماعي للشركة10.
بالنسبة للفقه فإن الاختصاص المحلي شأنه شأن الاختصاص النوعي من متعلقات النظام العام. ولا يجوز بالتالي للأطراف الاتفاق على اختيار محكمة غير تلك المنصوص عليها في المادة 11 من قانون إحداث المحاكم التجارية أو المادة 566 من مدونة التجارة11.

المطلب 2: الإجراءات السابقة لإصدار حكم فتح مسطرة المعالجة

تنص المادة التجارية على ما يلي: ثبت المحكمة بشأن فتح المسطرة بعد استماعها لرئيس المقاولة أو استدعائه للمثول أمام غرفة المشورة. يمكنها أيضا الاستماع لكل شخص يتبين لها أن أقواله مفيدة دون أن يتمسك بالسر المهني، كما يمكنها أن تطلب من كل شخص من ذوي الخبرة إبداء رأيه في الأمر، تبث بعد خمسة عشر يوما على الأكثر من رفع الدعوى إليها…”12.
وتلتزم المحكمة بهذه الإجراءات أيا كانت الجهة التي قدمت طلب فتح المسطرة سواء كان الدائن أو النيابة العامة أو المدين نفسه أو حتى المحكمة من تلقاء نفسها.

ويتضح من خلال المادة السابقة من مدونة التجارة أن الاستماع لرئيس المقاولة المطلوب فتح المسطرة في مواجهته يعد إجراء ضروريا يتعين على المحكمة القيام به وإلا كان حكمها معرضا للإلغاء من طرف محكمة الاستئناف التجارية13.
غير أنه في بعض الحالات يتعذر الاستماع لرئيس المقاولة نتيجة تعمده عدم الحضور لذلك فإن المشرع اكتفى بتوصله بالاستدعاء بل أن هناك من يرى أن توصل رئيس المقاولة شخصيا أو بواسطة أي شخص له الصفة في تسلم الاستدعاء. وعدم استجابته للحضور أمام غرفة المشورة يعتبر قرينة على توقف مقاولته مما يوجب فتح المسطرة في مواجهتها14.
واستنادا للمدونة فإنها تعطى للمحكمة الحق بالاستماع لكل شخص يتبين لها أن أقواله مفيدة دون إمكانية التمسك بالسر المهني كالعمـال أو الأبناك أو مراقب الحسابـات أو الخبراء المحاسبين أو المتعاملين مع المقاولة أو أي شخص آخر له علاقة بالمقاولة15. ويمكنها أيضا أن تطلب من ذوي الخبرات إعداد تقرير فني عن المقاولة أو تقديم استشارة تقنية حول وضعية المقاولة المالية.

وحفاظا على مبدأ السرعة التي تتصف بها الحياة التجارية فإن المحكمة تبث في النازلة داخل خمسة عشر يوما تبتدئ من تاريخ تقديم الطلب إليها. ولعل ما يبرر هذه المدة هو ضرورة التدخل لإنقاذ المقاولة بصفة مستعجلة واحتواء الخطر الذي يهددها وكذلك حماية الدائنين واليد العاملة وعدم البث داخل هذا الأجل لا يؤدى إلى بطلان الحكم16.

المطلب 3 : مضمون حكم فتح مسطرة المعالجة

من خلال هذا المطلب سوف نحاول دراسة مضمون الحكم الصادر لافتتاح مسطرة المعالجة عبر خمسة فقرات رئيسية حيث سنتطرق لتعيين تاريخ التوقف عن الدفع (فقرة أولى) وتعيين القاضي المنتدب (فقرة ثانية) تم تعيين السنديك (فقرة ثالثة) وتحديد نوع المسطرة فقرة رابعة قبل أن نختم هذا المطلب بفقرة أخيرة نتناول فيها موضوع إشهار حكم فتح مسطرة المعالجة.

الفقرة الأولى: تعيين تاريخ التوقف عن الدفع

تنص مدونة التجارة على أنه ” يعين حكم فتح المسطرة تاريخ التوقف عن الدفع الذي يجب ألا يتجاوز في جميع الأحوال ثمانية عشر شهرا قبل فتح المسطرة”.
وتبرز أهمية تاريخ التوقف عن الدفع خصوصا من حيث تحديد فترة الريبة التي تفتح إمكانية إبطال بعض التصرفات وتجعل البعض الآخر باطلا بمجرد وقوعها خلال هذه الفترة، غير أنه في حالة عدم تحديد هذا التاريخ في حكم فتح المسطرة لا يجعل هذا الأخير باطلا. بل أن المشرع نص في الفقرة الثانية من المادة 680 على أنه إذا لم يعين هذا التاريخ تعتبر بداية التوقف عن الدفع من تاريخ الحكم نفسه17 وتتمثل فترة الريبة أنها تفصل بين تاريخ التوقف عن الدفع وتاريخ صدور الحكم بفتح مسطرة المعالجة والتي لا يجب في جميع الأحوال أن لا يتجاوز 18 شهرا.

الفقرة الثانية: تعيين القاضي المنتدب.

حسب المادتين 568 و 637 من م.ت يجب على المحكمة تعيين القاضي المنتدب والذي قد يكون من بين أعضاء هيئة الحكم التي تبث في طلب فتح مسطرة المعالجة، وقد يكون قاضيا آخر شريطة أن لا يكون من أقارب رئيس المقاولة أو مسيريها إلى الدرجة الرابعة وذلك احتراما للنزاهة والحياد والاستقلالية التي يجب أن يتصف بها القاضي المنتدب أثناء تأديته لمهامه18.
وتكون مهمة القاضي المنتدب السهر على السير السريع لمسطرة المعالجة تسوية كانت أو تصفية قضائية، والسهر على المصالح المتواجدة سواء مصلحة المقاولة أو مصلحة الدائنين مهمة تجعله دائم الحضور بحكم مراقبته الدائمة لأجهزة المسطرة كالسنديك والمراقبين الذين يتعين عليهم إخبار القاضي المنتدب بسير المسطرة والذي بإمكانه اقتراح استبدالهم من طرف المحكمة، ومهمة القاضي المنتدب المسندة إليه بموجب المادة 638 من مدونة التجارة. تجعل منه محكمة قائمة بذاتها حيث يبث في جميع الطلبات المتعلقة بالمقاولة المفتوحة في مواجهتها المسطرة التي عين فيها قاضيا منتدبا باستثناء تلك المسندة بصفة صريحة إلى جهات قضائية أخرى كمحكمة المسطرة أو السيد رئيس المحكمة التجارية، بل أن القضاء استقر على إسناد الاختصاص للقاضي المنتدب في القضايا الإستعجالية المعترف بها أصلا للسيد رئيس المحكمة التجارية19 وفي غيرها من القضايا20.
وتودع سائر الأوامر الصادرة من القاضي المنتدب لدى كتابة الضبط فورا وتبقى في جميع الحالات خاضعة لطرق الطعن.

الفقرة الثالثة: تعيين السنديك

يلزم على المحكمة أن تعين السنديك الذي يجوز اختياره من كتاب الضبط أو من الغير عند الاقتضاء طبقا للفقرتين الثانية والثالثة من المادة 568 والمادة 637، ويمنع لذلك إسناد مهمة السنديك إلى أقارب رئيس المقاولة أو مسيريها أن اتخذت المقاولة شكل شركة- حتى الدرجة الرابعة بإدخال الغاية (المادة 637).
ويكلف السنديك بتسيير عمليات التسوية والتصفية القضائية ابتداء من تاريخ صدور حكم فتح المسطرة حتى قفلها، ويسهر على تنفيذ مخطط الاستمرارية أو التفويت، ويقوم بتحقيق الديون تحت مراقبة القاضي المنتدب. ويتعين عليه في مزاولة هذه المأمورية أن يحترم الالتزامات القانونية والتعاقدية المفروضة على رئيس المقاولة ويملك وحده إلى جانب ذلك الصفة للتصرف باسم الدائنين ولفائدتهم مع مراعاة الحقوق المعترف بها للمراقبين21.
وتبدو مهمة السنديك متناقضة في البداية إذ أنه هو وحده الذي يملك الصفة للتصرف باسم الدائنين ولفائدتهم، وفي نفس الوقت قد يكون هو الذي يملك الصفة ذاتها للتصرف باسم المدين خصوصا في مسطرة التصفية القضائية التي تؤدى إلى تخلي المدين بقوة القانون عن تسيير أمواله والتصرف فيها وحلول السنديك محله بممارسة حقوقه وإقامة دعاوى بشأن ذمته المالية طيلة فترة التصفية القضائية بل يمكن تكليف السنديك بالتسيير الكلي أو الجزئي للمقاولة حتى في مرحلة التسوية القضائية22.
ومهمة السنديك لا تكون مجانية بل إنها تكون مقابل أتعاب خصوصا إذا تم تعيينه من الأغيار.

الفقرة الرابعة: تحديد نوع المسطرة

تنص مدونة التجارة على أنه ” يقضى بالتسوية القضائية إذا تبين أن وضعية المقاولة ليست مختلة بشكل لا رجعة فيه، وإلا فيقضى بالتصفية القضائية”23 وتضيف نفس المدونة على أنه “تفتح مسطرة التصفية القضائية إذا تبين أن وضعية المقاولة مختلة بشكل لا رجعة فيه”24.
وبالتالي فالمحكمة هي التي تقرر بمقتضى حكم قضائي استمرارية المقاولة أو تفويتها أو تصفيتها القضائية دون أن يقيدها في ذلك تقرير السنديك الذي تتخذه كإطار لاختيار الحل المناسب للمقاولة. ويختلف هذا الحكم اختلافا جوهريا عن الحكم القاضي بافتتاح المسطرة ذلك أنه يصدر قرارات حاسمة تتعلق بمصير المقاولة والدائنين والمأجورين كما تتجلى أهمية في الدور الكبير الذي تلعبه المحكمة خلال هذه الفترة والذي يجسده رغبة المشرع في وضع مصير المقاولات بين يدي القضاء الذي يسعى جاهدا لاتخاذ القرارات الصحيحة والمناسبة25.

وبالنسبة للفقه في فرنسا فإنه يذهب إلى أن المحكمة لا يمكنها أن تقضي وتحكم بمسطرة أشد من تلك المطلوبة، فإذا طلب المدين أو الدائن أو النيابة العامة فتح مسطرة التسوية القضائية أو مسطرة الحفاظ على المقاولة فلا يحق للمحكمة أن تحكم بمسطرة التصفية القضائية اللهم إذا كانت هي التي وضعت يدها على المسطرة تلقائيا26.
ويجب الإشارة إلى أن المحكمة لا تتقيد بطلبات الأطراف عند اختيارها لنوع المسطرة الملائمة لوضعية المقاولة وذلك لتعلق قانون صعوبات المقاولة بالنظام العام بشكل يحق معه مخالفة الفصل الثالث من قانون المسطرة المدنية.

الفقرة الخامسة: إشهار حكم فتح مسطرة المعالجة

يسرى أثر حكم فتح المسطرة من تاريخ صدوره، ويعتبر إشهاره ضروريا لترتيب حقوق الأغيار.

تنص مدونة التجارة على أنه “يتم نشر إشعار الحكم في صحيفة مخول لها نشر الإعلانات القانونية وفي الجريدة الرسمية. داخل أجل ثمانية أيام من صدوره ويدعو الدائنين إلى التصريح بديونهم للسنديك المعين، ويعلق كاتب الضبط هذا الإشعار على اللوحة المعدة لهذا الغرض بالمحكمة”27.
وحسب المادة أعلاه فإن حكم فتح مسطرة المعالجة ينبغي إشهاره بطريقة تمكن ذوي المصلحة من أن يكونوا على علم بها. سواء تعلق الأمر بالدائنين أو المقاولة أو الأغيار28.
ويتحتم على كاتب الضبط لدى المحكمة التجارية أن يقوم بإنجاز إجراءات الشهر داخل أجل قصير نسبيا، تفاديا للإطالة والتهاون، وتسريعا للمسطرة وحدد هذا الأجل في ثمانية أيام من تاريخ صدور الحكم، ما عدا التأشير على الحكم في السجل التجاري الذي ينبغي ان يكون فورا (المادة 569 من المدونة).
ويتحتم على كاتب الضبط القيام بالعديد من الإجراءات وهي التالية:

التأشير أو الإشارة إلى الحكم في السجل التجاري فورا ودون أجل.
نشر إشعار بالحكم في صحيفة مخول لها نشر الإعلانات القانونية وكذا في الجريدة الرسمية.
يعلق كاتب الضبط هذا الإشعار على اللوحة المعدة لهذا الغرض بالمحكمة وتتولى كذلك مهمة تبليغ الحكم إلى المقاولة داخل أجل 8 أيام ولهذه الإجراءات أهمية قصوى في مجال التصريح بالديون والطعن في الحكم29.

المبحث 2: آثار الحكم القاضي بفتح مسطرة المعالجة والطعن فيه.

يترتب عن الحكم القاضي بفتح مسطرة التسوية أو التصفية القضائية مجموعة من الآثار منها ما يتعلق بالمقاولة موضوع الحكم. ومنها ما يتعلق بالدائنين وبالدعاوى وغيرها من الإجراءات، غير أن الحكم وإن كان يعرف طريقة إلى التطبيق بمجرد صدوره فإنه يمكن الطعن فيه بطرق الطعن المقررة قانونا من كل ذي مصلحة وصفة وحسب الحالات، لذلك سيكون موضوع هذا المبحث التطرق لآثار الحكم القاضي بفتح مسطرة المعالجة مطلب 1 تم مراحل الطعن في هذا الحكم مطلب 2.

المطلب 1: آثار الحكم القاضي بفتح مسطرة المعالجة والطعن فيه.

يترتب عن صدور حكم فتح مسطرة المعالجة عدة آثار تتصل أولا بالنسبة للحكم ثم بالنسبة للمدين وبالنسبة أيضا للدائن وهذا ما سنحاول دراسته عبر ثلاث فقرات.

الفقرة الأولى: بالنسبة للحكم

تكون الأحكام والأوامر الصادرة في مادة معالجة صعوبات المقاولة والتصفية القضائية بما فيها الحكم القاضي بفتح المسطرة مشمولة بالنفاذ المعجل بقوة القانون عدا تلك المتعلقة بسقوط الأهلية التجارية والتفالس. وتسري آثار الحكم القاضي بفتح المسطرة من تاريخ صدوره بمعنى أن الحكم يسرى ويرتب مفعوله انطلاقا من الساعة الأولى ليوم صدوره ولا يتوقف مفعوله على تبليغه أو إشهاره30.

الفقرة الثانية: بالنسبة للمدين

يترتب عن الحكم الصادر بفتح مسطرة التسوية أو التصفية القضائية تقييد سلطات رئيس المقاولة المدين أو حرمانه منها، ففي مسطرة التسوية القضائية قد يستمر في إدارة مقاولته ولكن بمساعدة السنديك أو تحت إشرافه. ولكن في بعض الحالات قد يستأثر هذا الأخير بتسيير المقاولة وتغل يد رئيس المقاولة.

أما في مسطرة التصفية القضائية فإن المدين تغل يده بقوة القانون. ويتخلى عن تسيير أمواله أو التصرف فيها. وقد يترتب عن الحكم تحميل رئيس المقاولة كلا أو جزءا من النقص الحاصل في باب الخصوم.

الفقرة الثالثة: بالنسبة للدائن

تنص مدونة التجارة على ما يلي: ” يوقف حكم فتح المسطرة ويمنع كل دعوى قضائية يقييمها الدائنون أصحاب ديون نشأت قبل الحكم المذكور ترمي إلى:

الحكم على المدين بأداء مبلغ من المال.
فسخ عقد لعدم أداء مبلغ من المال.
كما يوقف ويمنع كل إجراء للتنفيذ يقيمه هؤلاء سواء على المنقولات أو على العقارات. توقف تبعا لذلك الآجال المحددة تحت طائلة السقوط أو الفسخ”31.
ولا يهم طبيعة الدين المطالب به عاديا كان أو ممتازا أو مضمـونا برهن عقـاري أو حيازي أو غيره. ولا تهم مسطرة التنفيذ التي تباشر بحيث أن جميع هذه الدعاوى والإجراءات تكون ممنوعة وإذا بوشرت فإنها توقف بمجرد صدور حكم فتح المسطرة. ومن الأمثلة ما قضت به محكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء في قرارها الصادر بتاريخ 8/2/2002 بأن القابض كغيره من الدائنين الذين نشأت ديونهم قبل فتح المسطرة تبقى يده مغلولة عن متابعة إجراءات التنفيذ المتعلقة بتحصيل الأموال المحجوزة ولا يمكن تقييد أي رهن أو امتياز بعد الحكم بفتح المسطرة32.
كما تتوقف وتمنع جميع إجراءات الحجز كيفما كانت نوعها طالما أنها تعتبر من إجراءات التنفيذ سواء كان حجزا تحفظيا أو حجز لدى الغير أو حجزا تنفيذيا.

المطلب 2: الطعن في الحكم القاضي بفتح مسطرة المعالجة.

استنادا للمواد 729 و 730 و 731 يتبين على أن الحكم القاضي بافتتاح مسطرة المعالجة يقبل جميع طرق الطعن العادية وغير العادية باستثناء إعادة النظر شأنه بذلك شأن سائر المقررات الصادرة بشأن التسوية والتصفية القضائية. وبالنسبة لطرق الطعن فسنحاول استبيانها انطلاقا من ثلاث فقرات حيث سنخصص الأولى لمرحلة الاستئناف ثم الفقرة الثانية للتعرض وتعرض الغير الخارج عن الخصومة ثم فقرة ثالثة للنقض.

الفقرة الأولى: مرحلة الاستئناف

تنص مدونة التجارة على أنه ” يتم استئناف المقرارات المشار إليها في المادة السابقة (المقررات الصادرة بشأن التسوية والتصفية القضائية وسقوط الأهلية التجارية) بتصريح لدى كتابة ضبط المحكمة داخل عشرة أيام من تاريخ تبليغ المقرر القضائي ما لم يوجد مقتضى مخالف لذلك في القانون يسرى الأجل في مواجهة السنديك من تاريخ النطق بالمقرر”33.
وإذا كان المشرع قد خول لكل من المدين والدائن والنيابة العامة والمحكمة حق تحريك مسطرة المعالجة، فإن ذلك لا يعنى أنهم يملكون في جميع الحالات حق استئناف الحكم القاضي بفتح مسطرة المعالجة في مواجهة مقاولته شريطة أن لا يكون هو من طلب فتح المسطرة كما أن النيابة العامة والدائنين لا يمكنهم استئناف الحكم إلا إذا قضي برفض طلبهم وذلك على خلاف المحكمة التي لا يحق لها إطلاقا مباشرة الاستئناف ضد حكمها34.
وقد حدد المشرع أجل الاستئناف في عشرة أيام يبتدئ من تاريخ التبليغ إلى المدين أو الدائن أو النيابة العامة ومن تاريخ النطق بالحكم بالنسبة للسنديك35.
وبالنسبة لمواد الطعن بالتعرض والاستئناف والنقض لم تعالج إشكاليات العطل لذلك فلا مناص لحلها إلا بالرجوع إلى الفقرة الأخيرة من المادة 512 من قانون المسطرة المدنية التي تنص على أنه “….. إذا كان اليوم الأخير يوم عطلة امتد الأجل إلى أول يوم عمل بعده”36.

الفقرة الثانية: التعرض وتعرض الغير الخارج عن الخصومة

تنص مدونة التجارة على أنه “يتم التعرض وتعرض الغير الخارج عن الخصومة ضد المقررات الصادرة بشأن التسوية أو التصفية القضائية وسقوط الأهلية التجارية بتصريح لدى كاتب الضبط للمحكمة داخل أجل عشرة أيام ابتداء من تاريخ النطق بالمقرر القضائي أو نشره في الجريدة الرسمية إذا كان إجراء هذا النشر”37.
وإذا كان التعرض وفق القواعد العامة من قانون المسطرة المدنية كطريق من طرق الطعن العادية لا يقبل إلا إذا كان الحكم غيابيا، فإن نفس الحكم يصدق على الأحكام والمقررات الصادرة في مادة صعوبات المقاولة. علما بأن الحكم لا يقبل التعرض إلا إذا كان قابلا للاستئناف طبقا للفصل 131 من ق.م.م، ، طالما أن الأحكام الصادرة في قضايا معالجة صعوبات المقاولة تكون دائما قابلة للاستئناف فإن التنصيص على التعرض كطريق من طرق الطعن في هذه الأحكام يبقى غير ذي موضوع38.
وإذا كان التعرض لا يقبل إلا إذا قدم من أحد الأطراف المرتبطة بالدعوى الذي صدر الحكم في مواجهته غيابيا- والذي غالبا ما يكون رئيس المقاولة- فإن تعرض الغير الخارج عن الخصومة لا يمكن قبوله إلا من الغير الذي لم يستدع هو أو من ينوب عنه في الدعوى39.

الفقرة الثالثة: النقض

تنص مدونة التجارة على أنه “يقدم الطعن بالنقض داخل أجل عشرة أيام ابتداءا من تاريخ القرار”40.

إذا كانت طرق الطعن المتمثلة في التعرض وتعرض الغير الخارج عن الخصومة ولاستئناف تقع بمجرد تصريح إلى كتابة ضبط المحكمة فإن النقض يجب أن يكون مقدما بواسطة مقال مكتوب موقع من طرف محام مقبول للترافع أمام المجلس الأعلى41.
ويجب أن يتوافر في المقال تحت طائلة عدم القبول المسائل التالية:

بيان أسماء الأطراف العائلية والشخصية وموطنهم الحقيقي.
ملخص الوقائع والوسائل وكذا المستنتجات.
إرفاق المقال بنسخة من الحكم أو المقرر.
إرفاق المقال بنسخ مساوية لعدد الأطراف.
ويجب أن تكون طلبات نقض الأحكام المعروضة على المجلس الأعلى مبنية على أحد الأسباب التالية.

خرق قاعدة مسطرية أضرت بأحد الأطراف.
عدم الاختصاص.
عدم ارتكاز الحكم على أساس قانوني أو انعدام التعليل42.

وتجب الإشارة إلى أن الأحكام والقرارات الصادرة في جريمة التفالس والجرائم الأخرى المنصوص عليها في قانون صعوبات المقاولة تخضع لأحكام طرق الطعن المنصوص عليها في قانون المسطرة الجنائية وفق ما نصت عليه المادة 732 من م.ت43.

المراجع المعتمدة:

محمد كرام الوجيز في مساطر صعوبات المقاولة فى التشريع المغربي .
الجزء الأول الطبعة الأولى 2010 . المطبعة والوارقة الوطنية الحي المحمدي-مراكش.

عبد الواحد الصفورى “التوقف عن الدفع بين الفقه والقانون والقضاء”. الطبعة الأولى. مطبعة ابن سينا، الدار البيضاء 2008.
أحمد شكري السباعي. الوسيط في مساطر الوقاية من الصعوبات التي تعترض المقاولة ومساطر معالجتها، الجزء الثاني، الطبعة الأولى، مطبعة المعارف الجديدة- الرباط، المغرب 2000 م.
أحمد لفروجي “التوقف عن الدفع في قانون صعوبات المقاولة” مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء طبعة 2005 الإيداع القانوني 1215/2005.